ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﺇﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺣﻴﻮﺍﻥ ﺿﻌﻴﻒ ﻭﻣﺨﻠﻮﻕ ﻋﺎﺟﺰ، ﺩﺍﺋﺮﺓُ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ﻭﺗﻤﻠﻜﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻭﺿﻴﻘﺔ، ﻓﻬﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺪّ ﻳﺪﻩ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮﺓ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍلأﻟﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻋﻄﻲ ﺯﻣﺎﻣُﻬﺎ ﺑﻴﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻗﺪ ﺗﺴﺮّﺏَ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺿﻌﻒ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻋﺠﺰِﻩ ﻭﻛَﺴَﻠﻪ ﺣﺼﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ. ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﻗﻴﺲ ﻣﺜـلا ﺍﻟﻐﻨﻢ ﻭﺍﻟﺒﻘﺮ ﺍلأﻫﻠﻲ ﺑﺎﻟﻐﻨﻢ ﻭﺍﻟﺒﻘﺮ ﺍﻟﻮﺣﺸﻲ ﻟﻈَﻬﺮ ﻓﺮﻕ ﻫﺎﺋﻞ ﻭﺑﻮﻥ ﺷﺎﺳﻊ.

ﺇلا ﺃﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍلاﻧﻔﻌﺎﻝ ﻭﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺿﻴﻒ ﻋﺰﻳﺰ ﻛﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺿﻴﺎﻓﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻀﺎﻓﻪ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢُ ﺿﻴﺎﻓﺔً ﻛﺮﻳﻤﺔً ﺣﺘﻰ ﻓﺘﺢ ﻟﻪ ﺧﺰﺍﺋﻦَ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﻭﺳﺨّﺮ ﻟﻪ ﺧَﺪَﻣﻪ ﻭﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ، ﻭﻫﻴﺄ ﻟﺘﻨﺰّﻫﻪ ﻭﺍﺳﺘﺠﻤﺎﻣﻪ ﻭﻣﻨﺎﻓﻌﻪ ﺩﺍﺋﺮﺓً ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺟﺪﺍ، ﻧﺼﻒُ ﻗُﻄﺮﻫﺎ ﻣﺪُّ ﺍﻟﺒﺼﺮ ﺑﻞ ﻣﺪُّ ﺍﻧﺒﺴﺎﻁ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ.

ﻓﺈﺫﺍ ﺍﺳﺘﻨﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﺎﻧﻴﺘﻪ ﻭﻏﺮﻭﺭﻩ ﻭﺍﺗﺨﺬ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓَ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻏﺎﻳﺔ ﺁﻣﺎﻟﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﺟُﻬﺪُﻩ ﻭﻛﺪُّﻩ لأﺟﻞ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﻟﺬﺍﺕٍ ﻋﺎﺟﻠﺔٍ ﻓﻲ ﺳﻌﻴﻪ ﻭﺭﺍﺀ ﻣﻌﻴﺸﺘﻪ. ﻓﺴﻮﻑ ﻳﻐﺮﻕ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺿﻴﻘﺔ ﻭﻳﺬﻫﺐ ﺳﻌﻴُﻪ ﺃﺩﺭﺍﺝَ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ، ﻭﺳﺘﺸﻬﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺡ ﻭﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻭﺩﻋﺖْ ﻓﻴﻪ ﺷﺎﻛﻴﺔً ﺿﺪﻩ، ﺳﺎﺧﻄﺔً ﺛﺎﺋﺮﺓ ﻋﻠﻴﻪ. ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺩﺭﻙ ﺃﻧﻪ ﺿﻴﻒ ﻋﺰﻳﺰ، ﻭﺗﺤﺮﻙ ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣﺮﺿﺎﺓ ﻣَﻦ ﻧﺰﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺿﻴﻔﺎ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢُ ﺫﻭ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﻭﺻﺮَﻑَ ﺭﺃﺳﻤﺎﻝ ﻋﻤﺮﻩ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ ﻓﺴﻮﻑ ﻳﻜﻮﻥ ﻧﺸﺎﻃُﻪ ﻭﻋﻤﻠُﻪ ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻓﺴﻴﺤﺔ ﺭﺣﺒﺔ ﺟﺪﺍ ﺗﻤﺘﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ، ﻭﺳﻴﻌﻴﺶ ﺳﺎﻟﻤﺎ ﺁﻣﻨﺎ ﻣﻄﻤﺌﻨﺎ، ﻭﻳﺘﻨﻔﺲ ﺍﻟﺼﻌﺪﺍﺀ ﻭﻳﺴﺘﺮﻭﺡ، ﻭﺑﺈﻣﻜﺎﻧِﻪِ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩُ ﻭﺍﻟﺮﻗﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻠﻰ ﻋﻠّﻴﻴﻦ. ﻭﺳﺘﺸﻬﺪ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻣﺎ ﻣﻨﺤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺡ ﻭﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺯُﺭﻋﺖ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺘﺎﻓﻬﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﻧﻌﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻬﺎ ﻟﺤﻴﺎﺓٍ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ، ﻟﻬﺎ ﺷﺄﻧُﻬﺎ ﻭﺃﻱُّ ﺷﺄﻥ. ﺫﻟﻚ لأﻧﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﻗﺎﺭﻧّﺎ ﺑﻴﻦ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﻏﻨﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﻭﺍلآلاﺕ، ﺑﻤﺎﺋﺔ ﻣﺮﺓ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻟﺬّﺗُﻪُ ﻭﺗَﻤﺘُّﻌﻪُ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻓﻘﺮُ ﻣﻨﻪ ﺑﻤﺎﺋﺔ ﺩﺭﺟﺔ، لأﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻳﺠﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﺬﺓٍ ﻳﻠﺘﺬّ ﺑﻬﺎ ﻭﻳﺘﺬﻭﻗﻬﺎ ﺁﺛﺎﺭَ ﺁلاﻑٍ ﻣﻦ ﺍلآلاﻡِ ﻭﺍﻟﻤﻨﻐّﺼﺎﺕ. ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺁلاﻡُ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻭﻏﺼﺺُ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ، ﻭﻣﺨﺎﻭﻑُ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻭﺃﻭﻫﺎﻡُ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍلآﺗﻲ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍلآلاﻡُ ﺍﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﻝ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ. ﻛﻞُّ ﺫﻟﻚ ﻳُﻔﺴﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺰﺍﺟَﻪ ﻭﺃﺫﻭﺍﻗَﻪ ﻭﻳﻜﺪِّﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﻔﻮَﻩ ﻭﻧﺸﻮﺗَﻪ، ﺣﻴﺚ ﺗَﺘﺮﻙ ﻛﻞُّ ﻟﺬﺓٍ ﺃﺛﺮﺍ ﻟـلأﻟﻢ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥُ ﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ، ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻠﺬّﺫُ ﺩﻭﻥ ﺃﻟﻢٍ، ﻭﻳﺘﺬﻭﻕ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺻﺎﻓﻴﺔً ﺩﻭﻥ ﺗﻜﺪّﺭٍ ﻭﺗﻌﻜﺮ، ﻓـلا ﺗﻌﺬّﺑﻪ ﺁلاﻡُ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭلا ﺗﺮﻫﺒﻪُ ﻣﺨﺎﻭﻑُ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻓﻴﻌﻴﺶ ﻣﺮﺗﺎﺣﺎ ﻭﻳﻐﻔﻮ ﻫﺎﻧﺌﺎ ﺷﺎﻛﺮﺍ ﺧﺎﻟﻘَﻪ، ﺣﺎﻣﺪﺍ ﻟﻪ.

ﺇﺫﻥ ﻓﺎلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺧُﻠﻖ ﻓﻲ «ﺃﺣﺴﻦ ﺗﻘﻮﻳﻢ» ﺇﺫﺍ ﺣَﺼَﺮ ﻓﻜﺮَﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺣﺪَﻫﺎ ﻓﺴﻴﻬﺒﻂ ﻭﻳﺘَّﻀﻊ ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺃﻗﻞ ﺷﺄﻧﺎ ﺑﻤﺎﺋﺔ ﺩﺭﺟﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﻮﺍﻥ ﻛﺎﻟﻌﺼﻔﻮﺭ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﺳﻤﻰ ﻭﺃﺗﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺭﺃﺳﻤﺎﻟﻪ ﺑﻤﺎﺋﺔ ﺩﺭﺟﺔ. ﻭﻟﻘﺪ ﻭﺿّﺤﺖُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻤَﺜَﻞٍ ﺃﻭﺭﺩﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺁﺧﺮ ﻭﺳﺄﻋﻴﺪُﻩ ﻫﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ:

ﺇﻥ ﺭﺟـلا ﻣﻨﺢ ﺧﺎﺩﻣﻪ ﻋﺸﺮَ ﻟﻴﺮﺍﺕٍ ﺫﻫﺒﻴﺔ ﻭﺃﻣﺮﻩ ﺃﻥ ﻳﻔﺼّﻞ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﺪﻟﺔً ﻣﻦ ﺃﺟﻮﺩ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍلأﻗﻤﺸﺔ. ﻭﺃﻋﻄﻰ ﻟﺨﺎﺩﻣﻪ ﺍلآﺧﺮ ﺃﻟﻒَ ﻟﻴﺮﺓ ﺫﻫﺒﻴﺔ ﺇلا ﺃﻧﻪ ﺃﺭﻓﻖ ﺑﺎﻟﻤﺒﻠﻎ ﻗﺎﺋﻤﺔً ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺒُﻪ ﻣﻨﻪ، ﻭﻭﺿﻊ ﺍﻟﻤﺒﻠﻎَ ﻭﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔَ ﻓﻲ ﺟﻴﺐ ﺍﻟﺨﺎﺩﻡ. ﻭﺑﻌﺜﻬﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻮﻕ. ﺍﺷﺘﺮﻯ ﺍﻟﺨﺎﺩﻡ ﺍلأﻭﻝ ﺑﺪﻟﺔً ﺃﻧﻴﻘﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﻦ ﺃﻓﺨﺮ ﺍلأﻗﻤﺸﺔ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﺑﻌﺸﺮ ﻟﻴﺮﺍﺕ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺨﺎﺩﻡُ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻘﺪ ﻗﻠّﺪ ﺍﻟﺨﺎﺩﻡ ﺍلأﻭﻝ ﻭﺣﺬﺍ ﺣﺬﻭﻩ، ﻭﻣﻦ ﺣﻤﺎﻗﺘﻪ ﻭﺳﺨﺎﻓﺔ ﻋﻘﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﺮﺍﺟﻊ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔَ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻟﺪﻳﻪ، ﻓﺪﻓﻊ ﻟﺼﺎﺣﺐ ﻣﺤﻞٍ ﻛﻞَّ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻩ (ﺃﻟﻒَ ﻟﻴﺮﺓ). ﻭﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺑﺪﻟﺔً ﺭﺟﺎﻟﻴﺔً ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺒﺎﺋﻊ ﻏﻴﺮَ ﺍﻟﻤُﻨﺼﻒ ﺍﺧﺘﺎﺭ ﻟﻪ ﺑﺪﻟﺔً ﻣﻦ ﺃﺭﺩﺃ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻔﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﺎﺩﻡُ ﺍﻟﺸﻘﻲُ ﺭﺍﺟﻌﺎ ﺇﻟﻰ ﺳﻴّﺪﻩ، ﻭﻭﻗﻒ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ، ﻋﻨّﻔﻪ ﺳﻴﺪُﻩ ﺃﺷﺪَّ ﺍﻟﺘﻌﻨﻴﻒ ﻭﺃﻧّﺒﻪ ﺃﻗﺴﻰ ﺍﻟﺘﺄﻧﻴﺐ ﻭﻋﺬَّﺑﻪ ﻋﺬﺍﺑﺎ ﺃﻟﻴﻤﺎ.

ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻤﻠﻚ ﺃﺩﻧﻰ ﺷﻌﻮﺭٍ ﻭﺃﻗﻞَّ ﻓﻄﻨﺔٍ ﻳﺪﺭﻙ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓً ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺨﺎﺩﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻣُﻨﺢ ﺃﻟﻒ ﻟﻴﺮﺓ ﻟﻢ ﻳُﺮﺳَﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻟﺸﺮﺍﺀ ﺑﺪﻟﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻟـلاﺗّﺠﺎﺭ ﻓﻲ ﺗﺠﺎﺭﺓ ﻣﻬﻤﺔ ﺟﺪﺍ.

ﻓﻜﺬﻟﻚ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻭُﻫﺐ ﻟﻪ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺟﻬﺰﺓُ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻗﻴﺴﺖ ﻛﻞُّ ﻭﺍﺣﺪﺓٍ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻟﻈﻬﺮﺕْ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮُ ﺍﻧﺒﺴﺎﻃﺎ ﻭﺃﻛﺜﺮُ ﻣﺪﻯ ﺑﻤﺎﺋﺔ ﻣﺮّﺓ.

 ﻓﻤﺜـلا: ﺃﻳﻦ ﻋﻴﻦُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴّﺰ ﺟﻤﻴﻊَ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ؟ ﻭﺃﻳﻦ ﺣﺎﺳﺘُﻪ ﺍﻟﺬﻭﻗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴّﺰ ﺑﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﻤﻄﻌﻮﻣﺎﺕ ﺑﻠﺬﺍﺋﺬﻫﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ؟ ﻭﺃﻳﻦ ﻋﻘﻠُﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻔﺬ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻭﺇﻟﻰ ﺃﺩﻕ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ؟ ﻭﺃﻳﻦ ﻗﻠﺒُﻪ ﺍﻟﻤﺸﺘﺎﻕ ﺍﻟﻤﺘﻠﻬّﻒ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ؟ ﺃﻳﻦ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﻓﻲ ﺍلآلاﺕ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ لا ﺗﻨﻜﺸﻒ ﺇلا ﻟﺤﺪ ﻣﺮﺗﺒﺘﻴﻦ ﺃﻭ ﺛـلاﺙ!! ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪﺍ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﺔ ﺑﺠﻬﺎﺯ ﺧﺎﺹ ﻓﻲ ﺣﻴﻮﺍﻥ ﻣﻌﻴﻦ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺩﻱ ﻋﻤﻠﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﻗﺪ ﻳﻔﻀُﻞ ﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ.

ﻭﺍﻟﺴﺮُّ ﻓﻲ ﻭَﻓْﺮَﺓِ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻣُﻨﺤﺖ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻭﻏِﻨﺎﻫﺎ ﻫﻮ: ﺃﻥ ﺣﻮﺍﺱَّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﺸﺎﻋﺮَﻩ ﻗﺪ ﺍﻛﺘﺴﺒﺖ ﻗﻮﺓً ﻭﻧﻤﺎﺀً ﻭﺍﻧﻜﺸﺎﻓﺎ ﻭﺍﻧﺒﺴﺎﻃﺎ ﺃﻛﺜﺮ؛ ﻟﻤﺎ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻓﻘﺪ ﺗﺒﺎﻳَﻦ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﺪﻯ ﺍﺳﺘﻘﻄﺎﺏ ﺣﻮﺍﺳﻪ، ﻧﻈﺮﺍ ﻟﺘﺒﺎﻳﻦ ﻭﻛﺜﺮﺓ ﺍﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ. ﻟﺬﺍ ﺗﻨﻮﻋﺖ ﺃﺣﺎﺳﻴﺴُﻪ ﻭﺗﻌﺪﺩﺕ ﻣﺸﺎﻋﺮُﻩ.. ﻭلأﻧﻪ ﻳﻤﻠﻚ ﻓﻄﺮﺓً ﺟﺎﻣﻌﺔً ﻓﻘﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﻣﺤﻮﺭﺍ لآﻣﺎﻝٍ ﻭﺭﻏﺒﺎﺕٍ ﻋﺪﺓ ﻭﻣﺪﺍﺭﺍ ﻟﻠﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﺻﺪَ ﺷﺘّﻰ.. ﻭﻧﻈﺮﺍ ﻟﻜﺜﺮﺓ ﻭﻇﺎﺋﻔﻪ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﻓﻘﺪ ﺍﻧﻔﺮﺟﺖ ﺃﺟﻬﺰﺗُﻪ ﻭﺗﻮﺳّﻌﺖ.. ﻭﺑﺴﺒﺐ ﻓﻄﺮﺗﻪ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﺍﻟﻤﻬﻴﺄﺓ ﻟﺸﺘﻰ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻓﻘﺪ ﻣُﻨﺢ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍ ﺟﺎﻣﻌﺎ ﻟﺒﺬﻭﺭ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ؛ ﻟﺬﺍ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗُﻤﻨﺢ ﻟﻪ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﻮﻓﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺆﻗﺘﺔ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ ﻓﺤﺴﺐ، ﺑﻞ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔَ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻟﻬﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻫﻲ ﺃﻥ ﻳﻔﻲ ﺑﺤﻖ ﻭﻇﺎﺋﻔﻪ ﺍﻟﻤﺘﻄﻠﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﺻﺪَ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ، ﻭﺃﻥ ﻳﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﻋﺠﺰِﻩ ﻭﻓﻘﺮِﻩ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻌﺒﻮﺩﻳﺘﻪ، ﻭﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﺑﻨﻈﺮﻩ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻓﻴﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻭﻳﻄّﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻤﺪّﻩ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻣﻦ ﺇﻧﻌﺎﻡ ﻭﺁلاﺀ ﻓﻴﺸﻜﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﺃﻥ ﻳُﻌﺎﻳﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﻓﻴﺘﻔﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻳﺘﺄﻣﻞ ﻭﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻌﺒﺮﺓ ﻭﺍلإﻋﺠﺎﺏ.

ﻓﻴﺎ ﻋﺎﺑﺪَ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻋﺎﺷﻖَ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞَ ﻋﻦ ﺳﺮ «ﺃﺣﺴَﻦِ ﺗﻘﻮﻳﻢ»! ﺍﺳﺘﻤﻊ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔُ ﺣﻴﺎﺓِ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ. ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺁﻫﺎ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﻓﺤﻮّﻟﺘﻪ ﺇﻟﻰ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ» ﻭﻫﻲ: ﺃﻧﻲ ﺭﺃﻳﺖُ ﻧﻔﺴﻲ ﻛﺄﻧﻲ ﺃﺳﺎﻓﺮ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖٍ ﻃﻮﻳﻠﺔ، ﺃﻱ ﺃﺭﺳَﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻥٍ ﺑﻌﻴﺪ، ﻭﻛﺎﻥ ﺳﻴﺪﻱ ﻗﺪ ﺧﺼّﺺ ﻟﻲ ﻣﻘﺪﺍﺭَ ﺳﺘﻴﻦ ﻟﻴﺮﺓ ﺫﻫﺒﻴﺔ ﻳﻤﻨﺤﻨﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻞَّ ﻳﻮﻡٍ ﺷﻴﺌﺎ، ﺣﺘﻰ ﺩﺧﻠﺖُ ﺇﻟﻰ ﻓﻨﺪﻕٍ ﻓﻴﻪ ﻣﻠﻬﻰ ﻓﻄﻔﻘﺖُ ﺃﺑﺬّﺭ ﻣﺎ ﺃﻣﻠﻚ، ﻭﻫﻲ ﻋﺸﺮُ ﻟﻴﺮﺍﺕ، ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔٍ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪﺓ ﺍﻟﻘﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﺴﻬﺮ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺸﻬﺮﺓ ﻭﺍلإﻋﺠﺎﺏ. ﻓﺄﺻﺒﺤﺖُ ﻭﺃﻧﺎ ﺻُﻔﺮ ﺍﻟﻴﺪﻳﻦ ﻟﻢ ﺃﺗّﺠﺮ ﺑﺸﻲﺀ، ﻭﻟﻢ ﺁﺧﺬ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻤﺎ ﺳﺄﺣﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻗﺼﺪﻩ، ﻓﻠﻢ ﺃﻭﻓّﺮ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺳﻮﻯ ﺍلآلاﻡ ﻭﺍﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺳﺒﺖْ ﻣﻦ ﻟﺬّﺍﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺸﺮﻭﻋﺔ، ﻭﺳﻮﻯ ﺍﻟﺠﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﻐﺼّﺎﺕ ﻭﺍلآﻫﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺷﺤﺖ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻔﺎﻫﺎﺕ ﻭﺍﻟﺴﻔﺎلاﺕ..

ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻜﺌﻴﺒﺔ ﺍﻟﺤﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﺒﺎﺋﺴﺔ ﺇﺫ ﺗﻤﺜّﻞ ﺃﻣﺎﻣﻲ ﺭﺟﻞ. ﻓﻘﺎﻝ: «ﺃﻧﻔﻘﺖَ ﺟﻤﻴﻊ ﺭﺃﺳﻤﺎﻟﻚ ﺳﺪﻯً، ﻭﺻﺮﺕَ ﻣﺴﺘﺤﻘﺎ ﻟﻠﻌﻘﺎﺏ، ﻭﺳﺘﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﻳﺪُﻩ ﺧﺎﻭﻱَ ﺍﻟﻴﺪﻳﻦ. ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖَ ﻓﻄﻨﺎ ﻭﺫﺍ ﺑﺼﻴﺮﺓ ﻓﺒﺎﺏُ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻔﺘﻮﺡ ﻟﻢ ﻳُﻐﻠﻖ ﺑﻌﺪُ. ﻓﺒﺈﻣﻜﺎﻧﻚ ﺃﻥ ﺗﺪّﺧﺮ ﻧﺼﻒ ﻣﺎ ﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ، ﻣﻤﺎ ﺑﻘﻲ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺨﻤﺲ ﻋﺸﺮﺓ ﻟﺘﺸﺘﺮﻱ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻤﺎ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ..» ﻓﺎﺳﺘﺸﺮﺕُ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻲ ﻏﻴﺮ ﺭﺍﺿﻴﺔ ﺑﺬﻟﻚ، ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ: «ﻓﺎﺩّﺧﺮ ﺇﺫﻥ ﺛُﻠُﺜَﻪ». ﻭﻟﻜﻦ ﻭﺟﺪﺕُ ﻧﻔﺴﻲ ﻏﻴﺮ ﺭﺍﺿﻴﺔ ﺑﻬﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎ. ﻓﻘﺎﻝ: «ﻓﺎﺩّﺧﺮ ﺭﺑﻌَﻪ». ﻓﺮﺃﻳﺖُ ﻧﻔﺴﻲ لا ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗَﺪَﻉ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓَ ﺍﻟﺘﻲ ﺍُﺑﺘﻠﻴﺖْ ﺑﻬﺎ. ﻓﺄﺩﺍﺭ ﺍﻟﺮﺟﻞُ ﺭﺃﺳﻪ ﻭﺃﺩﺑﺮ ﻓﻲ ﺣﺪّﺓٍ ﻭﻏﻴﻆٍ ﻭﻣﻀﻰ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ.

ﺛﻢ ﺭﺃﻳﺖُ ﻛﺄﻥ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻗﺪ ﺗﻐﻴّﺮﺕ. ﻓﺮﺃﻳﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﻗﻄﺎﺭ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﺤﺪﺭﺍ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻓﻲ ﺩﺍﺧﻞ ﻧﻔﻖ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ، ﻓﺎﺿﻄﺮﺑﺖ ﻣﻦ ﺩﻫﺸﺘﻲ، ﻭﻟﻜﻦ لا ﻣﻨﺎﺹ ﻟﻲ ﺣﻴﺚ لا ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏُ ﻳﻤﻴﻨﺎ ﻭلا ﺷﻤﺎلا. ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺪﻭ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻓَﻲ ﺍﻟﻘﻄﺎﺭ ﺃﺯﻫﺎﺭ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺟﺬّﺍﺑﺔ ﻭﺛﻤﺎﺭ ﻟﺬﻳﺬﺓ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻓﻤﺪﺩﺕُ ﻳﺪﻱ -ﻛﺎلأﻏﺒﻴﺎﺀ- ﻧﺤﻮَﻫﺎ ﺃﺣﺎﻭﻝ ﻗﻄﻒَ ﺃﺯﻫﺎﺭﻫﺎ ﻭﺃﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ، ﺇلا ﺃﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﻴﺪﺓَ ﺍﻟﻤﻨﺎﻝ، ﺍلأﺷﻮﺍﻙُ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻧﻐﺮﺯﺕْ ﻓﻲ ﻳﺪﻱ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﻣـلاﻣﺴﺘﻬﺎ ﻓﺄﺩْﻣَﺘﻬﺎ ﻭﺟﺮﺣَﺘﻬﺎ ﻭﺍﻟﻘﻄﺎﺭُ ﻛﺎﻥ ﻣﺎﺿﻴﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻓﺂﺫﻳﺖُ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﺗﻌﻮﺩ ﻋﻠﻲّ. ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺣﺪ ﻣﻮﻇﻔﻲ ﺍﻟﻘﻄﺎﺭ: «ﺃﻋﻄﻨﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﻗﺮﻭﺵ لأﻧﺘﻘﻲَ ﻟﻚ ﺍﻟﻜﻤﻴﺔَ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻳﺪُﻫﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺯﻫﺎﺭ ﻭﺍلأﺛﻤﺎﺭ، ﻓﺈﻧﻚ ﺗﺨﺴﺮ ﺑﺠﺮﻭﺣﻚ ﻫﺬﻩ ﺃﺿﻌﺎﻑَ ﺃﺿﻌﺎﻑ ﻣﺎ ﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺨﻤﺴﺔ ﻗﺮﻭﺵ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻘﺎﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻨﻴﻌﻚ ﻫﺬﺍ، ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻚ ﺗﻘﻄﻔﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺇﺫﻥ». ﻓﺎﺷﺘﺪّ ﻋﻠﻲّ ﺍﻟﻜﺮﺏُ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻓﻨﻈﺮﺕُ ﺃﺗﻄﻠّﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻣﺎﻡ لأﺗﻌﺮّﻑ ﺇﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻨﻔﻖ، ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻮﺍﻓﺬَ ﻛﺜﻴﺮﺓً ﻭﺛﻐﻮﺭﺍ ﻋﺪﺓ ﻗﺪ ﺣﻠّﺖ ﻣﺤﻞَّ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻨﻔﻖ ﻭﺃﻥ ﻣﺴﺎﻓﺮﻱ ﺍﻟﻘﻄﺎﺭ ﻳُﻘﺬَﻓﻮﻥ ﺧﺎﺭﺟﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻄﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻐﻮﺭ ﻭﺍﻟﺤﻔﺮ، ﻭﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﺛﻐﺮﺍ ﻳﻘﺎﺑﻠﻨﻲ ﺃﻧﺎ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺃﻗﻴﻢَ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻓﻴﻪ ﺣﺠﺮ ﺃﺷﺒﻪُ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥُ ﺑﺸﻮﺍﻫﺪِ ﺍﻟﻘﺒﺮ، ﻓﻨﻈﺮﺕ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﺩﻗﺔ ﻭﺇﻣﻌﺎﻥ ﻓﺮﺃﻳﺖُ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﻛُﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺑﺤﺮﻭﻑٍ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺍﺳﻢ «ﺳﻌﻴﺪ» ﻓﺼﺮﺧﺖُ ﻣﻦ ﻓﺮﻗﻲ ﻭﺣﻴﺮﺗﻲ: ﻳﺎ ﻭﻳـلاﻩ!! ﻭﺁﻧﺬﺍﻙ ﺳﻤﻌﺖُ ﺻﻮﺕ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻃﺎﻝ ﻋﻠﻲّ ﺍﻟﻨﺼﺢَ ﻓﻲ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻤﻠﻬﻰ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ: «ﻫﻞ ﺍﺳﺘﺮﺟﻌﺖَ ﻋﻘﻠﻚ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻭﺃﻓﻘﺖَ ﻣﻦ ﺳﻜﺮﺗﻚ؟» ﻓﻘﻠﺖ: «ﻧﻌﻢ ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﻓﻮﺍﺕ ﺍلأﻭﺍﻥ، ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺧﺎﺭﺕْ ﻗﻮﺍﻱ ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻖَ ﻟﻲ ﺣﻮﻝ ﻭلا ﻗﻮﺓ». ﻓﻘﺎﻝ: «ﺗُﺐْ ﻭﺗﻮﻛّﻞْ» ﻓﻘﻠﺖ: «ﻗﺪ ﻓﻌﻠﺖ». ﺛﻢ ﺃﻓﻘﺖُ ﻭﻗﺪ ﺍﺧﺘﻔﻰ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻭﺭﺃﻳﺖُ ﻧﻔﺴﻲ ﺳﻌﻴﺪﺍ ﺟﺪﻳﺪﺍ.

ﻭﻧﺮﺟﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ ﺧﻴﺮﺍ. ﻭﺳﺄﻓﺴﺮ ﻗﺴﻤﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻋﻠﻴﻚ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻭﻫﻮ: ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﻔﺮُ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺮُّ ﻣﻦ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ، ﻭﻣﻦ ﺃﻃﻮﺍﺭ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮَّﺣﻢ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻘﺒﺮ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺮﺍﻁ ﻭﺇﻟﻰ ﺃﺑﺪ ﺍلآﺑﺎﺩ. ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ﺍﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﺳﺘﻴﻦ ﻫﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺍﻟﺒﺎﻟﻎ ﺳﺘﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎ. ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍلأﺭﺑﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺣﺴﺐ ﻇﻨﻲ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻲ ﺳﻨﺪ ﻭلا ﺣﺠﺔ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃﻋﻴﺶ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ، ﺇلا ﺃﻧﻪ ﺃﺭﺷﺪﻧﻲ ﺃﺣﺪُ ﺗـلاﻣﻴﺬ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﺃﻥ ﺃﻧﻔﻖ ﻧﺼﻒَ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ -ﻭﻫﻮ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ ﻋﺎﻣﺎ- ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍلآﺧﺮﺓ.. ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﻨﺪﻕ ﻫﻮ ﻣﺪﻳﻨﺔُ ﺇﺳﻄﻨﺒﻮﻝ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻲّ.. ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﻄﺎﺭ ﻫﻮ ﺍﻟﺰﻣﻦ، ﻭﻛﻞُّ ﻋﺎﻡٍ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﻋﺮﺑﺔ ﻣﻨﻪ.. ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻔﻖُ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.. ﻭﺗﻠﻚ ﺍلأﺯﻫﺎﺭُ ﻭﺍﻟﺜﻤﺎﺭ ﺍﻟﺸﺎﺋﻜﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ ﻭﺍﻟﻠﻬﻮ ﺍﻟﻤﺤﻈﻮﺭ ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍلأﻟﻢَ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﺗﺼﻮّﺭ ﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﻳُﺪﻣﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐَ ﻭﻳَﺠﺮﺡ ﺍﻟﻨﻔﺲَ ﻓﻴﻘﺎﺳﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﻣﻦ ﺗﻮﻗّﻊ ﻓﺮﺍﻗِﻬﺎ ﻣﺮﺍﺭﺓَ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ. ﻭﺇﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺍﻟﺨﺎﺩﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻄﺎﺭ: «ﺍﻋﻄﻨﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﻗﺮﻭﺵ ﺃﻋﻄﻚ ﻣﻦ ﺃﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎﺟﻪ» ﻫﻮ: ﺃﻥ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ ﻭﺍلأﺫﻭﺍﻕَ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﺍﻟﺤـلاﻝ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﺴﻌﺎﺩﺗﻪ ﻭﻫﻨﺎﺋﻪ ﻭﺭﺍﺣﺘﻪ ﻓـلا ﻳﺪﻉُ ﻣﺠﺎلا ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ.. ﻭﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﻔﺴّﺮ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ.