671

لقد حَسِبوا أنني أعيش سيرتي القديمة، وتوقَّعوا أن تثور ثائرتي ردًّا على الإساءة؛ ولكنهم كانوا واهمين، فإننا نعمل بكلِّ قوتنا على تأسيسِ سدٍّ قرآنيٍّ كسدِّ ذي القرنين في مواجهةِ الفوضوية، وإن الذين يتعرَّضون لنا إنما يمهدون السبيل للفوضوية، بل للشيوعية.

أجل، لو كان رفضُ أيِّ شكلٍ من أشكال الإساءة والإهانة موجودًا لديَّ كما كان في سالف عهدي حفاظًا على العزة العلمية، ولو لم تكن وظيفتي الحقيقيةُ خالصةً لأجل الآخرة ولإنقاذِ المسلمين من الإعدام الأبدي للموت، ولو كانت وظيفتُنا مجرَّد العمل لأجل الدنيا ولأجل السياسة الهدامة كما يفعل الذين يتعرَّضون لنا، لتسبَّبَ الذين يعملون لصالح الفوضوية بحادثةٍ تَعدِل عشَرة أضعاف حادثة «الشيخ سعيد» وحادثة «مَنَمَن».

ومع النظر بعين الاعتبار إلى أن ثلاثَ محاكم وشرطةَ عدةِ ولاياتٍ لم تتعرض لزيِّي من ناحيةٍ قانونيةٍ طَوالَ عشرين سنة، ولم أُبلَّغ مطلقًا بتبديل زِيِّي مراعاةً لحالتي وعزلتي، فإن هذا النوع من محاولاتِ إجباري على ارتداء القبعة الإفرنجية تعسُّفًا وقسرًا أمام الأهالي سيثير غضبًا عارمًا لدى مئات آلاف الرجال في هذا الوطن، لا سيما الذين تربطهم علاقة الأُخوَّة في درس الإيمان التحقيقيِّ منذ أربعين سنة، وسيكون مدعاةً لويلاتٍ ومآسٍ تسيل لها العبرات.

لقد تحقق لدينا بناءً على أماراتٍ كثيرةٍ أنَّ الإجراءات غيرَ القانونية التي عوملتُ بها، والتي نُفِّذت بإيعازٍ أجنبيٍّ بغيةَ كسرِ توجُّه الناس نحوي، إنما قاموا بها لأجل ذلك المقصد المذكور. [أي تصعيد الأمور بغية أن تندلع حادثةُ تمرُّدٍ وعصيانٍ كحادثة «الشيخ سعيد بيران» أو حادثة «مَنَمَن»، ويجري على إثرها استئصالٌ شاملٌ للعمل الديني وأهله في شتى أنحاء البلاد؛ هـ ت]

ولكنْ حمدًا لله بلا حدٍّ أنه لم تبق أيَّةُ أهميةٍ لإهاناتهم غيرِ القانونية التي يلقاها رجلٌ مثلي يقف عند باب القبر، وقد قطع جميع علائقه، وسَئِم الدنيا، وفرَّ من إقبالِ الناس وتقديرهم، ولم يعد له ميلٌ إلى أيِّ نوعٍ من أنواع الرياء كالشهرة والجاه والعُجْب.. فإلى الله تعالى أُحيل أمرَهم.

إنني أفكِّر في أن هؤلاء الذين يلحقون بي الأذى لمجرَّد هواجس لا موجب لها سيقاسون الإعدام الأبدي بالموت عما قريب، فأرثي لحالهم، فاللهم أنقذ برسائل النور إيمانَهم، وحوِّل بسرِّ القرآن إعدامَهم الأبديَّ إلى مذكرة تسريح، وإنني كذلك أسامحهم.

سعيد النُّورْسِيّ

***