921

بها الفريقان، فريقُ المشتغلين بالعلوم والفلسفة الآخذين بالعقل وحدَه، وفريقُ أهل التصوف السالكين سبيل القلب، إذْ يعي الفريق الأول أن التنوير الحقيقي إنما يكون بالمزج بين ضياء العقل ونور القلب، وأن الأخذ بالعقل وحدَه يَنزل به إلى مستوى العين فلا يُقِرُّ إلا بما ترى، وشأنُ هذا شأنُ طيرٍ مكسور الجناح لا يستطيع الطيران، وإن طار لم يلبث أن يقع؛ ويعي الفريقُ الآخَر أهلُ التصوف الخالصون المخلِصون أن الزمان الحاضر ليس كالماضي، وأنه لا بد لنا في هذا الزمان من طريقٍ قرآنيٍّ يسلك بنا سبيلَ الحقيقة ويبلِّغنا إياها بالقلب والعقل معًا فنكون من ذوي الجناحين. [يؤكد أهل العلم والتحقيق الذين وقفوا على كتاب «المثنوي العربي النُّوري» أن المراتب التي يَبلغها أقلُّ القليل من الكُمَّل الذين حازوا القطبية والغوثية بالسير والسلوك سبعين أو ثمانين عامًا، ويصلون إلى نقطةٍ يقولون عنها: إنها المنتهى ولا سبيل وراءها؛ هي مراتبُ قد بَلَغها بديع الزمان بواسطة العلم والطريق الذي وجده في القرآن الكريم، ويُشيدون بالفوائد التي تحصَّلت لهم من الحقائق السامية العميقة الواسعة التي انطوى عليها هذا السِّفرُ النفيس؛ المُعِدّون]

لقد لاحظ رجال المدارس التقليدية الذين وعَوا الأمر جيدًا أن الحصيلة الإيمانية والإسلامية التي يمكن تحقيقها خلال خمس عشرة سنةً وفق المناهج المتبعة في المدارس التقليدية، أصبح من الممكن تحصيلها في هذا الزمان خلال خمسة عشر أسبوعًا بواسطة رسائل النور، وفي هذا الصدد يقول أستاذنا: إن مَن يتوفَّر سنةً على قراءة دروس رسائل النور بفهمٍ وقبولٍ يصلح أن يكون عالِمًا ذا حقيقةٍ وشأنٍ في هذا الزمان.

ورسائل النور خزينةُ مددٍ ونورٍ تُقرِّب المشرب النوراني لنبيِّنا المصطفى (ص)، وتُبيِّن السجايا العالية لصحابته الكرام رضي الله عنهم، وهذه المزية تُضفي على عالَم اليوم حياةً نورانيةً دفاقة، وتكشف عن وجهٍ جديدٍ مشرق، إذْ تجمع رسائلُ النور أهلَ العلوم الحديثة مع أهل العلوم التقليدية وأهل المسالك الصوفية، وتوحِّدهم في صفٍّ واحد بعد أن ساد الظنُّ لأزمانٍ طويلةٍ أن هؤلاء فُرقاء متعارضون؛ ويرى كثيرٌ من ذوي الشأن أن رسائل النور هي أبرز من يعمل لتحقيق اتحاد العالَم الإسلامي؛ أجل، بل يمكننا القول