689

إن في عينِ الظلم الذي أنزله بك هؤلاء نصيبًا عظيمًا للقدر الإلهي الذي هو عين العدل، وإن لك في هذا السجن رزقًا ستأكله، وقد دعاك إلى هنا، فيَلزَم أن يُقابَل هذا النصيب بالرضا والتسليم.

وإن للحكمة والرحمة الربانيَّتَين نصيبَهمَا العظيمَ أيضًا، ألا وهو تنويرُ مَن في هذا السجن، ومنحُهم السُّلوان، وإكسابك الأجر، فيَلزَم أن يُقابَل هذا النصيب بما لا يُحصى من الشكر في طَيِّ الصبر.

ثم إن لنفسك بعيوبها الخفيَّة نصيبَها أيضًا، وعليك أن تقابل هذا النصيب بالاستغفار والتوبة، قائلًا لنفسك: لقد استحقَّيتِ هذه الصفعة.

ثم إن ثمةَ نصيبًا كذلك للأعداء العاملين في الخفاء، الذين استَغفَلوا بمكائدهم بعضَ الموظفين البسطاءِ شديدي التوجُّس ودفعوهم لارتكاب المظالم، وقد انتقمتْ لك رسائل النور من هؤلاء المنافقين بما أنزلتْ بهم من صفعاتٍ معنويةٍ مدوِّيةٍ، فحَسْبُهم ذلك.

أما النصيب الأخير فهو نصيبُ المسؤولين الرسميين الذين هم السبب الفعليُّ لهذا السجن، وبما أن هؤلاء قد استفادوا -بشكلٍ أو بآخر بلا شكّ- من رسائل النور إيمانيًّا حين طالعوها بنيَّةِ الانتقاد، فإن من الشهامة العفو عنهم أخذًا بدستور:

﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران:134]

وبناءً على هذا الإخطارِ الحقيقيِّ قررتُ البقاء في هذه المدرسة اليوسفية الجديدة بكلِّ فرحٍ وشكر، بل قررتُ أن أرتكب مخالفةً تستوجب العقوبةَ ولا تَضرُّ أحدًا، كي أبقى وأساعد حتى مَن هم ضدِّي.

ثم إن رجلًا مثلي قد بلغ الخامسة والسبعين، وليس له ارتباطٌ بأحد، ولم يبق له من سبعين من أحبَّائه في الدنيا سوى خمسة، وقد خلَّفَ سبعين ألف نسخةٍ من رسائل النور تؤدي وظيفتَه النُّورية وتُتداوَل بحريَّة، وله إخوةٌ ووُرَّاثٌ يقومون بالخدمة الإيمانية