580

كان يصادف في سيره وتجواله أناسًا من شتى الفئات، إضافةً إلى أنه كان يلقى الكثير من المشتغلين بالزراعة والتجارة ويتحدث إليهم سواءٌ في الحقول أو الجبال أو الغابات، فكانت العذوبة التي تطبع كلامه والبلاغة التي تكسو منطقه تفوق الوصف؛ وبغضِّ النظر عن الخدمة القرآنية الكُلِّية الواسعة التي نهضَ بها، فإنه لو لم يكن له من عملٍ وخدمةٍ سوى تعليمه وإرشاده لهؤلاء الناس لكان هذا بحدِّ ذاته خدمةً فريدةً جليلةً بالغةَ الأثر؛ نعم، فالعمل الذي قام به في هذا المجال لا يُستهان به؛ وكما أنه خلال إقامته بـ«بارلا» اعتبر أهلها -رجالًا ونساءً- طلابًا للنور وإخوانًا للآخرة، فكذلك كان الأمر في «أميرداغ» وما حولَها من القرى، إذْ كان له فيها كثيرٌ من الطلاب وإخوانِ الآخرة، وكان له مزيدُ صلةٍ وعنايةٍ بالأطفال على نحوٍ خاص.

وعفَّةُ الأستاذ واستقامته أشهَرُ من أن يُعرَّف بها، فهي من الخصال التي عُرِفت عنه وثبتَتْ بالمشاهدة؛ وتُبيِّن بعضُ رسائله أنه كان يتورَّع عن الحديث مع النساء أو النظر إليهن حتى وهو في عنفوان شبابه، وهذا أمرٌ يؤكده كلُّ مَن لازَمَه أو عرفه عن قرب؛ ولقد رأى فيه الأهالي أنموذجًا في الفضيلة، فعقدوا معه أواصر صلةٍ معنويةٍ أخرويةٍ، وكان يُكثِر من دعائه لتلك السيدات الفاضلات وللفتيات اللواتي يلتزمن بالصلاة، ويَعدُّهن أخوات الآخرة، كما يدعو للأطفال الصغار الذين يعدُّهم طلبةً وأبناءً معنويين.

وكان يقول لهن بإيجازٍ: إن المرأة هي رمز الرأفة والشفقة، وإن اشتغالَ نسائنا بالتربية والتنشئة الإسلامية هو أولى ما يلزمهن في هذا الزمان، وهن مسؤولاتٌ عن حياة أولادهن الأخروية، فإن نَشَّأْنَهم على الدين والفضيلة كنَّ شركاء لهم في أجرِ كلِّ عملٍ صالحٍ يقومون به؛ وكان يطلب منهن الدعاء لشدة مرضه وظروفه الصعبة؛ ومع أنه قلما كان يتحدث إليهن إلا أنهن كن يشعرن بصفاء قلوبهن أنه رجلٌ رفيعُ القدر من أهل الحق والحقيقة.