582

المبدأ من شأنه أن يدفع للعمل والسعي بهمةٍ ونشاط؛ وينبغي لحقيقةٍ كهذه أن تُعلَّم للناس جميعًا، وأن يتخذها الموظفون وأصحاب المِهَن والحِرف دليلًا لهم. [هذه نماذج من الدروس التي علَّمها أستاذنا لزائريه، وهي تؤكد أن قيام الإنسان بالفرائض الدينية يُصيِّر أعمالَه الدنيوية عبادة:

فمن ذلك أننا كنا ذات مرةٍ مع الأستاذ في فندق يِلدز بـ«أسكي شَهِر»، وقد جاء لزيارته بضعةُ أشخاصٍ يعملون في معملٍ للسكَّر ومعهم رئيسهم، فتوجَّه إليهم الأستاذ وقال بعبارةٍ موجزة: إنكم إذا صليتم المكتوبات صار جميع عملكم عبادة، لأنكم تقومون بخدمةٍ مباركةٍ تلبي حاجةً ضروريةً للناس.

ومرةً نزلنا إلى جانب طريق «أغريدير» وجلسنا نقرأ في «رسالة مرشد الشباب»، فجاءنا شخصٌ يعمل في الخطوط الحديدية، فبيَّن له الأستاذ أنه إذا أدى الفرائض واجتنب الكبائر صار عملُه الذي يقوم به عبادة، لأنه يُسدي خدمةً للناس ولعباد الله بهذا القطار الذي يختصر مسيرة عشر ساعاتٍ في ساعة، ولن تضيع هذه الخدمة سدًى، بل ستكون سببًا لسعادته وسروره في الحياة الباقية.

وتحدَّث بالأمر نفسِه لطيارين وضباطٍ وجنودٍ يعملون في سلك الجيش بـ«أسكي شَهِر»، فقال لهم: إن هذه الطائرات ستُسدي يومًا ما خدمةً جليلةً للإسلام، فإذا أديتم صلواتكم المفروضة، وقضيتم الصلوات التي لم تقدروا على أدائها لكونكم جنودًا، صارت كلُّ ساعةٍ من ساعات يومكم في حكمِ عبادةِ عشر ساعات، بل إن ساعةً من ساعات الطيار العسكري تُنيله ثوابَ عبادةِ ثلاثين ساعة، ويكفي لهذا أن يكون في قلبه نور الإيمان، وأن يؤدي الصلاة التي هي من لوازم الإيمان.

وكان يقول للرعاة الذين يلقاهم سواءٌ في «بارلا» أو «إسبارطة» أو «أميرداغ»: إن رعايتكم لهذه الحيوانات عبادةٌ كبيرة، حتى إن الأنبياء عليهم السلام قد اشتغلوا بالرعي؛ ما عليكم إلا أن تؤدوا الصلاة المفروضة كي تكون خدمتكم هذه في سبيل الله.

ومرةً قال لمجموعةٍ من العمال يعملون في إنشاء محطة كهرباءٍ بـ«أغريدير» ومعهم رئيسهم: إن لهذه الكهرباء منافع عظيمةً لعموم الناس، وإذا أردتم أن يكون لكم نصيبٌ من هذه المنفعة العامة فأدُّوا صلاتكم المفروضة، يصبحْ عملُكم هذا عبادةً وتجارةً أخروية.

      ولهذا النوع من إرشاده وتوجيهه أمثلةٌ لا يحصيها العد.

طلابه الملازمون لخدمته

   لا بد من التنويه إلى أن معظم الأمثلة التي أوردها مُعِدُّو السيرة هنا إنما وقعت في السنوات التي تَلَتْ منفى«أميرداغ» الثاني، أي في العام 1952م وما بعدَه، حيث أمكن للأستاذ التحرُّك والتنقل في أنحاء البلاد بشيءٍ من الحرية، بعد وصول الحزب الديمقراطي إلى الحكم مطلع الخمسينات من القرن الماضي؛ هـ ت]

إن هذا الذي سردناه ليس إلا قطرةً من بحر، وليس إلا جزءًا من الخدمة الجليلة التي أسداها الأستاذ، فيالَخسارةِ من يعدُّون الإسلام رجعيةً والمسلمين رجعيين!!

***