678

والإسلام التي نهضوا بها تحت وطأةِ استبدادٍ مطلقٍ رهيبٍ دام خمسًا وعشرين سنة.. لقد آمنوا أن ما يبدو في الظاهر نقمةً ما هو في الحقيقة إلا نعمة، وأن في المحنة منحة، وأن كلَّ ما يصيبُنا في سبيل خدمة الإيمان خير، وأننا لسنا مكلَّفين بالتفكير بما يصيبنا في المستقبل، بل مكلَّفون بالخدمة القرآنية، فنحن على الدوام تحت عناية ربنا الرحيم، فإن مِتْنا مِتْنا شهداء، وإن حَيِينا حَيِينا خَدَمًا للقرآن، فنحن في خدمته حتى لو حكم علينا أعداء الإسلام بالسجن المؤبد.. أجل، آمن طلاب النور بهذا إيمانًا راسخًا في قلوبهم، وصدَّقوه بأفعالهم، وهو أمرٌ ظاهرٌ للعِيان.

إن أبناء هذا الشعب المتديِّن الوفيِّ يعرفون صِدقَ بديع الزمان، ويعرفون قَدْرَه وبطولتَه، ويثقون به ثقةً راسخةً لا يصدِّقون معها شيئًا من الحملات المغرِضة ضده أيًّا كانت، وكلما بَلَغَهم شيءٌ من الظلم والأذى الذي يلقاه هذا الرجل زادت له محبتهم وقَوِيَ ولاؤهم؛ لقد أصبحوا على عداءٍ صريحٍ مع الظلم والأذى الذي يمارسه عليه الشيوعيون والملاحدة، وهم لا يترددون في القول بأن سَجنَ رجلٍ فاضلٍ مباركٍ جليلٍ من أبطال الدين كبديع الزمان، ومَنْعَ كتبه من أن تقرأ بحُريَّة، معناه السعيُ لهدم الإسلام وإزالةِ الدين من أرض الأناضول؛ ولأجل هذا فإن ما يلزم الحكومةَ أولًا وقبل كلِّ شيءٍ أن تطلق سراح بديع الزمان، كي تُحبِط الخطة التي حِيكَتْ ضدها، وإلا فإنه كلما شُدِّد الخناق على هذا الرجل كسَبت الحكومةُ مزيدًا من المناوأة الشعبية ضدها، [لقد تجلَّت هذه الحقيقةُ تمامًا في انتخابات عام 1950م، إذ مُنِيَت الحكومة السابقة بهزيمةٍ ساحقةٍ على يد الأكثرية العظمى من أبناء هذا الشعب، وهي الحكومة التي عادت الدين، وعاش معها بديع الزمان في ظل استبدادٍ مطلق وظلمٍ فادحٍ وأذًى رهيبٍ طَوالَ خمسٍ وعشرين سنة، ليتولى بعدها الحزبُ الديمقراطيُّ مقاليدَ الأمور، ويُزيلَ ما لَحِق بالدين وأهله من ظلمٍ واستبداد؛ المُعِدّون] وإنه من الواجب علينا أن نبلِّغ هذه الحقيقة حرصًا على سلامة الدين والوطن والشعب.

أجل، فبالرغم من تبرئة بديع الزمان في محكمة «دَنِزْلي» سنة 1944م، إلا أنه وُضِع في الإقامة الجبرية بـ«أميرداغ» التابعة لولاية «أفيون»، وبينما كان منشغلًا هناك بآخرته وبرسائل النور إذا بأعداء الدين العاملين في الخفاء يعيدون في سنة 1948م معزوفتَهم القديمة نفسَها، وكأن كلَّ الظلم الذي مارسوه لم يكن كافيًا، فأطلقوا بحقه جملةً من الاتهامات كقولهم: إنه يؤسس تنظيمًا سِرِّيًّا، ويحرِّض الناس على الحكومة، ويسعى لقلب نظام الحكم بكل قوته وحماسه الذي يزداد كلما تقدم في السن، ويقول عن «مصطفى كمال» إنه دجَّالُ الإسلام، وإنه السُّفياني؛ ونحو ذلك من الاتهامات التي تذرعوا بها، فاعتقلوه هو وخمسين طالبًا من طلاب رسائل النور، وسِيقوا إلى محكمة جنايات «أفيون» ليُزَجَّ بهم في السجن في نهاية المطاف.

***