683

ومع أن القوم أفرجوا عنه، إلا أنهم استمروا في ظلمه وتضييق الخناق عليه على نحوٍ جعلوه يندم على خروجه من السجن، ومع أن السجن أسقمه وأضناه طَوالَ سنتين، إلا أنه لم يُسمَح لأحدٍ بعيادته وتفقُّد صحته؛ وإذا كان القائد الروسي قد سمح لبديع الزمان -وهو أسيرٌ في روسيا- بشيءٍ من حريةِ الحركةِ والتصرُّفِ، فإن المسؤولين في وطنه الأم قد منعوا الناس من زيارته حتى في العيد، وهو الرجل الذي ضحى بكلِّ ما لديه في سبيل الأمة الإسلامية العزيزة الكريمة!! حتى إنهم متى شاهدوا شخصًا يتحدث إلى بعض القائمين على خدمته دوَّنوا معلوماتٍ شخصيةً عنه، وضيَّقوا عليه بدعوى تواصله مع مساعدي بديع الزمان؛ والحالُ أن جميع هذه الإجراءات التعسفية بحقِّه لم تزد الناس إلا قربًا منه، وبحثًا عن مؤلفاته وتعلُّقًا بها، ولم تزدهم إلا بعدًا ونفورًا من مروِّجي الحملاتِ المغرِضةِ ضدَّه، فكلما تكثفت الجهود لكسر إقبال الناس على بديع الزمان زاد احترامُ الناس والشباب له وارتباطهم به، لا سيما الشباب المثقف، وكلما زاد التحريض عليه قويت أواصر العلاقة به.

لقد كان الهدف من كل هذه الحملات المُغرِضة كسرَ إقبال الناس نحوه، وتشويهَ سمعته، ووقفَ انتشار رسائل النور، والحالُ أن رسائل النور ليست مرتبطةً بشخصِ مؤلفها، بل هي بضاعةُ القرآن، ولا هي تشبه المؤلفات الأخرى، بل هي بذاتها كنزُ حجةٍ وبرهانٍ، وقارئها لا يلتفت إلى شخص مؤلِّفها، بل يوجِّه نظره مباشرةً إلى ما فيها من الحقائق والبراهين والأدلة؛ ولأجل هذه الحقيقة وغيرها من الحقائق الكثيرة، فَشِلت حملاتٌ رسميةٌ كثيرةٌ هائلةٌ وُجِّهت ضدَّ بديع الزمان، وستبقى محكومةً بالفشل.

أجل، إنه لَـمِّما يؤسف أشدَّ الأسف أن نرى مثلَ هذا العالِم والمفكِّر الجليل الذي حقَّق لوطنه وشعبه ولأمته الإسلامية كلَّ هذه المنافع الجمَّة، وخدم الإيمان والقرآن بتضحيةٍ وتفانٍ لا مثيل لهما.. أن نراه بعد ذلك يُساق إلى المحاكم مرةً تِلْوَ أخرى!!