795

لا شيء أبغض إليه من السياسة.. قد منعها على نفسه ومنع طلابَه من الانشغال بها.. وقد مضى عليه إلى اليوم خمسٌ وثلاثون سنةً لم يقرأ فيها صحيفة.. قطع علاقته بشؤون الدنيا وانشغل بالعبادة فلا يستقبل أحدًا من بعد صلاة المغرب إلى ظهر اليوم التالي.. يُحيي ليلَه ولا يهجع إلا قليلًا.

ينتشر طلابه في شتى أنحاء البلاد، ويربو عددهم على ستمئة ألف، بل لعلهم يبلغون المليون.. هم خيرة أبناء البلد.. وفيهم مئاتٌ بل آلافٌ يُحصِّلون العلوم الحديثة في مختلف الجامعات والكليات، لا تجدهم إلا صفوةَ أقرانهم خُلُقًا وفضيلةً وجِدًّا واجتهادًا.. ومع انتشار طلاب رسائل النور بمئات الآلاف في شتى أنحاء البلد، إلا أنك لا تجد لأحدٍ منهم واقعةَ إخلالٍ بالأمن أو خروجٍ على النظام.. بل كلُّ واحدٍ منهم بمثابة رقيبٍ معنويٍّ يرعى أمنَ البلاد واستقرارَها، ويحافظ عفويًّا على نظامها وانتظامها.

سألته إن كان لقي مشاقَّ في سفره إلى اسطنبول، فأجابني:

ما يشق عليَّ هو المخاطر التي يتعرض لها العالم الإسلامي.. فقديمًا كانت المخاطر تأتيه من الخارج، وكانت مقاومتُها أسهل.. أما اليوم فتأتيه من الداخل.. وقد وصل النَّخر إلى الجذع وباتت مقاومته أصعب.. وأخشى ألا تقدر عليه مجتمعاتنا.. فإنها لا تشعر به، بل تنظر إلى أعدى أعدائها الذي يقطع شرايينها ويمتص دمها على أنه وليُّها الحميم.. وإذا عَمِيَتْ بصيرة المجتمعات على هذا النحو فإن مَعقِلَ الإيمان في خطر.. فهذا هو ما يشقُّ عليَّ لا سواه، وإلا فلا وقت لدي للتفكير فيما أتعرض له من مشاق ومعاناةٍ شخصية.. ألا ليت هذه المشاق كانت عشرة أضعافٍ وسلِمَ في المقابل مَعقِلُ الإيمان ومستقبلُه.

ألا تمنحكم الآلاف المؤلَّفة من طلابكم المؤمنين السُّلوان والأملَ في المستقبل؟

بلى.. لستُ متشائمًا تمامًا.

…….