786

وأما التيار الآخَر فمستعدٌّ للتخلي عن الانتماء القدسي للإسلام، وهضمِ حقوقِ مئةِ بريءٍ بجريرة مجرمٍ واحدٍ كما هي حال التيار الأول؛ وهو وإن رفع في الظاهر شعار القومية، إلا أنه في الحقيقة عنصريُّ النزعة، يناوئ الديمقراطيين المتديِّنين المناصرين للحرية، ويناوئ سائرَ عناصر هذا الوطن الذين يشكلون سبعين بالمئة منه، بل يناوئ حتى الأتراكَ المساكين والحكومةَ والسياسةَ التي يتَّبعها الحزب الديمقراطي، ويقيم أُخوَّةً عنصريةً بين الأشخاص ذوي الأنانية المتفلتين من كلِّ عقال، فيرشوهم بهذه الأُخوَّة التي تلبي رغبات نفوسهم، ويخدِّر أحاسيسهم عما تنطوي عليه من مخاطر شديدةٍ تفوق منافعَها ألف مرة، والتي منها: تحويل الإخوة الحقيقيين إلى أعداء.

فمثلًا إن ثمة أربعمئة مليون أخٍ حقيقيٍّ تجمعهم أُخوَّة الإسلام، ويتبادلون فيما بينهم عونًا معنويًّا كلَّ يومٍ بالدعاء العام الذي يردِّدون فيه: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات؛ إلا أن العنصرية المذكورة آنفًا تحمل صاحبها على ترك هؤلاء الأربعمئة مليون أخٍ مبارك لأجل أربعمئةٍ من المتحللين المتفلتين، ولمجرد منفعةٍ دنيويةٍ جزئيةٍ محدودة؛ وفي هذا عظيمُ الخطر على الوطن والحكومة والديمقراطيين المتديِّنين والأتراك، بل لا يفعل هذا مَن كان تركيًّا بحقٍّ، فإن التركي الأصيل لا يُقدِم على ارتكاب خطأٍ كهذا.

إن هذين التيارين يعملان على إسقاط الديمقراطيين المتديِّنين، بل يدفعان الآخرين لفعل الأمر نفسه مستفيدين من كل ما هو متاحٌ، وهذا أمرٌ يشهد به الواقع بلا امتراء؛ وإنه بإزاء هذا العمل الهدام، وهاتين القوتَين اللتَين تعارضانكم، وأولئك الأعداء في الداخل والخارج، ليس أمامكم سوى حلٍّ وحيدٍ هو أَوجبُ وأَلزمُ ما تواجهونهم به، ألا وهو الاعتصام بقوةِ الحقيقة القرآنية الراسخة التي تحدَّتْ بأربعين صحابيًّا أربعين دولةً فغلبتْها، والتي لها في كل قرنٍ أربعمئةِ مليون تلميذٍ على امتداد ألفٍ وأربعمئة سنة؛ أجل، الاعتصامُ بقوةِ هذه الحقيقة القرآنية، وبما تنطوي عليه من منافعِ السعادة الأبدية الدنيوية