599

وفي مقابل اشتغال هؤلاء للحياة الفانية، فإن الأعمالَ التي تقوم بها رسائل النور وتلاميذُها، والوظيفةَ التي يؤدونها، تُثبِت إثباتًا قطعيًّا بدرجة البداهة أن الموتَ ليس إلا ستارًا للحياة الأبدية الباقية، وأن جلَّادَ الأجل الذي يخوِّف عُشَّاق الحياة الدنيوية أشدَّ الخوف ليس إلا وسيلةً لسعادة أهل الإيمان الأبدية.. أجل، وما نزال نُظهِر هذه الحقيقة.

والحاصل أن أهل الضلالة يناضلون لأجل حياةٍ مؤقتة، أما نحن فنتصدى لقضيةِ الموت بنور القرآن، فأكبر قضاياهم لا تَعْدِل أصغر قضايانا، لأن قضاياهم مؤقتة، وقضايانا تتوجه للبقاء؛ وما داموا لحماقتهم يترفَّعون عن قضايانا ولا يتدخلون بها، فلماذا نتابع قضاياهم الدنيَّة ونهتم بها ملحقين الضرر بوظيفتنا القدسية؟!

إن الآية الكريمة تقول: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة:105]، أي إنْ لم تنشغلوا بضلالِ غيركم دون داعٍ أو حاجة، لم يضرَّ ضلالُهم هداكم؛ وأحد دساتير الأصول الإسلامية المهمة يقول: «الراضي بالضرر لا يُنظَر له»، أي لا يُنظَر بعين الشفقة والرأفة لمَن رضي الضرر لنفسه؛ فما دامت هذه الآية وهذا الدستور يمنعاننا من أن نتألم لمن يضرون أنفسَهم بعلمٍ، فلا بد أن نحصر جميع قُوانا واهتماماتنا وأوقاتنا لأداء وظيفتنا القدسية، وأن نعدَّ كلَّ ما سواها فضولًا لا يعنينا فلا نضيع أوقاتنا فيها، لأننا نحمل النور لا الهراوة، فليس بمقدورنا أن نعتدي، وحتى لو اعتُدي علينا لا نملك سوى إظهار النور، فحالتنا حالةُ دفاعٍ نوراني.

أحد أسباب كتابة هذه التتمة أنني اختبرتُ أحد طلاب رسائل النور حين وجدتُه يندفع في الخوض فيما لا يعنيه بخصوص المضائق، [يقصد مضيقَي البوسفور والدردنيل؛ هـ ت] فسألته سؤالًا أو اثنين لأعرف رأيه تجاه الأوضاع السياسية الحالية، فوجدته يجيب إجابةَ عارفٍ بالأمور وثيقِ الصلة بها،