816

ثاويةٌ في أعماق القلب والروح، قد انعقدت أزلًا في عالَم المعنى منذ عهد ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف:172]، وتَوثَّقت أواصرُها يومًا بعد يومٍ في عالَم الشهود بدروسِ العبرة والحكمة التي تَلقَّيتُها من أقوالكم وأحوالكم وحركاتكم وسكناتكم على مدى نصف قرن؛ ومن الابتلاءات والمِحَن والمشاق التي عانيتموها طَوالَ هذه المدة، منذ عهد الاستبداد، ثم المشروطية، وصولًا إلى عهد الجمهورية؛ ومن المحاكم العسكرية والمدنية التي دخلتموها في أزمانٍ مختلفةٍ وظروفٍ بالغة الصعوبة؛ ومن مواقفكم في الانقلابات وفي ساحات الوغى؛ ومن مناقشاتكم ومباحثاتكم العلمية الفائقة التي جرت بينكم وبين أقرانكم ونُظَرائكم؛ ومن مؤلفاتكم الجليلة البديعة ذائعةِ الصِّيت؛ ومن أعمالكم الصالحة الخالصة وأفكاركم النيرة؛ ومما شاهدتُه وطالعتُه من جهادكم الأصغر والأكبر؛ وحُقَّ لمثل هذه الصداقة أن تبلغ أسمى درجات المتانة والإحكام، بل وتبلغ درجة المحبة والوجد.

وإنني انطلاقًا من هذا الحب والحماس، ووفاءً بما تمليه عليَّ هذه الصداقة من واجباتٍ ماديةٍ ومعنويةٍ، فقد عملتُ منذ عهد السلطان عبد الحميد وما زلت أعمل للحفاظ على حقوقكم وحقوق طلاب النور الخاصة والعامة، وحمايتِها والدفاعِ عنها، وسأظل على هذا ما بوسعي وحيثما أمكنني، وإني -يعلم الله- لست أقوم بهذا إلا حسبةً لله تعالى، وهذا أمرٌ يعرفه الناس وفريقٌ مهمٌ من طلاب النور.

إنني على أملٍ كبيرٍ من أنه بعون الله تعالى، وبالمدد النبوي، وبإخلاصكم المنقطع النظير في الجهاد الأكبر والأصغر في هذا الزمان؛ سينتصر الحق عما قريبٍ، وسيُهزَم الباطل، وسيَدخُل الناس في دين الله أفواجًا، وستبزغ شمسُ الحضارة المحمدية من جديد، وسنحتفل -ومعنا الكون كلُّه- بهذا العيد الأكبر، ونسأل الله تعالى أن يَمُنَّ عليكم بشهود هذا العيد الذي يَعُمُّ الدنيا بأسرها وأنتم في أتمِّ الصحة والعافية، ونرجوه سبحانه أن يستجيب دعاءنا بحرمة نبيِّه المصطفى (ص)، آمين ثم آمين.