ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﺨﺺّ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﻫﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﻘﺎﻣﻴﻦ؛ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﻟﻄﺎﺋﻒ ﺍﻟﺠﻨﺔ. ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻡُ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻗﺪ ﺟﺎﺀ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. ﻭﻫﻮ ﺧـلاﺻﺔ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ ﻭﺃﺳﺎﺳُﻬﺎ. ﺃﺛﺒﺖ ﻓﻴﻪ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺑﺎﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮﺓ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻣﺘﺴﻠﺴﻠﺔ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﺳﺎﻃﻌﺎ، ﻟﺬﺍ لا ﻧﺒﺤﺚ ﻫﻨﺎ ﻋﻦ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻧﻘﺼﺮ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻭﺃﺟﻮﺑﺔ ﺣﻮﻝ ﺑﻌﺾ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻭﺳﻮﻑ ﺗُﻜﺘﺐ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻠﻤﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﺣﻮﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:25)

ﻫﺬﻩ ﺃﺟﻮﺑﺔ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﻋﻦ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ

ﺇﻥّ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺّ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻫﻲ ﺃﺟﻤﻞُ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﺃﻟﻄﻒُ ﻣﻦ ﺣﻮﺭﻫﺎ، ﻭﺃﺣﻠﻰ ﻣﻦ ﺳﻠﺴﺒﻴﻠﻬﺎ. ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺒﻴّﻨﺎﺕ ﻟﻢ ﺗﺪَﻉ ﻣﺰﻳﺪﺍ ﻟﻜـلاﻡ. ﻟﺬﺍ ﻧﻀﻊ ﺩﺭﺟﺎﺕِ ﺳُﻠّﻢٍ، ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ﻟﺘﻠﻚ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ ﺍلأﺯﻟﻴﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻟﻠﻔﻬﻢ. ﻓﻨﺬﻛﺮ ﺑﺎﻗﺔً ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻫﻲ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﺃﺯﺍﻫﻴﺮٍ ﻣﻦ ﺟﻨﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﻭﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﺭﻣﻮﺯ ﺿﻤﻦ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻭﺃﺟﻮﺑﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ  ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ  ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎ.

ﺳﺆﺍﻝ: ﻣﺎ ﻋـلاﻗﺔُ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ «ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ» ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﺓ ﺍﻟﻨﺎﻗﺼﺔ ﺍﻟﻤﺘﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﻘﻠﻘﺔ ﺍﻟﻤﺆﻟﻤﺔ، ﺑﺎلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﺠﻨﺔ؟ ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﺮﻭﺡُ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﻠﺬﺍﺋﺬﻫﺎ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻓﻠِﻢَ ﻳﻠﺰﻡ ﺣﺸﺮ ﺟﺴﻤﺎﻧﻲ ﻟﻠﺘﻠﺬﺫ ﺑﻠﺬﺍﺋﺬ ﺟﺴﻤﺎﻧﻴﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﺜﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻭﻇﻠﻤﺘِﻪ، ﻧﺴﺒﺔً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻀﻴﺎﺀ، ﻓﻬﻮ ﻣﻨﺸﺄ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ؛ ﻟﺬﺍ ﻳﺴﻤﻮ ﻭﻳﺮﺗﻔﻊ ﻣﻌﻨﻰً ﻓﻮﻕ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ.. ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﻨﻔﺲُ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﺜﺎﻓﺘﻬﺎ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺮﺗﻔﻊ ﻭﺗﺴﻤﻮ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﻴﺘﻬﺎ، ﺑﺸﺮﻁ ﺗﺰﻛﻴﺘﻬﺎ.

ﻓﺎﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻲ ﺃﺟﻤﻊُ ﻣﺮﺁﺓ ﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻭﺃﻛﺜﺮُﻫﺎ ﺇﺣﺎﻃﺔ ﻭﺃﻏﻨﺎﻫﺎ.. ﻓﺎلآلاﺕُ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻭﺯﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺪﺧﺮﺍﺕ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺗﻘﺪﻳﺮﻫﺎ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ، ﺇﺫ ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺣﺎﺳﺔُ ﺍﻟﺬﻭﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﻣﺜـلا ﺣﺎﻭﻳﺔً ﻋﻠﻰ ﺁلاﺕٍ ﻟﺘﺬﻭّﻕ ﺍﻟﺮﺯﻕِ ﺑﻌﺪﺩ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﻄﻌﻮﻣﺎﺕ ﻛﻠِّﻬﺎ، ﻟَﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺲّ ﺑﻜﻞٍّ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺗﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍلاﺧﺘـلاﻑ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ، ﻭﻟَﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺤﺲَّ ﻭﺗﻤﻴﺰ ﺑﻌﻀَﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ.

ﻭﻛﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﻏﻠﺐ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭَ ﺑﻬﺎ ﻭﺗﺬﻭﻗﻬﺎ ﻭﺇﺩﺭﺍﻛﻬﺎ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ. ﻭﻛﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍلاﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭِ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﺱ ﺑﻠﺬﺍﺋﺬ لا ﻣﻨﺘﻬﻰ ﻟﻬﺎ، ﻭﺑﺄﻧﻮﺍﻉ لا ﺣﺪﻭﺩ ﻟﻬﺎ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ.

ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﻓﻬﻤﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ -ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻋﺸﺮﺓ- ﺃﻥ ﺻﺎﻧﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻗﺪ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳُﻌﺮّﻑ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺟﻤﻴﻊَ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ، ﻭﻳﻌﻠّﻢ ﺑﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊَ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﻳﺬﻳﻖ ﺑﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊَ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻧِﻌَﻤﻪ ﻭﺁلاﺋﻪ؛ ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻣﺠﺮﻯ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺟﺎﻣﻌﻴﺔ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ.. ﻓـلاﺑﺪ ﺇﺫﻥ ﻣﻦ ﺣﻮﺽ ﻋﻈﻴﻢ ﻳُﺼﺐّ ﻓﻴﻪ ﺳﻴﻞُ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻫﺬﺍ.. ﻭلاﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﺽ ﻋﻈﻴﻢ ﻳُﻌﺮﺽ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﺻُﻨﻊ ﻓﻲ ﻣﺼﻨﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻫﺬﺍ.. ﻭلاﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﺨﺰﻥ ﺃﺑﺪﻱ ﺗُﺨﺰﻥ ﻓﻴﻪ ﻣﺤﺎﺻﻴﻞ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﺬﻩ.. ﺃﻱ لاﺑﺪ ﻣﻦ ﺩﺍﺭِ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺗﺸﺒﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ، ﻭﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺳﺴﻬﺎ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ.. ﻭلاﺑﺪ ﺃﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، ﻗﺪ ﺧﺺّ ﻟﺬﺍﺋﺬَ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﺘﻠﻚ ﺍلآلاﺕ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﺃﺟﺮﺓً ﻟﻮﻇﺎﺋﻔﻬﺎ، ﻭﻣﺜﻮﺑﺔً ﻟﺨﺪﻣﺎﺗﻬﺎ، ﻭﺃﺟﺮﺍ ﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ. ﻭﺇلا (ﺃﻱ ﺑﺨـلاﻑ ﻫﺬﺍ) ﺗﺤﺼﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻨﺎﻓﻴﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻟﺤﻜﻤﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻋﺪﺍﻟﺘﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ، ﻣﻤﺎ لا ﻳﻨﺴﺠﻢ ﻭلا ﻳَﻠﻴﻖ ﺑﺠﻤﺎﻝ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﻋﺪﺍﻟﺘﻪ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻮﺍ ﻛﺒﻴﺮﺍ.

ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻥّ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﻭﺗﺤﻠّﻞ ﺩﺍﺋﻤَﻴﻦ، ﻭﻫﻲ ﻣﻌﺮّﺿﺔ ﻟـلاﻧﻘﺮﺍﺽ ﻭلا ﺗﻨﺎﻝ ﺻﻔﺔَ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻭﺇﻥ ﺍلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻟﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻧﻔﺴِﻪ ﻭﻣﻌﺎﺷﺮﺓَ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ ﻟﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﻨﻮﻉ، ﻓﺼﺎﺭﺕ -ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ- ﺃﻣﻮﺭﺍ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﺑﺪﻱ ﻭﺍلأﺧﺮﻭﻱ ﻓـلا ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻓﻠِﻢَ ﺇﺫﻥ ﺩُﺭﺟﺖ ﺿﻤﻦ ﻟﺬﺍﺋﺬ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ:

ﺃﻭلا: ﺇﻥّ ﺗﻌﺮّﺽ ﺟﺴﻢ ﺣﻲ ﻟـلاﻧﻘﺮﺍﺽ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻧﺎﺟﻢ ﻣﻦ ﺍﺧﺘـلاﻝ ﻣﻮﺍﺯﻧﺔ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺼﺮﻓﻴﺎﺕ (ﺃﻱ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳَﺮﺩ ﻭﻣﺎ ﻳُﺴﺘﻬﻠﻚ) ﻓﺎﻟﻮﺍﺭﺩﺍﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺳﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﺍلاﺳﺘﻬـلاﻙ، ﻓﺘﻀﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ، ﻭﻳﻤﻮﺕ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ..

ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺗﺒﻘﻰ ﺛﺎﺑﺘﺔً لا ﺗﺘﻌﺮﺽ ﻟﻠﺘﺮﻛﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﺤﻠﻞ، ﺃﻭ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ، ﻓﻬﻲ ﺗﺎﻣﺔ ﻭﻣﺴﺘﻤﺮﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺼﺮﻓﻴﺎﺕ، (حاشية) ﺇﻥ ﺟﺴﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻛﺄﻧﻪ ﻣﻀﻴﻒ ﻟﻠﺬﺭﺍﺕ، ﻭﺛﻜﻨﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻟﻬﺎ، ﻭﻣﺪﺭﺳﺔ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻟﻬﺎ، ﺣﻴﺚ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﻓﺘﻜﺘﺴﺐ ﻟﻴﺎﻗﺔ ﺗﺆﻫﻠﻬﺎ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﺫﺭﺍﺕٍ ﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﺤﻲ، ﺛﻢ ﺗﺨﺮﺝ ﻣﻨﻪ، ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻓﺈﻥ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﺎﻡ ﺷﺎﻣﻞ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ (ﺍﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺕ:64)، ﻓـلا ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻔﺮ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺎﺕ، ﻭلا ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺒﺎﺕ لأﺟﻞ ﺍﻟﺘﻨﻮﺭ. ﻓﺎﻟﺬﺭﺍﺕ ﺗﺒﻘﻰ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻣﺴﺘﻘﺮﺓ. ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺃﺑﺪﻳﺎ ﻣﻊ ﺍﺷﺘﻐﺎﻝ ﻣﺼﻨﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ لاﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺗﺬﻭﻕ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ. ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﻌـلاﻗﺎﺕ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ، ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗُﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﺍﺀ ﻭﻇﻴﻔﺔ، ﻓﻘﺪ ﺃﻭﺩﻋﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺬﺍﺋﺬُ ﺣﻠﻮﺓ ﻭﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺗﺮﺟﺢ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ، ﺃﺟﺮﺓً ﻣﻌﺠﻠﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍلأﻛﻞُ ﻭﺍﻟﻨﻜﺎﺡ ﻣﺪﺍﺭ ﻟﺬﺍﺋﺬ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻭﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ، ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍلأﻟﻢ ﻫﺬﻩ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ ﺗﺘﺨﺬ ﺻﻮﺭﺍ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﺟﺪﺍ ﻭﺳﺎﻣﻴﺔ ﺟﺪﺍ، ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﻟﺬﺓ ﺍلأﺟﺮﺓ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﻟﻠﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﺪﻫﺎ ﻟﺬﺓً. ﻭﻋـلاﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﻟﺬﺓ ﺍﻟﺸﻬﻴﺔ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﺑﺪلا ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ -ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﺪﻫﺎ ﻟﺬﺓ ﺃﺧﺮﻯ- ﺣﺘﻰ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬُ ﻟﻄﺎﻓﺔً ﻭﺫﻭﻗﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﺬﺓ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ، ﻭﻧَﺒﻌﺎ ﺣﻴﺎ ﻓﻴﺎﺿﺎ ﻟِﻠَﺬﺍﺋﺬَ لاﺋﻘﺔ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ﻭﻣـلاﺋﻤﺔ ﻟـلأﺑﺪﻳﺔ. ﺇﺫ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺷﻌﻮﺭ ﻟﻬﺎ ﻭلا ﺣﻴﺎﺓ، ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﺬﻩ، ﺗﺼﺒﺢ ﻫﻨﺎﻙ ﺫﺍﺕ ﺷﻌﻮﺭ ﻭﺣﻴﺎﺓ ﺑﺪلاﻟﺔ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (ﺍﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺕ:64).

ﻓﺎلأﺷﺠﺎﺭ ﻫﻨﺎﻙ ﻛﺎلإﻧﺴﺎﻥ ﻫﻨﺎ، ﺗُﺪﺭﻙ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﻭﺗﻨﻔّﺬﻫﺎ، ﻭﺍلأﺣﺠﺎﺭُ ﻫﻨﺎﻙ ﻛﺎﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻫﻨﺎ، ﺗُﻄﻴﻊ ﻣﺎ ﺗُﺆﻣﺮ. ﻓﺈﺫﺍ ﻗﻠﺖَ ﻟﺸﺠﺮﺓ: ﺃﻋﻄﻴﻨﻲ ﺛﻤﺮﺓَ ﻛﺬﺍ ﺗﻌﻄﻴﻚ ﺣﺎلا، ﻭﺇﻥ ﻗﻠﺖَ ﻟﺤﺠﺮ: ﺗﻌﺎﻝَ ﻫﻨﺎ، ﻳﺄﺗﻴﻚ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍلأﺷﺠﺎﺭُ ﻭﺍلأﺣﺠﺎﺭ ﺗﺘﺨﺬ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﺍلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﻨﻜﺎﺡ ﺗﺘﺨﺬ ﺻﻮﺭﺍ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ، ﻣﻊ ﻣﺤﺎﻓﻈﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮﻕ ﺩﺭﺟﺎﺗِﻬﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﺑﻨﺴﺒﺔ ﺳﻤﻮّ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.

ﺳﺆﺍﻝ:  ﻳﺤﻀﺮ ﺃﻋﺮﺍﺑﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻓﻴﻜﺴﺐ ﻣﺤﺒﺔً ﻟﻠﻪ. ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﻪ صلى الله عليه وسلم ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ: «ﺍﻟﻤﺮﺀُ ﻣﻊ ﻣﻦ ﺃﺣﺐ»، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻌﺎﺩﻝُ ﻓﻴﺾ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻩٍ ﻳﻨﺎﻟُﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻊ ﻓﻴﺾ ﻫﺬﺍ ﺍلأﻋﺮﺍﺑﻲ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺑﻤﺜﺎﻝ: ﺭﺟﻞٌ ﻋﻈﻴﻢ ﺃﻋﺪّ ﺿﻴﺎﻓﺔ ﻓﺎﺧﺮﺓ ﺟﺪﺍ، ﻓﻲ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﻣﺰﻫﺮ ﺭﺍﺋﻊ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﻭﻫﻴﺄ ﻣﻌﺮﺿﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺰﻳﻨﺔ ﻭﺍلإﺑﺪﺍﻉ، ﺟﺎﻣﻌﺎ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﻄﻌﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺲّ ﺑﻬﺎ ﺣﺎﺳﺔُ ﺍﻟﺬﻭﻕ، ﺷﺎﻣـلا ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺎﺡ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺣﺎﺳﺔُ ﺍﻟﺒﺼﺮ، ﻭﻣﺸﺘﻤـلا ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻬﺞ ﻗﻮﺓَ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻭﺿﻊ ﻓﻴﻪ ﻛﻞَّ ﻣﺎ ﻳُﺮﺿﻲ ﻭﻳُﻄَﻤْﺌﻦ ﻛﻞَّ ﺣﺎﺳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻨﺔ.

ﻭﺍلآﻥ ﻳﺬﻫﺐ ﺻﺪﻳﻘﺎﻥ ﻣﻌﺎ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ﻭﻳﺠﻠﺴﺎﻥ ﺟﻨﺒﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﻣﺨﺼﺺ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻜَﻮﻥ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳﻤﻠﻚ ﺣﺎﺳﺔَ ﺫﻭﻕ ﺿﻌﻴﻔﺔ، لا ﻳﺘﺬﻭﻕ ﺇلا ﺷﻴﺌﺎ ﻗﻠﻴـلا ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻀﻴﺎﻓﺔ، ﻭلا ﻳﺮﻯ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، لأﻥ ﺑﺼﺮَﻩ ﺿﻌﻴﻒ، ﻭلا ﻳﺸﻢ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﺢَ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ، لأﻧﻪ ﻓﺎﻗﺪ ﻟﺤﺎﺳﺔ ﺍﻟﺸﻢ، ﻭلا ﻳﻔﻬﻢ ﺧﻮﺍﺭﻕ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻟﻌَﺠﺰﻩ ﻋﻦ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻏﺮﺍﺋﺐ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ.. ﺃﻱ لا ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻭﺿﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ، ﻭلا ﻳﺬﻭﻕ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺮﺓ ﺇلا ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻣﻦ ﺃﻟﻒ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻣﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﺣﺴﺐ ﻗﺎﺑﻠﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ. ﺃﻣﺎ ﺍلآﺧﺮ، ﻓـلأﻥ ﺟﻤﻴﻊَ ﺣﻮﺍﺳﻪ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻨﺔ، ﻭﺟﻤﻴﻊَ ﻟﻄﺎﺋﻔﻪ ﻣﻦ ﻋﻘﻞ ﻭﻗﻠﺐ ﻭﺣﺲّ، ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﻜﺘﻤﻠﺔ، ﻣﺘﻔﺘﺤﺔ ﻣﻨﻜﺸﻔﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺤﺲّ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﺮﺽ ﺍﻟﺒﻬﻴﺞ، ﻭﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻝ ﻭﻟﻄﺎﺋﻒ ﻭﻏﺮﺍﺋﺐ، ﻳﺤﺲّ ﺑﻜﻞٍّ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻳﺘﺬﻭﻗﻬﺎ، ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﺟﺎﻟﺲ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍلأﻭﻝ.

ﻓﻠﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺣﺎﺻـلا ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﻀﻄﺮﺑﺔ ﺍﻟﻤﺆﻟﻤﺔ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕُ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻛﺎﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﺮﻯ ﻭﺍﻟﺜﺮﻳﺎ، ﻓـلاﺑﺪ -ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍلأﻭﻟﻰ- ﺃﻥ ﻳﺄﺧﺬ ﻛﻞ ﺍﻣﺮﺉٍ ﺣﻈَّﻪ ﻣﻦ ﺳُﻔﺮﺓ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺨﻠﻮﺩ، ﻭﻳﺤﺲّ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻪ، ﺭﻏﻢ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﻊ ﻣَﻦ ﻳﺤﺐ. ﻓﺎﻟﺠﻨﺎﻥُ لا ﺗﻤﻨﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻣﻌﺎ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﻭﺗﻬﻤﺎ، لأﻥ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻲ، ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﺇلا ﺃﻥ ﻋﺮﺵ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺳﻘﻒُ ﺍﻟﻜﻞ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﺑُﻨﻴَﺖ ﺑﻴﻮﺕ ﻣﺘﺪﺍﺧﻠﺔ ﺣﻮﻝ ﺟﺒﻞ ﻣﺨﺮﻭﻃﻲ، ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺍلآﺧﺮ، ﻛﺎﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﺎﻟﺠﺒﻞ، ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺗﻌﻠﻮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓُ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻭﻟﻜﻦ لا ﺗﻤﻨﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓُ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻓﻨﻮﺭُ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻳﻨﻔﺬ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ ﻛﻠﻬﺎ. ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺎﻥُ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ، ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ.

ﺳﺆﺍﻝ: ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﺷﺮﻳﻔﺔ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎﻩ: ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﻧﺴﺎﺀ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻳُﺮﻯ ﻣُﺦُ ﺳُﻮﻗﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺣُﻠّﺔ، ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬﺍ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﻣﻨﻪ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﻳُﻌﺪّ ﻫﺬﺍ ﺟﻤﺎلا؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥّ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺟﻤﻴﻞ ﺟﺪﺍ، ﺑﻞ ﺟﻤﺎﻟُﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﻠﻄﻒ. ﻭﺫﻟﻚ: ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻘﺒﻴﺤﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻏﻠﺒُﻬﺎ ﻗﺸﺮ، ﻳﻜﻔﻲ ﻟﻠﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺤﺴﻦ ﺃﻥ ﻳﺒﺪﻭ ﺟﻤﻴـلا ﻟﻠﺒﺼﺮ، ﻭلا ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺎﻧﻌﺎ ﻟـلأﻟﻔﺔ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻭﺣﻴّﺔ ﻭﺭﺍﺋﻌﺔ ﻭﻛﻠُّﻬﺎ ﻟﺐّ ﻣﺤﺾ لا ﻗﺸﺮَ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻄﻠﺐ ﺣﻮﺍﺱُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻛﻠّﻬﺎ، ﻛﺎﻟﺒﺼﺮ، ﻭﻟﻄﺎﺋﻔُﻪ ﻛﻠَّﻬﺎ، ﺃَﺧْﺬَ ﺣﻈﻮﻅِ ﺃﺫﻭﺍﻗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﻟﺬﺍﺋﺬﻫﺎ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ، ﻭﻫﻦّ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﻴﻦ، ﻭﻣﻦ ﻧﺴﺎﺀ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ لأﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﻫﻦّ ﻳﻔﻀُﻠﻦ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﻦ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﺃﻋﻠﻰ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤُﻠﻞ ﺣﺘﻰ ﻣﺦ ﺍﻟﺴﻴﻘﺎﻥ ﻓﻲ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ، ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺪﺍﺭ ﺫﻭﻕ ﻟﺤﺲّ ﻣﻌﻴّﻦ ﻭﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ.

ﻧﻌﻢ؛ ﺇﻥّ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻳﺸﻴﺮ ﺑﺘﻌﺒﻴﺮِ «ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺯﻭﺟﺔ ﺳﺒﻌﻮﻥ ﺣُﻠَّﺔ، ﻳُﺮﻯ ﻣﺦ ﺳﻮﻗﻬﻤﺎ». ﺃﻥّ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﻜﻞ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺰﻳﻨﺔ ﻭﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺸﺒﻊ ﻭﺗُﺮﺿﻲ ﻛﻞَّ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻭﺣﻮﺍﺱ ﻭﻗﻮﻯ ﻭﻟﻄﺎﺋﻒ ﻋﺎﺷﻘﺔٍ ﻟﻠﺤﺲ، ﻭﻣﺤﺒﺔٍ ﻟﻠﺬﻭﻕ، ﻭﻣﻔﺘﻮﻧﺔٍ ﺑﺎﻟﺰﻳﻨﺔ، ﻭﻣﺸﺘﺎﻗﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ.. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﻳﻠﺒﺴﻦ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻃﺮﺯﺍ ﻣﻦ ﺃﻗﺴﺎﻡ ﺯﻳﻨﺔ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺮ ﺃﺣﺪُﻫﺎ ﺍلآﺧﺮ، ﺇﺫ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺟﻨﺴﻪ، ﺑﻞ ﻳﺒﺪﻳﻦ ﺟﻤﻴﻊَ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﺑﺄﺟﺴﺎﺩﻫﻦ ﻭﺃﻧﻔﺴﻬﻦ ﻭﺃﺟﺴﺎﻣﻬﻦ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺣﺘﻰ ﻳُﻈﻬﺮﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔَ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ﴾ (ﺍﻟﺰﺧﺮﻑ:71).

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻳﺒﻴﻦ ﺃﻧّﻪ ﻟﻴﺲ لأﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻓﻀـلاﺕ ﺑﻌﺪ ﺍلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ، ﺇﺫ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻣﺎ لا ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﺩ ﻗﺸﺮﻳﺔ ﺯﺍﺋﺪﺓ. ﻧﻌﻢ، ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍلأﺷﺠﺎﺭُ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺴﻔﻠﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﺃﺩﻧﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺫﻭﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، لا ﺗﺘﺮﻙ ﻓﻀـلاﺕ ﻣﻊ ﺗﻐﺬﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ، ﻓﻠِﻢَ لا ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ، ﻭﻫﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺩﻭﻥ ﻓﻀـلاﺕ؟

ﺳﺆﺍﻝ: ﻟﻘﺪ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﻧﺒﻮﻳﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ؛ ﺃﻧﻪ ﻳُﻨﻌَﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺑﻤُﻠﻚ ﺑﻘﺪﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﻣﺌﺎﺕ ﺍلآلاﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻭﻣﺌﺎﺕ ﺍلآلاﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﻴﻦ، ﻓﻤﺎ ﺣﺎﺟﺔُ ﺭﺟﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ؟ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻳﻠﺰﻣﻪ ﻣﻨﻬﺎ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ؟ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﺗﻌﻨﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺟﺴﺪﺍ ﺟﺎﻣﺪﺍ ﻓﺤﺴﺐ، ﺃﻭ ﻛﺎﻥ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ ﻧﺒﺎﺗﻴﺎ، ﻭﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﻌﺪﺓ ﻓﻘﻂ، ﺃﻭ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺟﺴﻢ ﺣﻴﻮﺍﻧﻲ، ﻭﻛﺎﺋﻦ ﺟﺴﻤﺎﻧﻲ ﻣﻮﻗﺖ ﺑﺴﻴﻂ ﻣﻘﻴﺪ ﺛﻘﻴﻞ، ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻠﻚ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺛﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﺤﻮﺭ، ﻭلا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻪ. ﻭﻟﻜﻦ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮﺓ، ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻮ ﻳُﻌﻄﻰ ﻟﻪ ﻣُﻠﻚ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻭﺛﺮﻭﺗﻬﺎ ﻭﻟﺬﺍﺋﺬﻫﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ ﻓـلا ﻳُﺸﺒﻊ ﺣﺮﺻَﻪ، ﺣﻴﺚ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﺟﺎﺕ ﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﻟﻄﺎﺋﻒ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻜﺸﻔﺔ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ لاﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻳﻄﺮُﻕُ ﺑﺎﺏ ﺭﺣﻤﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻭﺑﻴَﺪ ﺭﻏﺒﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﻧﻴﻠَﻪ لإﺣﺴﺎﻧﺎﺕ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻭﺣﻖّ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﻗﻄﻌﺎ.

ﻭﺳﻨﺮﺻﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺑﻤﻨﻈﺎﺭ ﺗﻤﺜﻴﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺍلآﺗﻲ: ﺇﻥّ ﻟﻜﻞ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ «ﺑﺎﺭلا» ﺻﺎﺣﺒَﻪ ﻭﻣﺎﻟﻜَﻪ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﺩﻱ، (حاشية) ﻫﻮ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﺪﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺑﻮﻓﺎﺀ ﺗﺎﻡ، ﻭﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻲ ﻏﻀﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺘﻴﻦ. ﺇلا ﺃﻥ ﻛﻞّ ﻧﺤﻞ ﻭﻃﻴﺮ ﻭﻋﺼﻔﻮﺭ ﻓﻲ «ﺑﺎﺭلا» ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺟﻤﻴﻊَ ﺑﺴﺎﺗﻴﻦ «ﺑﺎﺭلا» ﻭﺭﻳﺎﺿَﻬﺎ ﻣﺘﻨﺰﻫﺎﺗﻲ ﻭﻣﻴﺪﺍﻥ ﺟﻮلاﻧﻲ، ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﺗﻜﻔﻴﻪ ﺣُﻔﻨﺔ ﻣﻦ ﻗﻮﺕ. ﺃﻱ ﺇﻧﻪ ﻳﻀﻢ «ﺑﺎﺭلا» ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻪ. ﻭلا ﻳﺠﺮﺡ ﺣُﻜﻤَﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﺷﺘﺮﺍﻙُ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻣﻌﻪ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺣﻘﺎ ﺇﻧﺴﺎﻥ- ﻳﺼﺢّ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺧﺎﻟﻘﻲ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻟﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻴﺘﺎ، ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ ﺳﺮﺍﺟﺎ، ﻭﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ، ﻭﺍلأﺭﺽ ﻣﻬﺪﺍ ﻣﻔﺮﻭﺷﺎ ﺑﺰﺭﺍﺑﻲ ﻣﺒﺜﻮﺛﺔ ﻣﺰﻫﺮﺓ. ﻳﻘﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﻭﻳﺸﻜﺮ ﺭﺑﻪ. ﻭلا ﻳﻨﻘﺾ ﺣﻜﻤَﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﺷﺘﺮﺍﻙ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺑﻞ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺗﺰﻳّﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﺠﻤّﻠﻬﺎ.

ﺗُﺮﻯ ﻟﻮ ﺃﺩّﻋﻰ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺃﻭ ﻃﻴﺮ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ، ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﻭﻧﺎﻝ ﻧﻌَﻤﺎ ﺟﺴﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﺟﺪﺍ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳُﺴﺘﺒﻌﺪ ﺇﺫﻥ ﺍلإﺣﺴﺎﻥُ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻤُﻠﻚ ﻋﻈﻴﻢ، ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻛﻞ ﺩﺭﺟﺘﻴﻦ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎﻡ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺃﺑﺪﻳﺔ؟.

ﺛﻢ ﺇﻧﻨﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻭﻧﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﻭﺟﻮﺩَ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻭﻭﺟﻮﺩ ﺫﺍﺕٍ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻭﺣﻀﻮﺭ ﺟﺒﺮﺍﺋﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻓﻲ ﺃﻟﻒ ﻧﺠﻢ ﻭﻧﺠﻢ ﻭﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍلأﻋﻈﻢ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻭﻟﻘﺎﺀ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﺃﺗﻘﻴﺎﺀَ ﺃﻣﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻭﻇﻬﻮﺭَﻩ صلى الله عليه وسلم ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ لا ﺗﺤﺪ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻭﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺍلأﺑﺪﺍﻝ -ﻭﻫﻢ ﻧﻮﻉ ﻏﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ- ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻭﺇﻧﺠﺎﺯ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻬﻢ ﻋﻤﻞَ ﺳﻨﺔٍ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ.. ﻭﻭﺟﻮﺩ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﺗﻜﻮﻳﻦ ﻋـلاﻗﺎﺕ ﻣﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﻭﻣﺸﻬﻮﺩ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻨﺎﺱ.

ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ -ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺟﺴﺎﻣُﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺧﻔﺘﻬﺎ ﻭﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ- ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﻣﻌﺎﺷﺮﺗﻬﻢ ﻣﺎﺋﺔَ ﺃﻟﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﻴﻦ، ﻭﺗﻠﺬﺫﻫﻢ ﺑﻤﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ، ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻭﺍﺣﺪ. لاﺋﻖ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﺍﻟﺠﻨﺔِ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ، ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪﺓ، ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻭﻣـلاﺋﻢٌ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻭﻣﻨﻄﺒﻖ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺃﺧﺒﺮ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻓﻬﻮ ﺣﻖ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ. ﻭﻣﻊ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺟﺪﺍ لا ﺗﻮﺯَﻥ ﺑﻤﻮﺍﺯﻳﻦ ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ.

ﻧﻌﻢ، لا ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝُ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺇﺩﺭﺍﻙَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ. لأﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ لا ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺛﻘـلا ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ.

 ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾

 ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﺻَﻞِّ ﻋَﻠَﻰ ﺣَﺒِﻴﺒِﻚَ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﻓَﺘَﺢَ ﺃﺑْﻮَﺍﺏَ ﺍﻟْﺠَﻨّﺔِ ﺑِﺤَﺒِﻴﺒِﻴَّﺘِﻪِ ﻭَﺑِﺼَـلاﺗِﻪِ، ﻭَﺃﻳَّﺪَﺕْ ﺃﻣَّﺘَﻪُ ﻋَﻠَﻰ ﻓَﺘﺤِﻬَﺎ ﺑِﺼَﻠَﻮَﺍﺗِﻬِﻢْ ﻋَﻠَﻴﻪِ، ﻋَﻠَﻴﻪِ ﺍﻟﺼَّـلاﺓُ ﻭَﺍﻟﺴَّـلاﻡُ.

 ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﺃﺩْﺧِﻠﻨَﺎ ﺍﻟْﺠَﻨّﺔَ ﻣَﻊَ ﺍﻟْﺄﺑْﺮَﺍﺭِ ﺑِﺸَﻔَﺎﻋَﺔِ ﺣَﺒِﻴﺒِﻚَ ﺍﻟْﻤُﺨْﺘَﺎﺭ ﺁﻣِﻴﻦَ.

   ﺫﻳﻞ ﺻﻐﻴﺮ

   ﻳﺨﺺ ﺟﻬﻨﻢ

    ﺇﻥّ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻳﻀﻢّ ﺑﺬﺭﺓَ ﺟﻨﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻳُﺨﻔﻲ ﻧﻮﺍﺓَ ﺯﻗﻮﻡ ﺟﻬﻨﻢ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ.

ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺑﺬﺭﺓ ﻟﺠﻬﻨﻢ، ﻓﺠﻬﻨﻢُ ﻛﺬﻟﻚ ﺛﻤﺮﺓ ﻟﻪ. ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺳﺒﺐ ﻟﺪﺧﻮﻝ ﺟﻬﻨﻢ، ﻛﺬﻟﻚ ﺳﺒﺐ ﻟﻮﺟﻮﺩﻫﺎ ﻭﺇﻳﺠﺎﺩﻫﺎ، لأﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﻛﻢ ﺻﻐﻴﺮ ﺫﻭ ﻋﺰﺓ ﻭﻏﻴﺮﺓ ﻭﺟـلاﻝ ﺑﺴﻴﻂ، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺭﺟﻞ ﻓﺎﺳﺪ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻣﺘﺤﺪﻳﺎ: ﺇﻧﻚ لا ﺗﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺩﻳﺒﻲ، ﻭﻟﻦ ﺗﻘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ. ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﺒﻨﻲ ﺳﺠﻨﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺸﻘﻲ ﻭﻳﻠﻘﻴﻪ ﻓﻴﻪ ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﺠﻦ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮُ ﺑﺈﻧﻜﺎﺭﻩ ﻭﺟﻮﺩَ ﺟﻬﻨﻢ، ﻳُﻜَﺬّﺏ ﻣَﻦ ﻟﻪ ﺍﻟﻌﺰﺓُ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﻟﻐﻴﺮﺓُ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﻟﺠـلاﻝُ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻭﻳﺴﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﺍﻟﻌﺠﺰَ، ﻭﻳﺘّﻬﻤﻪ ﺑﺎﻟﻜﺬﺏ ﻭﺍﻟﻌَﺠﺰ. ﻓﻬﻮ ﺑﻜُﻔﺮﻩ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻌﺰّﺗِﻪ ﺑﺸﺪﺓ، ﻭﻳﻤﺲّ ﻏﻴﺮﺗَﻪ ﺑﻘﻮﺓ، ﻭﻳﻄﻌﻦ ﻓﻲ ﺟـلاﻟﻪ ﺑﻌﺼﻴﺎﻥ. ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻮﺟﻮﺩ ﺟﻬﻨﻢ ﺃﻱُّ ﺳﺒﺐ ﻛﺎﻥ -ﻭﻫﻮ ﻓﺮﺽ ﻣﺤﺎﻝ- ﻓﺈﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﺨﻠﻖ ﺟﻬﻨﻢَ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﻛﻔﺮُﻩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪَّ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻜﺬﻳﺐِ ﻭﺇﺳﻨﺎﺩِ ﺍﻟﻌﺠﺰِ، ﻭﻳﻠﻘﻴﻪ ﻓﻴﻬﺎ.

﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾