911

الثماني والعشرين سنةً من الأذى والضنك، وما عانَيتُه فيها من الشدائد، وما تعرَّضتُ له من المِحَن، وليَكُن في حِلٍّ مني جميعُ الذين ظلموني أو شرَّدوني من مدينةٍ لأخرى، أو أساؤوا إلي أو سعَوا لإدانتي بشتى أنواع التُّهَم، أو زَجُّوا بي في السجون.

وأقول للقدَر العادل: لقد كنتُ مستحِقًّا لِلَطماتك الرحيمة هذه، وإلا فلو كنتُ سلكتُ السبيل الآخَر كسائر الناس -وهو سبيلٌ مشروعٌ ولا يتأتى منه ضرر- فقَصَرتُ اهتمامي على نفسي ولم أتخلَّ عن أذواقي من الفيوضات المادية والمعنوية، لخَسِرتُ هذه القوة المعنوية الكبيرة في خدمة الإيمان.

لقد ضحَّيتُ بكلِّ شيء لديَّ ماديًّا كان أو معنويًّا، وتحمَّلتُ كلَّ مصيبة، وصبرتُ على كلِّ أذى، وبهذا انتشرت الحقيقة الإيمانية في كلِّ مكان، وبهذا أيضًا خرَّجَتْ مدارسُ النور -وهي مدارس علمٍ وعرفان- مئاتِ الآلاف بل الملايين من الطلاب، وهؤلاء هم الذين سيواصلون العمل في الخدمة الإيمانية على هذا النهج، ولن يحيدوا عن مسلكي الذي اتبعتُه في الاستغناء عن كلِّ شيءٍ ماديًّا كان أو معنويًّا، وسيَعملون لا يبتغون بعملهم شيئًا سوى مرضاةِ الله وحدَه.

إن الذين أذاقونا الأذى والشدائد قد أسدَوا خدمةً جليلةً لنشر الحقائق الإيمانية من حيث لا يعلمون ومن حيث لم تدرك عقولهم أسرار القدَر الإلهي، ووظيفتُنا تجاه هؤلاء هي أن نرجو لهم الهداية.

إنني جِدُّ مريض، ولا طاقة لي على الكتابة ولا الكلام، وربما كان هذا آخرَ كلامي، فلا يَنسَ طلابُ النور في المدرسة الزهراء وصيتي هذه.

سعيد النُّورْسِيّ

***