693

ويُضلِّلون بهذا بعضَ مسؤولي الحكومة ذوي التفكير السطحي، ويصفون طلاب النور العاملين لأجل الحقيقة القرآنية والحقائق الإيمانية بأنهم أتباع طريقةٍ وأصحاب تنظيمٍ سياسيٍّ، ومرادُهم من هذا التحريضُ علينا، ونحن نخاطب أولئك الأعداء المنافقين ومن يأتمر بأمرهم ضدَّنا، فنقول لهم ما قلناه في محكمة دَنِزْلي العادلة: فلتكنْ رؤوسُنا فداءً للحقيقة القرآنية القدسية التي فدَتْها من قبلُ رؤوسُ مئاتِ الملايين.. ألا لو أشعلتم الدنيا فوق رؤوسنا نارًا ما رضخنا للزندقة، ولا تخلَّينا عن وظيفتنا القدسية بإذن الله.

بلى.. لقد سارعت سُلواناتُ الإيمانِ والقرآنِ القدسيةُ لنجدتي عندما خيَّم عليَّ اليأس والأعباءُ الناجمةُ عن أحوال شيخوختي.. ولهذا فإني لا أستبدل بسنةٍ واحدةٍ من أشدِّ سنوات شيخوختي عشرًا من أزهى سِنِيِّ شبابي؛ لا سيما وأن كلَّ يومٍ من أيام العمر الفاني ينقضي تحت وطأة المرض والظلم، يُنيلُ من حيث الثواب عشرةَ أيامٍ من عمرٍ باقٍ، وأن كلَّ ساعةٍ من ساعات التائب الذي يصلي المكتوبات في السجن تغدو في حكم عشر ساعاتٍ من العبادة؛ فما أعظمها من نعمةٍ تستوجب الشكر من رجلٍ مثلي ينتظر أجلَه عند باب القبر!!

هذا ما عَلمتُه من ذلك الإخطار المعنوي؛ فحمِدتُ الله كثيرًا، وفرحت بشيخوختي، ورضيتُ بسجني؛ لأن العمر يمضي مسرعًا لا يتوقف، فإذا انقضى باللذائذ والمسرات -وزوالُ اللذة ألمٌ- خَلَّفَ محلَّها آثامًا بسبب الغفلة والتأسُّف وعدم الشكر، ومضى فانيًا؛ أما إن انقضى في السجن والآلام -وزوالُ الألم لذةٌ معنويةٌ- وكان مع هذا بحكمِ نوعٍ من العبادة، ظلَّ باقيًا بجهةٍ ما، وأنال عُمُرًا باقيًا بثمراتٍ طيبة، وكان كفارةً وطَهورًا لما سلف من الآثام والمخالفات التي أدت إلى السجن؛ فمن هذه الزاوية ينبغي على المسجونين الذين يُصلُّون المكتوبات أن يشكروا في طيِّ الصبر.

***

كان أعداء الدين العاملون في الخفاء، الذين مهدوا لمحاكمة بديع الزمان في «أفيون» عبر مجموعةٍ من الإجراءات والافتراءات، قد دبروا الخُطة لإعدامه؛ وهذا الدفاعُ الكبير الذي بين أيدينا والذي نال أهميةً كبيرة، إنما هو حقائق هَدَرَ بها بديع الزمان في وجه هؤلاء الظَّلَمَة ذوي اليد الطولى في التصفية والاستئصال، وجهَرَ بها غيرَ مبالٍ بالموت.

وفي نهاية المطاف نقضت محكمة التمييز قرارَ الإدانة، وبرَّأت بديعَ الزمان للمرة الثانية، وأعادت إليه جميع رسائل النور والمراسلات البالغةِ قريبًا من خمسمئة، من غير قيدٍ ولا شرط.

***