744

الآخرة إن لزم الأمر، وبالمراتب الأخروية الباقية التي يطلبها كلُّ إنسان، بل أقبل إن لزم الأمر أن أترك الجنة وأدخل جهنم لأكون وسيلةً لإنقاذ بعض المساكين منها.

فمع أن هذا أمرٌ يعرفه إخواني الحقيقيون، وسبق أن أثبتُّه في المحاكم، إلا أن القوم باتهامهم إياي بهذه التهمة، وإسنادهم ما ينافي الإخلاص إلى خدمتي للنور والإيمان، يَحُطُّون من قيمة الأنوار، ليحرموا أبناء هذا الوطن من حقائقها الجليلة.

فيا عجبًا لهؤلاء الأشقياء الذين يظنون أن الدنيا أبديةٌ، ويحسَبون أن كل الناس مثلهم يتخذون الدين والإيمان أداةً للدنيا!! كيف ساغ لهم أن يجرِّموا رجلًا تحدى أهل الضلالة في العالَم، وضحى في سبيل الخدمة الإيمانية بحياته الدنيوية وبالأخروية إن لزم الأمر، ولم يستبدل بحقيقةٍ إيمانيةٍ واحدةٍ مُلكَ الدنيا بأسرها كما أعلن أمام المحاكم، وفرَّ بكل قوته من السياسة ومن المراتب المادية والمعنوية التي يُشَمُّ منها معنى السياسة مراعاةً لسر الإخلاص، وترفَّع عن السياسة بمقتضى مسلكه متحملًا صنوفًا من الأذى لا مثيل لها على مدى عشرين سنةً، ومن يَعُدُّ نفسَه -من حيث هي نفسٌ- دون طلابه بكثيرٍ، ويَطلب منهم العون والدعاء على الدوام، ويرى نفسَه مسكينًا لا حول له ولا أهمية.. أجل، كيف ساغ لهؤلاء أن يجرِّموا رجلًا هذه حاله، لمجرد أن بعضًا من خُلَّص إخوانه نسبوا إليه بعضَ فضائل رسائل النور في مقابل ما حصَّلوا منها من قوةٍ إيمانيةٍ فائقةٍ، مع أنه ليس سوى ترجمانها الذي لا يملك من الأمر شيئًا، وأَولَوه من حسن ظنهم ما يفوق حدَّه بألف درجةٍ، فمنحوه مقامًا رفيعًا، من غير أن يتبادر من هذا أيُّ معنًى سياسي، ومدحوه وأثنوا عليه ببالغ المدح والثناء على سبيل الشكر بين الأساتذة والطلاب كما جرت العادة من قديم الزمان من غير اعتراضٍ ولا نكيرٍ؟!

ومع أن مدحهم وثناءهم عليه مخالفٌ للحقيقة بجهةٍ ما لما فيه من المبالغة، إلا أنه لكونه يعيش وحيدًا غريبًا، وله الكثير من الأعداء، والكثير من الأسباب التي تصرف الناس عن مساعدته، أراد أن يعزز القوة المعنوية لدى إخوانه الذين يعاونونه في مواجهة