663

ثم بعد عشر سنين أجرَتْ محكمة «دَنِزْلي» تدقيقًا آخَر صارمًا دام تسعةَ أشهر، وشمل جميع مؤلفات ومراسلات هذا الرجل خلال عشرين سنة، وكانت حجتها في ذلك ذرائع من قبيلِ وجودِ تنظيمٍ سياسيٍّ أو طريقةٍ صوفية، كما أرسلت في أثناء ذلك خمسة صناديق من مؤلفاته إلى محكمة جنايات أنقرة، وبعد مضي سنتين من التدقيق والنظر أصدرت المحكمتان بالاتفاق قرارَ البراءة من تهمة التنظيم والطُّرُقية وغيرهما من التُّهم، وقضتا بردِّ جميع تلك الكتب والرسائل إلى أصحابها، وحكمتا ببراءة سعيدٍ وأصحابه.

فما أشنعه من ظلمٍ بعد كلِّ ما سبق أن يُتَّهَم هؤلاء بأنهم تنظيمٌ، وأن يُتَّهَم هذا الرجل بأنه سياسيٌّ يدبِّر المكائد، وأن يُحرَّض عليه رجالُ القضاء انطلاقًا من هذه التهمة؟! يدري هذا كلُّ من لم تسقط إنسانيتُه.

خامسُها: إن حادثة التعرُّض التعسفيةَ غيرَ القانونية التي جرتْ مؤخرًا هي نوعٌ من الاتهام يناقض الحالَ التي اتخذها هذا الرجل مسلكًا ومشربًا حقيقيًّا، وعدَّها دستورَ حياته طَوالَ ما يقارب ثلاثين سنة، وماهية هذه الحادثة كما يلي:

وبناءً على دستور الشفقة الذي هو أساس مسلك رسائل النور، وتحاشيًا للإضرار ولو ببريءٍ واحد، فلا يمكن أن أتعرَّض للمجرمين الذين يظلمونني، بل لا يمكن أن أدعو عليهم؛ حتى إنني حين أغضب من الظَّلَمة الذين يُلحِقون بي أشدَّ الظلم بحقدهم -أعني الملاحدة وبعضَ الفسقة- تمنعني تلك الشفقة من الردِّ عليهم لا ماديًّا فحسب، بل حتى من مجرَّد الدعاء عليهم؛ ذلك أني لا أريد أن تنزل مصائب ماديةٌ أو معنويةٌ بشيوخٍ وعجائز مساكين كآباء أولئك الظَّلَمة العُتاة وأمهاتهم، ولا بأبرياء كأولادهم، فلأجلِ بضعة أبرياء أمثال هؤلاء لا أتعرَّض لأولئك الظَّلَمة العُتاة، حتى إنني في بعض الأحيان أسامحهم.

ولأجل سرِّ الشفقةِ هذا لم أتعرَّض قطُّ لما يُخلُّ بالأمن والاستقرار، وأوصيتُ جميعَ