639

مدار اثنتي عشرة سنةً خلتْ، ودَققتْ فيها لجان خبرائكم المؤلَّفةُ من الفلاسفة والعلماء، فنالت استحسانهم وتصديقَهم وتقديرَهم، ولم يمكنهم الاعتراض على ما فيها من حُجج الإيمان؛ وهي التي لم يتأتَّ منها إضرارٌ بالوطن وأبنائه، بل هي سدٌّ قرآنيٌّ كسدِّ ذي القرنين يصدُّ هجمات التيارات الرهيبة، وهذا أمرٌ يمكنني أن أُشهِد عليه مئةَ ألف شاهدٍ من أبناء الشعب التركي لا سيما الشباب المثقف.. وما دامت رسائل النور بهذا الوصف الذي وصفتُ، فلا بد أن إحدى أهم الوظائف التي تقع على عاتقكم هي أن تأخذوا رأيي الذي قدمتُه بعين الاعتبار.

إنكم تستمعون في كل حين إلى دبلوماسيين كُثْرٍ يحدِّثونكم عن الدنيا، ويلزمكم أن تستمعوا قليلًا إلى رجلٍ لا حول له ولا قوة، يقف عند باب القبر مثلي، يحدثكم لأجل الآخرة، ويبكي لحال أبناء البلد.

بالرغم من أني لم أراجع الجهات الرسمية طَوالَ عشرين سنة، إلا أن هذه العريضة كُتِبَتْ في حالة غضبٍ ولم يُكتبْ سواها، ووُجِّهتْ إلى وزير الداخلية «حلمي» الذي لم يكن يتوانى عن إيذائي، وأُرسِلتْ إلى قائد شرطة «أفيون» للاطلاع، فضيَّقوا عليَّ المرةَ تلو الأخرى دون سببٍ ولا جدوى، واستدعَوني رسميًّا إلى المخفر قائلين: ليس هذا خطَّك، فمن كتبها لك؟ وقلتُ بدوري: إن أمثال هؤلاء لا يراجَعون.. لقد كنت مُحِقًّا في صمتي عشرين سنة.

فيا مسؤولي «أميرداغ» وشرطتَها.. لقد كتبتُ هذه العريضة قبل سنة، لكنني لم أقدِّمها، بل احتفظتُ بها، وها هم اليوم يحكمونني باستبدادٍ مطلقٍ ليس له مثيلٌ في العالَم، فيتدخلون حتى في مقر إقامتي الخاص، ويمنعونني خادمًا يقوم على شؤوني، في مخالفةٍ صريحةٍ للقانون من خمسة أوجه؛ وإنني أتقدم بهذه العريضة عسى أن يتحلى بالإنصاف أولئك الذين يخالفون القانون باسم القانون.

***