682

وذات مرةٍ سلَّمَ على بديعِ الزمان أحدُ الأشخاص الذين انتفعوا بقدومه إلى السجن عظيمَ الانتفاع، وحيَّاه عبر النافذة، فانتهره رجال السجن قائلين: لماذا سلَّمتَ عليه؟! ولماذا تنظر إلى نافذته؟! ثم انهالوا عليه ضربًا.

وكذلك كان الأمر مع الطلاب الذين كانوا يحاولون انتهاز فرصةٍ ليلتقوا بأستاذهم خُفيةً حالَ مرضه ومعاناته، فما إن ينكشف أمر أحدهم حتى يتلقى ضربًا مبرِّحًا، غير أن هذه القسوة لم تكن لِتَثنيَ عزائمهم، بل كانوا كلما انهال عليهم أولئك الظَّلَمة ضربًا هتفوا فيهم بصلابةٍ نابعةٍ من الإيمان وعزة الإسلام: اِضرب.. اِضرب..؛ وهم في هذا إنما يسيرون على نهج أستاذهم الذي سبق أن بيَّن في مؤلفاته أنْ إذا أخذَ العدو بخناقك فابصق في وجهه.. أنقذ روحَك وليَفْنَ الجسد.

لقد سعى أولئك الظلمة بشتى أنواع الأذى والتضييق لمنع الأستاذ من القيام بخدمته الإيمانية، سواءٌ داخل السجن أو خارجه، غير أنه في نهاية المطاف، وبعد أن لقي بديعُ الزمان ما لقي من الظلم والقهر، أُطلِق سراحُه بتاريخ 20 أيلول/سبتمبر 1949م مستكملًا مدةَ العقوبة غيرِ القانونية، ومع أن إطلاق سراح السجناء كان يجري ضمن أوقات الدوام الرسمي، وكان موعده المحدد في «أفيون» عند الساعة العاشرة صباحًا كما هو المعتاد، إلا أن بديع الزمان أُطلِق سراحُه فجرًا تجنبًا لحدوث احتفالٍ شعبيٍّ حاشدٍ فرحًا بخروجه من السجن.

***

أقام الأستاذ النُّورْسِيّ مدةً من الزمان بـ«أفيون» بعد الإفراج عنه؛ ومع أن محكمة التمييز كانت قد أبطلت قرارَ إدانته من أساسه، وقضى برغم ذلك مدةَ السجن غيرَ القانونية كاملةً، فقد تم تعيين ثلاثة عناصر من الشرطة يلازمون بابه ويتناوبون على مراقبته صباحَ مساء.