928

الإيمانية، وتجلَّتْ فيه معاني الزهد والتقوى، والذي وقف حياتَه تلميذًا للقرآن وخادمًا للإسلام بتجرُّدٍ وإخلاصٍ لا يبتغي شيئًا سوى مرضاة ربه سبحانه، وهو المُنقِذ الإيماني القائل: إنني أرضى بدخول جهنم لإنقاذِ إيمانِ شخصٍ واحد؛ وهو الذي أُحيل على المحكمة العسكرية لتقضي بإعدامه، فلما وُجِّهت له تهمة الرجعية أجاب قائلًا: إذا كانت المَشْروطِيَّة استبدادَ فئةٍ من الناس فليشهد الثقلان أني رجعيّ، ولو كانت لي ألفُ روحٍ لما ترددتُ في التضحية بها فداءً لحكمٍ واحدٍ من أحكام القرآن، ثم لما قضتِ المحكمةُ ببراءته غادرها من غير أن يتقدم لها بشكرٍ، وتوجَّه إلى الميدان القريب منها هاتفًا بأعلى صوته في الناس: عاشت جهنم للظالمين!!؛ وهو الذي أعلنها مدوِّيةً في المحاكم التي سَعَتْ لتصفيته قبل أربعٍ وعشرين سنةً فقال: أيها الملاحدة.. أيها الزنادقة.. لقد قلتم: إن لسعيدٍ قوةَ خمسين ألف رجل.. ألا لقد أخطأتم.. فإنني في خدمة القرآن والإيمان بقوة خمسين مليونًا لا خمسين ألفًا.. فلتحسبوا للأمر حسابه.. وإن كان بوسعكم أن تتعرضوا لي فافعلوا إن استطعتم.. إن إعدامي سينفجر قنبلةً على رؤوسكم فلا يبقي منها ولا يَذَر.. وإن القضاء عليَّ سيكون بمثابة دفن حبةٍ تحت التراب لا تلبث أن تُنبِت مئات السنابل.. وعندها ستجدون مئة سعيدٍ وسعيدٍ يَجهرون بالحقيقة السامية في وجوهكم بدلًا مني؛ وهو الذي قال قبل خمسَ عشرةَ سنةً: لو كانت لي رؤوس بعدد شعر رأسي يُقطَع في كلِّ يومٍ واحدٌ منها ما تراجعتُ عن خدمتي الإيمانية، ولو جعلتم العالَم بأسره نارًا تَتَّقد فوق رأسي لما أحنيتُ هذا الرأس الذي نذرتُه للحقيقة القرآنية، وما طأطأتُه أمام الزندقة؛ وهو الذي جابَهَ قبل خمسين سنة الإمبراطوريةَ البريطانية المتجبِّرة الظالمة التي احتلت بلدان العالَم الإسلامي ونهبت خيراته، وأعلن موقفه منها في المطبوعات قائلًا: ابصقوا في وجوه هؤلاء الظَّلَمة الأنذال؛ وهو الذي خاطب رئيس الجمهورية أمام مجلس الشعب قائلًا: «إن أسمى حقيقةٍ في الكون بعد الإيمان هي الصلاة.. وإن الذي لا يصلي خائن.. وحُكمُ الخائن مردود.. ولو كان ثمة حقيقةٌ بعد الإيمان أعظم