910

ولا يمكن لهذه القناعة أن تتحقق في هذا الزمان وهذه الظروف إلا بتَبَيُّنِ أن الدين لا يُتَّخَذُ أداةً لأيِّ غرضٍ شخصيٍّ، دنيويًّا كان أو أُخرويًّا، ماديًّا كان أو معنويًّا، وإلا فإن مَن يتصدى لمواجهة الشخصية المعنوية للكفر والإلحاد التي نشأت عن المنظمات والجمعيات لن يقدر على إزالة جميع شبهات الناس ووساوسهم وإن حاز أكبر مرتبةٍ معنوية، لأن المعاند الذي يريد الدخول في الإيمان يمكن أن تُحدِّثَه نفسُه وأناهُ فتقول: «لقد خدَعَنا هذا الرجلُ بذكائه ومقامه المعنوي المدهش»؛ فيبقى تراوده الوساوس والشكوك.

وأحمد الله وأشكره بلا حدٍّ أن القدَر الإلهي ما فتئ منذ ثمانٍ وعشرين سنةً ينبِّهني ويوجِّه إليَّ لطماتٍ بأيدٍ ظالمةٍ ممن اتهموني بأنني أتخذ الدين أداةً للسياسة، فكان هذا منه عدالةً محضة، وكان بهذا يُجنِّبني -دون علمٍ مني- أن أتخذ الدينَ أداةً لغرضٍ شخصي، ويقول لي: حَذارِ حَذارِ.. لا تجعل حقائق الإيمان أداةً لشخصك.. حتى يفهم المحتاجون إلى الإيمان أن الحقيقة وحدَها هي التي تتكلم.. وحتى تَخنَس وتَسكُت أوهامُ النفس ودسائسُ الشيطان.

فهذا هو السرُّ الكامن وراء تأثير رسائل النور الذي يَعتَمِل في القلوب والأرواح كأمواج البحار الهادرة.. أجل، هذا هو السرُّ ولا شيء سواه؛ ومع أن الحقائق التي عرَضَتْ لها رسائلُ النور هي نفسُها الحقائق التي عرَضَ لها آلافُ العلماء ونشروها بأسلوبٍ أبلغَ في مئات آلاف الكتب، إلا أن هذه الكتب لم تستطع وقفَ الكفر المطلق، وإذا كانت رسائل النور قد وُفِّقَت بدرجةٍ ما في مقارعة الكفر المطلق في ظلِّ هذه الظروف العصيبة فلأجل ذلك السر، وإلا فلا وجود لسعيدٍ في هذا الأمر ولا أهليةَ ولا قدرةَ له عليه، وإنما الحقيقة هي التي تتكلم.. أجل، الحقيقة الإيمانية هي التي تتكلم.

فما دامت أنوار الحقيقة هي التي تفعل فِعلَها في قلوب المحتاجين إلى الإيمان، فَلْيَفدِها لا سعيدٌ واحد، بل ألفُ سعيدٍ وسعيد، وليَهُنْ في سبيلها جميعُ ما قاسيتُه طَوالَ