588

أجل، فأنا أقاسي ضغوطًا لا مثيل لها، وأذكر منها مثالَين يَسيرَين:

أحدهما: «رسالة الثمرة» التي اعتبرتْها المحكمة دفاعًا علميًّا عن رسائل النور، وأُرسِلتْ مع مدافعاتي إلى رئيس الجمهورية وسبعةٍ من كبار المسؤولين بأنقرة، وكانت سببًا من أسباب براءتنا بتقدير لجنة الخبراء بأنقرة، وكتَبَ رفاقي في السجن نُسخًا منها بخطوطهم الجميلة لتكون تذكارًا منهم، وهي موجودةٌ بحوزتي، وقد رأتها شرطة «دَنِزْلي» فلم تتعرض لها، وبقيتْ متاحةً للاطلاع ليلةً لدى شرطة «أفيون» وليلةً أخرى لدى الشرطة هنا.. فهذه الرسالة التي وصفتُ، كنتُ أخبئها كلَّ يومٍ هي ولائحةَ الدفاع وأنا في حالةٍ من القلق خشيةَ أن يَدهَمَني مفتشون فيأخذوها مني، وكنتُ فوق ذلك آسى كثيرًا لأنني لا أستطيع أن أطلب من شخصٍ لا أعرفه في هذه الغربة أن يخبئها لي.

ثانيهما: «رسالة الشيوخ»، وهي رسالةٌ لم تتعرض لها محكمة «دَنِزْلي» بشيء، وتعرَّضَتْ لها محكمة «أسكي شَهِر» بسبب كلمةٍ واحدةٍ فيها، فتلقَّت الجواب بحرفٍ واحد.. أقول: أخذ رجلٌ اسطنبوليٌّ نسخةً منها من شخصٍ هنا وذهب بها إلى اسطنبول، فوقعتْ بطريقةٍ ما بيدِ ملحدٍ يحاربنا، فضخَّم المسألةَ وجعل من الحبة قِبابًا، ولبَّسَ على شرطة الولاية قائلًا: بمن يلتقي هذا؟ ومن الذين يأتونه؟ فأخذوا يضيقون علي.

وعلى أية حال، فإن ثمة الكثير جدًّا من أمثال هذه النماذج الأليمة التي ذكرتُها، إلا أن أكثرَها عبثيةً وانعدامَ جدوى هو أنهم خَوَّفوا كلَّ شخصٍ مني ونَفَّروهم عدا اثنين يقومان على خدمتي، أحدهما صبيٌّ والآخر مريض، وغرضهم من ذلك أن يمنعوني من التحدث إلى الناس، وأنا أقول: لئن تجنَّب عشرةُ أشخاصٍ الحديث معي فإن ثمة عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من المسلمين يداومون على دروس رسائل النور غيرَ مبالين بأيِّ حظرٍ أو منع.

ثم إن رسائل النور قد انتشرت برواجٍ عظيمٍ في هذا البلد وخارجَه من أصقاع العالَم الإسلامي لما تضمنتْ من حقائق راسخة وفوائد قيِّمة، فكلُّ نسخةٍ من آلافِ نُسَخِها تقوم مقامي وتتحدث أحسنَ مني، وهي لا تَسكُت بسكوتي ولا يمكن إسكاتها.

ثم ما دام قد ثبت لدى المحكمة أنني قطعت علاقتي بالسياسة منذ عشرين سنة، وأنه لم تَظهَر أيَّةُ أمارةٍ تُثبِت عكسَ ذلك، فلا ريب إذًا أن التوجُّس ممن يتصلون بي أمرٌ لا معنى له.

***