670

الرسميين هنا، وكلَّمهم بلهجةٍ آمرةٍ قائلًا: «كان عليكم أن تُخرِجوا سعيدًا على الملأ بواسطةِ اثنين من عناصر الشرطة العسكرية، وأن تُرغموه على ارتداء القبعة الإفرنجية، وأن يؤتى به إلى الاستجواب بهذه الهيئة، وكان عليكم أن تقبضوا على كلِّ مَن يحاول التدخل لصالحه»؛ نعم؛ قال هذا الكلام في اجتماعٍ مهمٍّ حين كانت تُتلى إفادتي التي هي عين الحقيقة.

فلم يبق بعد هذا شكٌّ ولا شبهةٌ في أن ثمة خطةً تهدُف لضرب الأمن والاستقرار من خلال الإساءة إليَّ واستفزازي.

فالشكر لله بلا حدٍّ أنْ أحسن إليَّ بحالةٍ روحيةٍ تجعلني أُضحِّي بمكانتي وجاهي مهما بلغا في سبيل راحةِ أبناء هذا الوطن المستضعفين ودفعِ البلايا عنهم، ولقد قررتُ أن ألتزم التحمُّل إزاء ما يفعله وما ينويه القومُ بحقِّي من إساءةٍ وأذى؛ فأنا على استعدادٍ للتضحية بكلِّ حياتي وجاهي مهما بلغا في سبيل أمنِ هذا الشعب واستقرارِه، وبالأخص في سبيل الراحة الدنيوية والسعادة الأخروية لأطفاله الأبرياء، وشيوخه الموقَّرين، ومرضاه وفقرائه المساكين.

وإحدى الأمارات على ما قام به القوم من تهويلٍ حتى جعلوا من جناح الذبابة جبلًا، ما حصل خلال عشرة أيامٍ فقط لرجلٍ ضعيفٍ طاعنٍ في السن مريضٍ يعيش وحيدًا في الغربة مثلي، إذْ حَضَرَ والي «أفيون» وقائد الشرطة خمسَ مراتٍ إلى هنا، وحَضَرَ المدعي العام مرتين، وراقبتْني خمسُ مروحياتٍ حلَّقتْ فوقي أثناء تجوالي في يومين على التوالي، وعُيِّنَ خمسة عناصر إضافيين من رجال الأمن الذين كانوا يراقبونني للتجسس على أحوالي، وصدرَ أمرٌ رسميٌّ إلى مكاتب البريد بمصادرةِ جميع الرسائل المتعلقة بي.. فهذا يبين أنهم كانوا يخططون لوقوع حادثةٍ تفوق حادثة «الشيخ سعيد» أو حادثة «مَنَمَن» بعشرةِ أضعاف، فضخَّموا الأمور، وجعلوا من الحبة قبةً، فاتخذوا هذه الإجراءات الأخيرة.