784

الأول: إن أحد دساتير الإسلام الكثيرة هو ما عبَّرت عنه الآية القرآنية الكريمة: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الإسراء:15].

وبمقتضى هذا الدستور الجليل لا يؤاخَذ المرء بجريرةِ غيره وإن كان قريبَه أو صديقَه؛ والحال أن السياسة الحالية، وبما فيها من منطق الولاء الحزبي، تَقبل الإضرار بأبرياء كُثْرٍ بسبب مجرمٍ واحد، فبينما يرتكب الجنايةَ مجرمٌ واحدٌ إذا بالأذى والقدح والتشنيع يطول أهلَه أو أصحابَه، وتغدو الجناية الواحدة مئة جناية، فيثير هذا نوازعَ حقدٍ وعداوةٍ رهيبةٍ، ويحمل المرءَ على إضمار مشاعر الحقد والضغينة والانتقام.

ولا ريب أن هذا سُمٌّ زعافٌ يدمِّر الحياة الاجتماعية بأكملها، ويُفسِح المجال واسعًا لتدخلات العدو الخارجي، ولقد تبين أن الأزمات والحوادث التي وقعت مؤخَّرًا في كلٍّ من مصر وإيران إنما نجمت عن هذا الأصل، على أنها إن قورِنتْ بأحوال بلدنا بقيت خفيفةً لا تتجاوز الواحد بالمئة، وإلا فلو وقعت مثل هذه الحوادث عندنا لا سمح الله لأكلت الأخضر واليابس.

وليس إزاء هذا الخطر المحدِق سوى حلٍّ وحيد، ألا وهو إرساءُ حجرِ أساسِ التآخي والانتماء الإسلامي، وإبقاء الجناية مقصورةً على مرتكبيها حمايةً للأبرياء.

ثم إن حجر أساس الأمن والاستقرار إنما يرسخ بهذا الدستور أيضًا، فلو وُجد في بيتٍ أو في سفينةٍ شخصٌ واحدٌ بريءٌ مقابل عشَرةِ مجرمين مثلًا، فإن العدالة الحقيقية ودستور الأمن والاستقرار يستلزمان عدم التعرض لهذا البيت أو السفينة إلى أن يُغادره البريء، وذلك حمايةً له ودرءًا للخطر عنه.

وانطلاقًا من هذا الدستور القرآني، فإن تهديد الأمن والاستقرار الداخلي بتعريض تسعين بريئًا للخطر بجريرة عشرة جناةٍ -كما كانت الحال بالأمس القريب- أمرٌ يستجلب الغضب الإلهي، وبما أن الله جل شأنه قد مكَّنَ لفريقٍ من المتدينين الحقيقيين في