ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﺇﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺃﺷﺒَﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺿﻌﻔِﻪ ﻗﻮﺓً ﻛﺒﻴﺮﺓً ﻭﻓﻲ ﻋﺠﺰﻩ ﻗﺪﺭﺓً ﻋﻈﻴﻤﺔ؛ لأﻧﻪ ﺑﻘﻮﺓ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻀﻌﻒِ ﻭﻗﺪﺭﺓِ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﺳُﺨِّﺮﺕ ﻟﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕُ ﻭﺍﻧﻘﺎﺩﺕ. ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﺩﺭﻙ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺿﻌﻔَﻪ ﻭﺩﻋﺎ ﺭﺑَّﻪ ﻗﻮلا ﻭﺣﺎلا ﻭﻃﻮﺭﺍ، ﻭﺃﺩﺭﻙ ﻋﺠﺰَﻩ ﻓﺎﺳﺘﻨﺠﺪ ﻭﺍﺳﺘﻐﺎﺙ ﺭﺑَّﻪ، ﻭﺃﺩّﻯ ﺍﻟﺸﻜﺮَ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀَ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺴﺨﻴﺮ، ﻓﺴﻴﻮﻓّﻖ ﺇﻟﻰ ﻣﻄﻠﻮﺑﻪ ﻭﺳﺘﺨﻀﻊ ﻟﻪ ﻣﻘﺎﺻﺪُﻩ ﻭﺗﺘﺤﻘﻖ ﻣﺂﺭﺑُﻪ ﻭﺗﺄﺗﻲ ﺇﻟﻴﻪ ﻃﺎﺋﻌﺔً ﻣﻨﻘﺎﺩﺓً ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻝَ ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ ﺑﻞ ﻭلا ﻳﺘﺴﻨّﻰ ﻟﻪ ﻋُﺸﺮ ﻣﻌﺸﺎﺭ ﺫﻟﻚ. ﺇلا ﺃﻧﻪ ﻳﺤﻴﻞ -ﺧﻄﺄً- ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻣﺎ ﻧﺎﻟﻪ ﺑﺪﻋﺎﺀ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ. ﻭﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﺿﻌﻒ ﻓﺮﺥ ﺍﻟﺪﺟﺎﺝ ﺗﺠﻌﻞ ﺃﻣَّﻪ ﺗﺪﻓﻊ ﻋﻨﻪ ﺍلأﺳﺪَ ﺑﻤﺎ ﺗﻤﻠﻚ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ. ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﺿَﻌﻒ ﺷﺒﻞ ﺍلأﺳﺪ ﺗﺴﺨِّﺮ ﺃﻣَّﻪ ﺍﻟﻤﻔﺘﺮﺳﺔ ﺍﻟﻀﺎﺭﻳﺔ ﻟﻨﻔﺴﻪ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺒﻘﻰ ﺍلأﺳﺪُ ﻳﺘﻀﻮَّﺭُ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻮﻉ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺸﺒﻊ ﻫﻮ ﻣﻊ ﺻِﻐَﺮﻩ ﻭﺿَﻌﻔﻪ. ﻭﺇﻧﻪ ﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﻤـلاﺣﻈﺔ؛ ﺍﻟﻘﻮﺓُ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔُ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﻌﻒ، ﺑﻞ ﺣﺮﻱّ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﻭﺍلإﻋﺠﺎﺏ: ﺗﺠﻠﻲ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻀﻌﻒ.

ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏَ ﺍﻟﺮﻗﻴﻖَ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻀﻌﻔﻪ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﻘﺔ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ، ﻭﺑﺒﻜﺎﺋﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻄﺎﻟﺒﻪ، ﻓﻴَﺨﻀﻊ ﻟﻪ ﺍلأﻗﻮﻳﺎﺀُ ﻭﺍﻟﺴـلاﻃﻴﻦُ ﻓﻴﻨﺎﻝ ﻣﺎ لا ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻝ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻣﻦ ﺍلأﻟﻒ ﻣﻨﻪ ﺑﻘﻮﺗﻪ ﺍﻟﻀﺌﻴﻠﺔ. ﻓﻀَﻌﻔُﻪ ﻭﻋَﺠﺰُﻩ ﺇﺫﻥ ﻫﻤﺎ ﺍﻟﻠﺬﺍﻥ ﻳﺤﺮّﻛﺎﻥ ﻭﻳﺜﻴﺮﺍﻥ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺑﺤﻘﻪ ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻳﺬﻟّﻞ ﺑﺴﺒﺎﺑﺘﻪ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭَ ﻭﻳﻨﻘﺎﺩ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙُ ﻭﺍلأﻣﺮﺍﺀُ. ﻓﻠﻮ ﺃﻧﻜﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﻔﻞُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔَ ﻭﺍﺗّﻬﻢ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔَ ﻭﻗﺎﻝ ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ ﻭﻏﺮﻭﺭ: «ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺨﺮﺕُ ﻛﻞ ﻫﺆلاﺀ ﺍلأﻗﻮﻳﺎﺀ ﺑﻘﻮﺗﻲ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻲ»! ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﺑَﻞَ ﺑﺎﻟﻠﻄﻤﺔ ﻭﺍﻟﺼﻔﻌﺔ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﺃﻧﻜﺮ ﺭﺣﻤﺔَ ﺧﺎﻟﻘﻪ ﻭﺃﺗﻬﻢ ﺣﻜﻤﺘَﻪ ﻭﻗﺎﻝ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﻝ ﻗﺎﺭﻭﻥ ﺟﺎﺣﺪﺍ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ (ﺍﻟﻘﺼﺺ:78)، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﻳﻌﺮِّﺽ ﻧﻔﺴَﻪ ﻟﻠﻌﺬﺍﺏ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﻭﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺮﻗﻴﺎﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺍلآﻓﺎﻕ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺗﻔّﻮﻗﻪ ﻭﻗﻮﺓِ ﺟﺪﺍﻟِﻪ ﻭﻫﻴﻤﻨﺔِ ﻏﻠﺒﺘِﻪ ﻭلا ﻫﻮ ﺑﺠﺎﻟﺐ ﻟﻬﺎ، ﺑﻞ ﻣُﻨﺤﺖْ ﻟﻺ ﻧﺴﺎﻥ ﻟﻀَﻌﻔﻪ ﻭﻣُﺪّﺕ ﻟﻪ ﻳﺪُ ﺍﻟﻤﻌﺎﻭﻧﺔ ﻟﻌﺠﺰﻩ، ﻭﺃُﺣﺴﻨﺖْ ﺇﻟﻴﻪ ﻟﻔﻘﺮﻩ، ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺑﻬﺎ لاﺣﺘﻴﺎﺟﻪ. ﻭﺇﻥ ﺳﺒﺐ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔِ ﻟﻴﺲ ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﻦ ﻗﻮﺓٍ ﻭلا ﺑﻤﺎ ﻳﻘﺪِﺭُ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻢٍ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔُ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔُ ﻭﺭﺃﻓﺘُﻬﺎ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺣﻜﻤﺘُﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺳَﺨَّﺮﺕ ﻟﻪ ﺍلأﺷﻴﺎﺀَ ﻭﺳﻠَّﻤﺘْﻬﺎ ﺇﻟﻴﻪ. ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻐﻠﻮﺏَ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻘﺮﺏ ﺑـلا ﻋﻴﻮﻥ، ﻭﺣﻴّﺔ ﺑـلا ﺃﺭﺟﻞ ﻟﻴﺴﺖ ﻗﺪﺭﺗُﻪ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﺒَﺴﺘْﻪ ﺍﻟﺤﺮﻳﺮَ ﻣﻦ ﺩﻭﺩﺓ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻭﺃﻃﻌﻤﺘﻪ ﺍﻟﻌﺴﻞَ ﻣﻦ ﺣﺸﺮﺓ ﺳﺎﻣﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺫﻟﻚ ﺛﻤﺮﺓُ ﺿﻌﻔﻪ ﺍﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺴﺨﻴﺮ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻭﺍلإﻛﺮﺍﻡ ﺍﻟﺮﺣﻤﺎﻧﻲ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ! ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﺪﻉْ ﻋﻨﻚ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭَ ﻭﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺃﻋﻠﻦ ﺃﻣﺎﻡَ ﻋﺘﺒﺔ ﺑﺎﺏ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﻋﺠﺰَﻙ ﻭﺿﻌﻔَﻚ، ﺃﻋﻠﻨﻬﻤﺎ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍلاﺳﺘﻤﺪﺍﺩ، ﻭﺃﻓﺼِﺢ ﻋﻦ ﻓﻘﺮﻙ ﻭﺣﺎﺟﺘﻚ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻀﺮﻉ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ، ﻭﺃﻇﻬِﺮ ﺑﺄﻧﻚ ﻋﺒﺪ ﻟﻠﻪ ﺧﺎﻟﺺ ﻗﺎﺋـلا: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ ﻓﺎﺭﺗﻔﻊْ ﻭﺍﺭﺗﻖِ ﻓﻲ ﻣﺪﺍﺭﺝ ﺍﻟﻌـلا.

ﻭلا ﺗﻘﻞ: «ﺃﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﺑﺸﻲﺀ ﻭﻣﺎ ﺃﻫﻤﻴﺘﻲ ﺣﺘﻰ ﻳُﺴﺨَّﺮ ﻟﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻟﺪﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ ﻋﻦ ﻗﺼﺪ ﻭﻋﻨﺎﻳﺔ ﻭﺣﺘﻰ ﻳُﻄﻠﺐ ﻣﻨﻲ ﺍﻟﺸﻜﺮَ ﺍﻟﻜﻠﻲ». ﺫﻟﻚ ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖَ ﺑﺤﺴﺐ ﻧﻔﺴِﻚ ﻭﺻﻮﺭﺗِﻚ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﺇلا ﺃﻧﻚ ﺑﺤﺴﺐ ﻭﻇﻴﻔﺘﻚ ﻭﻣﻨﺰﻟﺘﻚ ﻣُﺸﺎﻫِﺪ ﻓَﻄِﻦ، ﻭﻣﺘﻔﺮﺝ ﺫﻛﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ. ﻭﺃﻧﻚ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥُ ﺍﻟﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺒﻠﻴﻎ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﺎﺳﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ.. ﻭﺃﻧﻚ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺍﻟﺪﺍﻫﻲ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻟﻊُ ﺍﻟﻨﺒﻴﻪ ﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻫﺬﺍ.. ﻭﺃﻧﻚ ﺍﻟﻤﺸﺮﻑ ﺍﻟﻤﺘﻔﻜّﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺒّﺤﺔ.. ﻭﺃﻧﻚ ﺑﺤﻜﻢ ﺍلأﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺨﺒﻴﺮ ﻭﺍﻟﻤﻌﻤﺎﺭ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﺑﺪﺓ ﺍﻟﺴﺎﺟﺪﺓ.

ﻧﻌﻢ، ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ! ﺇﻧﻚ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺟﺴﻤِﻚ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﻲ ﻭﻧﻔﺴِﻚ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﺟﺰﺀ ﺻﻐﻴﺮ ﻭﺟﺰﺋﻲ ﺣﻘﻴﺮ ﻭﻣﺨﻠﻮﻕ ﻓﻘﻴﺮ ﻭﺣﻴﻮﺍﻥ ﺿﻌﻴﻒ ﺗﺨﻮﺽ ﻓﻲ ﺍلأﻣﻮﺍﺝ ﺍﻟﻬﺎﺩﺭﺓ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺰﺍﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﺪﻫﺸﺔ. ﺇلا ﺃﻧﻚ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺘُﻚ ﺍﻟﻤﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﺑﺎﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ، ﺍﻟﻤﻨﻮَّﺭﺓ ﺑﻨﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺘﻀﻤﻦِ ﻟﻀﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺳﻠﻄﺎﻥٌ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺪﻳﺔ.. ﻭﺃﻧﻚ ﻛﻠّﻲ ﻓﻲ ﺟﺰﺋﻴﺘﻚ.. ﻭﺃﻧﻚ ﻋﺎﻟَﻢ ﻭﺍﺳﻊ ﻓﻲ ﺻﻐﺮﻙ.. ﻭﻟﻚ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡُ ﺍﻟﺴﺎﻣﻲ ﻣﻊ ﺣﻘﺎﺭﺗﻚ، ﻓﺄﻧﺖ ﺍﻟﻤﺸﺮﻑُ ﺫﻭ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ ﺍﻟﻨﻴﺮّﺓ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻔﺴﻴﺤﺔ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﺭﺓ، ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺍﻟﻘﻮﻝ: «ﺇﻥ ﺭﺑﻲَ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢَ ﻗﺪ ﺟﻌﻞَ ﻟﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺄﻭﻯً ﻭﻣﺴﻜﻨﺎ، ﻭﺟﻌﻞ ﻟﻲ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺍﻟﻘﻤﺮ ﺳﺮﺍﺟﺎ ﻭﻧﻮﺭﺍ، ﻭﺟﻌﻞ ﻟﻲ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊَ ﺑﺎﻗﺔَ ﻭﺭﺩٍ ﺯﺍﻫﻴﺔ، ﻭﺟﻌﻞَ ﻟﻲ ﺍﻟﺼﻴﻒَ ﻣﺎﺋﺪﺓَ ﻧﻌﻤﺔٍ، ﻭﺟﻌﻞ ﻟﻲ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥَ ﺧﺎﺩﻣﺎ ﺫﻟﻴـلا، ﻭﺃﺧﻴﺮﺍ ﺟﻌﻞ ﻟﻲ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕَ ﺯﻳﻨﺔً ﻭﺃﺛﺎﺛﺎ ﻭﺑﻬﺠﺔ ﻟﺪﺍﺭﻱ ﻭﻣﺴﻜﻨﻲ».

ﻭﺧـلاﺻﺔ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺃﻧﻚ ﺇﺫﺍ ﺃﻟﻘﻴﺖَ ﺍﻟﺴﻤﻊَ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻓﺴﺘﺴﻘﻂ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺻﻐﻴﺖَ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﺭﺗﻘﻴﺖ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻠﻰ ﻋﻠﻴﻴﻦ ﻭﻛﻨﺖَ  ﺃﺣﺴﻦ ﺗﻘﻮﻳﻢ  ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ.

   ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﺇﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﺭﺳﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺿﻴﻔﺎ ﻭﻣﻮﻇﻔﺎ ﻭﻭُﻫﺒﺖْ ﻟﻪ ﻣﻮﺍﻫﺐُ ﻭﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﻣﻬﻤﺔ ﺟﺪﺍ، ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺃﺳﻨﺪﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻇﺎﺋﻒُ ﺟﻠﻴﻠﺔ. ﻭﻟﻜﻲ ﻳﻘﻮﻡ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻪ ﻭﻟﻴَﻜﺪّ ﻭﻳﺴﻌﻰ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻓﻘﺪ ﺭُﻏِّﺐ ﻭﺭُﻫِّﺐ لإﻧﺠﺎﺯ ﻋﻤﻠﻪ.

ﺳﻨﺠﻤﻞ ﻫﻨﺎ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺃﺳﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻭﺿﺤﻨﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺁﺧﺮ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻔﻬﻢ ﻭﺇﺩﺭﺍﻙ ﺳﺮ «ﺃﺣﺴﻦ ﺗﻘﻮﻳﻢ» ﻓﻨﻘﻮﻝ:

ﺇﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﻣﺠﻴﺌﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻪ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺘﻴﻦ:

ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ: ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻭﺗﻔﻜﺮ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻏﻴﺎﺑﻴﺔ.

ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻭﻣﻨﺎﺟﺎﺓ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ ﺣﺎﺿﺮﺓ.

ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻫﻲ: ﺗﺼﺪﻳﻘُﻪ ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ ﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮُ ﺇﻟﻰ ﻛﻤﺎﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻣﺤﺎﺳﻨﻪ ﺑﺈﻋﺠﺎﺏٍ ﻭﺗﻌﻈﻴﻢ. ﺛﻢ ﺍﺳﺘﻨﺒﺎﻁُ ﺍﻟﻌﺒﺮﺓ ﻭﺍﻟﺪﺭﻭﺱ ﻣﻦ ﺑﺪﺍﺋﻊ ﻧﻘﻮﺵ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﻘﺪﺳﻴﺔ ﻭﺇﻋـلاﻧُﻬﺎ ﻭﻧﺸﺮُﻫﺎ ﻭﺇﺷﺎﻋﺘﻬﺎ. ﺛﻢ ﻭﺯﻥُ ﺟﻮﺍﻫﺮ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻭﺩُﺭﺭﻫﺎ -ﻛﻞُّ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﺎ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺧﻔﻴﺔ- ﺑﻤﻴﺰﺍﻥ ﺍلإﺩﺭﺍﻙ ﻭﺍﻟﺘﺒﺼّﺮ ﻭﺗﻘﻴﻴﻤﻬﺎ ﺑﺄﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﻭﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻠﺐ. ﺛﻢ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮُ ﺑﺈﻋﺠﺎﺏ ﻋﻨﺪ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ ﺃﻭﺭﺍﻕ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺻﺤﺎﺋﻒ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻛﺘﺎﺑﺎﺕ ﻗﻠﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ. ﺛﻢ ﺍﻟﻨﻈﺮُ ﺑﺎﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﺑﺎﻟﻎ ﺇﻟﻰ ﺯﻳﻨﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﺤﺒﺐُ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺫﻱ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﻠﻬّﻒُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﺣﻀﻮﺭٍ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺫﻱ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﻧﻴﻞ ﺍﻟﺘﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ.

ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻫﻲ: ﻣﻘﺎﻡُ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﻭﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻔﺬُ ﻣﻦ ﺍلأﺛَﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺆﺛّﺮ، ﻓﻴﺮﻯ ﺃﻥ ﺻﺎﻧﻌﺎ ﺟﻠﻴـلا ﻳﺮﻳﺪ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺻﻨﻌﺘﻪ. ﻓﻴﻘﺎﺑﻠﻪ ﻫﻮ ﺑﺎلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ. ﺛﻢ ﻳﺮﻯ ﺃﻥّ ﺭﺑّﺎ ﺭﺣﻴﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺤﺒّﺐ ﻧﻔﺴَﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺎلأﺛﻤﺎﺭ ﺍﻟﺤﻠﻮﺓ ﺍﻟﻠﺬﻳﺬﺓ ﻟﺮﺣﻤﺘﻪ، ﻓﻴﻘﺎﺑﻠﻪ ﻫﻮ ﺑﺠﻌﻞ ﻧﻔﺴِﻪ ﻣﺤﺒﻮﺑﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﺑﺎﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﺪ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﻟﻮﺟﻬﻪ. ﺛﻢ ﻳﺮﻯ ﺃﻥّ ﻣُﻨﻌﻤﺎ ﻛﺮﻳﻤﺎ ﻳُﻐﺮﻗﻪ ﻓﻲ ﻟﺬﺍﺋﺬ ﻧِﻌَﻤِﻪ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻓﻴﻘﺎﺑﻠﻪ ﻫﻮ ﺑﻔﻌﻠﻪ ﻭﺣﺎﻟﻪ ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺑﻜﻞ ﺣﻮﺍﺳﻪ ﻭﺃﺟﻬﺰﺗﻪ -ﺇﻥ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ- ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻋﻠﻴﻪ. ﺛﻢ ﻳﺮﻯ ﺃﻥّ ﺟﻠﻴـلا ﺟﻤﻴـلا ﻳُﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﺒﺮﻳﺎﺀَﻩ ﻭﻋﻈﻤﺘَﻪ ﻭﻛﻤﺎﻟَﻪ ﻭﻳُﺒﺮﺯ ﺟـلاﻟَﻪ ﻭﺟﻤﺎﻟَﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺠﻠﺐ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ ﻓﻴﻘﺎﺑﻞ ﻫﻮ ﺫﻟﻚ ﻛﻠّﻪ: ﺑﺘﺮﺩﻳﺪ «ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ.. ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ..» ﻭﻳﺴﺠﺪ ﺳﺠﻮﺩَ ﻣَﻦ لا ﻳَﻤَﻞّ ﺑﻜﻞ ﺣﻴﺮﺓ ﻭﺇﻋﺠﺎﺏ ﻭﺑﻤﺤﺒﺔ ﺫﺍﺋﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ. ﺛﻢ ﻳﺮﻯ ﺃﻥّ ﻏﻨﻴﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻳﻌﺮﺽُ ﺧﺰﺍﺋﻨَﻪ ﻭﺛﺮﻭﺗَﻪ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻨﻀﺐ ﻓﻲ ﺳﺨﺎﺀ ﻣﻄﻠﻖ، ﻓﻴﻘﺎﺑﻠﻪ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﺴﺆﺍﻝ ﻭﺍﻟﻄﻠﺐ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺍلاﻓﺘﻘﺎﺭ ﻓﻲ ﺗﻌﻈﻴﻢ ﻭﺛﻨﺎﺀ.

ﺛﻢ ﻳﺮﻯ ﺃﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮَ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﺍلأﺭﺽ ﻣﻌﺮﺿﺎ ﻋﺠﻴﺒﺎ ﻟﻌﺮﺽ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﺍﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﺍﻟﻨﺎﺩﺭﺓ ﻓﻴﻘﺎﺑﻞ ﻫﻮ ﺫﻟﻚ ﺑﻘﻮﻟﻪ «ﻣﺎ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ» ﻣﺴﺘﺤﺴﻨﺎ ﻟﻬﺎ، ﻭﺑﻘﻮﻟﻪ «ﺑﺎﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ» ﻣﻘﺪّﺭﺍ ﻟﻬﺎ، ﻭﺑﻘﻮﻟﻪ «ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ» ﻣﻌﺠﺒﺎ ﺑﻬﺎ، ﻭﺑﻘﻮﻟﻪ «ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ» ﺗﻌﻈﻴﻤﺎ ﻟﺨﺎﻟﻘﻬﺎ. ﺛﻢ ﻳﺮﻯ ﺃﻥّ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻳﺨﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﺧﺘﻢَ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺳﻜّﺘَﻪ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻘﻠّﺪ ﻭﻃﻐﺮﺍﺀَﻩ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ، ﻭﻳﻨﻘﺶ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻭﻳﻨﺼﺐُ ﺭﺍﻳﺔَ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻓﻲ ﺁﻓﺎﻕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻌﻠﻨﺎ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘَﻪ، ﻓﻴﻘﺎﺑﻠﻪ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺍلإﺫﻋﺎﻥ ﻭﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ.

ﻓﺎلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻳﺼﺒﺢ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﺣﻘﺎ ﻭﻳُﻈﻬﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ «ﺃﺣﺴﻦ ﺗﻘﻮﻳﻢ» ﻓﻴﺼﻴﺮ ﺑﻴُﻤﻦ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺑَﺮَﻛﺘﻪ لاﺋﻘﺎ ﻟـلأﻣﺎﻧﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻭﺧﻠﻴﻔﺔً ﺃﻣﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞُ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕُ ﻓﻲ «ﺃﺣﺴَﻦ ﺗﻘﻮﻳﻢ» ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺤﺪﺭ ﺃﺳﻔﻞَ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ ﻟﺴﻮﺀ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﻭﻧَﺰﻗﻪ ﻭﻃﻴﺸﻪ. ﺍﺳﻤﻌﻨﻲ ﺟﻴﺪﺍ ﻭﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻮﺣﺘﻴﻦ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮﺓ» ﺣﺘﻰ ﺗﺮﻯ ﺃﻧﺖ ﺃﻳﻀﺎ ﻛﻴﻒ ﻛﻨﺖُ ﺃﺭﻯ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺜﻠَﻚ ﺣﻠﻮﺓً ﺧﻀﺮﺓ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖُ ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻭﺳُﻜْﺮﻩ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎ ﺃﻓﻘﺖُ ﻣﻦ ﺳﻜﺮ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻭﺻﺤﻮﺕُ ﻣﻨﻪ ﺑﺼﺒﺢِ ﺍﻟﻤﺸﻴﺐ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﻭﺟﻪَ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻏﻴﺮَ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ -ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖُ ﺃﻋﺪُّﻩ ﺟﻤﻴـلا- ﺭﺃﻳﺘﻪ ﻭﺟﻬﺎ ﻗﺒﻴﺤﺎ. ﻭﺃﻥ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺣَﺴَﻦ ﺟﻤﻴﻞ.

ﻓﺎﻟﻠﻮﺣﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ:

ﺗُﺼﻮّﺭ ﺩﻧﻴﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ. ﻓﻘﺪ ﺭﺃﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺃﺳﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺪﻧﻴﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻃﺒﻘﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﺠﺐ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ.

ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ:

ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﻭﺫﻭﻯ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﻤﻄﻤﺌﻨﺔ.

ﻓﻠﻢ ﺃﺑﺪﻝ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻜﻤﺎ ﺍﻟﻠﻮﺣﺘﻴﻦ ﺑﻞ ﺗﺮﻛﺘﻬﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ، ﻭﻫﻤﺎ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﺸﺒﻬﺎﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺇلا ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻟﻴﺴﺎ ﺑﺸﻌﺮ.

 

  ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾

 ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﺻَﻞِّ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟﺬَّﺍﺕِ ﺍﻟﻤُﺤَﻤَّﺪِﻳَّﺔِ، ﺍﻟﻠَّﻄﻴﻔَﺔِ ﺍﻟْﺄﺣَﺪِﻳَّﺔِ، ﺷَﻤﺲِ ﺳَﻤَﺎﺀِ ﺍﻟْﺄﺳْﺮَﺍﺭِ، ﻭَﻣَﻈْﻬَﺮِ ﺍلأﻧﻮَﺍﺭِ، ﻭَﻣَﺮْﻛَﺰِ ﻣَﺪَﺍﺭِ ﺍﻟْﺠَـلاﻝِ، ﻭَﻗُﻄْﺐِ ﻓَﻠَﻚِ ﺍﻟْﺠَﻤﺎﻝِ.

 ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﺑِﺴِﺮِّﻩِ ﻟَﺪَﻳْﻚَ ﻭَﺑِﺴَﻴﺮﻩِ ﺇﻟَﻴْﻚَ ﺁﻣِﻦ ﺧَﻮﻓِﻲ ﻭَﺃﻗِﻞْ ﻋُﺜْﺮَﺗِﻲ ﻭَﺃﺫْﻫِﺐْ ﺣُﺰْﻧِﻲ ﻭَﺣِﺮْﺻِﻲ ﻭَﻛُﻦ ﻟِﻲ ﻭَﺧُﺬْﻧِﻲ ﺇﻟَﻴْﻚَ ﻣِﻨِّﻲ ﻭَﺍﺭْﺯُﻗﻨِﻲ ﺍﻟْﻔَﻨَﺎﺀَ ﻋَﻨِّﻲ ﻭَلا ﺗَﺠْﻌَﻠﻨِﻲ ﻣَﻔﺘُﻮﻧﺎ ﺑِﻨَﻔﺴِﻲ ﻣَﺤﺠُﻮﺑﺎ ﺑِﺤِﺴِّﻲ ﻭَﺍﻛْﺸِﻒْ ﻟِﻲ ﻋَﻦ ﻛُﻞِّ ﺳِﺮٍ ﻣَﻜْﺘُﻮﻡٍ ﻳَﺎ ﺣَﻲُّ ﻳَﺎ ﻗَﻴُّﻮﻡُ ﻳَﺎ ﺣَﻲُّ ﻳَﺎ ﻗَﻴُّﻮﻡُ ﻳَﺎ ﺣَﻲُّ ﻳَﺎ ﻗَﻴُّﻮﻡُ.

 ﻭَﺍﺭْﺣَﻤْﻨِﻲ ﻭَﺍﺭْﺣَﻢ ﺭُﻓَﻘَﺎﺋِﻲ ﻭَﺍﺭْﺣَﻢ ﺃﻫْﻞَ ﺍﻟْﺈﻳﻤَﺎﻥِ ﻭَﺍﻟْﻘُﺮﺁﻥِ. ﺁﻣِﻴﻦَ ﺁﻣِﻴﻦَ ﻳَﺎ ﺃﺭْﺣَﻢَ ﺍﻟﺮَّﺍﺣِﻤِﻴﻦَ ﻭَﻳَﺎ ﺃﻛْﺮَﻡَ ﺍﻟْﺄﻛْﺮَﻣِﻴﻦَ.

﴿وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾