الحقيقة السادسة

باب العظمة والسرمدية

وهو تجلي اسم ((الجليل والباقي))

أمن الممكن لرب جليل يدير الموجودات ويسخّرها من الشموس إلى الأشجار وإلى الذرات وإلى ما هو أصغر منها، كأنها جنود مجندة، أن يقصر نشر سلطانه على مساكين فانين يقضون حياة مؤقتة في دار ضيافة الدنيا هذه ولا ينشئ مقرًا ساميًا سرمديًا ومدار ربوبية جليلة باقية له؟!

إن ما نشاهده في هذا الكون من الإجراءات الجليلة الضخمة أمثال تبدل المواسم.. ومن التصرفات العظيمة أمثال تسيير النجوم.. ومن التسخيرات المدهشة أمثال جعل الأرض مهادًا والشمس سراجًا.. ومن التحولات الواسعة أمثال إحياء الأرض وتزيينها بعد جفافها وموتها.. ليبيّن لنا بجلاء أن وراء الحجاب ربوبية جليلة عظيمة تحكم وتُهيمن بسلطانها الجليل. فمثل هذه السلطنة الربانية تستدعي رعايا يليقون بها، ومظاهر تناسبها. بينما ترى أن مَن لهم أفضل المزايا وأجمعها من الرعايا والعباد قد اجتمعوا مؤقتًا منهوكين في مضيف الدنيا، والمضيف نفسه يملأ ويفرغ يوميًا، والرعايا لا يلبثون فيه إلّا بمقدار أداء تجربة مهماتهم في ميدان الاختبار هذا. والميدان نفسه يتبدل كل ساعة. فالرعايا يقفون دقائق معدودة لرؤية ما في معارض سوق العالم من نماذج الآلاء الثمينة للخالق ذي الجلال، ومشاهدين -لأجل التجارة- بدائع صنعه سبحانه في هذا المعرض الهائل، ومن ثم يغيبون، والمعرض نفسه يتبدل ويتغير كل دقيقة!. فمَن يرحل فلا عودةََ له، والقابل راحل. فهذا الوضع يبين بوضوح وبشكل قاطع أن وراء هذا المضيف الفاني، وخلف هذا الميدان المتغير، وبعد هذا المعرض المتبدل، قصورًا دائمة تليق بالسلطنة السرمدية، ومساكن أبدية ذات جنان، وخزائن ملأى بالأصول الخالصة الراقية للنماذج التي نراها في الدنيا؛ لذا فالدأب والسعي هنا إنما هو للتطلع إلى ما هناك.. والاستخدام هنا لقبض الأجرة هناك. فلكلٍ حسب استعداده واجتهاده سعادة وافرة إن لم يفقدها.

نعم، إنه محال أن تظل مثل هذه السلطنة السرمدية مقصورة على هؤلاء الفانين الأذلاء..

فانظر إلى هذه الحقيقة من خلال منظار هذا المثال:

هب أنك تسير في طريق، وتشاهد أن عليها (فندقًا فخمًا) بناه ملك عظيم لضيوفه، وهو ينفق مبالغ طائلة لتزيينه وتجميله كي يُدخل البهجة في قلوب ضيوفه، ويعتبروا بما يرون. بيد أن أولئك الضيوف لا يتفرجون إلّا على أقل القليل من تلك التزيينات، ولا يذوقون إلّا أقل القليل من تلك النعم، حيث لا يلبثون إلّا قليلًا ومن ثم يغادرون الفندق دون أن يرتووا ويشبعوا. سوى ما يلتقطون من صور أشياء في الفندق بما يملكون من آلة تصوير وكذلك يفعل عمال صاحب الفندق وخدامه حيث يلتقطون حركات هؤلاء النزلاء وسكناتهم بكل دقة وأمانة ويسجلونها. فها أنت ذا ترى أن الملك يهدّم يوميًا أغلب تلك التزيينات النفيسة، مجددًا إياها بأخرى جديدة للضيوف الجدد. أفبعد هذا يبقى لديك شك في مَن بنى هذا الفندق على قارعة هذه الطريق يملك قصورًا دائمة عالية، وله خزائن زاخرة ثمينة لا تنفد، وهو ذو سخاء دائم لا ينقطع. وأن ما يبديه من الكرم في هذا الفندق هو لإثارة شهية ضيوفه إلى ما عنده من أشياء، ولتنبيه رغباتهم وتحريكها لما أعدّ لهم من هدايا؟.

فإن تأملت من خلال هذا المثال في أحوال فندق الدنيا هذه، وأنعمت النظر فيها بوعي تام فستفهم الأسس التسعة الآتية:

الأساس الأول:  إنك ستفهم أن هذه الدنيا -الشبيهة بذلك الفندق- ليست لذاتها. فمحال أن تتخذ لنفسها بنفسها هذه الصورة والهيئة. وإنما هي دار ضيافة تملأ وتفرغ، ومنزل حلّ وترحال، أنشئت بحكمة لقافلة الموجودات والمخلوقات.

الأساس الثاني: وستفهم أن ساكني هذا الفندق هم ضيوف مسافرون، وأن ربهم الكريم يدعوهم إلى دار السلام.

الأساس الثالث: وستفهم أن التزيينات في هذه الدنيا ليست لأجل التلذذ والتمتع فحسب، إذ لو أذاقتك اللذة ساعة، أذاقتك الألم بفراقها ساعات وساعات، فهي تذيقك مثيرة شهيتك دون أن تشبعك، لقصر عمرها أو لقصر عمرك، إذ لا يكفي للشبع.

إذن فهذه الزينة الغالية الثمن والقصيرة العمر هي للعبرة (حاشية) على الرغم من أن كل شيء دقيق الصنع بديع التصوير جميل التركيب هو غالٍ ونفيس، فإن عمره قصير، ووجوده لا يستغرق إلّا زمنًا يسيرًا. فهو إذن نماذج وصور لأشياء أخرى ليس إلّا.

ولما كان هناك ما يشبه توجيه الأنظار إلى الحقائق الأصيلة، فلا غرابة إذن في أن يقال: إن زينة الحياة الدنيا ما هي إلّا نماذج لنعم الجنة التي هيأها الرب الرحيم بفضله ولطفه لمن أحب من عباده، بل الحقيقة هي هذه فعلًا. المؤلف. وللشكر، وللحض على الوصول إلى تناول أصولها الدائمة، ولغايات أخرى سامية.

الأساس الرابع: وستفهم أن هذه الزينة في الدنيا (حاشية)  نعم، إن لوجود كل شيء غايات، ولحياته أهداف ونتائج، فهي ليست بمنحصرة كما يتوهم أهل الضلالة على الغايات والمقاصد التي تتوجه إلى الدنيا أو التي تنحصر في الموجود نفسه، حتى يمكن أن يتسلل إليها العبث وعدم القصد. بل إن غايات وجود كل شيء ومقاصد حياته ثلاثة اقسام:

أولها: وهو أسماها وهو المتوجه إلى صانعه سبحانه وتعالى. أي: عرض دقائق صنع كل شيء وبديع تركيبه أمام أنظار الشاهد الأزلي سبحانه بما يشبه الاستعراض الرسمي حيث تكفي لذلك النظر حياة الشيء ولو للحظة واحدة. بل قد يكفيه استعداده لإبراز قواه الكامنة  الشبيهة بنيّته ولمّا يبرز إلى الوجود . ومثاله: المخلوقات اللطيفة التي تزول بسرعة، والبذور التي لم يتسن لها إعطاء ثمارها وأزاهيرها، تفيد هذه الغاية وتعبّر عنها تمامًا، فلا يطرأ عليها عبث ولا انتفاء النفع البتة. أي أن اُولى غايات كل شيء هو: إعلانه وإظهاره بحياته ووجوده معجزات قدرة صانعه، وآثار صنعته، أمام أنظار عناية مليكه ذي الجلال.

والقسم الثاني: من غاية الوجود وهدف الحياة هو: التوجه إلى ذوي الشعور أي أن كل شيء بمثابة رسالة ربانية زاخرة بالحقائق، وقصيدة تنضح لطفًا ورقةً وكلمة تفصح عن الحكمة، يعرضها الباري عز وجل أمام أنظار الملائكة والجن والحيوان والإنسان، ويدعوهم إلى التأمل، أي أن كل شيء هو محل مطالعة وتأمل وعبرة لكل من ينظر إليه من ذوي الشعور.

القسم الثالث: من غاية الوجود وهدف الحياة هو: التوجه إلى ذات نفسه:كالتمتع والتلذذ وقضاء الحياة والبقاء فيها بهناء، وغيرها من المقاصد الجزئية. فمثلًا: إن نتيجة عمل الملاّح في سفينة السلطان العظيمة تعود فائدتها إليه وهي أجرته، وهي بنسبة واحد في المائة، بينما تسع وتسعين بالمائة من نتائج السفينة تعود إلى السلطان الذي يملكها.. وهكذا إن كانت الغاية المتوجهة إلى كل شيء بذاته وإلى دنياه واحدة، فالغاية المتوجهة إلى بارئه سبحانه هي تسع وتسعون.

ففي تعدد الغايات هذا يكمن سر التوفيق بين “الحكمة والجود” أي بين ” الاقتصاد والسخاء المطلقين” اللذين يبدوان كالضدين والنقيضين. وتوضيح ذلك:

إذا لوحظت غاية بمفردها فإن الجود والسخاء يسودان آنذاك، ويتجلى اسم”الجواد”، فالثمار والحبوب حسب تلك الغاية المفردة الملحوظة لا تعد ولا تحصى. أي أنها تفيد جودًا مطلقًا وسخاء لا حصر له. أما إذا لوحظت الغايات كلها فإن الحكمة هي التي تظهر وتهيمن، ويتجلى اسم “الحكيم”. فتكون الحِكَم والغايات المتوخاة من ثمرة لشجرة واحدة بعدد ثمار تلك الشجرة، فتتوزع هذه الغايات على الأقسام الثلاثة التي سبق ذكرها. فهذه الغايات العامة تشير إلى حكمة غير نهائية، واقتصاد غير محدد، فتجتمع الحكمة المطلقة مع الجود المطلق اللذان يبدوان كالضدين.

ومثلًا: إن إحدى الغايات من الجيش هي المحافظة على الأمن والنظام، فإذا نظرت إلى الجيش بهذا المنظار فسترى أن هناك عددًا فوق المطلوب منه. أما إذا نظرنا إليه مع أخذنا الغايات الأخرى بنظر الاعتبار كحفظ الحدود، ومجاهدة الأعداء وغيرها، عند ذلك نرى أن العدد يكاد يفي بالحد المطلوب… فهو إذن توازن دقيق بميزان الحكمة. إذ تجتمع “حكمة” الحكومة مع “عظمتها”. وهكذا يمكن القول في هذه الحالة: أن الجيش ليس فوق الحد المطلوب. المؤلف. بمثابة صور ونماذج للنعم المدّخرة لدى الرحمة الإلهية في الجنة للمؤمنين.

الأساس الخامس: وستفهم أن هذه المصنوعات الفانية ليست للفناء، ولم تخلق لتشاهَد حينًا ثم تذهب هباءً، وإنما اجتمعت هنا، وأخذت مكانها المطلوب لفترة قصيرة كي تُلتقط صورها، وتُفهم معانيها، وتُدوّن نتائجها، ولتُنسج لأهل الخلود مناظر أبدية دائمة ولتكون مدارًا لغايات أخرى في عالم البقاء.

ويفهم من المثال الآتي، كيف أن هذه الأشياء لم تخلق للفناء بل للبقاء، بل إن فناءها الظاهري ليس إلّا إطلاقًا لسراحها بعدما أنهت مهامّها، وكيف أن الشئ  يفنى من جهة إلّا إنه يبقى من جهات كثيرة:

تأمل في هذه الزهرة -وهي كلمة من كلمات القدرة الإلهية- إنها تنظر إلينا مبتسمة لنا لفترة قصيرة، ثم تختفي وراء ستار الفناء. فهي كالكلمة التي نتفوه بها، التي تودع آلافًا من مثيلاتها في الآذان وتبقى معانيها بعدد العقول المنصتة لها، وتمضي بعد أن أدت وظيفتها، وهي إفادة المعنى. فالزهرة أيضًا ترحل بعد أن تودع في ذاكرة كل من شاهدها صورتها الظاهرة، وبعد أن تودع في بذيراتها ماهيتها المعنوية، فكأن كل ذاكرة وكل بذرة، بمثابة صور فوتوغرافية لحفظ جمالها وصورتها وزينتها، ومحل إدامة بقائها.

فلئن كان المصنوع وهو في أدنى مراتب الحياة يعامل مثل هذه المعاملة للبقاء، فما بالك بالإنسان الذي هو في أسمى طبقات الحياة، والذي يملك روحًا باقية، ألا يكون مرتبطًا بالبقاء والخلود؟ ولئن كانت صورة النبات المزهر المثمر، وقانون تركيبه –الشبيه جزئيًا بالروح– باقية ومحفوظة في بُذيراتها بكل انتظام، في خضم التقلبات الكثيرة، أفلا يُفهم كم تكون روح الإنسان باقية، وكم تكون مشدودة مع الخلود، علمًا أنها قانون أمري، وذات شعور نوراني، تملك ماهية راقية، وذات حياة، وذات خصائص جامعة شاملة، وقد أُلبست وجودًا خارجيًا؟!

الأساس السادس: وستفهم أن الإنسان لم يترك حبله على غاربه، ولم يترك طليقًا ليرتع أينما يريد، بل تُسجّل جميع أعماله وتُلتقط صورها، وتدوّن جميع أفعاله ليحاسب عليها.

الأساس السابع: وستفهم أن الموت والاندثار الذي يصيب في الخريف مخلوقات الربيع والصيف الجميلة، ليس فناءً نهائيًا، وإعدامًا أبديًا، وإنما هو إعفاء من وظائفها بعد إكمالها وإيفائها، وتسريح منها (حاشية) نعم، لا بد من زوال الثمار والأزهار والأوراق المحمولة على أغصان ورؤوس الأشجار التي هي خزينة الأرزاق للرحمة الإلهية بعد أن أدت وظيفتها وهرمت، كيلا يوصَد الباب أمام ما يسيل وراءها ويخلفها، وإلّا صارت سدًا منيعًا أمام سعة الرحمة وحائلًا أمام مهام أخواتها، فضلًا عن أنها هي نفسها تذوي وتذبل بزوال شبابها. وهكذا، فالربيع أشبه بتلك الشجرة المثمرة، المُظهرة للحشر. وعالم الإنسان في كل عصر هو شجرة مثمرة ذات حكمة وعبرة، والأرض جميعًا شجرة قُدرةٍ بديعةٍ والدنيا كذلك شجرة رائعة ترسل ثمارها إلى سوق الآخرة. المؤلف. وهو إفساح مجالٍ وتخليةُ مكانٍ لما سيأتي في الربيع الجديد من مخلوقات جديدة. فهو تهيؤ وتهيأة لما سيحل من الموجودات المأمورة الجديدة.

وهو تنبيه رباني لذوي المشاعر الذين أنسَتهم الغفلة مهامهم، ومنعهم السُكر عن الشكر.

الأساس الثامن: وستفهم أن الصانع السرمدي لهذا العالم الفاني له عالم غير هذا، وهو عالم باقٍ خالد، ويشوّق عباده إليه، ويسوقهم إليه.

الأساس التاسع: وستفهم أن الرحمن الرحيم جل جلاله سوف يكرم في ذلك العالم الفسيح عباده المخلصين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. آمنا.

الحقيقة السابعة

باب الحفظ والحفيظية

وهو تجلي اسم ((الحفيظ والرَّقيب))

أمن الممكن لحفيظ ورقيب يحفظ بانتظام وميزان ما في السماء والأرض، وما في البر والبحر، من رطب ويابس فلا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلّا أحصاها، أن لا يحافظ ولا يراقب أعمال الإنسان الذي يملك فطرة سامية، ويشغل رتبة الخلافة في الأرض، ويحمل مهمة الأمانة الكبرى؟. فهل يمكن أن لا يحافظ على أفعاله التي تمس الربوبية؟ ولا يفرزها بالمحاسبة؟ ولا يزنها بميزان العدالة؟ ولا يجازي فاعلها بما يليق من ثواب وعقاب؟ تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

نعم، إن الذي يدير أمر هذا الكون هو الذي يحافظ على كل شئ فيه ضمن نظام وميزان. والنظام والميزان هما مظهران من مظاهر العلم والحكمة مع الإرادة والقدرة، لأننا نُشاهد أن أيّ مصنوع كان لم يُخلق ولا يُخلق إلّا في غاية الانتظام والميزان، وأن الصور التي يغيّرها طوال حياته في انتظام دقيق كما أن مجموعها أيضًا ضمن نظام متقن محكم. ونرى أيضًا أن الحفيظ ذا الجلال يحفظ صور كل شئ حالما يختم عمره مع انتهاء وظيفته ويرحل من عالم الشهادة، يحفظها سبحانه في الأذهان التي هي أشبه ما تكون بالألواح المحفوظة (حاشية) انظر حاشية الصورة السابعة. المؤلف.  وفي ما تشبه بمرايا مثالية، فيكتب معظم تاريخ حياته في بذوره وينقشه نقشًا في ثماره، فيديم حياته ويحفظها في مرايا ظاهرة وباطنة..فذاكرة البشر، وثمر الشجر، ونواة الثمر، وبذر الزهر.. كل ذلك يبين عظمة إحاطة الحفيظية.

ألا ترى كيف يُحافَظ على كل شئ مزهر ومثمر في الربيع الشاسع العظيم، وكيف يُحافظ على جميع صحائف أعماله الخاصة به، وعلى جميع قوانين تركيبه ونماذج صوره، كتابةً في عدد محدود من البُذيرات. حتى إذا ما أقبل الربيع تُنشر تلك الصحائف وفق حساب دقيق يناسبها فيخرج إلى الوجود ربيعًا هائلًا في غاية الانتظام والحكمة؟ ألا يبين هذا مدى نفوذ الحفظ والرقابة، ومدى قوة إحاطتهما الشاملة؟ فلئن كان الحفظ إلى هذا الحد من الإتقان والإحاطة فيما لا أهمية له وفي أشياء مؤقتة عادية، فهل يُعقل عدم الاحتفاظ بأعمال البشر، التي لها ثمار مهمة في عالم الغيب وعالم الآخرة وعالم الأرواح، ولدى الربوبية المطلقة؟! فهل يمكن إهمالها وعدم تدوينها؟ حاش لله…

نعم، يفهم من تجلي هذه الحفيظية، وعلى هذه الصورة الواضحة، أن لمالك هذه الموجودات عناية بالغة لتسجيل كل شئ وحفظه، وضبطِ كل ما يجري في ملكه، وله منتهى الرعاية في حاكميته، ومنتهى العناية في سلطنة ربوبيته، بحيث أنه يكتب ويستكتب أدنى حادثة وأهون عمل محتفظًا بصور كل ما يجري في ملكه في محافظَ كثيرة. فهذه المحافظة الواسعة الدقيقة تدل على أنه سيُفتح بلاشك سجلٌ لمحاسبة الأعمال، ولاسيما لهذا المخلوق المكرّم والمعزّز والمفطور على مزايا عظيمة، ألا وهو الإنسان. فلابدّ أن تدخل أعماله التي هي عظيمة، وأفعاله التي هي مهمة ضمن ميزان حساس ومحاسبة دقيقة، ولابد أن تُنشر صحائف أعماله.

فيا ترى هل يقبل عقل بأن يُترك هذا الإنسان الذي أصبح مكرّمًا بالخلافة والأمانة، والذي ارتقى إلى مرتبة القائد والشاهد على المخلوقات، بتدخله في شؤون عبادة أغلب المخلوقات وتسبيحاته بإعلانه الوحدانية في ميادين المخلوقات الكثيرة وشهوده شؤون الربوبية الكلية.. فهل يمكن أن يُترك هذا الإنسان، يذهب إلى القبر لينام هادئًا دون أن ينبّه ليُسأل عن كل صغيرة وكبيرة من أعماله، ودون أن يُساق إلى المحشر ليحاكم في المحكمة الكبرى؟ كلاّ ثم كلاّ!.

وكيف يمكن أن يذهب هذا الإنسان إلى العدم، وكيف يمكن أن يتوارى في التراب فيفلت من يد القدير ذي الجلال الذي تشهد جميع الوقائع التي هي معجزات قدرته في الأزمنة الغابرة على قدرته العظيمة لما سيحدث من الممكنات في الأزمنة الآتية (حاشية) إن الماضي الممتد منذ الآن إلى بدء الخليقة مليء بالوقائع والأحداث، فكل يوم ظهر  إلى الوجود منه سطر، وكل سنة منه صحيفة، وكل عصر منه كتاب، رَسَمه قلمُ القدَر، وخطت فيه يدُ القدرة آياتها المعجزة بكل حكمة وانتظام.وأن المستقبل الذي يمتد من الآن إلى يوم القيامة، وإلى الجنة، وإلى الأبد، إنما هو ضمن الممكنات، أي: كما أن الماضي هو وقائع وقعت فعلًا، فالمستقبل كذلك ممكنات يمكن أن تقع فعلًا. وإذا قوبلت سلستا هذين الزمانين فلا ريب في أن الذي خلق الأمس بما فيه من الموجودات قادر على خلق الغد بما سيكون فيه من الموجودات، ولا ريب كذلك أن موجودات وخوارق الزمن الماضي الذي هو معرض العجائب والغرائب هي معجزات القدير ذي الجلال وهي تشهد شهادة قاطعة على: أنه سبحانه وتعالى قادر على أن يخلق المستقبل كله، وما فيه من الممكنات كلها، وأن يعرض فيه عجائبه ومعجزاته كافة.

نعم، فكما أن الذي يقدر على خلق تفاحة واحدة لابد أن يكون قادرًا على خلق تفاح العالم جميعًا، بل على إيجاد الربيع الكبير. إذ من لا يَقدر على خلق الربيع لا يمكن أن يخلق تفاحة، لأن تلك التفاحة تنسج في ذلك المصنع. ومَن يقدِر على خلق تفاحة واحدة فهو إذن قادرٌ على خلق الربيع فالتفاحة مثال مصغّر للشجرة، وللحديقة، بل هي مثال الكائنات جميعًا. والتفاحة من حيث الصنعة والإتقان هي معجزة الصنعة، حيث تتضمن بذورها تاريخ حياة شجرتها. فالذي يخلقها خلقًا بديعًا كهذا لا يعجزه شيء مطلقًا.

وهكذا، فالذي يخلق اليومَ هو قادر على خلق يوم القيامة، والذي يحدث الربيع قادر على غحداث الحشر، والذي أظهر عوالم الماضي وعلقها على شريط الزمان بكل حكمة وانتظام لاشك أنه يقدر على أن يظهر عوالم أخرى ويعلقها بخيط المستقبل، وسيظهرها حتمًا. وقد أثبتنا بشكل قاطع في كثير من (الكلمات) ولا سيما في (الكلمة الثانية والعشرين) بأن “من لا يخلق كل شئ لا يقدر على خلق شئ. ومن يخلق شيئًا واحدًا يقدر على أن يخلق كل شيء. وكذلك لو أحيل إيجاد الأشياء إلى ذات واحدة لسهُلت الأشياء كلها كالشيء الواحد، ولو أسند إلى الأسباب المتعددة وإلى الكثرة لأصبح إيجاد الشيء الواحد صعبًا بمقدار إيجاد الأشياء كلها إلى درجة الامتناع والمحال” المؤلف. تلك القدرة التي تحدث الشتاء والربيع الشبيهين بالقيامة والحشر؟ ولما كان الإنسان لا يحاسَب في هذه الدنيا حسابًا يستحقه، فلابدّ أنه سيذهب يومًا إلى محكمة كبرى وسعادة عظمى.

الحقيقة الثامنة

باب الوعد والوعيد

وهو تجلي اسم ((الجميل والجليل))

أمن الممكن لمبدع هذه الموجودات وهو العليم المطلق والقدير المطلق ألاّ يوفي بما أخبر به مكررًا الأنبياء عليهم السلام كافة بالتواتر من وعد ووعيد، وشهد به الصدِّيقون والأولياء كافة بالإجماع، مُظهرًا عجزًا وجهلًا بذلك؟ تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. علمًا أن الأمور التي وعد بها، وأوعدها، ليست عسيرة على قدرته قطعًا، بل هي يسيرة وهينة، وسهلة كسهولة إعادة الموجودات التي لا تحصى للربيع السابق بذواتها (حاشية) كجذور وأصول الأعشاب والأشجار. المؤلف. أو بمثلها (حاشية) كالأوراق والثمار. المؤلف. في الربيع المقبل. أما الوفاء بالوعد فكما هو ضروري لنا ولكل شئ ضروري كذلك لسلطنة ربوبيته. بعكس إخلاف الوعد فهو مضاد لعزة قدرته، ومنافٍ لإحاطة علمه، حيث لا يتأتى إخلاف الوعد إلّا من الجهل أو العجز.

فيا أيها المنكر! هل تعلم مدى حماقة ما ترتكب من جناية عظمى بكفرك وإنكارك! إنك تصدّق وهمَك الكاذب وعقلك الهاذي ونفسَك الخدّاعة، وتكذّب مَن لا يضطر إلى إخلاف الوعد، ولا إلى خلافه أبدا، بل لا يليق الإخلاف بعزته وعظمته قطعًا. وإن جميع الأشياء وجميع المشهودات تشهد على صدقه وأحقيته!!.. إنك ترتكب إذن جناية عظمى لا نهاية لها مع صغرك المتناهي، فلا جرم أنك تستحق عقابًا عظيمًا أبديًا.. ولقياس عِظَم ما يرتكبه الكافر من جناية فقد وَرَد أن ضرس بعض أهل النار كالجبل.. إن مَثَلك هو كمثَل ذلك المسافر الذي يغمض عينيه عن نور الشمس ويتبع ما في عقله من خيال، ثم يريد أن ينوّر طريقه المخيف بضياء ما في عقله من بصيص كنور اليراعة!.

فما دام الله سبحانه قد وعد، وهذه الموجودات كلماته الصادقة بالحق، وهذه الحوادث في العالم آياته الناطقة بالصدق، فإنه سيوفي بوعده حتمًا، وسيفتح محكمة كبرى، وسيهب سعادة عظمى.

 

الحقيقة التاسعة

باب الإحياء والإماتة

وهو تجلي اسم ((الحي القيوم والمحيي والمميت))

أمن الممكن للذي أظهر قدرتَه بإحياء الأرض الضخمة بعد موتها وجفافها، وبعث أكثر من ثلاثمائة ألف نوع من أنوع المخلوقات، مع أن بعث كل نوع عجيب كأعجوبة بعث البشر.. والذي أظهر إحاطةَ علمه ضمن ذلك الإحياء بتمييزه كل كائن من بين ذلك الامتزاج والتشابك.. والذي وجّه أنظار جميع عباده إلى السعادة الأبدية بوعدهم الحشر في جميع أوامره السماوية.. والذي أظهر عظمة ربوبيته بجعله الموجودات متكاتفة مترافقة، فادارها ضمن أمره وارادته، مسخرًا أفرادها، معاونًا بعضها بعضًا.. والذي أولى البشر الأهمية القصوى، بجعله أجمع ثمرة في شجرة الكائنات، وألطفها وأشدها رقةً ودلالًا، وأكثرها مستجابًا للدعاء، مسخرًا له كل شئ، متخذًا إياه مخاطبًا.. أفمن الممكن لمثل هذا القدير الرحيم ولمثل هذا العليم الحكيم الذي أعطى هذه الأهمية للإنسان أن لا يأتي بالقيامة؟ ولا يحدث الحشر ولا يبعث البشر، أو يعجز عنه؟ وأن يعجز عن فتح أبواب المحكمة الكبرى وخلق الجنة والنار؟!. تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

نعم، إن الرب المتصرف في هذا العالم جلّ جلاله يُحدث في هذه الأرض المؤقتة الضيقة في كل عصر وفي كل سنة وفي كل يوم نماذج وأمثلة كثيرة وإشارات عديدة للحشر الأكبر. فعلى سبيل المثال:

إنه يحشر في بضعة أيام في حشر الربيع ويبعث أكثر من ثلاثمائة ألف نوع من أنواع النباتات والحيوانات من صغير وكبير، فيحيي جذور الأشجار والأعشاب، ويعيد بعض الحيوانات بعينها كما يعيد أمثال بعضها الآخر. ومع أن الفروق المادية بين البُذيرات المتناهية في الصغر جزئية جدًا، إلّا أنها تُبعث وتُحيا بكل تميّز، وتشخّص في منتهى السرعة في ستة أيام، أو ستة أسابيع، وفي منتهى السهولة والوفرة، وبانتظام كامل وميزان دقيق، رغم اختلاطها وامتزاجها. فهل يصعب على من يقوم بمثل هذه الأعمال شئ، أو يعجز عن خلق السموات والأرض في ستة أيام، أولا يستطيع أن يحشر الإنسان بصيحة واحدة؟.. سبحان الله عما يصفون.

فيا ترى إن كان ثمة كاتبٌ ذو خوارق يكتب ثلاثمائة ألف كتاب مُسحت حروفُها ومُسخت، في صحيفة واحدة دون اختلاط ولا سهو ولا نقص، وفي غاية الجمال، ويكتبها جميعًا معًا خلال ساعة واحدة. وقيل لك: إن هذا الكاتب سيكتب من حفظه في دقيقة واحدة كتابك الذي وقع في الماء وهو من تأليفه. فهل يمكنك أن ترد عليه وتقول: لا يستطيع. لا أصدق؟!.. أو أن سلطانًا ذا معجزات يرفع الجبال وينسفها ويغير المدن بكاملها ويحول البحر برًا، بإشارة منه، إظهارًا لقدرته وجعلها آية للناس.. فبينما ترى منه هذه الأعمال إذا بصخرة عظيمة قد تدحرجت إلى وادٍ وسدّت الطريق على ضيوفه، وقيل لك: إن هذا السلطان سيميط حتمًا تلك الصخرة من على الطريق ويحطمها مهما كانت كبيرة، حيث لا يمكن أن يدع ضيوفه في الطريق.. كم يكون جوابك هذيانًا أو جنونًا إذا ما أجبته بقولك: لا، لا يستطيع أن يفعل؟!!.. أو أن قائدًا يمكنه أن يجمع من جديد أفراد جيشه الذي شكله بنفسه في يوم واحد. وقيل لك: إن هذا سيجمع أفراد تلك الفرق وسينضوي تحت لوائه أولئك الذين سرّحوا وتفرّقوا، بنفخة من بوق، فأجبته: لا، لا أصدق!. عندها تفهم أن جوابك هذا ينبئ عن تصرف جنوني، أيّ جنون!!

فإذا فهمت هذه الأمثلة الثلاثة فتأمل في ذلكم البارئ المصور سبحانه وتعالى الذي يكتب أمام أنظارنا باحسن صورة وأتمها بقلم القدرة والقدر أكثر من ثلاثمائة ألف نوع من الأنواع على صحيفة الأرض، مبدلًا صحيفة الشتاء البيضاء إلى الأوراق المتفتحة للربيع والصيف، يكتبها متداخلة دون اختلاط، يكتبها معًا دون مزاحمة ولا التباس، رغم تباين بعضها مع البعض الآخر في التركيب والشكل. فلا يكتب خطأ مطلقًا. أفيمكن أن يُسأل الحفيظ الحكيم الذي أدرج خطة روح الشجرة الضخمة ومنهاجها في بذرة متناهية في الصغر محافظًا عليها، كيف سيحافظ على أرواح الأموات؟. أم هل يمكن أن يُسأل القدير ذو الجلال الذي يُجري الأرض في دورتها بسرعة فائقة، كيف سيزيلها من على طريق الآخرة، وكيف سيدمّرها؟ أم هل يمكن أن يُسأل ذو الجلال والإكرام الذي أوجد الذرات من العدم ونسّقها بأمر ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ في أجساد جنود الأحياء ، فأنشأ منها الجيوش الهائلة، كيف سيجمع بصيحة واحدة تلك الذرات الأساسية التي تعارفت فيما بينها، وتلك الأجزاء الأساسية التي انضوت تحت لواء فرقة الجسد ونظامه؟

فها أنت ذا ترى بعينيك كم من نماذج وأمثلة وأمارات للحشر شبيهة بحشر الربيع، قد أبدعها الباري سبحانه وتعالى في كل موسم، وفي كل عصر، حتى إن تبديل اللّيل والنّهار، وإنشاء السحاب الثقال وإفناءها من الجو، نماذج للحشر وأمثلة وأمارات عليه.

وإذا تصورت نفسك قبل ألف سنة مثلًا، وقابلت بين جناحي الزمان الماضي والمستقبل، ترى أمثلة الحشر والقيامة ونماذجها بعدد العصور والأيام.

فلو ذهبت إلى استبعاد الحشر الجسماني وبعث الأجساد متوهمًا أنه بعيد عن العقل ، بعد ما شاهدت هذا العدد الهائل من الأمثلة والنماذج، فستعلم أنت كذلك مدى حماقة من ينكر الحشر.

تأمل ماذا يقول الدستور الأعظم حول هذه الحقيقة:

﴿فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (الروم: 50)

الخلاصة: لا شئ يحول دون حدوث الحشر، بل كل شئ يقتضيه ويستدعيه.

نعم! إن الذي يحيي هذه الأرض الهائلة وهي معرض العجائب ويميتها كأدنى حيوان، والذي جعلها مهدًا مريحًا وسفينة جميلة للإنسان والحيوان، وجعل الشمس ضياءً وموقدًا لهذا المضيف، وجعل الكواكب السيّارة والنجوم اللامعة مساكن طائرات للملائكة.. إن ربوبية خالدة جليلة إلى هذا الحدّ، وحاكمية محيطة عظيمة إلى هذه الدرجة، لا تستقران ولا تنحصران في أمور الدنيا الفانية الزائلة الواهية السيالة التافهة المتغيرة. فلابد أن هناك دارًا أخرى باقية، دائمة، جليلة، عظيمة، مستقرة، تليق به سبحانه فهو يسوقنا إلى السعي الدائب لأجل تلك الممالك والديار ويدعونا إليه وينقلنا إلى هناك. يشهد على هذا أصحاب الأرواح النيرة، وأقطاب القلوب المنورة، وأرباب العقول النورانية، الذين نفذوا من الظاهر إلى الحقيقة، والذين نالوا شرف التقرب إليه سبحانه. فهم يبلغوننا متفقين أنه سبحانه قد أعد ثوابًا وجزاءًا، وأنه يَعِد وعدًا قاطعًا، ويوعد وعيدًا جازمًا..

فإخلاف الوعد لا يمكن أن يدنو إلى جلاله المقدّس، لأنه ذلّة وتذلل. وأما إخلاف الوعيد فهو ناشئ من العفو أو العجز. والحال أن الكفر جناية مطلقة لا يستحق العفو والمغفرة (حاشية) نعم إن الكفر إهانة وتحقير للكائنات جميعًا، حيث يتهمها بالعبثية وانتفاء النفع. وهو تزييف تجاه اسماء الله الحسنى، لأنه ينكر تجلي تلك الأسماء على مرايا الموجودات. وهو تكذيب للمخلوقات جميعًا حيث يردّ شهادة الموجودات على الوحدانية. لذا فإنه يفسد قوى الإنسان واستعداداته إلى درجة يسلب منه القدرة على تقبل الخير والصلاح. فالكفر إذن ظلم عظيم جدًا، إذ هو تجاوز لحقوق جميع المخلوقات، ولجميع الأسماء الحسنى، لذا فحفاظًا على هذه الحقوق، ولعدم تمكن نفس الكافر من قبول الخير، اقتضى حرمانه من العفو. والآية الكريمة: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ تفيد هذا المعنى. المؤلف. أما القدير المطلق فهو قدوس منزّه عن العجز، وأما المخبرون والشهود فهم متفقون اتفاقًا كاملًا على أساس هذه المسألة رغم اختلاف مسالكهم ومناهجهم ومشاربهم. فهم من حيث الكثرة بلغوا درجة التواتر، ومن حيث النوعية بلغوا قوة الإجماع، ومن حيث المنزلة فهم نجوم البشرية وهداتها وأعزة القوم وقرة عيون الطوائف. ومن حيث الأهمية فهم في هذه المسألة ((أهل اختصاص وأهل إثبات)). ومن المعلوم أن حكم اثنين من أهل الاختصاص في علم أو صنعة يرجّح على آلاف من غيرهم، وفي الإخبار والرواية يرجح قول اثنين من المثبتين على آلاف من النافين المنكرين، كما في إثبات رؤية هلال رمضان، حيث يرجّح شاهدان مثبتان، بينما يضرب بكلام آلاف من النافين عرض الحائط.

والخلاصة: لا خبر أصدق من هذا في العالم، ولا قضية أصوب منها، ولا حقيقة أظهر منها ولا أوضح.

فالدنيا إذن مزرعة بلا شك، والمحشر بيدر، والجنة والنار مخزنان.