803

في الشرطة، وكان كذلك وسيلتَهم للتقرب من رؤسائهم، وفرصتَهم التي لا تعوَّض للحصول على ترفيعٍ في مناصبهم.

إن ما حصل في تلك الحقبة الكالحة من ظلمٍ وأذًى، وتحيُّزٍ ضدَّ الدين وأهله، وتضييقٍ على حرية الفكر وممارسة الشعائر لَأمرٌ يستحق البحث والتحري في أسبابه ودوافعه، وإذا كنا اليوم نستنكره ونستفظعه، فإنه كان في تلك الحقبة أمرًا عاديًّا لا يُستغرَب ولا يُستَنكَر؛ أجل، فبينما كان يُراد للبلاد في تلك المرحلة أن ينشأ فيها جيلٌ ماديٌّ متحلِّلٌ من دينه، يعيش بروح العبيد، لا همَّ له سوى اللهاث خلف شهواته البهيمية، إذْ هبَّ هذا الرجل لمواجهة الخطر غير مبالٍ بحياته، وعمل جاهدًا على إخراج جيلٍ مفعمٍ بالإيمان والأخلاق والحرية، لا تأسِره الشهوات ولا النَّزَوات؛ وبدهيٌّ أن هذا لن يروق للظَّلَمة الجاثمين فوق صدر هذا الشعب الآخذين بخناقه كالأخطبوط، ينتهكون حقوقه وينهبون خيراته، بل سيثير مخاوفهم وتوجساتهم.

لم يَسلَم أحدٌ من الضغوط والملاحقات التي استمرت سنين طويلة، وطالت كلَّ مَن تكلَّم مع الأستاذ أو راسله أو ساعده، فدُهِمت بيوتهم، وزُجَّ بهم في السجون، وتفرَّق شمل عائلاتهم وأُسَرِهم إلى مصيرٍ مجهول.

وصادر الظَّلَمة نسخةَ الأستاذ من القرآن الكريم المكتوبة بخط اليد، وصادروا معها تفسيرَه المسمَّى رسائل النور، وقدَّموها للمدعي العام على أنها منشوراتُ خيانةٍ وطنية؛ وتذرَّعوا بذريعة التوقيف لأجل المحاكمة، فأبقوَا على الأستاذ في السجن عشرين شهرًا من غير جريرة؛ واستمرت الاعتقالات على هذا المنوال حتى أتى على سجن «أفيون» زمانٌ امتلأ حتى آخره بمواطنين أبرياء لم يكن لهم ذنبٌ سوى الإيمان بالله والتزام أوامره؛ وقد لقُوا من الاضطهاد والأذى الوحشيَّين ما يحار منه الشيطان نفسُه؛ فإذا كانت مدينة القدس قد اشتهرت في تاريخها ببطش اليهود وظلمهم لأنبيائهم فيها، فإن مدينة «أفيون» في تلك الحقبة نالت نصيبًا وافرًا من انتهاك الحقوق والتعدي عليها.