701

أما أنتم أيها الأعداءُ العاملون في الخفاء، والظَّلَمَةُ الذين ضلَّلتُم العدالة لصالح الزندقة، وشَغَلتم الحكومة بنا بغير سبب، ألا فَلْتَعلموا يقينًا وَلْتَرتعدوا خوفًا أنكم محكومون بالإعدام الأبدي والسجن الانفرادي المؤبَّد.. إننا نرى كيف يُنتَقَمُ لنا منكم أضعافًا مضاعفةً لدرجة أننا نَرثي لحالكم.

أجل، إن حقيقة الموت التي أفرغَتْ هذه المدينةَ في المقابر مئات المرات لا بدَّ أنها تطلُب مطلبًا وراء هذه الحياة، وإن الحاجة إلى حلٍّ يُخلِّصُ من إعدام الموت هي حاجةٌ ضروريةٌ قطعيَّةٌ أعظمُ وأهمُّ وألزَمُ من جميع قضايا البشر؛ ولقد وجد تلاميذ النور هذا الحلَّ، وقدَّمتْه رسائل النور بآلاف الحُجج، أفلا يدري الذين يتَّهمون رسائلَ النور وتلاميذَها بذرائع واهيةٍ أنهم هم المتَّهَمون بنظر الحقيقة والعدالة؟! إنه لأمرٌ يدريه حتى المجانين.

إن رجلًا وعى قبل ثلاثين سنةً فداحةَ الضررِ الذي تنطوي عليه شُهرةُ الدنيا المؤقتةُ وجاهُها الزائل، والعُجْبُ وحُبُّ الظهور المُشْبَعان بالأنانية، ووعى مبلغَ تفاهةِ ذلك كلِّه وعدمَ جدواه، أجل، وعى ذلك بعنايةِ الله وفيض القرآن ولله الحمد بلا حد، فَأخذَ منذ ذلك الحين في مجاهدة نفسِه الأمارة بكلِّ ما أوتي من قوة، واجتهد ما بوسعه لاجتناب التصنع والرياء، وكسْرِ الأنانية بالفناء عن الذات، وهو الأمر الذي يعرفه ويَشهَد له به قطعًا كلُّ مَن لازَمَه أو صاحَبَه؛ وفرَّ منذ عشرين سنةً أشدَّ الفِرار مما يُعجِب كلَّ إنسانٍ من حُسْنِ ظنِّ الناس وإقبالهم ومدحهم وثنائهم، كما فرَّ مِن عَدِّ نفسِه صاحبَ مقامٍ معنويٍّ خلافًا لما يفعلُه كلُّ إنسان؛ ورَدَّ حُسْنَ الظنِّ الذي أولاه إياه خُلَّصُ إخوانه وتلاميذه وخواصُّهم، وكسَر بذلك خواطرَهم؛ كما ردَّ مدحَهم له وحُسْنَ ظنِّهم به في رسائله الجوابية إليهم؛ وجرَّد نفسَه من ادِّعاء الفضائل مُحيلًا إياها جميعًا على رسائلِ النور تفسيرِ القرآن، فأحالها بالتالي على الشخص المعنويِّ لتلاميذ النور، وعدَّ نفسَه مجرَّد خادمٍ بسيطٍ للنور.. نعم إن رجلًا هذه حالُه إنما يُثبِت قطعًا أنه لم يَحمل أحدًا على الإعجاب به، ولا سعى إلى ذلك ولا طلبه، بل رَدَّه.