649

ثم إن أعدائي العاملين في الخفاء عمِلوا وما يزالون يعملون على استغلال نقطة ضعفي هذه، مثلما عملوا على استغلال نقاط الخوف والطمع والشهرة والجاه، لكنهم لم يستطيعوا أن يظفروا بطائلٍ على صعيد الخوف الذي هو أقوى نقاطِ الضعف لدى الإنسان، وقد تَبيَّن لهم أن الإعدام لا يساوي عندنا فلسًا واحدًا.

ثم إنهم بحثوا وفتشوا كثيرًا في نقطة الطمع وهمِّ المعيشة -وهي إحدى نقاطِ ضعفِ الإنسان- لكنهم في نهاية المطاف لم يظفروا منها بطائل، ثم تحقق لديهم أن متاع الدنيا الذي يضحون بمقدَّساتهم في سبيله لا أهمية له عندنا، وتبين لهم هذا بوقائع كثيرة؛ حتى إنهم خلال هذه السنوات العشر الفائتة، وجهوا ما يزيد على مئة كتابٍ رسميٍّ إلى المسؤولين المحليين يسألونهم فيها: بِمَ يعيش؟

ثم إنهم عمَدوا إلى واحدةٍ من أقوى نقاط الضعف لدى الإنسان، ألا وهي الجاه والشهرة والمنزلة، فعملوا على استغلالها لديَّ من خلال ما أُمروا بتنفيذه تجاهي على نحوٍ شنيعٍ من قدحٍ وتشويهِ سمعةٍ وتحقيرٍ وإيذاءٍ يستفز المشاعر، لكنهم لم يُفلحوا في ذلك، وتبيَّن لهم قطعيًّا أن ما أُولِعوا به من الجاه والشهرة الدنيويَّين لا نعدُّه نحن إلا رياءً وغرورًا بالغ الضرر، وأن حب الجاه والشهرة الدنيويَّين اللذَين أولَوهما أهميةً فائقةً لا يساوي عندنا فلسًا واحدًا، بل نعدُّهم من هذه الناحية مجانين.

ثم إن ما يُعَدُّ نقطةَ ضعفٍ لدينا باعتبار خدمتنا، مع أنه من حيث الحقيقة مقبولٌ لدى الجميع، ويتوق كلُّ شخصٍ للفوز به -أعني به أن يصير المرء صاحب مقامٍ معنوي، وأن يترقى في مراتب الولاية، وأن يجد هذه النعمة الإلهية في نفسه- هو أمرٌ ينفع الجميع ولا يتأتى منه ضرر، لكن ما دمنا في زمنٍ طغت فيه الأنانية والمصلحة الفردية والخَلاص الفردي، فلا ريب أن الخدمة الإيمانية المبنية على سرِّ الإخلاص وعلى عدم اتخاذها أداةً لشيء، تقتضي عدمَ طلب المقامات المعنوية الشخصية، فاللازم ألَّا تُطلَب، بل لا تُراعى في شيءٍ من تصرفات المرء وسلوكه، لئلا يَفسُد سرُّ الإخلاص الحقيقي.