بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾(ﻫﻮﺩ:١)

ﺳﻨﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺎﺋﺮ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻭﻟﻤﻔﺴّﺮﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺳُﻠّﻢٍ ﻟﻠﺼﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﻟﻜﻲ ﺗُﺴﻌِﻒ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻘﺼﻬﺎ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﻭﺍلاﻧﻘﻴﺎﺩ. ﻭﻓﻲ ﺧﺎﺗﻤﺔ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺳﻴُﺒﻴَّﻦ ﺩﺭﺱ ﻟﻠﻌﺒﺮﺓ ﻭﺳﺮّ ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.

ﻭﻧﻜﺘﻔﻲ ﻫﻨﺎ ﺑﺬﻛﺮ ﻧﻤﺎﺫﺝَ ﻟﺨﻤﺲ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻓﺤﺴﺐ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﺋﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻗﺪ ﺫُﻛﺮﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻭلا ﺩﺍﻋﻲ ﻟﻠﺘﻜﺮﺍﺭ.

      ﺃﻭلاﻫﺎ: ﻣﺜﺎﻝ:ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ (ﺍلأﻋﺮﺍﻑ:54)

ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻥّ ﺩﻧﻴﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻋﺎﻟﻢَ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻳﻌﻴﺸﺎﻥ ﺳﺘﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻣﻦ ﺍلأﻳﺎﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺯﻣﻦ ﻣﺪﻳﺪ ﻭﻟﺮﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺄﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﺃﻭ ﻛﺨﻤﺴﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ. ﻓـلأﺟﻞ ﺍلإﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﺍﻟﻘﻠﺒﻲ ﻭﺍلاﻗﺘﻨﺎﻉ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻧﺒﻴﻦ ﻟـلأﻧﻈﺎﺭ ﻣﺎ ﻳﺨﻠﻘﻪ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﺳﻴّﺎﻟﺔ ﻭﻛﺎﺋﻨﺎﺕ ﺳﻴّﺎﺭﺓ ﻭﺩُﻧﻰً ﻋﺎﺑﺮﺓ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ، ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﺤﻜﻢ ﻳﻮﻡ ﻭﺍﺣﺪ.

ﺣﻘﺎ، ﻛﺄﻥّ ﺍﻟﺪُّﻧﻰ ﺿﻴﻮﻑ ﻋﺎﺑﺮﺓ ﺃﻳﻀﺎ ﻛﺎﻟﻨﺎﺱ. ﻓﻴﻤﺘﻠﺊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻛﻞَّ ﻣﻮﺳﻢ ﻭﻳُﺨﻠﻰ.

      ﺛﺎﻧﻴﺘﻬﺎ: ﻣﺜﺎﻝ: ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (ﺍلأﻧﻌﺎﻡ:59) ﴿ﻭَﻛُﻞَّ ﺷَﻲْﺀٍ ﺃﺣْﺼَﻴْﻨَﺎﻩُ ﻓِﻲ ﺇِﻣَﺎﻡٍ ﻣُﺒِﻴﻦٍ﴾ (ﻳﺲ:12) ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (ﺳﺒﺄ:3) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﻴﺪ ﺃﻥ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺟﻤﻴﻌَﻬﺎ ﻭﺑﺄﺣﻮﺍﻟﻬﺎ ﻛﻠِّﻬﺎ، ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ، ﻗﺒﻞ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻭﺑﻌﺪ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ، ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻫﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

ﻧﺒﻴّﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻟﻴﺼﻞ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ: ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺎﺭﺉ ﺍﻟﻤﺼﻮﺭ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳُﺪﺭﺝ ﻓﻬﺎﺭﺱ ﻭﺟﻮﺩِ ﻣﺎ لا ﻳﺤﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﺴﻘﺔ ﻭﺗﻮﺍﺭﻳﺦ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻭﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﺎ، ﻳُﺪﺭﺟﻬﺎ ﺩﺭﺟﺎ ﻣﻌﻨﻮﻳﺎ ﻣﺤﺎﻓﻈﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﺬﻭﺭ ﻭﻧﻮﻯً ﻭﺃﺻﻮﻝِ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﺒﺪﻳﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻮﺳﻢ، ﻋﻠﻰ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺍلأﺭﺽ ﻛﺎﻓﺔ، ﻭلاﺳﻴّﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ. ﻛﻤﺎ ﺃﻧّﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪُ ﻳﺪﺭﺟﻬﺎ ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻧﻔﺴِﻪ ﺩَﺭْﺟﺎ ﻣﻌﻨﻮﻳﺎ ﺑﻌﺪ ﺯﻭﺍﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻓﻲ ﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﻓﻲ ﺑُﺬﻳﺮﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻜﺘﺐ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺭﻃﺐ ﻭﻳﺎﺑﺲ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻓﻲ ﺑﺬﻭﺭﻫﺎ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ ﺍﻟﺼﻠﺒﺔ ﻛﺘﺎﺑﺔً ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ. ﺣﺘﻰ ﻟﻜﺄﻥّ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺯﻫﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻖ ﻭﺍلإﺑﺪﺍﻉ، ﺗﻀﻌﻬﺎ ﻳﺪُ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺎﻣﺔ ﺍلأﺭﺽ ﺛﻢ ﻳﻘﻄﻔﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﻫﺬﻩ؛ ﺃﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻀﻞ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﻋﺠﺐَ ﺿـلاﻟﺔ، ﻭﻫﻲ ﺇﻃـلاﻗﻪ ﺇﺳﻢ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﻔﻌﻠﺔ ﺍﻟﻤﺴﻄّﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍلأﺭﺽ ﻛﺎﻓﺔً ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻧﻌﻜﺎﺱ ﻟﺘﺠﻞٍّ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﻣﺎ ﺳُﻄّﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻅ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻗﻠﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ  ﺃﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺃﻧّﻬﺎ ﻣﺆﺛﺮﺓ ﻭﻣﺼﺪﺭ ﻓﺎﻋﻞ؟

  ﺃﻳﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﻈﻨﻪ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ؟ ﺃﻳﻦ ﺍﻟﺜَّﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﺮﻳﺎ؟ 

    ﺛﺎﻟﺜﺘﻬﺎ:

ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺨﺒﺮ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ صلى الله عليه وسلم ﻗﺪ ﺻﻮّﺭ -ﻣﺜـلا- ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﺍﻟﻤﻮﻛَّﻠﻴﻦ ﺑﺤﻤﻞ ﺍﻟﻌﺮﺵ، ﻭﻛﺬﺍ ﺣﻤَﻠﺔ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ، ﺃﻭ ﻣـلاﺋﻜﺔ ﺁﺧﺮﻳﻦ، ﺑﺄﻥّ ﻟِﻠﻤَﻠَﻚ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺃﻟﻒَ ﺭﺃﺱ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﺭﺃﺱ ﺃﺭﺑﻌﻮﻥ ﺃﻟﻒَ ﻟﺴﺎﻥ، ﻛﻞ ﻟﺴﺎﻥ ﻳﺴﺒّﺢ ﺑﺄﺭﺑﻌﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺤﺎﺕ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﻛﻠﻴﺘﻬﺎ ﻭﺷﻤﻮﻟﻬﺎ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ، ﻓـلأﺟﻞ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻧﺒﻴّﻦُ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻭﻧﺪﻋﻮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺪﺑّﺮ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻫﻲ:

﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ (ﺍلإﺳﺮﺍﺀ:٤٤) ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ (ﺹ:18) ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ..﴾ (ﺍلأﺣﺰﺍﺏ:72) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﺮّﺡ ﺃﻥّ لأﺿﺨﻢ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺃﻛﺜَﺮﻫﺎ ﺳَﻌﺔً ﻭﺷﻤﻮلا ﺗﺴﺒﻴﺤﺎ ﺧﺎﺻﺎ ﻣﻨﺴﺠﻤﺎ ﻣﻊ ﻋﻈﻤﺘﻪ ﻭﻛﻠﻴﺘﻪ، ﻭﺍلأﻣﺮ ﻭﺍﺿﺢ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪ؛ ﺇﺫ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕُ ﺍﻟﺸﺎﺳﻌﺔ ﻣﺴﺒّﺤﺔ ﻟﻠﻪ، ﻭﻛﻠﻤﺎﺗُﻬﺎ ﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺤﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺸﻤﻮﺱ ﻭﺍلأﻗﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﻨﺠﻮﻡ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ ﻓﻲ ﺟﻮِّ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻣﺴﺒّﺤﺔ ﺣﺎﻣﺪﺓ ﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻟﻔﺎﻇُﻬﺎ ﺍﻟﺘﺤﻤﻴﺪﻳﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍلأﺷﺠﺎﺭ.

ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻟﻜﻞ ﺷﺠﺮﺓ ﻭﻟﻜﻞ ﻧﺠﻢ، ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺗُﻪ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﻥّ ﻟـلأﺭﺽ ﺑِﺮُﻣَّﺘﻬﺎ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺗُﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ. ﻓﻬﻲ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﻛﻠﻴﺔ ﺗﻀﻢ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﻛﻞِّ ﺟﺰﺀٍ ﻭﻗﻄﻌﺔٍ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻞ ﻛﻞِّ ﻭﺍﺩٍ ﻭﺟﺒﻞٍ ﻭﻛﻞ ﺑﺤﺮٍ ﻭﺑﺮٍ ﻓﻴﻬﺎ. ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻟـلأﺭﺽ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺗِﻬﺎ ﺑﺄﺟﺰﺍﺋﻬﺎ ﻭﻛﻠﻴﺘﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻠﺴﻤﺎﻭﺍﺕِ ﻭﺍلأﺑﺮﺍﺝِ ﻭﺍلأﻓـلاﻙِ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺗُﻬﺎ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺃﻟﻮﻑُ ﺍﻟﺮﺅﻭﺱ، ﻭﻣﺌﺎﺕُ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍلأﻟﺴﻨﺔ ﻟﻜﻞِّ ﺭﺃﺱ، لاﺷﻚ ﺃﻥّ ﻟﻬﺎ ﻣَﻠَﻜﺎ ﻣُﻮﻛـلا ﺑﻬﺎ ﻳﻨﺎﺳﺒﻬﺎ، ﻳﺘﺮﺟﻢ ﺃﺯﺍﻫﻴﺮَ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﻛﻞ ﻟﺴﺎﻥ ﻭﺛﻤﺮﺍﺕِ ﺗﺤﻤﻴﺪﺍﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒِ ﻧَﻤَﻂٍ ﻣﻦ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺢ ﻭﺍﻟﺘﺤﻤﻴﺪ، ﻳﺘﺮﺟﻤﻬﺎ ﻭﻳﺒﻴّﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ، ﻭﻳﻤﺜﻠﻬﺎ ﻭﻳﻌﻠﻦ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﺩﺧﻠﺖ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺃﻭ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ، ﻟﺘﺸﻜﻠﺖْ ﻟﻬﺎ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻭﺇﺫﺍ ﺍﻣﺘﺰﺟﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻭﺍﺗﺤﺪﺕ، ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻬﺎ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺗﻤﺜﻠﻬﺎ، ﻭﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺭﻭﺣﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻭَﻣَﻠَﻚ ﻣُﻮﻛﻞ ﻳﺆﺩﻱ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺤﻴﺔ.

ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻣﺜـلا  ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻤﻨﺘﺼﺒﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﻏﺮﻓﺘﻨﺎ، ﻭﻫﻲ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺪُّﻟﺐ ﺫﺍﺕ ﺍلأﻏﺼﺎﻥ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ؛ ﻓﻬﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻬﺎ ﻟﺴﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻓﻢ (ﺑﺎﺭلا) ﺃلا ﺗَﺮﻯ ﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺌﺎﺕ ﺃﻟﺴﻨﺔ ﺍلأﻏﺼﺎﻥ ﻟﻜﻞ ﺭﺃﺱ ﻣﻦ ﺭﺅﻭﺱ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ، ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺌﺎﺕ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺯﻭﻧﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﺴﺎﻥ؟ ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺌﺎﺕ ﺣﺮﻭﻑ ﺍﻟﺒُﺬﻳﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺠﻨﺤﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ؟ ﺃلا ﻳﺴﺒّﺢ ﻛﻞّ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺅﻭﺱ ﻭﺍلأﻟﺴﻨﺔ ﻟﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﻤُﻠْﻚِ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻪ ﺃﻣﺮُ ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮﻥ؟ ﺃلّا ﻳﺴﺒِّﺢ ﺑﻜـلاﻡ ﻓﺼﻴﺢ، ﻭﺑﺜﻨﺎﺀ ﺑﻠﻴﻎ ﻭﺍﺿﺢ؛ ﺣﺘﻰ ﺇﻧّﻚ ﺗﺸﺎﻫﺪ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺗِﻬﺎ ﻭﺗﺴﻤﻌﻬﺎ؟!

ﻓﺎﻟﻤَﻠَﻚ ﺍﻟﻤُﻮﻛﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎ ﻳﻤﺜﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﺄﻟﺴﻨﺔٍ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ.

ﺑﻞ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ!

      رﺍﺑﻌﺘﻬﺎ:

ﻣﺜـلا: ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (ﻳﺲ:82) ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ﴾ (ﺍﻟﻨﺤﻞ:٧٧)﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (ﻕ:16) ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ (ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺝ:4)  ﻭﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺍلآﺗﻴﺔ ﻭﻫﻲ: ﺃﻥّ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﺊ، ﻳﺨﻠﻖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﺩُﻭﻥَ ﺃﻳﺔِ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺃﻭ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﺣﺘﻰ ﺗﺒﺪﻭ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﺄﻧّﻬﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍلأﻣﺮ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻗﺮﻳﺐ ﺟﺪﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻋﻨﻪ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻌﺪ. ﺛﻢ ﺇﻧّﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻊ ﻛﺒﺮﻳﺎﺋﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، لا ﻳﺪﻉ ﺃﺣﻘﺮ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺃﻛﺜَﺮﻫﺎ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻭﺧﺴّﺔً ﺧﺎﺭﺝَ ﺇﺗﻘﺎﻧﻪ

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻳﺸﻬﺪ ﻟﻬﺎ ﺟﺮﻳﺎﻥ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﺍلأﻛﻤﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺍلآﺗﻲ ﺑﻴّﻦ ﺳﺮَّ ﺣﻜﻤﺘﻬﺎ: ﻓﻤﺜـلا (ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ) ﺇﻥّ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﻠّﺪﻫﺎ ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺘﺴﺨﻴﺮَ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻟﻠﺸﻤﺲ -ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﻣﺮﺁﺓً ﻛﺜﻴﻔﺔً لاﺳﻢ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ- ﺗﻘﺮّﺏ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻬﻢ. ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻧّﻪ ﻣﻊ ﻋﻠّﻮ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺭﻓﻌﺘِﻬﺎ، ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺟﺪﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﺔ ﻭﺍﻟـلاﻣﻌﺔ، ﺑﻞ ﺇﻧﻬﺎ ﺃﻗﺮﺏُ ﺇﻟﻰ ﺫﻭﺍﺕ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴِﻬﺎ. ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥّ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺗﺠﻌﻞ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺗﺘﺄﺛَّﺮُ ﺑﻬﺎ ﺑﺠﻠﻮﺍﺗﻬﺎ ﻭﺑﻀﻮﺋﻬﺎ ﻭﺑﺠﻬﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﺷﺒﻴﻬﺔٍ ﺑﺎﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻬﺎ، ﺇلا ﺃﻥّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ  ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﺔ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺄﻟﻮﻑ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ، ﻓـلا ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺆﺛﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻄﻌﺎ، ﺑﻞ لا ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺇﺩّﻋﺎﺀَ ﺍﻟﻘﺮﺏ ﻣﻨﻬﺎ.

ﻭﻛﺬﺍ ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻧﻌﻜﺎﺱ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺫﺭﺓ ﺷﻔﺎﻓﺔ ﺣﺴﺐ ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻬﺎ ﻭﻟﻮﻧﻬﺎ، ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺣﺎﺿﺮﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺫﺭﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻧﺎﻇﺮﺓ ﺃﻳﻨَﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖْ ﺃﺷﻌﺘﻬﺎ. ﻭﻛﺬﺍ ﻓﺈﻥّ ﻧﻔﻮﺫ ﺃﺷﻌﺔ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺷﻤﻮﻟَﻬﺎ ﻭﺇﺣﺎﻃَﺘﻬﺎ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﺑﻌِﻈﻢ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺘﻬﺎ؛ ﻓﻌﻈﻤﺔُ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺩﺍﺧﻞ ﺇﺣﺎﻃﺘﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﺣﺘﻰ لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺷﻲﺀ ﻣﻬﻤﺎ ﺻﻐﺮ ﺃﻥ ﻳﺨﺘﺒﺊَ ﻋﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﻳﻬﺮﺏَ ﻣﻨﻬﺎ؛ ﺃﻱ ﺇﻥّ ﻋﻈﻤﺔ ﻛﺒﺮﻳﺎﺋﻬﺎ لا ﺗﺮﻣﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﺣﺘﻰ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ، ﺑﻞ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻫﻮ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺃﻱ ﺃﻧَّﻬﺎ ﺗﻀﻢ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ -ﺑﺴﺮ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ- ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺇﺣﺎﻃﺘﻬﺎ.

ﻓﻠﻮ ﻓﺮﺿﻨﺎ ﺍﻟﺸﻤﺲ -ﻓَﺮْﺿﺎ ﻣﺤﺎلا- ﺃﻧّﻬﺎ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻣﺨﺘﺎﺭﺓ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﺎﻟﺖ ﻣﻦ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﻭﺟﻠﻮﺍﺕ، ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺘﺼﻮﺭ ﺃﻥّ ﺃﻓﻌﺎﻟﻬﺎ ﺗﺴﺮﻱ -ﺑﺈﺫﻥ ﺇﻟﻬﻲ- ﻓﻲ ﻣُﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺴُّﻬﻮﻟﺔ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺴّﺮﻋﺔ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺴَّﻌﺔ ﻭﺍﻟﺸﻤﻮﻝ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻄﺮﺍﺕ ﻭﺇﻟﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻮﺍﻛﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ؛ ﻓﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﻭﺍﻟﻜﻮﻛﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭ ﺳﻴّﺎﻥ ﺗﺠﺎﻩ ﺃﻣﺮﻫﺎ؛ ﺇﺫ ﺍﻟﻔﻴﺾ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺒﺜﻪ ﺇﻟﻰ ﺳﻄﺢ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺗﻌﻄﻴﻪ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ ﻛﺎﻣﻞ ﺃﻳﻀﺎ ﻟﻠﺬﺭﺓ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﺣﺴﺐ ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻬﺎ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻘﺎﻋﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ ﻣﻀﻴﺌﺔ ﻟﻤّﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﻭﻫﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﺗﻌﻜﺲ ﺗَﺠﻠّﻲ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻟﻠﻘﺪﻳﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺗﺒﻴّﻦ ﻧﻤﺎﺫﺝَ ﺍلأﺳﺲ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ. ﺇﺫ لاﺷﻚ ﺃﻥ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺣﺮﺍﺭﺗَﻬﺎ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﻛﺜﺎﻓﺔَ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻌﻠﻢ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﻣَﻦ ﻫﻮ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﻣﻨﻮِّﺭ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﻣﻘﺪِّﺭ ﺍﻟﻨﻮﺭ.

ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺇﺫﻥ ﻗﺮﻳﺐ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻗُﺮﺑﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﺑﻌﻠﻤﻪ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ، ﻭﻫﻮ ﺣﺎﺿﺮ ﻋﻨﺪﻩ ﻭﻧﺎﻇﺮ ﺇﻟﻴﻪ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪﺍ ﻣﻄﻠﻘﺎ. ﻭﺇﻧﻪ ﻳﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑـلا ﺗﻜﻠﻒ ﻭلا ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻭﻓﻲ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻔﻬﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﺄﻣﺮ -ﻣُﺠﺮّﺩَ ﺍلأﻣﺮِ- ﻭﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻴﺴﺮ ﻭﺳﺮﻋﺔ ﻣﻄﻠﻘﻴﻦ. ﻭﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻲﺀ، ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺟﺰﺋﻴﺎ ﺃﻭ ﻛﻠﻴﺎ، ﺻﻐﻴﺮﺍ ﺃﻭ ﻛﺒﻴﺮﺍ ﺧﺎﺭﺝَ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻗﺪﺭﺗﻪ، ﻭﺑﻌﻴﺪﺍ ﻋﻦ ﺇﺣﺎﻃﺔ ﻛﺒﺮﻳﺎﺋﻪ ﺟﻞَّ ﺟـلاﻟﻪ.

ﻫﻜﺬﺍ ﻧَﻔﻬﻢ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻧﺆﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎ ﻳﻘﻴﻨﺎ ﻭﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ، ﺑﻞ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻧﺆﻣﻦ ﻫﻜﺬﺍ.

     ﺧﺎﻣﺴﺘﻬﺎ:

ﺇﻥ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺗﺒﻴﻦ ﻋﻈﻤﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻛﺒﺮﻳﺎﺀﻩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﻴﻦ: ﻓﺎﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾(ﺍﻟﺰﻣﺮ:67)  ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ (ﺍلأﻧﻔﺎﻝ:24)  ﻭﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ (ﺍﻟﺰﻣﺮ:62) ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿ﻳَﻌْﻠَﻢُ ﻣَﺎ ﻳُﺴِﺮُّﻭﻥَ ﻭَﻣَﺎ ﻳُﻌْﻠِﻨُﻮﻥَ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:٧٧) ﻭﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿ﺧَﻠَﻖَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (ﺍلأﻋﺮﺍﻑ:54) ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿ﺧَﻠَﻘَﻜُﻢْ ﻭَﻣَﺎ ﺗَﻌْﻤَﻠُﻮﻥَ﴾ (ﺍﻟﺼﺎﻓﺎﺕ:96). ﻭﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿ﻣَﺎ ﺷَﺎﺀَ ﺍﻟﻠﻪُ لَا ﻗُﻮَّﺓَ ﺇَِّﻻ ﺑِﺎﻟﻠﻪِ﴾ (ﺍﻟﻜﻬﻒ:39) ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿ﻭَﻣَﺎ ﺗَﺸَﺎﺀُﻭﻥَ ﺇَِّﻻ ﺃَﻥْ ﻳَﺸَﺎﺀَ ﺍﻟﻠﻪُ﴾ (ﺍلإﻧﺴﺎﻥ:30) ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺗﺒﻴﻦ ﺇﺣﺎﻃﺔ ﺣﺪﻭﺩ ﻋﻈﻤﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻛﺒﺮﻳﺎﺀ ﺃﻟﻮﻫﻴﺘﻪ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ.. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍلأﺯﻝ ﻭﺍلأﺑﺪ ﻳﻬﺪﺩ ﺑﺸﺪﺓ ﻭﻳﻌﻨّﻒ ﻭﻳﺰﺟﺮ ﻭﻳﺘﻮﻋﺪ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻀﻌﻒ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻔﻘﺮ، ﻭﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﻤﻠﻚ ﺇلّا ﺟﺰﺀﺍ ﺿﺌﻴـلا ﻣﻦ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻳﺔ ﻭﻛﺴﺒﺎ ﻓﻘﻂ، ﻓـلا ﻗﺪﺭﺓ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﻗﻄﻌﺎ.

    ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﻫﻮ: ﻣﺎ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺰﻭﺍﺟﺮ ﻭﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﻋﺒﺔ ﻭﺍﻟﺸﻜﺎﻭﻯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺘﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ، ﻭﻛﻴﻒ ﻳﺘﻢ ﺍلاﻧﺴﺠﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ؟.

ﺃﻗﻮﻝ: لأﺟﻞ ﺍﻟﺒﻠﻮﻍ ﺇﻟﻰ ﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﺍﻟﻘﻠﺒﻲ، ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﺟﺪﺍ ﻭﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺟﺪﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﻦ ﺍلآﺗﻴﻴﻦ:

   ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍلأﻭﻝ:

ﺑﺴﺘﺎﻥ ﻋﻈﻴﻢ ﺟﺪﺍ ﻳﺤﻮﻱ ﻣﺎ لا ﻳﻌﺪ ﻭلا ﻳﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺍلأﺛﻤﺎﺭ ﺍﻟﻴﺎﻧﻌﺔ ﻭﺍلأﺯﺍﻫﻴﺮ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﻋُﻴّﻦ ﻋﺪﺩ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻮﻇﻔﻴﻦ ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺑﺨﺪﻣﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﺍﻟﺰﺍﻫﺮﺓ. ﺇلّا ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﻜﻠّﻒ ﺑﻔﺘﺢ ﺍﻟﻤﻨﻔﺬ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺮﻱ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻟﻠﺸﺮﺏ ﻭﺳﻘﻲ ﺍﻟﺒﺴﺘﺎﻥ، ﺗﻜﺎﺳﻞ ﻋﻦ ﺃﺩﺍﺀ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﻭﻟﻢ ﻳﻔﺘﺢ ﺍﻟﻤﻨﻔﺬ، ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺮ ﺍﻟﻤﺎﺀ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧّﻪ ﺃﺧَﻞَّ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺴﺘﺎﻥ ﺃﻭ ﺳﺒّﺐ ﻓﻲ ﺟﻔﺎﻓﻪ!

ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻓﺈﻥ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺴﺘﺎﻥ ﺣﻖَّ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﻤﺘﻘﺎﻋﺲ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺷﻜﺎﻭﻯ ﻣﺎ ﺃﺑﺪﻋﻪ ﺍﻟﺮﺏ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺗﺤﺖ ﻧﻈﺮ ﺷﻬﻮﺩﻩ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻟﻠﺘﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻀﻴﺎﺀ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﻜﺴـلاﻥ، ﻟﻤﺎ ﺳﺒّﺐ ﻣﻦ ﺑَﻮﺍﺭ ﻣﻬﻤﺎﺗﻬﻢ ﻭﻋُﻘْﻢِ ﺧﺪﻣﺎﺗﻬﻢ ﺃﻭ ﺇﺧـلاﻝٍ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺍلأﻗﻞ!

      ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:

ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ. ﺇﻥ ﺗﺮﻙ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺎﻣﻞ ﺑﺴﻴﻂ ﻭﻇﻴﻔﺘﻪ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ، ﻓﺴﻴﺆﺩﻱ ﺗﺮﻛُﻪ ﻫﺬﺍ ﺇﻟﻰ ﺇﺧـلاﻝ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻭﺇﻫﺪﺍﺭﻫﺎ. لأﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﺎﻥ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﺳﻴﻬﺪﺩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻘﺼّﺮ ﺗﻬﺪﻳﺪﺍ ﺷﺪﻳﺪﺍ ﺑﺈﺳﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ. ﻓﻲ ﺣﻴﻦ لا ﻳﻘﺪﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻘﺼّﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﻣَﻦ ﺃﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﺳﺘﺤﻖ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪ ﺍﻟﻤﺮﻭّﻉ، ﻭﻣﺎ ﻋﻤﻠﻲ ﺇلّا ﺇﻫﻤﺎﻝ ﺗﺎﻓﻪ ﺟﺰﺋﻲ  ﺫﻟﻚ لأﻥ ﻋﺪﻣﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ لّا ﻳﺘﻨﺎﻫﻰ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﺜﻤﺮ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺣﺴﺐ ﻧﻮﻋﻪ. لأﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺍﻟﺸﺮﻭﻁ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻭﺍﻧﺘﻔﺎﺅﻩ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﺎﻧﺘﻔﺎﺀ ﺷﺮﻁ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻘﻂ ﻭﺑﺎﻧﻌﺪﺍﻡ ﺟﺰﺀ ﻣﻨﻪ.

ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻏﺪﺍ (ﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺐ ﺃﺳﻬﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﻤﻴﺮ) ﺩﺳﺘﻮﺭﺍ ﻣﺘﻌﺎﺭﻓﺎ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻨﺎﺱ. ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﺳﺲُ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﻀـلاﻝ ﻭﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ، ﺇﻧﻜﺎﺭﺍ ﻭﺭﻓﻀﺎ ﻭﺗﺮﻛﺎ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻭﻋﺪﻡ ﻗﺒﻮﻝ، ﻓﺼﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﻣَﻬْﻤَﺎ ﺑﺪﺕْ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻭﺫﺍﺕَ ﻭﺟﻮﺩ، ﺇلّا ﺃﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﺍﻧﺘﻔﺎﺀ ﻭﻋﺪﻡ، ﻟﺬﺍ ﻓﻬﻲ ﺟﻨﺎﻳﺔ ﺳﺎﺭﻳﺔ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗُﺨِﻞُّ ﺑﻨﺘﺎﺋﺞ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﺎﻓﺔً، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗُﺴﺪﻝ ﺳﺘﺎﺭﺍ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻟـلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﺗﺤﺠﺒﻬﺎ ﻋﻦ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻟﻬﺎ ﺣﻖُّ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﺑـلا ﺣﺪﻭﺩ، ﻭﺃﻥّ ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻳﻬﺪّﺩ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﺻﻲ ﻭﻳﺰﺟﺮﻩ ﺃﺷﺪَّ ﺍﻟﺰﺟﺮ. ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ؛ لأﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﺻﻲ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺑـلا ﺭﻳﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪ ﺍﻟﺮﻫﻴﺐ ﻛﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺃﻧﻮﺍﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻋﻴﺪ ﺍﻟﻤﺮﻋﺐ.

 

   ﺧﺎﺗﻤﺔ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿ﻭَﻣَﺎ ﺍﻟْﺤَﻴَﺎﺓُ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﺇِلّا ﻣَﺘَﺎﻉُ ﺍﻟْﻐُﺮُﻭﺭِ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:185)

    (ﺩﺭﺱ ﻟﻠﻌﺒﺮﺓ ﻭﺻﻔﻌﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ)

    ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ .. ﺃﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﺎﺩﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ! ﻳﺎ ﻣَﻦ ﺗَﺮﻳﻦَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺣﻠﻮﺓ ﻟﺬﻳﺬﺓ ﻓﺘﻄﻠﺒﻴﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﻨﺴﻴﻦ ﺍلآ ﺧﺮﺓ.. ﻫﻞ ﺗﺪﺭﻳﻦَ ﺑﻢَ ﺗَﺸﺒﻬﻴﻦَ؟ ﺇﻧّﻚ ﻟﺘﺸﺒﻬﻴﻦ ﺍﻟﻨﻌﺎﻣﺔ.. ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﺼﻴﺎﺩ ﻓـلا ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻄﻴﺮﺍﻥ، ﺑﻞ ﺗُﻘﺤﻢ ﺭﺃﺳﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻣﺎﻝ ﺗﺎﺭﻛﺔً ﺟﺴﻤَﻬﺎ ﺍﻟﻀَّﺨﻢَ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻇَﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﺼﻴﺎﺩ لا ﻳﺮﺍﻫﺎ. ﺇلّا ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻴﺎﺩ ﻳﺮﻯ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻫﻲ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻃﺒﻘﺖْ ﺟﻔﻨﻴﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺮﻣﺎﻝ ﻓﻠﻢ ﺗَﻌُﺪْ ﺗﺮﻯ!

ﻓﻴﺎ ﻧﻔﺴﻲ! ﺍﻧﻈﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﺗﺄﻣّﻠﻲ ﻓﻴﻪ، ﻛﻴﻒ ﺃﻥّ ﺣﺼﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻛﻠِّﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳُﺤﻮّﻝ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﺤﻠﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻟﻢ ﻣﺮﻳﺮ!.

ﻫَﺐْ ﺃﻧّﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ (ﺑﺎﺭلا) ﺭﺟـلاﻥ ﺍﺛﻨﺎﻥ: ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻗﺪ ﺭَﺣَﻞَ ﺗﺴﻌﺔ ﻭﺗﺴﻌﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺃﺣﺒّﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﺳﻄﻨﺒﻮﻝ ﻭﻫﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋِﻴﺸﺔ ﻃﻴﺒﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻖَ ﻣﻨﻬﻢ ﻫﻨﺎ ﺳﻮﻯ ﺷﺨﺺ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻘﻂ ﻭﻫﻮ ﺃﻳﻀﺎ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍلاﻟﺘﺤﺎﻕ ﺑﻬﻢ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻣﺸﺘﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺇﺳﻄﻨﺒﻮﻝ ﺃﺷﺪَّ ﺍلاﺷﺘﻴﺎﻕ ﺑﻞ ﻳﻔﻜﺮ ﺑﻬﺎ، ﻭﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﻠﺘﻘﻲ ﺍلأﺣﺒﺎﺏَ ﺩﺍﺋﻤﺎ. ﻓﻠﻮ ﻗﻴﻞ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻭﻗﺖ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻗﺎﺕ: (ﻫﻴَّﺎ ﺍﺫﻫﺐْ ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎﻙ) ﻓﺈﻧّﻪ ﺳﻴﺬﻫﺐُ ﻓﺮﺣﺎ ﺑﺎﺳﻤﺎ..

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻘﺪ ﺭَﺣَﻞَ ﻣﻦ ﺃﺣﺒﺘﻪ ﺗﺴﻌﺔ ﻭﺗﺴﻌﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﺎﺋﺔ، ﻭﻳﻈﻦ ﺃﻥ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓَﻨِﻲَ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﺍﻧﺰﻭﻯ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ لا ﺗُﺮﻯ. ﻓَﻬَﻠَﻜُﻮﺍ ﻭﺗﻔﺮَّﻗﻮﺍ ﺣَﺴْﺐَ ﻇﻨﻪ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﺫﻭ ﺩﺍﺀ ﻋُﻀﺎﻝ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺃﻧﻴﺲ ﻭﻋﻦ ﺳُﻠﻮﺍﻥ ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪ ﺳﺎﺋﺢ ﻭﺍﺣﺪ، ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺟﻤﻴﻌﺎ، ﻭﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻐﻄّﻲ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻟﻢ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ.

ﻓﻴﺎ ﻧﻔﺴﻲ! ﺇﻥّ ﺃﺣﺒَّﺘﻚ ﻛﻠَّﻬﻢ، ﻭﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻬﻢ ﻭﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ ﺣﺒﻴﺐُ ﺍﻟﻠﻪ  صلى الله عليه وسلم، ﻫﻢ ﺍلآﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍلآﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺒﺮ. ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ ﻫﻨﺎ ﺇلّا ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﺍﺛﻨﺎﻥ ﻭﻫﻢ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﺘﺄﻫﺒﻮﻥ ﻟﻠﺮّﺣﻴﻞ. ﻓـلا ﺗُﺪﻳﺮﻥّ ﺭﺃﺳَﻚِ ﺟَﻔِﻠَﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﺧﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺒﺮ، ﺑﻞ ﺣَﺪِّﻗﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﻭﺍﻧﻈﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﺣﻔﺮﺗﻪ ﺑﺸﻬﺎﻣﺔ ﻭﺍﺳﺘﻤﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺐ. ﻭﺍﺑﺘﺴﻤﻲ ﺑﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺑﺮﺟﻮﻟﺔ، ﻭﺍﻧﻈﺮﻱ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺮﻳﺪ؟ ﻭﺇﻳﺎﻙِ ﺃﻥ ﺗﻐﻔﻠﻲ ﻓﺘﻜﻮﻧﻲ ﺃﺷْﺒَﻪ ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ!.

ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ! لا ﺗﻘﻮﻟﻲ ﺃﺑﺪﺍ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻗﺪ ﺗﻐﻴّﺮ، ﻭﺃﻥّ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻗﺪ ﺗﺒﺪّﻝ، ﻭﺃﻥّ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻗﺪ ﺍﻧﻐﻤﺴﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻓﺘﺘﻨﻮﺍ ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﺎ، ﻓﻬﻢ ﺳُﻜﺎﺭﻯ ﺑﻬﻤﻮﻡ ﺍﻟﻌﻴﺶ.. ﺫﻟﻚ لأﻥّ ﺍﻟﻤﻮﺕ لا ﻳﺘﻐﻴﺮ، ﻭﺃﻥّ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ لا ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﺑﻘﺎﺀ ﻓـلا ﻳﺘﻐﻴﺮ ﺃﻳﻀﺎ، ﻭﺃﻥّ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻫﻤﺎ ﺃﻳﻀﺎ لا ﻳﺘﻐﻴﺮﺍﻥ ﺑﻞ ﻳﺰﺩﺍﺩﺍﻥ، ﻭﺃﻥّ ﺭﺣﻠﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ لا ﺗﻨﻘﻄﻊ، ﺑﻞ ﺗَﺤُﺚُّ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺗﻤﻀﻲ. ﺛﻢ لا ﺗﻘﻮﻟﻲ ﻛﺬﻟﻚ: (ﺃﻧﺎ ﻣﺜﻞ ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ). ﺫﻟﻚ لأﻥّ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺃﺣﺪٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺼﺎﺣﺒﻚ ﺇلّا ﺇﻟﻰ ﻋﺘﺒﺔ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ.. لا ﻏﻴﺮ. ﻭﻟﻮ ﺫﻫﺒﺖِ ﺗﻨﺸﺪﻳﻦ ﺍﻟﺴُّﻠﻮﺍﻥ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﺎﻝ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﺭﻛﺔ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻣﻌﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﻭﻣﻌﻴﺘﻬﻢ ﻟﻚ، ﻓﺎﻥّ ﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎ لا ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻟﻪ ﻭلا ﺃﺳﺎﺱ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍلآﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺒﺮ!.

ﻭلا ﺗَﻈّﻨﻲ ﻧﻔﺴَﻚ ﺳﺎﺭﺣﺔً ﻣﻔﻠﺘﺔَ ﺍﻟﺰﻣﺎﻡ، ﺫﻟﻚ لأﻧّﻚِ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺭ ﺿﻴﺎﻓﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﺬﻩِ ﻧَﻈﺮ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭّﻳﺔ.. ﻓﻠﻦ ﺗﺠﺪﻱ ﺷﻴﺌﺎ ﺑـلا ﻧﻈﺎﻡ ﻭلا ﻏﺎﻳﺔ، ﻓﻜﻴﻒ ﺗﺒﻘﻴﻦ ﺇﺫﻥ ﻭﺣﺪَﻙ ﺑـلا ﻧﻈﺎﻡ ﻭلا ﻏﺎﻳﺔ؟  ﻓﺤﺘﻰ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﺰلاﺯﻝ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﻟﻌﻮﺑﺔً ﺑﻴﺪ ﺍﻟﺼﺪﻓﺔ.

    ﻓﻤﺜـلا: ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺸﺎﻫﺪﻳﻦ ﻓﻴﻪ ﺑﺄﻥّ ﺍلأﺭﺽ ﻗﺪ ﺃﻟﺒﺴﺖ ﺣُﻠـلا ﻣﺰﺭﻛﺸﺔ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﻓﻮﻕ ﺑﻌﺾ ﻣﻜﺘﻨﻔﺔً ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍلآﺧﺮ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻨﻘﺶ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﻭﺗﺮﻳﻨﻬﺎ ﻣﺠﻬّﺰﺓ ﻛﻠَّﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﻤﺺ ﺍﻟﻘﺪﻡ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ، ﻭﻣﺰﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﻐﺎﻳﺎﺕ. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺪﻭﺭ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺟﺬﺑﺔَ ﺣﺐّ ﻭﺷﻮﻕ ﻣﻮﻟﻮﻳﺔ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﺪﻗﺔ ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺿﻤﻦ ﻏﺎﻳﺎﺕ ﺳﺎﻣﻴﺔ.. ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺸﻬﺪﻳﻦ ﻫﺬﺍ، ﻭﺗﻌﻠﻤﻴﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺴﻮﻍ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺰﻟﺰﻟﺔ ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﻬﺰّ ﻋﻄﻒ ﻛﺮﺓ ﺍلأﺭﺽ (حاشية) ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﺰﻟﺰﺍﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺙ ﻓﻲ ﺇﺯﻣﻴﺮ. ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ. ﻣﻈﻬﺮﺓً ﺑﻬﺎ ﻋﺪﻡَ ﺭﺿﺎﻫﺎ ﻋﻦ ﺛُﻘﻞ  ﺍﻟﻀِّﻴﻖ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺒﺸﺮ، ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﺃﻫﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻣﻨﻬﻢ، ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﻤﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ، ﺑـلا ﻗﺼﺪ ﻭلا ﻏﺎﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﻧﺸﺮﻩ ﻣﻠﺤﺪ ﻇﻨﺎ ﻣﻨﻪ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺠﺮﺩُ ﻣﺼﺎﺩﻓﺔ، ﻣﺮﺗﻜﺒﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺧﻄﺄ ﻓﺎﺣﺸﺎ ﻭﻣﻘﺘﺮﻓﺎ ﻇﻠﻤﺎ ﻗﺒﻴﺤﺎ؟ ﺇﺫ ﺻﻴَّﺮ ﺟﻤﻴﻊَ ﻣﺎ ﻓﻘﺪﻩ ﺍﻟﻤﺼﺎﺑﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﻭﺃﺭﻭﺍﺡ ﻫﺒﺎﺀً ﻣﻨﺜﻮﺭﺍ ﻗﺎﺫﻓﺎ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﻳﺄﺱ ﺃﻟﻴﻢ. ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥّ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺗﺪّﺧﺮ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺃﻫﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﻣﺤﻮﻟﺔً ﺇﻳﺎﻫﺎ ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، ﺇﻟﻰ ﺻَﺪَﻗﺔٍ ﻟﻬﻢ. ﻭﻫﻲ ﻛﻔّﺎﺭﺓ ﻟﺬﻧﻮﺏ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﻛﻔﺮﺍﻥ ﺍﻟﻨﻌﻢ.

ﻓﻠﺴﻮﻑ ﻳﺄﺗﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺠﺪ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﻤﺴﺨﺮﺓ ﻭﺟْﻬَﻬَﺎ ﺩﻣﻴﻤﺎ ﻗﺒﻴﺤﺎ ﺑﻤﺎ ﻟَﻄَّﺦَ ﺯﻳﻨﺘَﻬﺎ ﺷﺮﻙُ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﻟﻮّﺛﻬﺎ ﻛﻔﺮﺍﻧﻪ، ﻓﺘﻤﺴﺢ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﺑﺰﻟﺰﻟﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ، ﻭﺗﻄﻬّﺮﻩ ﻣﻔﺮﻏﺔً ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ، ﻭﺩﺍﻋﻴﺔً ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﻜﺮ: (ﻫﻴﺎ ﺗﻔﻀﻠﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ).