839

عندما أخبرني الإخوة هاتفيًّا بقدوم الأستاذ شعرت لوهلةٍ كأن تيارًا كهربائيًّا سرى في كياني الخامد.. لم يكن تيارًا مميتًا ولا صاعقًا.. بل كان تيارًا يبعث الحياة والروح.. شعرت فجأةً بقوةٍ تسري في كياني المادي والمعنوي، وبقوةٍ مغناطيسيةٍ هائلةٍ تجذبني.. وعندما وصلت إلى المحكمة تبيَّن لي أن المشاعر التي انتابتني هي نفسُها قد انتابت الجميع.

كانت المحكمة قد غصَّت بالحضور في الداخل والخارج.. وبينما كنت أحاول الدخول من بين الجموع المحتشدة إذ لمحتْ عيناي الأستاذَ يمشي بين اثنين من طلابه الجامعيين..كان متميزًا تمامًا في مَظهره وزيِّه ومُحيَّاه مثلما هو متميزٌ تمامًا في مَخبَره وجوهره ومعناه.. وبدا هذا الرجل الاستثنائي الذي تتوجه إليه ملايين الأنظار وكأنه لا يعبأ بشيء ولا يلقي بالًا لشيء.

…….

أنا الآن داخلَ قاعة المحكمة، وعندما تُلي اسمُه الأثير دخل هذا الرجل العظيم ممثِّلًا لشعبٍ كريم ودينٍ عظيم وتاريخٍ مجيد.. حَصَلتْ جَلَبةٌ للحظاتٍ تلاها صمتٌ مطبِق.. وخيَّم على الجميع شعورٌ برهبةِ الموقف ووقْعِ اللحظة.

وبرغم مرضه انبرى كالرعد يدافع ويعترض بقوةٍ وثباتٍ أثار إعجاب هيئة المحكمة.. وفي الجلسة الثانية كانت الجموع أكثر من ذي قبل.. وقد تولى بنفسه الردَّ على تقرير لجنةِ الخبراء عديمةِ الخبرة، فردَّ عليها بإجاباتٍ بارعةٍ مُحكَمة.. وحين أُعلِنَ رَفْعُ الجلسة إلى تاريخ الخامس من آذار/مارس، تقدمتُ نحوه بخطًى متردِّدةٍ مستشعرًا ضعفي وتقصيري.. وأكببت على يديه المباركتين أقبلهما بشوقٍ جارف.. وفي لحظةٍ من صفاء الباطن ونقاء السريرة استجمعت نفسي ونظرت إلى عينيه.. تلك اللحظاتُ وذلك اليومُ.. ستبقى أجمل وأروع ما تحتفظ به ذاكرتي.. أما إخواني الآخرون من طلاب الجامعة فقد نالوا شرفًا عظيمًا بملازمته وخدمته.