711

على العيش هكذا، وليس بمقدوري معاناة التحكمات من مئات الأشخاص الرسميين خارج السجن، لقد سئمت أسلوب الحياة هذا، وأطلب منكم جازمًا أن تُنزلوا بي عقوبة السَّجن، إذ ما دام القبر لا يتأتى لي، فالبقاء في السجن أولى بي.

وتعلمون أيضًا أن التهم الباطلة التي ساقها مقام الادعاء بحقي لا وجود لها، ولا تستوجب سَجني، وإنما الذي استوجب سجني في الحقيقة ذنبٌ عظيمٌ تجاه وظيفتي الحقيقية، فإن كان من المناسب أن تسألوني عنه فسلوني أُجِب.

أجل، إن هذا الذنب العظيم هو عدم قيامي بوظيفةٍ جليلةٍ كُلِّفتُ بها باسم الدين والوطن والشعب، فلم أقم بها لعدم التفاتي إلى الدنيا، وهذا جرمٌ لا يُغتفر بنظر الحقيقة، ولا أُعذَر بجهله؛ هذه هي القناعة التي تولدت لديَّ مؤخَّرًا في سجن «أفيون».

إن الذين يسعون لأن يطلقوا على العلاقة الأخروية الخالصة التي تربط تلاميذَ النور بالأنوار وترجمانها صفةَ التنظيم الدنيوي السياسي، ويسعون بالتالي لتحميلهم تبعاته، هم أبعد ما يكونون عن الحقيقة والعدالة، وهذا ما بينتْه ثلاثُ محاكم أصدرتْ قرارها بتبرئتنا، غير أننا مع هذا نقول:

إن أُسَّ الأساس للحياة الاجتماعية الإنسانية، لا سيما بين المسلمين، إنما هو المحبة الخالصة بين الأهل والأقرباء، والارتباطُ الوثيق بين القبائل والطوائف، والعلاقةُ المعنوية المبنية على التضحية بين إِخْوة الإيمان في الأمة الإسلامية؛ ولا يتأتى وصف تلاميذ النور بأنهم تنظيمٌ سياسيٌّ إلا بأمرين، أحدهما: إنكار هذه الروابط التي لا تقوم الحياة الاجتماعية إلا بها، والتي منها الروابطُ والالتزاماتُ والصلاتُ الوثيقة التي تربط المرء بالحقائق القرآنية وناشريها، وتنقذ حياته الأبدية؛ والأمر الآخر: تَبَنِّي الخطر الأحمر القادم من الشمال، وهو الخطر الذي ينثر بذور الفوضوية الرهيبة، ويُهلِك الحرث والنسل، وينتزع الأولاد من آبائهم مزيلًا القرابةَ والانتماء، ويمهد السبيل لإفساد المدنية الإنسانية والحياة الاجتماعية إفسادًا تامًّا.