692

وسجن «دَنِزْلي» مثالٌ على هذا، فبدخول الأنوار إليه، وتداوُلِ «رسالة الثمرة» التي أُلِّفت لمساجينه، صَلَحتْ حال ما يزيد على مئتي سجينٍ خلال بضعة أشهر، وأصبحوا من أهل الطاعة والتقوى على نحوٍ عجيب، حتى صار الرجل الذي قتل ثلاث أو أربع أنفسٍ يتحرَّج من قتل بعوضة، وانقلب إلى شخصٍ رحيمٍ نافعٍ للوطن لا يتأتى منه ضرر، حتى لقد كان المسؤولون الرسميون ينظرون إلى هذا الأمر بتقديرٍ وإعجاب.

بل إن فريقًا من الشباب الموقوفين صَرَّحوا قبل صدور قرارِ إدانتهم قائلين: إنْ بقي النُّوريون في السجن، فسندبِّر لأنفسنا تُهمةً نُدانُ بها، وسنسعى لأن نُسجَن معهم كي نتلقى الدروس منهم.. سنصبح مثلهم وسنُصلِح أنفسَنا بإرشاداتهم!!

فما دامت هذه هي حال طلاب النور، فلا ريب أن الذين يتهمونهم بالإخلال بالأمن هم إما واهمون وهمًا مُزريًا، وإما مخدوعون، وإما أنهم يُضلِّلون الحكومة، ويسعون للقضاء علينا عبر إيذائنا، وهم بذلك يؤدون خدمةً لصالح الفوضوية من حيث يعلمون أو يجهلون؛ ونقول ردًّا على هؤلاء: ما دام الموت لا يُقتَل، وما دام القبر لا يُغلَق، وما دام المسافرون في نُزُلِ الدنيا يمضون قوافلَ تحت الثرى مسرعين قلقين، ويتوارَون في جوفه، فعمَّا قريبٍ سيفارق كلُّ واحدٍ منا الآخر ولا بدَّ، وستَلقون جزاءَ ظلمكم المروِّع، بل إنكم على أقل تقديرٍ ستصعدون إلى مِنَصَّة الإعدام الأبدي للموت، الذي هو لدى أهل الإيمان المظلومين مذكِّرةُ تسريحٍ وإعفاء، أما اللذائذ الفانية التي استمتعتم بها في الدنيا متوهمين أنكم مُخلَّدون فيها فستتحول إلى آلامٍ مريرةٍ باقية.

وإنه من المؤسِف حقًّا أن أعداءنا المنافقين العاملين في الخفاء يعمِدون إلى الإسلام -وهو الحقيقةُ التي حَظِيَتْ بها هذه الأمة المتديِّنة، وحافظتْ عليها بدماءِ وسيوفِ مئات الملايين من مجاهديها الأبطال وشهدائها الذين نالوا مقام الولاية- فيُطلقون عليه اسم «الطريقة»، ويُصوِّرونها على أنها هي الإسلام نفسُه، مع أنها ليست إلا شعاعًا من شمسه،