688

ومن ذلك أيضًا أن شخصًا لا أعرفه أعارني عربةً ذات حصانٍ كي أستعملها في التنزُّه، فكنتُ أتنزَّه عليها ساعةً أو ساعتين في معظم أيام الصيف استرواحًا من مرضي، والتزمتُ أن أعطي صاحبَ العربة كتبًا بقيمةِ خمسين ليرةً لئلا أُخِلَّ بقاعدتي أو أدخل تحت مِنَّة أحد، فهل في هذا العمل أيُّ احتمالٍ للضرر يا تُرى؟!

غير أن الوالي ورجال القضاء والشرطة والأمن سألونا خمسين مرةً: لمن ذلك الحصان؟ وكأن الأمر حادثةٌ سياسيةٌ عظيمةٌ، أو واقعةٌ تَمَسُّ بالأمن والاستقرار!! حتى لقد تطوَّع رجلان لقطع دابر هذه الأسئلة السخيفة، فقال أحدهما: الحصان لي؛ وقال الآخر: العربةُ لي؛ فتمَّ توقيفُهما معي!!

وبالقياس على هذين المثالَين شاهدنا الكثير من الألاعيب الصبيانية، فبكَينا ضاحكين، وفهمنا أن الذين يتعرضون لرسائل النور وتلاميذها يُصبحون أضحوكة.

وقد جرى حوارٌ لطيفٌ في أحد هذه المواقف، وذلك أني قابلتُ المدعي العام قبل أن أطَّلِع على المحضر الذي سجلوا فيه أن سبب توقيفي هو الإخلال بالأمن، فقلتُ له: لقد اغتبتُك في الليلة الماضية، إذْ قلتُ للشرطي الذي كان يستجوبني نيابةً عن مدير الأمن: «ليُهلِكْني الله -قلتُها ثلاثًا- إن لم أكن خدمتُ الأمن العام في هذه البلاد أكثر من ألفِ مُدَّعٍ عامٍّ وألفِ مديرِ أمن».

ثم إنني بينما كنت في هذه الآونة محتاجًا أشدَّ الحاجة إلى الراحة واجتناب البرد، وإلى عدم الانشغال بالدنيا، إذْ خيَّمَ عليَّ الشعور بالغضب والانزعاج من الذين قاموا بتهجيري وتوقيفي وإيذائي ووضعي في سجنٍ انفراديٍّ، وهي إجراءاتٌ تفوق تحمُّلي، وتُشعِر بأنها متعمَّدةٌ، وتَنُمُّ عن حقدٍ دفين؛ فسارعتِ العنايةُ لنجدتي، وأُخطِرَ قلبي معنًى ما يلي: