697

وإن المسلم إذا ارتد -والعياذ بالله- هوى في الكفر المطلق، إذْ لا يبقى في الكفر المشكوك الذي يتيح لصاحبه عَيشًا بدرجةٍ ما، ولا يكون كمَلاحِدة الأجانب؛ وأما من حيث لذائذ الحياة فينحطّ مئةَ درجةٍ دونَ الحيوانات التي لا تعرف ماضيًا ولا مستقبلًا؛ لأن موت الموجودات -سواءٌ منها السابقة أو اللاحقة- ومفارقتَها إيَّاه فراقًا أبديًّا يُمطر قلبَه على الدوام بآلامٍ وفراقاتٍ لا حدَّ لها نتيجةَ ضلالته؛ لكن إذا جاء الإيمان وخالطتْ بشاشتُه القلبَ، سَرَتِ الحياةُ فجأةً فيما لا يُحدُّ من هؤلاء الأصحاب، [يَقصِد بـ «الأصحاب» هنا ما عَبَّر عنه في الفقرة السابقة بـ «الموجودات»، فقد انقلبت بالإيمان إلى أصحاب وأصدقاء، وللتوسُّع في هذه المسألة يُنظر المبحث الأول من «الكلمة الثالثة والعشرين»؛ هـ ت] فقالوا بلسان حالهم: نحن لم نَمُت ولم نَفنَ؛ وعندئذٍ تنقلب تلك الحالة الجهنمية إلى لذةٍ من لذائذ الجنة.

فما دامت هذه هي الحقيقة فإني أقول لكم محذِّرًا: لا تجابهوا رسائلَ النور المستندةَ إلى القرآن.. فإنها لا تُغلَب، وإلا ارتحلَتْ إلى مكانٍ آخر فنَوَّرَتْه، وقيل: واأسفاه على هذا البلد!! [إن وقوعَ أربعة زلازل رهيبةٍ بالتزامن مع مجابهة الرسائل يُثبِت حكمَ «واأسفاه» هذه؛ المؤلِّف]

ألا إنه لو كانت لي رؤوسٌ بعدد شعر رأسي، فقُطِع في كلِّ يومٍ واحدٌ منها، لما أحنيت هذا الرأس الذي نذرتُه للحقيقة القرآنية، وما طأطأتُه أمام الزندقة والكفر المطلق، وما تخليتُ عن هذه الخدمة القرآنية والنورية، بل لا أستطيع التخلي عنها.

والحاصل أن رسائل النور التي تستند إلى الحقيقة العرشية للقرآن الكريم، والتي ما فتئت منذ ثلاثين سنةً تجتث الكفر المطلق من جذوره -ذلك الكفر الذي يقضي على الحياة الأبدية، ويُحيل الحياة الدنيوية سُمًّا زُعافًا، ويُنغِّص لذائذها- والتي وُفِّقت في القضاء على الأفكار الكفريَّة الرهيبة للطبائعيين، [الطبائعيون هم الذين ينكرون وجود الخالق المدبِّر، ويزعمون أن العالَم وُجِد بنفسِه دون حاجةٍ إلى علةٍ خارجية، ويُسمَّون كذلك: الدهريين؛ هـ ت] والتي أثبتت دساتيرَ سعادة الحياتَين لهذا الشعب بحُججها الباهرة وبصورةٍ مشرقة.. ندَّعي -ونحن مستعدون لإثبات ما