ﺍﻟﺸﻌﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

   ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻌﻠﺔ ﻟﻬﺎ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﺿﻮﺍﺀ

   ﺍﻟﻀﻴﺎﺀ ﺍلأﻭﻝ

ﻟﻘﺪ ﻭﺿّﺢ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﺸﺮﺓ» ﻭﺟﻪ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ، ﻓﺄﺧﺬ ﻫﻨﺎ ﻭﺃﺩﺭﺝ ﻣﻊ ﺳﺎﺋﺮ ﺇﺧﻮﺗﻪ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ: ﺇﺫﺍ ﺷﺌﺖ ﺃﻥ ﺗﺸﺎﻫﺪ ﻭﺗﺘﺬﻭﻕ ﻛﻴﻒ ﺗﻨﺸﺮ ﻛﻞُّ ﺁﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻧﻮﺭَ ﺇﻋﺠﺎﺯﻫﺎ ﻭﻫﺪﺍﻳﺘﻬﺎ ﻭﺗﺒﺪّﺩ ﻇﻠﻤﺎﺕِ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻛﺎﻟﻨﺠﻢ ﺍﻟﺜﺎﻗﺐ؛ ﻓﺘﺼﻮَّﺭ ﻧﻔﺴَﻚ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻭﻓﻲ ﺻﺤﺮﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺪﺍﻭﺓ ﻭﺍﻟﺠﻬﻞ. ﻓﺒﻴﻨﺎ ﺗﺠﺪ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻗﺪ ﺃُﺳﺪِﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﺘﺎﺭُ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭﻏﺸﻴَﻪ ﻇـلاﻡُ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻭﻟُﻒّ ﺑﻐـلاﻑ ﺍﻟﺠﻤﻮﺩ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﺇﺫﺍ ﺑﻚ ﺗﺸﺎﻫﺪ ﻭﻗﺪ ﺩّﺑﺖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻬﺎﻣﺪﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﻓﻲ ﺃﺫﻫﺎﻥ ﺍﻟﺴﺎﻣﻌﻴﻦ ﻓﺘﻨﻬﺾ ﻣﺴﺒّﺤﺔً ﺫﺍﻛﺮﺓً ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺼﺪﻯ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ (ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ:١) ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻬﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻌﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﺠﻮﻡ ﺟﺎﻣﺪﺓ، ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺴﺎﻣﻌﻴﻦ، ﺑﺼﺪﻯ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ﴾ (ﺍلإﺳﺮﺍﺀ:٤٤) ﺇﻟﻰ ﻓﻢٍ ﺫﺍﻛﺮٍ ﻟﻠﻪ، ﻛﻞ ﻧﺠﻢ ﻳُﺮﺳﻞ ﺷﻌﺎﻉ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻳﺒﺚ ﺣﻜﻤﺔ ﺣﻜﻴﻤﺔ ﺑﻠﻴﻐﺔ.

ﻭﻛﺬﺍ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻭﺟﻪُ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰﺓ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺼﺪﻯ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ ﺇﻟﻰ ﺭﺃﺱ ﻋﻈﻴﻢ، ﻭﺍﻟﺒﺮُّ ﻭﺍﻟﺒﺤﺮ ﻟﺴﺎﻧﻴﻦ ﻳﻠﻬﺠﺎﻥ ﺑﺎﻟﺘﺴﺒﻴﺢ ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺲ ﻭﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺫﺍﻛﺮﺓ ﻣﺴﺒّﺤﺔ؛ ﺣﺘﻰ ﻟﻜﺄﻥ ﺍلأﺭﺽ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻨﺒﺾ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺑﺎﻧﺘﻘﺎﻟﻚ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭﻱِّ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺗﺘﺬﻭﻕ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ. ﻭﺑﺨـلاﻑ ﺫﻟﻚ ﺗُﺤﺮَﻡ ﻣﻦ ﺗﺬﻭﻕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻚ ﺇﺫﺍ ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻭﺿﻌﻚ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﻨﺎﺭ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻨﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺣﺘﻰ ﻏﺪﺍ ﻣﻌﺮﻭﻓﺎ، ﻭﺇﺿﺎﺀﺗﻪ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ، ﺣﺘﻰ ﻭﺿﺤﺖ ﺑﺸﻤﺲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﺃﻱ ﺇﺫﺍ ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺍلآﻳﺎﺕ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺳﺘﺎﺭ ﺍلإﻟﻔﺔ، ﻓﺈﻧﻚ -ﺑـلا ﺷﻚ- لا ﺗﺮﻯ ﺭﺅﻳﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺁﻳﺔ، ﻭﻛﻴﻒ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺒﺪﺩ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺪﺍﻣﺴﺔ ﺑﻨﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﻮﻫﺎﺝ، ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ لا ﺗﺘﺬﻭﻕ ﻭﺟﻪ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻭﺟﻮﻫﻪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ.

ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺃﻋﻈﻢ ﺩﺭﺟﺔ لإﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ، ﻓﺎﺳﺘﻤﻊ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﺗﺄﻣﻞ ﻓﻴﻪ: ﻟﻨﻔﺮﺽ ﺷﺠﺮﺓ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻌﻠﻮ ﻭﺍﻟﻐﺮﺍﺑﺔ ﻭﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلاﻧﺘﺸﺎﺭ ﻭﺍﻟﺴﻌﺔ؛ ﻗﺪ ﺃﺳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻏﻄﺎﺀ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻓﺎﺳﺘﺘﺮﺕ ﻃﻲَّ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻐﻴﺐ. ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻮﺍﺯﻧﺎ ﻭﺗﻨﺎﺳﺒﺎ ﻭﻋـلاﻗﺎﺕِ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﺑﻴﻦ ﺃﻏﺼﺎﻥ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﺃﻭﺭﺍﻗﻬﺎ ﻭﺃﺯﺍﻫﻴﺮﻫﺎ -ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺑﻴﻦ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﺟﺴﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ- ﻓﻜﻞُّ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺃﺟﺰﺍﺋﻬﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﺷﻜـلا ﻣﻌﻴﻨﺎ ﻭﺻﻮﺭﺓ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺣﺴﺐ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ.

ﻓﺈﺫﺍ ﻗﺎﻡ ﺃﺣﺪ -ﻣﻦ ﻗِﺒﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗُﺸﺎﻫَﺪ ﻗﻂ ﻭلا ﺗُﺸﺎﻫﺪ- ﻭَﺭَﺳَﻢَ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺷﺔٍ ﺻﻮﺭﺓً ﻟﻜﻞ ﻋﻀﻮ ﻣﻦ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﻭﺣﺪّ ﻟﻪ، ﺑﺄﻥ ﻭﺿﻊ ﺧﻄﻮﻃﺎ ﺗﻤﺜﻞ ﺍﻟﻌـلاﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺃﻏﺼﺎﻧﻬﺎ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﺃﻭﺭﺍﻗﻬﺎ، ﻭﻣـلأ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﺒﺪﺋﻬﺎ ﻭﻣﻨﺘﻬﺎﻫﺎ -ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﻳﻦ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﺑﻤﺎ لا ﻳﺤﺪ- ﺑﺼﻮﺭٍ ﻭﺧﻄﻮﻁٍ ﺗﻤﺜﻞ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺃﻋﻀﺎﺋﻬﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻭﺗﺒﺮﺯ ﺻﻮﺭﻫﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ.. ﻓـلا ﻳﺒﻘﻰ ﺃﺩﻧﻰ ﺷﻚ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺳّﺎﻡ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﺑﻨﻈﺮﻩ ﺍﻟﻤﻄّﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻭﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﻋﻠﻤﺎ، ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻳﺼﻮّﺭﻫﺎ.

ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ -ﻛﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ- ﺃﻳﻀﺎ ﻓﺈﻥ ﺑﻴﺎﻧﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ (ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﺓ ﻣﻦ ﺑَﺪﺀِ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺇﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻭﺍﻟﻤﻨﺘﺸﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺵ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻤﻮﺱ) ﻗﺪ ﺣﺎﻓﻈﺖ -ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻔﺮﻗﺎﻧﻴﺔ- ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺐ ﻭﺃﻋﻄﺖْ ﻟﻜﻞ ﻋﻀﻮ ﻣﻦ ﺍلأﻋﻀﺎﺀ ﻭﻟﻜﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺻﻮﺭﺓً ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻬﺎ، ﺑﺤﻴﺚ ﺧَﻠُﺺ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻮﻥ -ﻟﺪﻯ ﺇﺟﺮﺍﺀ ﺗﺤﻘﻴﻘﺎﺗﻬﻢ ﻭﺃﺑﺤﺎﺛﻬﻢ- ﺇﻟﻰ ﺍلاﻧﺒﻬﺎﺭ ﻭﺍلاﻧﺸﺪﺍﻩ ﻗﺎﺋِﻠﻴﻦ: «ﻣﺎ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ.. ﺑﺎﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ، ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻞ ﻃﻠﺴﻢ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻳﻜﺸﻒ ﻣﻌﻤّﻰ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺃﻧﺖ ﻭﺣﺪﻙ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ»!

ﻓﻠﻨﻤﺜﻞ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ- ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺻﻔﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻭﺃﻓﻌﺎﻟﻬﺎ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺷﺠﺮﺓ ﻃﻮﺑﻰ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﺗﻤﺘﺪ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻋﻈﻤﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺯﻝ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺑﺪ، ﻭﺗﺴﻊ ﺣﺪﻭﺩ ﻛﺒﺮﻳﺎﺋﻬﺎ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ ﻭﺗﺤﻴﻂ ﺑﻪ، ﻭﻳﻤﺘﺪ ﻣﺪﻯ ﺇﺟﺮﺍﺀﺍﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺩ ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ (ﺍلأﻧﻌﺎﻡ:95) ﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ (ﺍلأﻧﻔﺎﻝ:24) ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:٦) ﺇﻟﻰ ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ (ﻫﻮﺩ:٧) ﻭﺍﻟﻰ ﴿وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ (ﺍﻟﺰﻣﺮ:67) ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ (ﺍﻟﺮﻋﺪ:٢)  ﻓﻨﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﺒﻴﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻓﺮﻭﻋﻬﺎ ﻭﺃﻏﺼﺎﻧﻬﺎ ﻭﺑﺠﻤﻴﻊ ﻏﺎﻳﺎﺗﻬﺎ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﺑﻴﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﻭﺍلاﻧﺴﺠﺎﻡ ﺑﺤﻴﺚ لا ﺗﻌﻴﻖ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔً ﺃﺧﺮﻯ ﻭلا ﻳﻔﺴﺪ ﺣﻜﻢُ ﺣﻘﻴﻘﺔٍ ﺣُﻜْﻤﺎ لأﺧﺮﻯ، ﻭلا ﺗﺴﺘﻮﺣﺶ ﺣﻘﻴﻘﺔٌ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ. ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺘﺠﺎﻧﺴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﺳﻘﺔ ﺑﻴّﻦَ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﺑﻴﺎﻧﺎ ﻣﻌﺠﺰﺍ ﺑﺤﻴﺚ ﺟﻌﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺃﻭﻟﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﻮﻟﻮﻥ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ، ﻳﺼﺪّﻗﻮﻧﻪ ﻗﺎﺋﻠﻴﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﺟﻤﺎﻝ ﺑﻴﺎﻧﻪ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﻭﺍلإﻋﺠﺎﺏُ ﻳﻐﻤﺮﻫﻢ: «ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ  ﻣﺎ ﺃﺻﻮﺏَ ﻫﺬﺍ! ﻭﻣﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻧﺴﺠﺎﻣﻪ ﻭﺗﻮﺍﻓﻘﻪ ﻭﺗﻄﺎﺑﻘﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻣﺎ ﺃﺟﻤﻠﻪ ﻭﺃﻟﻴَﻘﻪ».

ﻓﻠﻮ ﺃﺧﺬﻧﺎ ﻣﺜـلا ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺴﺘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ ﻏﺼﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻜﻤﺎ ﺍﻟﺸﺠﺮﺗﻴﻦ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺘﻴﻦ، ﻳﺼﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻓﺮﻭﻋﻬﺎ ﻭﺃﻏﺼﺎﻧﻬﺎ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﺃﺯﺍﻫﻴﺮﻫﺎ ﻣﺮﺍﻋﻴﺎ ﻓﻲ ﺗﺼﻮﻳﺮﻩ ﺍﻧﺴﺠﺎﻣﺎ ﺑﺪﻳﻌﺎ ﺑﻴﻦ ﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﺃﺯﺍﻫﻴﺮﻫﺎ ﻣﻌﺮّﻓﺎ ﻃﺮﺯ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺐ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﻭﺍلاﺗﺴﺎﻕ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺠﻌﻞ ﻋﻘﻞ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻋﺎﺟﺰﺍ ﻋﻦ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺃﺑﻌﺎﺩﻩ ﻭﻣﺒﻬﻮﺗﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺣﺴﻦ ﺟﻤﺎﻟﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻓﺮﻉ ﻣﻦ ﻏﺼﻦ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﺃﺑﺪﻉ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺃﺗﻰ ﺑﺎﻟﺮﺍﺋﻊ ﺍﻟﻤﻌﺠﺐ ﻓﻲ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﺃﺩﻕ ﻓﺮﻭﻉ ﺃﺭﻛﺎﻧﻪ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ، ﻭﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺐ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ، ﺑﻞ ﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﺴﻂ ﺁﺩﺍﺑﻬﺎ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﻏﺎﻳﺎﺗﻬﺎ ﻭﺃﻋﻤﻖ ﺣِﻜَﻤﻬﺎ ﻭﺃﺻﻐﺮ ﻓﻮﺍﺋﺪﻫﺎ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ. ﻭﺃﺑﻬﺮ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﻛﻤﺎﻝُ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻧﺼﻮﺹ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﻭﻣﻦ ﺇﺷﺎﺭﺍﺗﻪ ﻭﺭﻣﻮﺯﻩ.. ﻓﻜﻤﺎﻝُ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻐﺮﺍﺀ ﻭﺟﻤﺎﻝُ ﺗﻮﺍﺯﻧﻬﺎ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ ﻭﺣﺴﻦُ ﺗﻨﺎﺳﺐ ﺃﺣﻜﺎﻣﻬﺎ ﻭﺭﺻﺎﻧﺘﻬﺎ، ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺎﻫِﺪُ ﻋﺪﻝٍ لا ﻳُﺠﺮﺡ ﻭﺑﺮﻫﺎﻥ ﻗﺎﻃﻊ ﺑﺎﻫﺮ لا ﻳﺪﻧﻮ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺮﻳﺐ ﺃﺑﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻘﻴﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥّ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻢ ﺟﺰﺋﻲ ﻟﺒﺸﺮ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺃﻣﻲّ، ﺑﻞ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻢ ﻭﺍﺳﻊ ﻣﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺍﻟﺒﺼﻴﺮ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻣﻌﺎ..

ﻓﻬﻮ ﻛـلاﻡ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮ ﺑﺎلأﺯﻝ ﻭﺍلأﺑﺪ ﻣﻌﺎ ﻭﺍﻟﺸﺎﻫﺪ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﺁﻣﻨﺎ.

   ﺍﻟﻀﻴﺎﺀ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﺇﻥّ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﺗﺘﺼﺪﻯ ﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺗﺴﻌﻰ ﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺘﻬﺎ، ﻗﺪ ﺳﻘﻄﺖْ ﻭﻫﻮﺕ ﺃﻣﺎﻡ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ.. ﻛﻤﺎ ﺃﻭﺿﺤﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮﺓ» ﻓﻲ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺗﻤﺜﻴﻠﻴﺔ، ﻭﺃﺛﺒﺘﻨﺎﻩ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ.

ﻟﺬﺍ ﻧﺤﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ، ﺇلا ﺃﻧﻨﺎ ﺳﻨﻌﻘﺪ ﻫﻨﺎ ﻣﻮﺍﺯﻧﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺁﺧﺮ ﻭﻫﻮ ﺟﺎﻧﺐ ﻧﻈﺮﺗﻬﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ؛ ﻛﺎلآﺗﻲ:

ﺇﻥّ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﺣﻜﻤﺘَﻪ ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ، ﻓﺘﺬﻛﺮ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺧﻮﺍﺻﻬﺎ ﺫﻛﺮﺍ ﻣﻔﺼـلا ﻣﺴﻬﺒﺎ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻟﻮ ﺫَﻛﺮﺕْ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺪﺍﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺬﻛﺮﻫﺎ ﺫﻛﺮﺍ ﻣﺠﻤـلا ﻣﻘﺘﻀﺒﺎ. ﺃﻱ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﻔﺼّﻞ ﻓﻲ ﺫﻛﺮ ﻧﻘﻮﺵ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺣﺮﻭﻓﻪ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ لا ﺗﻌﻴﺮ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻭﻣﻐﺰﺍﻩ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎ ﻛﺒﻴﺮﺍ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻋﺎﺑﺮﺓ ﺳﻴّﺎﻟﺔ، ﺧﺪّﺍﻋﺔ ﺳﻴّﺎﺭﺓ، ﻣﺘﻘﻠﺒﺔ لا ﻗﺮﺍﺭ ﻟﻬﺎ ﻭلا ﺛﺒﺎﺕ، ﻟﺬﺍ ﻳﺬﻛﺮ ﺧﻮﺍﺹ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﻣﺎﻫﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺫﻛﺮﺍ ﻣﺠﻤـلا ﻣﻘﺘﻀﺒﺎ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻔﺼّﻞ ﺗﻔﺼﻴـلا ﻛﺎﻣـلا ﻟﺪﻯ ﺑﻴﺎﻧﻪ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻢّ ﻋﻦ ﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺎﻃﻬﺎ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻭﻟﺪﻯ ﺑﻴﺎﻧﻪ ﻣﺪﻯ ﺍﻧﻘﻴﺎﺩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻟـلأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻭﻛﻴﻒ ﻭﺑﺄﻱ ﻭﺟﻪ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻫﻬﺎ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ.

ﻓﻔﻲ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻫﺬﺍ، ﺳﻨﻠﻘﻲ ﻧﻈﺮﺓ ﻋَﺠﻠَﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﻧﻈﺮﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ (ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ) ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﺬﺍ ﺍلإﺟﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻞ؛ ﻟﻨﺮﻯ ﺃﻳﻦ ﻳﻘﻒ ﺍﻟﺤﻖ ﺍلأﺑﻠﺞ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ.

ﺇﻥّ ﺳﺎﻋﺘﻨﺎ ﺍﻟﻴﺪﻭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺒﺪﻭ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍلاﺳﺘﻘﺮﺍﺭُ ﻭﺍﻟﺜﺒﺎﺕ ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﻴﺮﺍﺕ ﻭﺗﺒﺪلاﺕ ﻭﺍﻫﺘﺰﺍﺯﺍﺕ ﻋﺪﻳﺪﺓ، ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﻭﺱ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻫﺘﺰﺍﺯﺍﺕ ﺍﻟﺪﻭﺍﻟﻴﺐ ﻭﺍلآلاﺕ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ. ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺬﻟﻚ، ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺳﺎﻋﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺃﺑﺪﻋَﺘﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺒﺪﻭ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻣﺴﺘﻘﺮﺓ، ﻓﻬﻲ ﺗﺘﻘﻠﺐ ﻭﺗﺘﺪﺣﺮﺝ ﻓﻲ ﺗﻐﻴّﺮ ﻭﺍﺿﻄﺮﺍﺏ ﺩﺍﺋﻤﻴﻦ، ﺿﻤﻦ ﺗﻴﺎﺭ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ؛ ﺇﺫ ﻟﻤﺎ ﺣﻞّ «ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ» ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺃﺻﺒﺢ «ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ» ﻛﻌﻘﺮﺏ ﺍﻟﺜﻮﺍﻧﻲ ﺫﻱ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﺍﻟﻤﺰﺩﻭﺝ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﺗﺘﺒﺪﻝ ﺑﺴﺮﻋﺔ.. ﻭﺻﺎﺭﺕ «ﺍﻟﺴﻨﺔ» ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻋﻘﺮﺏ ﺍﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ.. ﻭﻏﺪﺍ «ﺍﻟﻌﺼﺮ» ﻛﺄﻧﻪ ﻋﻘﺮﺏ ﺍﻟﺴﺎﻋﺎﺕ ﻟﻬﺎ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺃﻟﻘﻰ «ﺍﻟﺰﻣﺎﻥُ» ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ ﺃﻣﻮﺍﺝ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﻣﺴﺘﺒﻘﻴﺎ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻭﺣﺪَﻩ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﻣﺴﻠّﻤﺎ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ.

ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ -ﻋـلاﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻨﺤﻬﺎ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ- ﻫﻲ ﻛﺎﻟﺴﺎﻋﺔ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﺘﻐﻴﺮﺓ ﻭﻏﻴﺮ ﺛﺎﺑﺘﺔ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ «ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ»؛ ﺇﺫ ﺇﻥ «ﺍﻟﺠﻮ» -ﻛﻤﻜﺎﻥ- ﻓﻲ ﺗﺒﺪﻝ ﺳﺮﻳﻊ ﻭﻓﻲ ﺗﻐﻴّﺮ ﺩﺍﺋﻢ، ﻭﻓﻲ ﺗﺤﻮﻝ ﻣﺴﺘﻤﺮ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﺮﺍﺕٍ ﻋﺪﺓ ﺍﻣﺘـلاﺀُ ﺍﻟﻐﻴﻮﻡ ﺑﺎلأﻣﻄﺎﺭ ﺛﻢ ﺍﻧﻘﺸﺎﻋﻬﺎ ﻋﻦ ﺻﺤﻮ ﺑﺎﺳﻢ. ﺃﻱ ﻛﺄﻥ ﺍﻟﺠﻮ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺗﻐﻴّﺮﻩ ﻭﺗﺤﻮﻟﻪ ﻳﻤﺜﻞ ﻋﻘﺮﺏ ﺍﻟﺜﻮﺍﻧﻲ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ.

ﻭ«ﺍلأﺭﺽ» ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺭﻛﻴﺰﺓ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﺈﻥ «ﻭﺟﻬﻬﺎ» ﻛﻤﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﺗﺒﺪﻝ ﻣﺴﺘﻤﺮ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻧﺒﺎﺕ ﻭﺣﻴﻮﺍﻥ، ﻟﺬﺍ ﻓﻬﻮ ﻛﻌﻘﺮﺏ ﺍﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﺎﺑﺮﺓ ﺳﺎﺋﺮﺓ ﺯﺍﺋﻠﺔ. ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍلأﺭﺽ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺒﺪﻝ ﻭﺗﻐﻴﺮ، ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﻓﻲ  ﺑﺎﻃﻨﻬﺎ  ﻣﻦ ﺗﻐﻴﺮﺍﺕ ﻭﺯلاﺯﻝ ﻭﺍﻧﻘـلاﺑﺎﺕ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺇﻟﻰ ﺑﺮﻭﺯ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻭﺧﺴﻒ ﺍلأﺭﺽ، ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻛﻌﻘﺮﺏ ﺍﻟﺴﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﺮ ﺑﺒﻂﺀ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﺎ ﺇلا ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻳﻀﺎ ﺗﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺯﻭﺍﻝ.

ﺃﻣﺎ «ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ» ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺳﻘﻒ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ -ﻛﻤﻜﺎﻥ- ﺳﻮﺍﺀ ﺑﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍلأﺟﺮﺍﻡ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ، ﺃﻭ ﺑﻈﻬﻮﺭ ﺍﻟﻤﺬﻧّﺒﺎﺕ ﻭﺣﺪﻭﺙ ﺍﻟﻜﺴﻮﻑ ﻭﺍﻟﺨﺴﻮﻑ، ﻭﺳﻘﻮﻁ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﺍﻟﺸُﻬﺐ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺗﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻟﻴﺴﺖ ﺛﺎﺑﺘﺔً ﻭلا ﻣﺴﺘﻘﺮﺓ، ﺑﻞ ﺗﺴﻴﺮ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻬﺮﻡ ﻭﺍﻟﺪﻣﺎﺭ. ﻓﺘﻐﻴﺮﺍﺗُﻬﺎ ﻛﻌﻘﺮﺏ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩَّﺓ ﻟـلأﺳﺎﺑﻴﻊ، ﺍﻟﺪﺍﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻀﻴﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺨﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﺭﻏﻢ ﺳﻴﺮﻫﺎ ﺍﻟﺒﻄﻲﺀ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﺩﻧﻴﺎ (ﺃﻱ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﻧﻔﺴﻬﺎ)- ﻗﺪ ﺷُﻴّﺪﺕ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ، ﻫﺬﻩ ﺍلأﺭﻛﺎﻥ ﺗﻬﺪّﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ ﻭﺗﺰﻟﺰﻟﻬﺎ ﻛﻞ ﺣﻴﻦ، ﺇلا ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﺘﺰﻟﺰﻟﺔ ﺍﻟﻤﺘﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﻤﺘﺒﺪﻟﺔ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺗﻐﺪﻭ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﻗﻠﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻟﺪﻯ ﻛﺘﺎﺑﺘﻬﺎ ﺭﺳﺎﺋﻞَ ﺻﻤﺪﺍﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺗُﺼﺒﺢ ﺗﺒﺪلاﺕ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻣﺘﺠﺪﺩﺓ ﺗﻌﻜﺲ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﺗﺒﻴﻦ ﺷﺆﻭﻧَﻬﺎ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻭﺗﺼﻔﻬﺎ ﺑﺄﻭﺻﺎﻑ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ لاﺋﻘﺔ ﺑﻬﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﺩﻧﻴﺎ- ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ، ﻭﺳﺎﻋﻴﺔ ﺳﻌﻴﺎ ﺣﺜﻴﺜﺎ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺨﺮﺍﺏ، ﻭﻣﺘﺰﻟﺰﻟﺔ ﻣﺘﺒﺪﻟﺔ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ. ﻓﻬﻲ ﻋﺎﺑﺮﺓ ﺭﺍﺣﻠﺔ ﻛﺎﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﺠﺎﺭﻱ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﻣﺮﻫﺎ. ﺇلا ﺃﻥ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻇﻬﺮﺕ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺟﺎﻣﺪﺍ ﺛﺎﺑﺘﺎ، ﻭﺑﻤﻔﻬﻮﻡ «ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ» ﺍﻟﻤﺎﺩﻱّ ﺗﻌﻜّﺮ ﺻﻔﻮﻩ ﻭﺗﻠﻮّﺙ ﻧﻘﺎﺀَﻩُ، ﺣﺘﻰ ﻏﺪﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﺘﺎﺭﺍ ﻛﺜﻴﻔﺎ ﻳﺤﺠُﺐ ﺍلآﺧﺮﺓَ.

ﻓﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺴﻘﻴﻤﺔ؛ ﺑﺘﺪﻗﻴﻘﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﺗﺤﺮﻳﺎﺗﻬﺎ، ﻭﺑﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻭﺑﻤﻐﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﺍﻟﺴﻔﻴﻬﺔ ﺍﻟﻔﺎﺗﻨﺔ، ﻭﻫﻮﺳﺎﺗﻬﺎ ﻭﻋﺮﺑﺪﺗﻬﺎ.. ﻛﺜّﻔﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺯﺍﺩﺗﻬﺎ ﺻـلاﺑﺔ ﻭﺗﺠﻤﺪﺍ، ﻭﻋﻤّﻘﺖ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔَ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺿﺎﻋﻔﺖ ﻣﻦ ﻟﻮﺛﺎﺗﻬﺎ ﻭﺷﻮﺍﺋﺒﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺃﻧﺴﺘْﻪ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊَ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﺍلآﺧﺮﺓَ ﺍﻟﺒﻬﻴﺠﺔ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻬﺰّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ -ﻭﺗﻠﻚ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ- ﻫﺰَّﺍ ﻋﻨﻴﻔﺎ -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﺩﻧﻴﺎ- ﺣﺘﻰ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻛﺎﻟﻌﻬﻦ ﺍﻟﻤﻨﻔﻮﺵ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ﴾ ﻭ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ ﻭ﴿وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻳﻤﻨﺢ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺷﻔﺎﻓﻴﺔ ﻭﺻﻔﺎﺀً ﺭﺍﺋﻘﺎ ﻣﺰﻳـلا ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﺸﻮﺍﺋﺐ ﻭﺍلأﻛﺪﺍﺭ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺒﻴﺎﻧﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (ﺍلأﻋﺮﺍﻑ:185) ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا﴾ (ﻕ:٦) ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ (ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ:30) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻳﺬﻳﺐ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﺑﻨﻈﺮ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻌﺒﺎﺭﺍﺗﻪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟـلاﻣﻌﺔ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻳﺰﻳﻞ ﺗﻮﻫﻢ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻌﺒﺎﺭﺍﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻢّ ﻋﻦ ﺯﻭﺍﻝ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﻮﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ:﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ (ﺍﻟﺰﻣﺮ:68) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻳﺒﺪﺩ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﺍﻟﻤﻮﻟّﺪﺓ ﻟﻤﻔﻬﻮﻡ «ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ» ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻭﻳﺸﺘﺘﻬﺎ ﺑﻨﺪﺍﺀﺍﺗﻪ ﺍﻟﻤﺪﻭﻳﺔ ﻛﺎﻟﺼﺎﻋﻘﺔ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ:٤)، ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (ﺍﻟﻨﻤﻞ:93).. ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻨﻴﺮﺓ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﻟﻠﻜﻮﻥ (ﺃﻱ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ) ﻳﻤﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍلأﺳﺎﺱ، ﻓﻴﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ، ﻭﻳﺒﻴّﻨﻬﺎ ﻟـلأﻧﻈﺎﺭ. ﻭﻳﺼﺮﻑ ﻧﻈﺮَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﺒﻴﺎﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺪﻯ ﺩﻣﺎﻣﺔ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ -ﺑﺘﻠﻚ ﺍلآﻳﺎﺕ- ﻟﻴﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺼﺒﻮﺡ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ. ﻓﻴﻮﺟّﻪ ﻧﻈﺮَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ، ﻣﻠﻘﻨﺎ ﺇﻳﺎﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺼﺎﺋﺒﺔ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺤﻘّﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻠّﻤﻪ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﻔﺎﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﻭﻓﻪ ﻭﻧﻘﻮﺷﻪ، ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺒﺪﺩ ﺟﻬﻮﺩَﻩ ﻓﻴﻤﺎ لا ﻳﻌﻨﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ ﻧﻘﻮﺵ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﺰﺍﺋﻠﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﻔﻌﻠﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔُ ﺍﻟﺜﻤﻠﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﻘﺔ ﻟﻠﻘﺒﺢ، ﺣﻴﺚ ﺃﻧﺴَﺘْﻪ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻭﺍﻟﻤﻐﺰﻯ.