ﻭﻫﻲ ﻣﺒﺤﺜﺎﻥ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ (اﻟﺘﻴﻦ:٤-٦)

   ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ

ﻧﺒﻴﻦ ﺧﻤﺲَ ﻣﺤﺎﺳﻦ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺁلاﻑ ﻣﺤﺎﺳﻦ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺧﻤﺲِ ﻧﻘﺎﻁ

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﺇﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥَ ﻳﺴﻤﻮ ﺑﻨﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻠﻰ ﻋﻠّﻴﻴﻦ ﻓﻴﻜﺘﺴﺐ ﺑﺬﻟﻚ ﻗﻴﻤﺔً ﺗﺠﻌﻠُﻪ لاﺋﻘﺎ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﺮﺩّﻯ ﺑﻈﻠﻤﺔِ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻭﺿﻊٍ ﻳﺆﻫّﻠُﻪ ﻟﻨﺎﺭ ﺟﻬﻨﻢ، ﺫﻟﻚ لأﻥّ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻳﺮﺑﻂُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﺼﺎﻧﻌﻪِ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻭﻳﺮﺑﻄﻪ ﺑﻮﺛﺎﻕ ﺷﺪﻳﺪ ﻭﻧﺴﺒﺔٍ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﺎلإﻳﻤﺎﻥُ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻧﺘﺴﺎﺏ؛ ﻟﺬﺍ ﻳﻜﺘﺴﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﺑﺎلإﻳﻤﺎﻥ ﻗﻴﻤﺔً ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﺠﻠِّﻲ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔِ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻴﻪ، ﻭﻇﻬﻮﺭِ ﺁﻳﺎﺕ ﻧﻘﻮﺵِ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔِ ﻭﺟﻮﺩﻩ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻜﻔﺮُ ﻓﻴﻘﻄﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺴﺒﺔَ ﻭﺫﻟﻚ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏَ، ﻭﺗﻐﺸﻰ ﻇﻠﻤﺘُﻪ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔَ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻭﺗﻄﻤِﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻟﻤﻬﺎ، ﻓَﺘﻨﻘُﺺ ﻗﻴﻤﺔَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺣﻴﺚ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﻣﺎﺩّﺗﻪ ﻓﺤﺴﺐ؛ ﻭﻗﻴﻤﺔُ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ لا ﻳُﻌﺘﺪّ ﺑﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻤﻌﺪﻭﻡ، ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻓﺎﻧﻴﺔ، ﺯﺍﺋﻠﺔ، ﻭﺣﻴﺎﺗُﻬﺎ ﺣﻴﺎﺓ ﺣﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﻣﺆﻗﺘﺔ.

ﻭﻫﺎ ﻧﺤﻦ ﺃﻭلاﺀِ ﻧﺒﻴّﻦُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮَّ ﺑﻤﺜﺎﻝ ﺗﻮﺿﻴﺤﻲ: ﺇﻥ ﻗﻴﻤﺔَ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻭﻣﺪﻯ ﺍلإﺟﺎﺩﺓ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺼﻨﻌﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﻨﺮﻯ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺍﻟﻘﻴﻤﺘﻴﻦ ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﺘﻴﻦ، ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓُ ﺃﻛﺜﺮَ ﻗﻴﻤﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻧﻔﺴِﻬﺎ، ﻭﻗﺪ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﻥ ﺗﺤﺘﻮﻱ ﻣﺎﺩﺓُ ﺣﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻤﺔ ﻓﻨﻴﺔٍ ﻭﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔٍ ﺟﺪﺍ، ﻭﻳﺤﺪﺙ ﺃﻥ ﺗﺤﻮﺯ ﺻﻨﻌﺔ ﻧﺎﺩﺭﺓ ﻧﻔﻴﺴﺔ ﺟﺪﺍ ﻗﻴﻤﺔَ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﻠﻴﺮﺍﺕ ﺭﻏﻢ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﺩﺓ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺟﺪﺍ. ﻓﺈﺫﺍ ﻋُﺮﺿَﺖ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺤﻔﺔِ ﺍﻟﻨﺎﺩﺭﺓ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ ﺍﻟﺼﻨّﺎﻋﻴﻦ ﻭﺍﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ ﺍﻟﻤُﺠﻴﺪﻳﻦ ﻭﻋﺮﻓﻮﺍ ﺻﺎﻧﻌَﻬﺎ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮ ﺍﻟﻤﺎﻫﺮ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺤﻮﺯ ﺳﻌﺮ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻟﻴﺮﺓ، ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺧﺬﺕْ ﺍﻟﺘﺤﻔﺔُ ﻧﻔﺴُﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺳﻮﻕ ﺍﻟﺤﺪﺍﺩﻳﻦ -ﻣﺜـلا- ﻓﻘﺪ لا ﻳﺘﻘﺪﻡ ﻟﺸﺮﺍﺋﻬﺎ ﺃﺣﺪ، ﻭﺭﺑﻤﺎ لا ﻳﻨﻔﻖ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﺷﺮﺍﺋﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻫﻮ ﺃﺭﻗﻰ ﻣﻌﺠﺰﺓٍ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﺃﻟﻄﻔُﻬﺎ، ﺣﻴﺚ ﺧﻠَﻘﻪ ﺍﻟﺒﺎﺭﻱ ﻣَﻈﻬﺮﺍ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﺟﻌﻠﻪ ﻣﺪﺍﺭﺍ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﻧﻘﻮﺷﻪ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﺟﻠّﺖ ﻋﻈﻤﺘﻪ، ﻭﺻﻴّﺮﻩ ﻣﺜﺎلا ﻣﺼﻐﺮﺍ ﻭﻧﻤﻮﺫﺟﺎ ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ.

ﻓﺈﺫﺍ ﺍﺳﺘﻘﺮ ﻧﻮﺭُ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑَﻴّﻦ -ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭُ- ﺟﻤﻴﻊَ ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻧﻘﻮﺵ ﺣﻜﻴﻤﺔ، ﺑﻞ ﻳﺴﺘﻘْﺮﺋﻬﺎ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ؛ ﻓﻴﻘﺮﺃﻫﺎ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﺘﻔﻜﺮ، ﻭﻳﺸﻌُﺮ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺷﻌﻮﺭﺍ ﻛﺎﻣـلا، ﻭﻳﺠﻌﻞ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻳﻄﺎﻟﻌﻮﻧﻬﺎ ﻭﻳﺘﻤﻠّﻮﻧَﻬﺎ، ﺃﻱ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ: «ﻫﺎ ﺃﻧﺎ ﺫﺍ ﻣﺼﻨﻮﻉ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﻣﺨﻠﻮﻗُﻪ. ﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﻛﻴﻒ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲّ ﺭﺣﻤﺘُﻪ، ﻭﻛﺮﻣُﻪ». ﻭﺑﻤﺎ ﺷﺎﺑﻬﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺗﺘﺠﻠّﻰ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ.

ﺇﺫﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ- ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺈﻇﻬﺎﺭ ﺟﻤﻴﻊ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﺘﺘﻌﻴﻦ ﺑﺬﻟﻚ ﻗﻴﻤﺔُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺑﺮﻭﺯ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻟﻤﻌﺎﻥِ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﺼﻤﺪﺍﻧﻴﺔ. ﻓﻴﺘﺤﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ -ﺍﻟﺬﻱ لا ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻟﻪ- ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺃﺳﻤﻰ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﺼﺒﺢ ﺃﻫـلا ﻟﻠﺨﻄﺎﺏ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﻭﻳﻨﺎﻝ ﺷﺮﻓﺎ ﻳﺆﻫﻠﻪ ﻟﻠﻀﻴﺎﻓﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ.

ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺗﺴﻠّﻞ ﺍﻟﻜﻔﺮ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻗﻄﻊ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ- ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﻌﻨﺪﺋﺬٍ ﺗﺴﻘﻂ ﺟﻤﻴﻊُ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻧﻘﻮﺵ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻈـلاﻡ ﻭﺗُﻤﺤﻰ ﻧﻬﺎﺋﻴﺎ، ﻭﻳﺘﻌﺬﺭ ﻣﻄﺎﻟﻌﺘَﻬﺎ ﻭﻗﺮﺍﺀﺗﻬﺎ؛ ﺫﻟﻚ لأﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗُﻔﻬَﻢ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕُ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﻓﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﺑﻨﺴﻴﺎﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﺑﻞ ﺗﻨﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺒﻴﻬﺎ، ﻭﺗﻨﺪﺭﺱ ﺃﻛﺜﺮُ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﻨﻔﻴﺴﺔ  ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻭﺃﻏﻠﺐُ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، ﺃﻣﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﺒﻘﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺮﺍﺀﻯ ﻟﻠﻌﻴﻦ ﻓﺴﻮﻑ ﻳُﻌﺰﻯ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﺎﻓﻬﺔ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ، ﻓﺘﺴﻘﻂ ﻧﻬﺎﺋﻴﺎ ﻭﺗﺰﻭﻝ، ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻛﻞ ﺟﻮﻫﺮﺓٍ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻤﺘـلأﻟﺌﺔ ﺇﻟﻰ ﺯﺟﺎﺟﺔٍ ﺳﻮﺩﺍﺀ ﻣﻈﻠﻤﺔ، ﻭﺗﻘﺘﺼﺮ ﺃﻫﻤﻴﺘُﻬﺎ ﺁﻧﺬﺍﻙ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﻭﺣﺪَﻫﺎ. ﻭﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ، ﺇﻥ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﺛﻤﺮﺗﻬﺎ ﻫﻲ ﻗﻀﺎﺀ ﺣﻴﺎﺓ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻭﻫﻮ ﺃﻋﺠﺰ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻭﺃﺣﻮﺟﻬﺎ ﻭﺃﺷﻘﺎﻫﺎ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺘﻔﺴﺦ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻭﻳﺰﻭﻝ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻬﺪﻡ ﺍﻟﻜﻔﺮُ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔَ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﻳﺤﻴﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻮﻫﺮﺓٍ ﻧﻔﻴﺴﺔ ﺇﻟﻰ ﻓﺤﻤﺔٍ ﺧﺴﻴﺴﺔ.

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥَ ﻧﻮﺭ ﻳﻀﻴﺊُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥَ ﻭﻳﻨﻮِّﺭُﻩ ﻭﻳُﻈﻬﺮ ﺑﺎﺭﺯﺍ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻤﻜﺎﺗﻴﺐ ﺍﻟﺼﻤﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔَ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻳﺴﺘﻘﺮِﺋُﻬﺎ، ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻳُﻨﻴﺮ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺃﻳﻀﺎ، ﻭﻳُﻨﻘﺬ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥَ ﺍﻟﺨﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍلآﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺪﺍﻣﺴﺔ.

ﻭﺳﻨﻮﺿﺢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮّ ﺑﻤﺜﺎﻝ؛ ﺍﺳﺘﻨﺎﺩﺍ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ:

﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:257)

    ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖُ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻌﺔٍ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻃَﻮﺩَﻳﻦ ﺷﺎﻣﺨﻴﻦ ﻣﺘﻘﺎﺑﻠﻴﻦ، ﻧُﺼﺐَ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺘَﻴﻬﻤﺎ ﺟﺴﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﺪﻫﺶ، ﻭﺗﺤﺘﻪ ﻭﺍﺩٍ ﻋﻤﻴﻖ ﺳﺤﻴﻖ. ﻭﺃﻧﺎ ﻭﺍﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﺮ، ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺨﻴّﻢُ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻇـلاﻡ ﻛﺜﻴﻒ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ، ﻓـلا ﻳﻜﺎﺩ ﻳُﺮﻯ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻲﺀ. ﻓﻨﻈﺮﺕُ ﺇﻟﻰ ﻳﻤﻴﻨﻲ ﻓﻮﺟﺪﺕُ ﻣﻘﺒﺮﺓً ﺿﺨﻤﺔ ﺗﺤﺖ ﺟُﻨﺢ ﻇﻠﻤﺎﺕ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ، ﺃﻱ ﻫﻜﺬﺍ ﺗﺨﻴّﻠﺖُ، ﺛﻢ ﻧﻈﺮﺕُ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﻓﻲ ﺍلأﻳﺴﺮ ﻓﻜﺄﻧﻲ ﻭﺟﺪﺕُ ﺃﻣﻮﺍﺝَ ﻇﻠﻤﺎﺕٍ ﻋﺎﺗﻴﺔ ﺗﺘﺪﺍﻓﻊُ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻭﺍﻫﻲ ﺍﻟﻤُﺬﻫﻠﺔ ﻭﺍﻟﻔﻮﺍﺟﻊُ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺘﺄﻫّﺐ ﻟـلاﻧﻘﻀﺎﺽ، ﻭﻧﻈﺮﺕُ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻔﻞ ﺍﻟﺠﺴﺮ ﻓﺘﺮﺍﺀﺕْ ﻟﻌﻴﻨﻲ ﻫﻮﺓ ﻋﻤﻴﻘﺔ لا ﻗﺮﺍﺭَ ﻟﻬﺎ، ﻭﻗﺪ ﻛﻨﺖُ لا ﺃﻣﻠﻚ ﺳﻮﻯ ﻣﺼﺒﺎﺡٍ ﻳﺪﻭﻱ ﺧﺎﻓﺖِ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺃﻣﺎﻡَ ﻛﻞّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﺪﻳﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ. ﻓﺎﺳﺘﺨﺪﻣﺘُﻪ، ﻓﺒﺪﺍ ﻟﻲ ﻭﺿﻊ ﺭﻫﻴﺐ، ﺇﺫ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﺳﻮﺩﺍ ﻭﺿﻮﺍﺭﻱَ ﻭ ﻭﺣﻮﺷﺎ ﻭﺃﺷﺒﺎﺣﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺎﺕ ﻭﺃﻃﺮﺍﻑِ ﺍﻟﺠﺴﺮ، ﻓﺘﻤﻨّﻴﺖُ ﺃﻥ ﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺃﻣﻠِﻚُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡَ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺸﻒَ ﻟﻲ ﻛﻞَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤُﺨﻴﻔﺔ؛ ﺇﺫ ﺇﻧﻨﻲ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﻭﺟَّﻬﺖُ ﻧﻮﺭَ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡ ﺷﻬﺪﺕُ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺮ ﺍﻟﻤﺪﻫﺸﺔ ﻧﻔﺴَﻬﺎ، ﻓﺘﺤﺴﺮﺕُ ﻓﻲ ﺫﺍﺕ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺗﺄﻭّﻫﺖُ ﻗﺎﺋـلا: «ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡَ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﻭﺑـلاﺀ ﻋﻠﻲّ». ﻓﺎﺳﺘﺸﺎﻁ ﻏﻴﻈﻲ ﻓﺄﻟﻘﻴﺖُ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡَ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺗﺤﻄَّﻢَ. ﻭﻛﺄﻧﻲ -ﺑﺘﺤﻄُّﻤﻪ- ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺖُ ﺯﺭّﺍ ﻟﻤﺼﺒﺎﺡ ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﻫﺎﺋﻞ، ﻓﺈﺫﺍ ﺑﻪ ﻳُﻨﻮّﺭ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕِ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻓﺎﻧﻘﺸﻌﺖْ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕُ، ﻭﺍﻧﻜﺸﻔﺖْ ﻭﺯﺍﻟﺖ ﻧﻬﺎﺋﻴﺎ، ﻭﺍﻣﺘـلأ ﻛﻞُّ ﻣﻜﺎﻥٍ ﻭﻛﻞُّ ﺟﻬﺔٍ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ. ﻭﺑَﺪَﺕْ ﺣﻘﻴﻘﺔُ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﻧﺎﺻﻌﺔً ﻭﺍﺿﺤﺔ. ﻓﻮﺟﺪﺕُ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﺮَ ﺍﻟﻤﻌﻠّﻖَ ﺍﻟﺮﻫﻴﺐَ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺇلا ﺷﺎﺭﻉ ﻳﻤﺮّ ﻣﻦ ﺳﻬﻞٍ ﻣﻨﺒﺴﻂ. ﻭﺗﺒﻴّﻨﺖُ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻘﺒﺮﺓَ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔَ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺃﻳﺘُﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻟﻴﺴﺖ ﺇلا ﻣﺠﺎﻟﺲَ ﺫﻛﺮٍ ﻭﺗﻬﻠﻴﻞٍ ﻭﻧﺪﻭﺓ ﻛﺮﻳﻤﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻭﺧِﺪﻣﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ، ﻭﻋﺒﺎﺩﺓ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﺇﻣﺮﺓ ﺭﺟﺎﻝٍ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺟﻨﺎﺋﻦَ ﺧُﻀﺮٍ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺗﺸﻊُّ ﺑﻬﺠﺔً ﻭﻧﻮﺭﺍ ﻭﺗﺒﻌﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺳﻌﺎﺩﺓً ﻭﺳﺮﻭﺭﺍ. ﺃﻣﺎ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻭﺩﻳﺔ ﺍﻟﺴﺤﻴﻘﺔُ ﻭﺍﻟﺪﻭﺍﻫﻲ ﺍﻟﻤﺪﻫﺸﺔُ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙُ ﺍﻟﻐﺎﻣﻀﺔُ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺃﻳﺘُﻬﺎ ﻋﻦ ﻳﺴﺎﺭﻱ، ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﺇلا ﺟﺒﺎلا ﻣُﺸﺠﺮﺓً ﺧﻀﺮﺍﺀ ﺗﺴﺮُّ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ، ﻭﻭﺭﺍﺀَﻫﺎ ﻣﻀﻴﻒ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻣُﺮﻭﺝ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﻭﻣﺘﻨﺰّﻩ ﺭﺍﺋﻊ.. ﻧﻌﻢ، ﻫﻜﺬﺍ ﺭﺃﻳﺘُﻬﺎ ﺑﺨﻴﺎﻟﻲ، ﺃﻣﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕُ ﺍﻟﻤﺨﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻮﺣﻮﺵُ ﺍﻟﻀﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﺎﻫﺪﺗُﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﺇلا ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺃﻟﻴﻔﺔ ﺃﻧﻴﺴﺔ؛ ﻛﺎﻟﺠﻤﻞ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭ ﻭﺍﻟﻀﺄﻥ ﻭﺍﻟﻤﺎﻋﺰ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﺗﻠﻮﺕُ ﺍلآﻳﺔَ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾. ﻭﺑﺪﺃﺕُ ﺃﺭﺩّﺩ: ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ. ﺛُﻢَّ ﺃﻓﻘﺖُ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔِ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺬﺍﻛﻤﺎ ﺍﻟﺠﺒـلاﻥ ﻫﻤﺎ: ﺑﺪﺍﻳﺔُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓِ ﻭﻣُﻨﺘﻬﺎﻫﺎ، ﺃﻱ ﻫﻤﺎ ﻋﺎﻟَﻢُ ﺍلأﺭﺽ ﻭﻋﺎﻟَﻢُ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ.. ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﺮُ ﻫﻮ ﻃﺮﻳﻖُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.. ﻭﺍﻟﻄﺮﻑُ ﺍلأﻳﻤﻦ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ، ﻭﺍﻟﻄﺮﻑُ ﺍلأﻳﺴﺮُ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞُ ﻣﻨﻪ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡُ ﺍﻟﻴﺪﻭﻱ ﻓﻬﻮ ﺃﻧﺎﻧﻴﺔُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺘﺪّﺓُ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻫﻴﺔُ ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ، ﻭﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺼﻐﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ.. ﺃﻣﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﻴـلاﻥُ ﻭﺍﻟﻮﺣﻮﺵُ ﺍﻟﻜﺎﺳﺮﺓ ﻓﻬﻲ ﺣﻮﺍﺩﺙُ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﻭﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺗﻪ.

ﻓﺎلإﻧﺴﺎﻥُ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﺎﻧﻴﺘﻪ ﻭﻏﺮﻭﺭﻩ ﻭﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺷِﺮﺍﻙِ ﻇﻠﻤﺎﺕِ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔِ ﻭﻳُﺒْﺘﻠﻰ ﺑﺄﻏـلاﻝ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﺍﻟﻘﺎﺗﻠﺔ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺸﺒﻪ ﺣﺎﻟﺘﻲ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﺰﻣﻦَ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﻨﻮﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡ ﺍﻟﻨﺎﻗﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻧﺎﻗﺼﺔ ﻣﻨﺤﺮﻓﺔ ﻟﻠﻀـلاﻟﺔ ﻛﻤﻘﺒﺮﺓٍ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭﻳﺼﻮِّﺭُ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞِ ﻣﻮﺣﺸﺎ ﺗَﻌﺒﺚُ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺪﻭﺍﻫﻲ ﻭﺍﻟﺨﻄﻮﺏ ﻣﺤﻴـلا ﺇﻳﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺪﻓﺔِ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﺀ. ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻮِّﺭُ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻭﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ -ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻮﻇﻔﺔ ﻣﺴﺨﺮﺓ ﻣﻦ ﻟﺪﻥ ﺭﺏّ ﺭﺣﻴﻢ ﺣﻜﻴﻢ- ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻭﺣﻮﺵ ﻛﺎﺳﺮﺓ ﻭﻓﻮﺍﺗﻚ ﺿﺎﺭﻳﺔ. ﻓﻴَﺤﻖّ ﻋﻠﻴﻪ ﺣُﻜﻢُ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:257)

ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﻏﺎﺛﺖ ﺍلإﻧﺴﺎﻥَ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔُ، ﻭﻭﺟﺪ ﺍلإﻳﻤﺎﻥُ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﺒﻪ ﺳﺒﻴـلا، ﻭﺍﻧﻜﺴﺮﺕْ ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔُ ﺍﻟﻨﻔﺲِ ﻭﺗﺤﻄّﻤﺖْ، ﻭﺃﺻﻐﻰ ﺇﻟﻰ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻴﻜﻮﻥُ ﺃﺷﺒﻪَ ﺑﺤﺎﻟﺘﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔِ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔِ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ، ﻓﺘﺼﻄﺒﻎُ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕُ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﺗﻤﺘﻠﺊ ﺑﺎﻟﻨﻮﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﻭﻳﻨﻄﻖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢُ ﺑﺮﻣَّﺘﻪ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (ﺍﻟﻨﻮﺭ:35)

ﻓﻠﻴﺲ ﺍﻟﺰﻣﻦُ ﺍﻟﻐﺎﺑﺮُ ﺇﺫ ﺫﺍﻙ ﻣﻘﺒﺮﺓً ﻋﻈﻤﻰ ﻛﻤﺎ ﻳُﺘﻮَﻫﻢ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﻋﺼﺮٍ ﻣﻦ ﻋﺼﻮﺭﻩ ﻛﻤﺎ ﺗﺸﻬﺪُﻩ ﺑﺼﻴﺮﺓُ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﺯﺍﺧﺮ ﺑﻮﻇﺎﺋﻒَ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔٍ ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﻧﺒﻲٍّ ﻣُﺮﺳَﻞٍ، ﺃﻭ ﻃﺎﺋﻔﺔٍ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ، ﻳﺪﻳﺮُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻭﻳﻨﺸﺮﻫﺎ ﻭﻳُﺮﺳِّﺦُ ﺃﺭﻛﺎﻧَﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺗﻢِّ ﻭﺟﻪٍ ﻭﺃﻛﻤﻞ ﺻﻮﺭﺓ. ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻐﻔﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﺼﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺩﺍﺀ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ ﻭﻭﺍﺟﺒﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺗﺤﻠّﻖ ﻣُﺮﺗَﻘﻴﺔً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣُﺮﺩّﺩﺓً: «ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮُ» ﻣﺨﺘﺮﻗﺔً ﺣﺠﺎﺏَ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻠﺘﻔﺖُ ﺇﻟﻰ ﻳﺴﺎﺭﻩ ﻳﺘﺮﺍﺀﻯ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ -ﺑﻤﻨﻈﺎﺭ ﻧﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ- ﺃﻥّ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﺭﺍﺀَ ﺍﻧﻘـلاﺑﺎﺕٍ ﺑﺮﺯﺧﻴﺔٍ ﻭﺃﺧﺮﻭﻳﺔ -ﻭﻫﻲ ﺑﻀﺨﺎﻣﺔ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﺸﻮﺍﻫﻖ- ﻗﺼﻮﺭ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺠﻨﺎﻥ، ﻗﺪ ﻣُﺪَّﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻀﺎﻳﻒُ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻣَﺪﺍ لا ﺃﻭﻝَ ﻟﻬﺎ ﻭلا ﺁﺧﺮ. ﻓﻴﺘﻴﻘﻦ ﺑﺄﻥ ﻛﻞَّ ﺣﺎﺩﺛﺔٍ ﻣﻦ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﻜﻮﻥ -ﻛﺎلأﻋﺎﺻﻴﺮ ﻭﺍﻟﺰلاﺯﻝ ﻭﺍﻟﻄﺎﻋﻮﻥ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ- ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣُﺴﺨّﺮﺍﺕ ﻣﻮﻇﻔﺎﺕ ﻣﺄﻣﻮﺭﺍﺕ، ﻓﻴﺮﻯ ﺃﻥ ﻋﻮﺍﺻﻒَ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻭﺍﻟﻤﻄﺮ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪﻭ ﺣﺰﻳﻨﺔً ﺳﻤﺠﺔً، ﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺇلا ﻣﺪﺍﺭُ ﺍﻟﺤِﻜَﻢِ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺕَ ﻣﻘﺪﻣﺔً ﻟﺤﻴﺎﺓٍ ﺃﺑﺪﻳﺔٍ، ﻭﻳﺮﻯ ﺍﻟﻘﺒﺮَ ﺑﺎﺏَ ﺳﻌﺎﺩﺓٍ ﺧﺎﻟﺪﺓ..

ﻭﻗﺲْ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻮﺍﻝ ﺳﺎﺋَﺮ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕِ ﺑﺘﻄﺒﻴﻖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔِ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ.