ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ

   ﻗﺒﻞ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ ﻛﺘﺒﺖُ ﺑﺤﺜﺎ ﺣﻮﻝ «ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ» ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ.ﻭﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔً ﻟﺮﻏﺒﺔ ﺃﺧﻮﻳﻦ ﻋﺰﻳﺰﻳﻦ ﻛﺘﺒﺖ ﻫﺬﻩ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ» ﺇﺭﺷﺎﺩﺍ ﻟﻤﻦ لا ﻳﻌﺮﻑ ﺣﺪَّﻩ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ، ﻟﻴﺪﺭﻙ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻘﻒ ﻋﻨﺪﻩ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:83)

    ﺇﻥّ ﺑﺎﺏ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﻣﻔﺘﻮﺡ، ﺇلا ﺃﻥّ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﺘﺔَ ﻣﻮﺍﻧﻊ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺗﺤُﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻴﻪ.

   ﺃﻭﻟﻬﺎ

ﻛﻤﺎ ﺗُﺴَﺪّ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺬُ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓُ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﺷﺘﺪﺍﺩ ﺍﻟﻌﻮﺍﺻﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ، ﻭلا ﻳُﺴﺘﺼﻮَﺏ ﻓﺘﺢُ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻛﻤﺎ لا ﺗُﻔﺘﺢ ﺛﻐﻮﺭٌ ﻟﺘﺮﻣﻴﻢ ﺍﻟﺠﺪﺭﺍﻥ ﻭﺗﻌﻤﻴﺮ ﺍﻟﺴﺪﻭﺩ ﻋﻨﺪ ﺍﻛﺘﺴﺎﺡ ﺍﻟﺴﻴﻮﻝ، لأﻧﻪ ﻳُﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﺮﻕ ﻭﺍﻟﻬـلاﻙ.. ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﻖ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻓﺘﺢُ ﺃﺑﻮﺍﺏٍ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﻗﺼﺮﻩ ﺍﻟﻤﻨﻴﻒ، ﻭﺷﻖُّ ﺛﻐﺮﺍﺕ ﻓﻲ ﺟﺪﺭﺍﻧﻪ، ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻬّﺪ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞَ ﻟﻠﻤﺘﺴﻠﻠﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺨﺮّﺑﻴﻦ ﺑﺎﺳﻢ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮﺍﺕ، ﻭﻭﻗﺖِ ﻫﺠﻮﻡ ﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﺍلأﺟﻨﺒﻴﺔ ﻭﺍﺳﺘﻴـلاﺋﻬﺎ، ﻭﺃﺛﻨﺎﺀِ ﻛﺜﺮﺓِ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﻭﺗﺰﺍﺣﻢ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﺩﻣﺎﺭﻫﺎ.

   ﺛﺎﻧﻴﻬﺎ

ﺇﻥّ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔَ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻣﺠﺎﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﻟـلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﻟﻘﻄﻌﻴﺘﻬﺎ ﻭﺛﺒﻮﺗﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﻘﻮﺕ ﻭﺍﻟﻐﺬﺍﺀ، ﻗﺪ ﺃﻫﻤﻠﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻭﺃﺧﺬﺕ ﺑﺎﻟﺘﺼﺪﻉ. ﻓﺎﻟﻮﺍﺟﺐُ ﻳﺤﺘّﻢ ﺻﺮﻑَ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ ﻭﺑﺬﻝَ ﺍﻟﻬﻤﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ لإﺣﻴﺎﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﻭﺇﻗﺎﻣﺘﻬﺎ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﺐَ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻟـلإﺳـلاﻡ ﻗﺪ ﺍﺳﺘَﺜﺮﺕْ ﺑﺄﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻭﺗﻮﺳﻌﺖ ﺑﺎﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ، ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﺗﻌُﺪ ﺗﻀﻴﻖ ﺑﺎﻟﻌﺼﻮﺭ ﺟﻤﻴﻌﺎ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﺮﻙَ ﺗﻠﻚ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺰﻛﻴّﺔ ﻭﺍلاﻧﺼﺮﺍﻑ ﻋﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺍﺗّﺒﺎﻋﺎ ﻟﻠﻬﻮﻯ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻣﺒﺘﺪَﻋﺔ.

   ﺛﺎﻟﺜﻬﺎ

ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳُﺮﻭَّﺝ ﻟﻤﺘﺎﻉٍ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻤﻮﺍﺳﻢ ﻭﻳُﺮﻏَّﺐ ﻓﻴﻪ، ﻛﺬﻟﻚ ﺃﺳﻮﺍﻕُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﻣَﻌﺎﺭﺽُ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻓﺘﺮﻯ ﻣﺘﺎﻋﺎ ﻳُﺮﻏَّﺐ ﻓﻴﻪ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺭﻭﺍﺝ، ﻓﺘُﻮﺟَّﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ، ﻭﺗُﺠﺬَﺏ ﻧﺤﻮﻩ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ، ﻓﺘﺤﻮﻡ ﺣﻮﻟَﻪ ﺍﻟﺮﻏﺒﺎﺕ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺇﻥّ ﺍﻟﻤﺘﺎﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﺗُﻠْﻔَﺖُ ﺇﻟﻴﻪ ﺍلأﻧﻈﺎﺭُ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻭﻳﺮﻏّﺐ ﻓﻴﻪ ﻫﻮ ﺍلاﻧﺸﻐﺎﻝُ ﺑﺎلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺃﺣﺪﺍﺛﻬﺎ، ﻭﺗﺄﻣﻴﻦُ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺣﺼﺮُ ﺍﻟﻬﻢّ ﺑﻬﺎ، ﻭﻧﺸﺮُ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺗﺮﻭﻳﺠُﻬﺎ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻠﻌﺔَ ﺍﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻨﻔﻴﺴﺔ، ﻭﺍﻟﺒﻀﺎﻋﺔَ ﺍﻟﺮﺍﺋﺠﺔ ﺍﻟﻤﻘﺒﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻭﺃﻛﺜﺮَ ﻣﺎ ﻳﺮﻏَّﺐ ﻓﻴﻪ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ ﺯﻣﺎﻧﻬﻢ ﻫﻮ ﺇﺭﺿﺎﺀُ ﺭﺏ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﻑُ ﻋﻨﺪ ﺣﺪﻭﺩﻩ، ﻭﺍﺳﺘﻨﺒﺎﻁُ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﻭﻧﻮﺍﻫﻴﻪ ﻣﻦ ﻛـلاﻣﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻭﺍﻟﺴﻌﻲُ ﻟﻨﻴﻞ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻓَﺘَﺢ ﺃﺑﻮﺍﺑَﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺑﺪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﻧﻮﺭُ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻟﺴﺎﻃﻊ. ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺍلأﺫﻫﺎﻥُ ﻭﺍﻟﻘﻠﻮﺏُ ﻭﺍلأﺭﻭﺍﺡُ ﻛﻠُّﻬﺎ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔً -ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺼﺮ- ﻭﺑﻜﻞ ﻗﻮﺍﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺮﺿﺎﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺇﺩﺭﺍﻙِ ﻣﺮﺍﻣﻲ ﻛـلاﻣِﻪ، ﺣﺘﻰ ﺑﺎﺗﺖ ﻭﺟﻬﺔُ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟُﻬﻢ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﺭﻭﺍﺑﻄُﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺣﻮﺍﺩﺛُﻬﻢ ﻭﺃﺣﺎﺩﻳﺜُﻬﻢ ﻣﻘﺒﻠﺔً ﻛﻠُّﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺿﺎﺓ ﺭﺏ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺿﻴﻦ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﻔﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮﻱ ﺑﺸﺘﻰ ﺟﻮﺍﻧﺒﻬﺎ ﻭﻓﻖَ ﻣﺮﺿﺎﺓ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙُ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺼﺎﺣﺐ ﺍلاﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻭﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺩﺭﻭﺳﺎ ﻭﻋِﺒَﺮﺍ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ لا ﻳﺸﻌﺮ، ﻭﻛﺄﻥ ﻗﻠﺒَﻪ ﻭﻓﻄﺮﺗَﻪ ﻳﺘﻠﻘﻴﺎﻥ ﺍﻟﺪﺭﻭﺱ ﻭﺍلإﺭﺷﺎﺩ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ، ﻭﻳﺴﺘﻔﻴﺪﺍﻥ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻭﻇﺮﻑٍ ﻭﻃﻮﺭ، ﻭﻛﺄﻥ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺪﻭﺭ ﻣﻌﻠّﻢ ﻣُﺮﺷﺪ ﻳﻌﻠّﻢ ﻓﻄﺮﺗَﻪ ﻭﻳﻠﻘّﻨﻬﺎ ﻭﻳﺮﺷﺪﻫﺎ ﻭﻳﻬﻴﺆﻫﺎ ﻟـلاﺟﺘﻬﺎﺩ، ﺣﺘﻰ ﻳﻜﺎﺩ ﺯﻳﺖُ ﺫﻛﺎﺋﻪ ﻳﻀﻲﺀ ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻤﺴَﺴﻪ ﻧﺎﺭُ ﺍلاﻛﺘﺴﺎﺏ. ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺷﺮﻉ ﻣﺜﻞُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺِ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﺪ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﺑﺎلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﻧﻪ، ﻓﺈﻥ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩَﻩ ﻳﻨﺎﻝ ﺳﺮﺍ ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭِ ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ ﻭﻳُﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﺃﻗﺮﺏ ﻭﻗﺖ ﻭﺃﺳﺮﻋِﻪ ﻣﺠﺘﻬﺪﺍ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ؛ ﻓﺈﻥ ﺗﺤﻜّﻢَ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓِ ﺍلأﻭﺭﻭﺑﻴﺔ، ﻭﺗﺴﻠّﻂَ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭِﻫﺎ، ﻭﺗﻌﻘّﺪ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ.. ﻛﻠَّﻬﺎ ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺗﺸﺘﺖ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ ﻭﺣﻴﺮﺓِ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺗﺒﻌﺜﺮ ﺍﻟﻬﻤﻢ ﻭﺗﻔﺘﺖ ﺍلاﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺕ، ﺣﺘﻰ ﺃﺿﺤﺖ ﺍلأﻣﻮﺭُ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔً ﻋﻦ ﺍلأﺫﻫﺎﻥ.

ﻟﺬﺍ، ﻟﻮ ﻭﺟِﺪَ ﺍلآﻥ ﻣَﻦ ﻫﻮ ﺑﺬﻛﺎﺀ «ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺑﻦﻋُﻴﻴﻨﺔ» ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻔِﻆ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺟﺎﻟﺲ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﻫﻮ لا ﻳﺰﺍﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ، لاﺣﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﺸﺮﺓ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻣﺎ ﺍﺣﺘﺎﺟﻪ ﺍﺑﻦ ﻋﻴﻴﻨﺔ ﻟﻴﺒﻠﻎَ ﺩﺭﺟﺔَ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ، ﺃﻱ ﺇﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺗﻴﺴﺮ ﻟﺴﻔﻴﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻴﻴﻨﺔ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩُ ﻓﻲ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻓﺈﻥّ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻧﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﻗﺪ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ، ﺫﻟﻚ لأﻥّ ﻣﺒﺪﺃ ﺗَﻌﻠُّﻢ «ﺳﻔﻴﺎﻥ» ﺍﻟﻔﻄﺮﻱ ﻟـلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﻳﺒﺪﺃ ﻣﻦ ﺳﻦّ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﻭﻳﺘﻬﻴﺄ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩُﻩ ﺗﺪﺭﻳﺠﺎ ﻛﺎﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻟﻠﻨﺎﺭ. ﺃﻣﺎ ﻧﻈﻴﺮُﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻓﻘﺪ ﻏﺮﻕ ﻓﻜﺮُﻩ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻨﻘﻊ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺳﺮﺡ ﻋﻘﻠُﻪ ﻓﻲ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، ﻭﺣﺎﺭ ﻗﻠﺒُﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﻌﺎﺷﻴﺔ، ﻭﺍﺑﺘﻌﺪﺕ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗُﻪ ﻭﻗﺎﺑﻠﻴﺎﺗُﻪ ﻋﻦ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ، ﻓـلا ﺟﺮﻡ ﻗﺪ ﺍﺑﺘﻌﺪ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩُﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺗﻔﻨّﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ، ﻭﻗﺼُﺮ ﻋﻦ ﻧﻴﻞ ﺩﺭﺟﺔ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺗﺒﺤّﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ، ﻟﺬﺍ لا ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻟِﻢَ لا ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﺑﻠﻎَ ﺩﺭﺟﺔ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻴﻴﻨﺔ ﻭﺃﻧﺎ ﻣﺜﻠُﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻛﺎﺀ؟ ﻧﻌﻢ، لا ﻳﺤﻖ ﻟﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻠﺤﻖ ﺑﻪ ﻭﻟﻦ ﻳﺒﻠﻎ ﺷﺄﻭَﻩ ﺃﺑﺪﺍ.

   ﺭﺍﺑﻌﻬﺎ

ﺇﻥّ ﻣﻴﻞَ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻮﺳﻊ لأﺟﻞ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺩﺍﺧﻠﻴﺎ ﻓﻬﻮ ﺩﻟﻴﻞ ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻓﻬﻮ ﺳﺒﺐُ ﺗﻤﺰّﻕ ﺍﻟﻐـلاﻑ ﻭﺍﻟﺠﻠﺪ، ﺃﻱ ﺇﻧﻪ ﺳﺒﺐُ ﺍﻟﻬﺪﻡ ﻭﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺐ لا ﺍﻟﻨﻤﻮ ﻭﺍﻟﺘﻮﺳﻊ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺈﻥ ﻭﺟﻮﺩَ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﻭﺭﻭﻥ ﻓﻲ ﻓﻠﻚ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻭﻳﺄﺗﻮﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻭﺍﻟﻮﺭﻉ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠَﻴﻦ، ﻭﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍلاﻣﺘﺜﺎﻝ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، ﻓﻬﻮ ﺩﻟﻴﻞُ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ، ﻭﺧﻴﺮُ ﺷﺎﻫﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻠﻒُ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺘﻄﻠّﻊ ﺇﻟﻰ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻧﺎﺷﺌﺎ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺮﻛﻮﺍ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﺳﺘﺤﺒّﻮﺍ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺗﻠﻮّﺛﻮﺍ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﻓﻬﻮ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺨﺮﻳﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ ﻭﺣﻞ ﺭﺑﻘﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻣﻦ ﺍلأﻋﻨﺎﻕ.

   ﺧﺎﻣﺴﻬﺎ

ﻫﻨﺎﻙ ﺛـلاﺙُ ﻧﻘﺎﻁ ﺗﺪﻋﻮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮ، ﺗﺠﻌﻞ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺃﺭﺿﻴﺔ ﻭﺗﺴﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺭﻭﺣَﻬﺎ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔُ ﺳﻤﺎﻭﻳﺔ ﻭﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕُ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺳﻤﺎﻭﻳﺔ، لإﻇﻬﺎﺭﻫﺎ ﺧﻔﺎﻳﺎ ﺃﺣﻜﺎﻣﻬﺎ. ﻭﺍﻟﻨﻘﺎﻁُ ﻫﻲ ﺍلآﺗﻲ:

ﺃﻭلا: ﺇﻥ «ﻋﻠّﺔ» ﻛﻞِّ ﺣُﻜﻢ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ «ﺣﻜﻤﺘﻪ». ﻓﺎﻟﺤﻜﻤﺔُ ﻭﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺳﺒﺐُ ﺍﻟﺘﺮﺟﻴﺢ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﻨﺎﻁَ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭلا ﻣﺪﺍﺭَ ﺍلإﻳﺠﺎﺩ، ﺑﻴﻨﻤﺎ «ﺍﻟﻌﻠﺔُ» ﻫﻲ ﻣﺪﺍﺭُ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺤُﻜﻢ.

ﻭﻟﻨﻮﺿﺢ ﻫﺬﺍ ﺑﻤﺜﺎﻝ: ﺗُﻘﺼَﺮ ﺍﻟﺼـلاﺓُ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﺮ، ﻓﺘُﺼﻠّﻰ ﺭﻛﻌﺘﺎﻥ. ﻓﻌﻠّﺔُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺧﺼﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺴﻔﺮُ. ﺃﻣﺎ ﺣﻜﻤﺘُﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﺍﻟﻤﺸﻘﺔُ. ﻓﺈﺫﺍ ﻭُﺟﺪَ ﺍﻟﺴﻔﺮُ ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺸﻘﺔ ﻓﺎﻟﺼـلاﺓ ﺗُﻘﺼَﺮ، لأﻥ ﺍﻟﻌﻠﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺴﻔﺮ. ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﻔﺮ ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺿﻌﺎﻑ ﺃﺿﻌﺎﻑ ﺍﻟﻤﺸﻘﺔ، ﻓﻠﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺸﻘﺎﺕ ﻋﻠﺔَ ﺍﻟﻘﺼﺮ.

ﻭﺧـلاﻓﺎ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﻧﻈﺮُ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ، ﺇﻟﻰ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔِ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔِ ﺑﺪﻝ ﺍﻟﻌﻠﺔ، ﻭﻓﻲ ﺿﻮﺋﻬﺎ ﻳﺼﺪﺭ ﺣُﻜﻤُﻪ، ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻥ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍ ﻛﻬﺬﺍ ﺃﺭﺿﻲ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺴﻤﺎﻭﻱ.

    ﺛﺎﻧﻴﺎ: ﺇﻥّ ﻧﻈﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻣﺘﻮﺟﻪ ﺃﻭلا ﻭﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺗُﻮﺟَّﻪ ﺍلأﺣﻜﺎﻡُ ﻧﺤﻮﻫﺎ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﻗﺼﺪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻣﺘﻮﺟﻪ ﺃﻭلا ﻭﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﻭﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻳﺘﺨﺬﻫﺎ ﻭﺳﻴﻠﺔً ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻭﺟﻬﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻭﻣﻘﺎﺻﺪﻫﺎ، ﻓـلا ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺠﺘﻬﺪ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ.

ﺛﺎﻟﺜﺎ: ﺇﻥّ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ: «ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺍﺕ ﺗﺒﻴﺢ ﺍﻟﻤﺤﻈﻮﺭﺍﺕ» ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻠﻴﺔً، لأﻥ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺎﺷﺌﺔً ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ لا ﺗﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎ لإﺑﺎﺣﺔ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ. ﻭﺇلا ﻓﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄﺕ ﻋﻦ ﺳﻮﺀ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻔﺮﺩ، ﺃﻭ ﻋﻦ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﺸﺮﻭﻋﺔ ﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﺠﺔً ﻭلا ﺳﺒﺒﺎ لإﺑﺎﺣﺔ ﺍﻟﻤﺤﻈﻮﺭﺍﺕ ﻭلا ﻣﺪﺍﺭﺍ لأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺮُﺧَﺺ.

ﻓﻤﺜـلا: ﻟﻮ ﺃﺳﻜﺮ ﺃﺣﺪ ﻧﻔﺴَﻪ -ﺑﺴﻮﺀ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ- ﻓﺘﺼﺮﻓﺎﺗُﻪ ﻟﺪﻯ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﺣﺠﺔ ﻋﻠﻴﻪ، ﺃﻱ لا ﻳُﻌﺬَﺭ. ﻭﺇﻥ ﻃﻠّﻖ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻓﻄـلاﻗُﻪ ﻭﺍﻗﻊ، ﻭﺇﻥ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻳﻌﺎﻗَﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﻣﻨﻪ، ﻓـلا ﻳﻘﻊ ﻃـلاﻗُﻪ، ﻭلا ﻳﻌﺎﻗَﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﻨﻰ. ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻤﺪﻣﻦ ﺧﻤﺮ -ﻣﺜـلا- ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﺇﻧﻬﺎ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻟﻲ، ﻓﻬﻲ ﺇﺫﻥ ﺣـلاﻝ ﻟﻲ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﺒﺘﻠﻰً ﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻪ.

ﻓﺎﻧﻄـلاﻗﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻓﺈﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺍﺑﺘﻠﻲ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺑﺎﺗﺖ ﺿﺮﻭﺭﻳﺔً ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﻢ، ﺣﺘﻰ ﺃﺧﺬﺕ ﺷﻜﻞ «ﺍﻟﺒﻠﻮﻯ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ». ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ ﺿﺮﻭﺭﺓً، ﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﺠﺔً لأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺮُﺧَﺺ، ﻭلا ﺗُﺒﺎﺡ لأﺟﻠﻬﺎ ﺍﻟﻤﺤﻈﻮﺭﺍﺕ، لأﻧﻬﺎ ﻧﺠﻤﺖ ﻣﻦ ﺳﻮﺀ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﻣﻦ ﺭﻏﺒﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺸﺮﻭﻋﺔ ﻭﻣﻦ ﻣﻌﺎﻣـلاﺕ ﻣﺤﺮّﻣﺔ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥّ ﺃﻫﻞ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻗﺪ ﺟﻌﻠﻮﺍ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺍﺕ ﻣﺪﺍﺭﺍ ﻟـلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻟﺬﺍ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺗُﻬﻢ ﺃﺭﺿﻴﺔً ﻭﺗﺎﺑﻌﺔً ﻟﻠﻬﻮﻯ ﻭﻣﺸﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﻓﻬﻲ ﺇﺫﻥ ﻟﻴﺴﺖ ﺳﻤﺎﻭﻳﺔ، ﻭلا ﺗﺼﺢّ ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻗﻄﻌﺎ؛ ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺃﻱ ﺗﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﺃﻱ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﺩﻭﻧﻤﺎ ﺭﺧﺼﺔ ﺃﻭ ﺇﺫﻥ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻓﻬﻮ ﻣﺮﺩﻭﺩ.

ﻭﻟﻨﻀﺮﺏ ﻟﺬﻟﻚ ﻣﺜﺎلا: ﻳﺴﺘﺤﺴﻦ ﺑﻌﺾُ ﺍﻟﻐﺎﻓﻠﻴﻦ ﺇﻟﻘﺎﺀ ﺧﻄﺒﺔ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟِﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﻗﻮﻡ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻭﻳﺒﺮﺭﻭﻥ ﺍﺳﺘﺤﺴﺎﻧﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺑﺴﺒﺒﻴﻦ:

ﺍلأﻭﻝ: «ﻟﻴﺘﻤﻜﻦ ﻋﻮﺍﻡ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﺍلأﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ!» ﻣﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺩﺧﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﻛﺎﺫﻳﺐ ﻭﺍﻟﺪﺳﺎﺋﺲ ﻭﺍﻟﺨﺪﺍﻉ ﻣﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﻭﺳﻮﺳﺔ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ  ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻤﻨﺒﺮ ﻣﻘﺎﻡُ ﺗﺒﻠﻴﻎ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﻭﻫﻮ ﺃﺭﻓﻊ ﻭﺃﺟﻞّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺮﺗﻘﻰ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻮﺳﻮﺳﺔُ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: «ﺍﻟﺨﻄﺒﺔ ﻫﻲ ﻟﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺮﺷﺪ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻌﺾُ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﺼﺎﺋﺢ».

ﻧﻌﻢ؛ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻳﻔﻬﻤﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠّﻤﺎﺕ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻭﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ، ﻭﻳﻤﺘﺜﻠﻮﻥ ﺑﻬﺎ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳُﺴﺘﺤﺴﻦ ﻋﻨﺪ ﺫﺍﻙ ﺇﻳﺮﺍﺩ ﺍﻟﺨﻄﺒﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﻟﺪﻳﻬﻢ، ﻭﻟﻜﺎﻧﺖ ﺗﺮﺟﻤﺔُ ﺳﻮﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻬﺎ ﻣﺒﺮﺭ -ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﻣﻤﻜﻨﺔً- (حاشية) ﻟﻘﺪ ﺃﺛﺒﺘﺖ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ  ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ  ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ. ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻴﻔﻬﻤﻮﺍ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﻨﺼﺎﺋﺢ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ. ﺃﻣﺎ ﻭﻗﺪ ﺃﻫﻤﻠﺖ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻧﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺍلأﺣﻜﺎﻡُ ﺍﻟﻮﺍﺿﺤﺔُ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔُ؛ ﻛﻮﺟﻮﺏ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺰﻛﺎﺓ ﻭﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻭﺣﺮﻣﺔ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﻭﺍﻟﺰﻧﺎ ﻭﺍﻟﺨﻤﺮ، ﻭﺃﻥ ﻋﻮﺍﻡ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﻭﺱ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺮﻣﺔ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻫﻢ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍلاﻣﺘﺜﺎﻝ ﺑﺘﻠﻚ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﻭﺍﺗّﺒﺎﻋﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ. ﻭلا ﻳﺘﻢ ﺫﻟﻚ ﺇلا ﺑﺘﺬﻛﻴﺮﻫﻢ ﻭﺣﺜّﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺷﺤﺬ ﺍﻟﻬﻤﻢ ﻭﺇﺛﺎﺭﺓ ﻏﻴﺮﺓ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻓﻲ ﻋﺮﻭﻗﻬﻢ، ﻭﺗﺤﺮﻳﻚ ﺷﻌﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻛﻲ ﻳﻨﻬﻀﻮﺍ ﺑﺎﻣﺘﺜﺎﻝ ﻭﺍﺗّﺒﺎﻉ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ.

ﻓﺎﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﻌﺎﻣﻲ -ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﺟﻬﻠُﻪ- ﻳﺪﺭﻙ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلإﺟﻤﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﺒﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻭﻳﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺭﺓ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺨﻄﻴﺐ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺎﺭﻱﺀ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﺬﻛّﺮﻩ ﻭﻳﺬﻛّﺮ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻣﻌﻪ، ﺑﺄﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺃﺳﺲ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ. ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﻔﻌﻢ ﻗﻠﺒُﻪ ﺑﺎلأﺷﻮﺍﻕ ﺇﻟﻰ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ.

ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮﻱ ﺃﻱ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠّﻪ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﺣﻴﺎﻝ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﻤﻮﺻﻮﻝ ﺑﺎﻟﻌﺮﺵ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ.. ﻭﺃﻱ ﺗﺮﻏﻴﺐ ﻭﺗﺮﻫﻴﺐ ﻭﺑﻴﺎﻥ ﻭﺗﺬﻛﻴﺮ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻨﻪ؟!

   ﺳﺎﺩﺳﻬﺎ

ﺇﻥّ ﻗﺮﺏَ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻋﺼﺮ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻳﺴَّﺮ ﻟﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺄﺧﺬﻭﺍ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺼﺎﻓﻲ ﻣﻦ ﺃﻗﺮﺏ ﻣﺼﺎﺩﺭﻩ، ﻓﺘﻤﻜّﻨﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ. ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﻣﺠﺘﻬﺪﻱ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﺟﺪﺍ ﻭﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﻛﺜﻴﺮ ﺟﺪﺍ ﻣﻦ ﺍلأﺳﺘﺎﺭ ﻭﺍﻟﺤُﺠﺐ ﺣﺘﻰ ﻟﻴﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺭﺅﻳﺔ ﺃﻭﺿﺢ ﺣﺮﻑ ﻓﻴﻪ.

ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺖَ: ﺇﻥ ﻣﺪﺍﺭ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﻭﻣﺼﺪﺭَ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻫﻮ ﻋﺪﺍﻟﺔُ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﺻﺪﻗﻬﻢ، ﺣﺘﻰ ﺍﺗﻔﻘﺖ ﺍلأﻣﺔُ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﻢ ﻋﺪﻭﻝ ﺻﺎﺩﻗﻮﻥ، ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﺑﺸﺮ ﻣﺜﻠﻨﺎ، لا ﻳﺨﻠﻮﻥ ﻣﻦ ﺧﻄﺄ

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥّ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ ﻫﻢ ﺭﻭّﺍﺩ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻋﺸﺎﻗُﻪ، ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺘﻮﺍﻗﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺍﻟﻌﺪﻝ، ﻭﻟﻘﺪ ﺗﺒﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻫﻢ ﻗﺒﺢُ ﺍﻟﻜﺬﺏ ﻭﻣﺴﺎﻭﺋﻪ، ﻭﺟﻤﺎﻝُ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﻣﺤﺎﺳﻨﻪ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺗﺎﻡ، ﺑﺤﻴﺚ ﺃﺻﺒﺢ ﺍﻟﺒَﻮﻥ ﺷﺎﺳﻌﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺍﻟﻜﺬﺏ، ﻛﺎﻟﺒﻌﺪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﺮﻳﺎ ﻭﺍﻟﺜﺮﻯ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﻭﺍﻟﻔﺮﺵ!! ﺇﺫ ﻳﻮﺿﺢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﺎﺭﻕ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍلأﻋﻈﻢ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﻮﺍﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﻓﻲ ﺃﻋﻠﻰ ﻋﻠﻴﻴﻦ، ﻭﺑﻴﻦ ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ ﺍﻟﻜﺬﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ ﻭﻓﻲ ﺃﻭﻃﺄ ﺩﺭﻛﺎﺕ ﺍﻟﻜﺬﺏ. ﻓﺎﻟﺬﻱ ﺃﻫﻮﻯ ﺑﻤﺴﻴﻠﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺭﻛﺎﺕ ﺍﻟﻬﺎﺑﻄﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺌﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻜﺬﺏ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺭﻓﻊ ﻣﺤﻤﺪﺍ ﺍلأﻣﻴﻦ صلى الله عليه وسلم ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺼﺪﻕُ ﻭﺍلاﺳﺘﻘﺎﻣﺔ.

ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﺍﻟﻬﻤﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨُﻠﻖ ﺍﻟﺮﻓﻴﻊ ﻭﺍﺳﺘﻨﺎﺭﻭﺍ ﺑﻨﻮﺭ ﺻﺤﺒﺔ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ، لا ﺭﻳﺐ ﺃﻧﻬﻢ ﺗﺮﻓّﻌﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺬﺏ ﺍﻟﻤﻤﻘﻮﺕ ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ ﺍﻟﻜﺬﺍﺏ ﻭﻧﺠﺎﺳﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻮﺟﺒﺔ ﻟﻠﺬﻟﺔ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﻥ -ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ- ﻭﺗﺠﻨّﺒﻮﺍ ﺍﻟﻜﺬﺏَ ﻛﺘﺠﻨﺒﻬﻢ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺻﻨﻮُﻩ، ﻭﺳﻌﻮﺍ ﺳﻌﻴﺎ ﺣﺜﻴﺜﺎ ﻓﻲ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺍلاﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﺤﻖ، ﻭﺗﺤﺮّﻭﻩ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺃﻭﺗﻮﺍ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﻭﻋﺰﻡ، ﻓﺸﻐﻔﻮﺍ ﺑﻪ ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻭﺗﺒﻠﻴﻐﻬﺎ، ﺗﻠﻚ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﺘﺴﻤﺔ ﺑﺎﻟﺤﺴﻦ ﻭﺑﺎﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻘﻤﻴﻨﺔ ﺑﺎﻟﻤﺒﺎﻫﺎﺓ ﻭﺍﻟﻔﺨﺮ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﻌﺮﻭﺝ ﺻﻌﺪﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻗﻲ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻭﺍﻟﻤﻮﺻﻮﻟﺔ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺑﻌﻈﻤﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻨﻮﺭﺕ ﺑﻨﻮﺭ ﺷﻌﺎﻋﻪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ.

ﺃﻣَّﺎ ﺍلآﻥ، ﻓﻘﺪ ﺿﺎﻗﺖ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔُ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﺬﺏ ﻭﺍﻟﺼﺪﻕ، ﻭﻗﺼُﺮﺕ ﺣﺘﻰ ﺻﺎﺭﺍ ﻣﺘﻘﺎﺭﺑَﻴﻦ ﺑﻞ ﻣﺘﻜﺎﺗﻔَﻴﻦ، ﻭﺑﺎﺕ ﺍلاﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺬﺏ ﺳﻬـلا ﻭﻫﻴﻨﺎ ﺟﺪﺍ ﺑﻞ ﻏﺪﺍ ﺍﻟﻜﺬﺏُ ﻳﻔﻀُﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻋﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﺟﻤﻞُ ﺷﻲﺀ ﻳﺒﺎﻉ ﻣﻊ ﺃﻗﺒﺤﻪ ﻓﻲ ﺣﺎﻧﻮﺕ ﻭﺍﺣﺪ ﺟﻨﺒﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﻭﺑﺎﻟﺜﻤﻦ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓـلا ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺘﺮﻱ ﻟﺆﻟﺆﺓ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﺍﻟﻐﺎﻟﻲ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻛـلاﻡ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺤﺎﻧﻮﺕ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﺩﻭﻥ ﻓﺤﺺ ﻭﺗﻤﺤﻴﺺ.

   ﺍﻟﺨﺎﺗﻤﺔ

ﺗﺘﺒﺪﻝ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊُ ﺑﺘﺒﺪﻝ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ، ﻭﻗﺪ ﺗﺄﺗﻲ ﺷﺮﺍﺋﻊُ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﺗُﺮﺳﻞ ﺭﺳﻞ ﻛﺮﺍﻡ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﻭﺍﺣﺪ، ﺣﺴﺐ ﺍلأﻗﻮﺍﻡ. ﻭﻗﺪ ﺣﺪﺙ ﻫﺬﺍ ﻓﻌـلا.

ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺧﺘﻢ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ، ﻭﺑﻌﺜﺔ ﺧﺎﺗﻢ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺴـلاﻡ، ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﺃﺧﺮﻯ، لأﻥ ﺷﺮﻳﻌﺘﻪ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻭﻭﺍﻓﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﻗﻮﻡ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ.

ﺃﻣَّﺎ ﺟﺰﺋﻴﺎﺕ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﺼﻮﺹ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ ﺗﺒﻌﺎ ﻟﻠﻈﺮﻭﻑ، ﻓﺈﻥ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﻓﻘﻬﺎﺀ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﻛﻔﻴﻠﺔ ﺑﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ. ﻓﻜﻤﺎ ﺗُﺒﺪّﻝ ﺍﻟﻤـلاﺑﺲُ ﺑﺎﺧﺘـلاﻑ ﺍﻟﻤﻮﺍﺳﻢ، ﻭﺗُﻐﻴّﺮ ﺍلأﺩﻭﻳﺔ ﺣﺴﺐ ﺣﺎﺟﺔ ﺍﻟﻤﺮﺿﻰ، ﻛﺬﻟﻚ ﺗُﺒﺪﻝ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊُ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ، ﻭﺗﺪﻭﺭ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﻭﻓﻖ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍلأﻣﻢ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ، لأﻥ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﻋﻴﺔ ﺗﺘﺒﻊ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻭﺗﺄﺗﻲ ﻣﻨﺴﺠﻤﺔ ﻣﻌﻬﺎ ﻭﺗﺼﺒﺢ ﺩﻭﺍﺀ ﻟﺪﺍﺋﻬﺎ.

ﻓﻔﻲ ﺯﻣﻦ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪﺓً ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ، ﻣﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺟﻔﺎﺀ ﻭﺷﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﺎﻳﺎ، ﻓﻜﺎﻧﻮﺍ ﺃﻗﺮﺏ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺪﺍﻭﺓ ﻓﻲ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ، ﻟﺬﺍ ﺃﺗﺖ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊُ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺯﻣﻨﺔ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻣﻊ ﻣﻮﺍﻓﻘﺘﻬﺎ لأﺣﻮﺍﻟﻬﻢ ﻭﺍﻧﺴﺠﺎﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﺿﺎﻋﻬﻢ، ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﺃﺗﻰ ﺃﻧﺒﻴﺎﺀ ﻣﺘﻌﺪﺩﻭﻥ ﺑﺸﺮﺍﺋﻊ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﻭﺍﺣﺪ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻤﺠﻲﺀ ﺧﺎﺗﻢِ ﺍﻟﻨﺒﻴﻴﻦ ﻭﻫﻮ ﻧﺒﻲُ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ صلى الله عليه وسلم ﺗﻜﺎﻣﻠﺖ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔُ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺮﻗّﺖ ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍلاﺑﺘﺪﺍﺋﻴﺔ ﻓﺎﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺃﻫـلا لأﻥ ﺗﺘﻠﻘﻰ ﺩﺭﺳﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ، ﻭﺗﻨﺼﺖَ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻠﻢ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺗﻌﻤﻞ ﺑﺸﺮﻳﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﻓﺮﻏﻢ ﻛﺜﺮﺓ ﺍلاﺧﺘـلاﻓﺎﺕ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﺮﺍﺋﻊ ﻋﺪﺓ ﻭلا ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻠﻤﻴﻦ ﻋﺪﻳﺪﻳﻦ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻌﺠﺰ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺼﻞ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻋﺪﻡ ﺗﻤﻜّﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻂ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﺗﻌﺪﺩﺕ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐُ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺮﻭﻉ. ﻓﻠﻮ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ -ﺑﺄﻛﺜﺮﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ- ﺃﻥ ﺗﺤﻴﺎ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻭﺍﺣﺪ، ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﻮﺣﺪ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ. ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺜﻠﻤﺎ لا ﺗﺴﻤﺢ ﺃﺣﻮﺍﻝُ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻃﺒﺎﺋﻊُ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﺒﻠﻮﻍ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﻛﺬﻟﻚ لا ﺗﻜﻮﻥ ﻭﺍﺣﺪﺓ.

  ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺖ: ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﺣﺪ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﻭﺍلاﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮَ ﺣﻘﺎ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻳﺄﺧﺬ ﺍﻟﻤﺎﺀُ ﺃﺣﻜﺎﻣﺎ ﺧﻤﺴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺣﺴﺐ ﺃﺫﻭﺍﻕ ﺍﻟﻤﺮﺿﻰ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﺣﺎلاﺗﻬﻢ: ﻓﻬﻮ ﺩﻭﺍﺀ ﻟﻤﺮﻳﺾ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﻣﺰﺍﺟﻪ، ﺃﻱ ﺗﻨﺎﻭﻟُﻪ ﻭﺍﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻃﺒّﺎ. ﻭﻗﺪ ﻳﺴﺒﺐ ﺿﺮﺭﺍ ﻟﻤﺮﻳﺾ ﺁﺧﺮ ﻓﻬﻮ ﻛﺎﻟﺴﻢّ ﻟﻪ، ﺃﻱ ﻳُﺤﺮﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﻃﺒﺎ، ﻭﻗﺪ ﻳﻮﻟّﺪ ﺿﺮﺭﺍ ﺃﻗﻞ ﻟﻤﺮﻳﺾ ﺁﺧﺮ ﻓﻬﻮ ﺇﺫﻥ ﻣﻜﺮﻭﻩ ﻟﻪ ﻃﺒﺎ، ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻧﺎﻓﻌﺎ لآﺧﺮ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻀﺮﻩ، ﻓﻴﺴﻦّ ﻟﻪ ﻃﺒﺎ، ﻭﻗﺪ لا ﻳﻀﺮ ﺁﺧﺮ ﻭلا ﻳﻨﻔﻌﻪ، ﻓﻬﻮ ﻟﻪ ﻣﺒﺎﺡ ﻃﺒﺎ ﻓﻠﻴﻬﻨﺄ ﺑﺸﺮﺑﻪ.

ﻓﻨﺮﻯ ﻣﻦ ﺍلأﻣﺜﻠﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺃﻥّ ﺍﻟﺤﻖ ﻗﺪ ﺗﻌﺪﺩ ﻫﻨﺎ، ﻓﺎلأﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﻛﻠُّﻬﺎ ﺣﻖ، ﻓﻬﻞ ﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻝ: ﺇﻥّ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻋـلاﺝ لا ﻏﻴﺮ، ﺃﻭ ﻭﺍﺟﺐ ﻓﺤﺴﺐ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻜﻢ ﺁﺧﺮ؟.

ﻭﻫﻜﺬﺍ -ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ- ﺗﺘﻐﻴﺮ ﺍلأﺣﻜﺎﻡُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺑﺴَﻮْﻕٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺣﺴﺐ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻟﻬﺎ. ﻓﻬﻲ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﺣﻘﺎ، ﻭﺗﺒﻘﻰ ﺣﻘﺎ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻛﻞُّ ﺣﻜﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻘﺎ ﻭﻳﺼﺒﺢ ﻣﺼﻠﺤﺔ.

ﻓﻤﺜـلا: ﻧﺠﺪ ﺃﻥ ﺃﻛﺜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺒﻌﻮﻥ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻫﻢ ﺃﻗﺮﺏ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻨﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺪﺍﻭﺓ ﻭﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺮﻳﻒ. ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﺓ ﻋﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻮﺣّﺪ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ. ﻓﻴﺮﻏﺐ ﻛﻞُّ ﻓﺮﺩ ﻓﻲ ﺑﺚ ﻣﺎ ﻳﺠﺪﻩ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﺿﻲ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﺑﻜﻞ ﺍﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﻭﺣﻀﻮﺭ ﻗﻠﺐ، ﻭﻳﻄﻠﺐ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﻳﻠﺘﺠﺊ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﻴﻘﺮﺃ «ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺎﺗﺤﺔ» ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻪ ﺗﺎﺑﻊ ﻟـلإﻣﺎﻡ. ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻣﺤﻀﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ. ﺃﻣَّﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺒﻌﻮﻥ ﺍلإﻣﺎﻡَ ﺍلأﻋﻈﻢَ «ﺃﺑﺎ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﺍﻟﻨﻌﻤﺎﻥ» ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻓﻬﻢ ﺑﺄﻛﺜﺮﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻭﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻟﻤﺆﻫﻠﺔ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﺘﺰﺍﻡ ﺃﻏﻠﺐ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺎﺕ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ. ﻓﺼﺎﺭﺕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻓﺮﺩ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺃﺻﺒﺢ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﺼﺪﻗﻮﻧﻪ ﻭﻳﺮﺗﺒﻄﻮﻥ ﺑﻪ ﻗﻠﺒﺎ، ﻓﺈﻥ ﻗﻮﻟﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ. ﻓﻌﺪﻡُ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺭﺍﺀ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺑـ«ﺍﻟﻔﺎﺗﺤﺔ» ﻫﻮ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺫﺍﺕ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ.

ﻭﻣﺜـلا: ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺗﻀﻊ ﺣﻮﺍﺟﺰَ ﻟﺘﺤُﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﻃﺒﺎﺋﻊ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺣﺪﻭﺩَﻫﺎ، ﻓﺘﻘﻮّﻣﻬﺎ ﺑﻬﺎ ﻭﺗﺆﺩﺑﻬﺎ، ﻭﺗُﺮﺑﻲ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ. ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﻘﺾ ﺍﻟﻮﺿﻮﺀُ ﺑﻤﺲِّ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ، ﻭﻳﻀﺮ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﺎﺳﺔ، ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﺗﺒﺎﻋﻪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﻭﺃﻧﺼﺎﻑ ﺍﻟﺒﺪﻭ ﻭﺍﻟﻤﻨﻬﻤﻜﻴﻦ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ. ﺃﻣﺎ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﺍﻟﺤﻨﻔﻲ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺑﺄﻛﺜﺮﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻗﺪ ﺩﺧﻠﻮﺍ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﺍﺗﺨﺬﻭﺍ ﻃﻮﺭ ﺃﻧﺼﺎﻑ ﻣﺘﺤﻀﺮﻳﻦ ﻓـلا ﻳﻨﺘﻘﺾ ﺍﻟﻮﺿﻮﺀ ﺑﻤﺲِّ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ، ﻭﻳُﺴﻤَﺢ ﺑﻘَﺪﺭ ﺩﺭﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﺎﺳﺔ.

ﻭﻟﻨﻨﻈﺮ ﺍلآﻥ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻣﻞ ﻭﺇﻟﻰ ﻣﻮﻇﻒ، ﻓﺎﻟﻌﺎﻣﻞ ﺑﺤﻜﻢ ﻣﻌﻴﺸﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﻣﻌﺮّﺽ ﻟـلاﺧﺘـلاﻁ ﻭﺍﻟﺘّﻤﺎﺱ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍلأﺟﻨﺒﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺠﻠﻮﺱ ﻣﻌﺎ ﺣﻮﻝ ﻣﻮﻗﺪ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺍﻟﻮﻟﻮﺝ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻣﻠﻮﺛﺔ، ﻓﻬﻮ ﻣﺒﺘﻠﻰً ﺑﻜﻞ ﻫﺬﺍ ﺑﺤﻜﻢ ﻣﻬﻨﺘﻪ ﻭﻣﻌﻴﺸﺘﻪ، ﻭﻗﺪ ﺗﺠﺪ ﻧﻔﺴُﻪ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ ﻣﺠﺎلا ﺃﻣﺎﻣَﻬﺎ ﻟﺘﺘﺠﺎﻭﺯ ﺣﺪﻭﺩَﻫﺎ؛ ﻟﺬﺍ ﺗُﻠﻘﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﺭﻭﻉ ﻫﺬﺍ ﺻﺪﻯً ﺳﻤﺎﻭﻳﺎ ﻓﺘﻤﻨﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺯﺍﺕ ﺑﺄﻣﺮﻫﺎ ﻟﻪ: لا ﺗﻤﺲّ ﻣﺎ ﻳﻨﻘﺾ ﺍﻟﻮﺿﻮﺀ، ﻓﺘﺒﻄﻞ ﺻـلاﺗُﻚ. ﺃﻣﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﻇﻒ، ﻓﻬﻮ ﺣﺴﺐ ﻋﺎﺩﺗﻪ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ لا ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟـلاﺧﺘـلاﻁ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍلأﺟﻨﺒﻴﺎﺕ  -ﺑﺸﺮﻁ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻧﺒﻴـلا- ﻭلا ﻳﻠﻮﺙ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﺑﺎﻟﻨﺠﺎﺳﺎﺕ، ﺁﺧﺬﺍ ﺑﺄﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ. ﻟﺬﺍ ﻟﻢ ﺗﺸﺪّﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ، ﺑﻞ ﺃﻇﻬﺮﺕ ﻟﻪ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺮﺧﺼﺔ -ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻌﺰﻳﻤﺔ- ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﺍﻟﺤﻨﻔﻲ، ﻭﺧﻔﻔﺖ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﺇﻥ ﻣﺴّﺖ ﻳﺪُﻙ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺃﺟﻨﺒﻴﺔ ﻓـلا ﻳﻨﻘﺾ ﻭﺿﻮﺀﻙ، ﻭلا ﺿﺮﺭ ﻋﻠﻴﻚ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻨﺞ ﺑﺎﻟﻤﺎﺀ ﺣﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ، ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺳﻤﺎﺡ ﺑﻘﺪﺭ ﺩﺭﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﺎﺳﺔ، ﻓﺘﺨﻠﺼﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺳﻮﺳﺔ، ﻭﺗﻨﺠّﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﺩﺩ.

ﻓﻬﺎﺗﺎﻥ ﻗﻄﺮﺗﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻧﺴﻮﻗﻬﻤﺎ ﻣﺜﺎلا، ﻗِﺲْ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ، ﻭﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻄﻌﺖ ﺃﻥ ﺗَﺰِﻥَ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺑﻤﻴﺰﺍﻥ «ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﻧﻲ» ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻮﺍﻝ ﻓﺎﻓﻌﻞ.

﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

 ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﺻَﻞِّ ﻭَﺳَﻠِّﻢْ ﻋَﻠَﻰ ﻣَﻦ ﺗَﻤﺜَّﻞَ ﻓِﻴﻪِ ﺃﻧﻮَﺍﺭُ ﻣﺤﺒَّﺘِﻚَ ﻟِﺠَﻤَﺎﻝِ ﺻِﻔَﺎﺗِﻚَ ﻭَﺃﺳﻤَﺎﺋِﻚَ، ﺑِﻜَﻮﻧِﻪِ ﻣِﺮﺁﺓً ﺟَﺎﻣِﻌَﺔً ﻟِﺘَﺠَﻠِّﻴَﺎﺕِ ﺃﺳﻤَﺎﺋِﻚَ ﺍﻟْﺤُﺴﻨَﻰ.. ﻭَﻣَﻦ ﺗَﻤَﺮﻛَﺰَ ﻓِﻴﻪِ ﺷُﻌَﺎﻋَﺎﺕُ ﻣﺤَﺒَّﺘِﻚَ ﻟِﺼَﻨﻌَﺘِﻚَ ﻓِﻲ ﻣَﺼﻨُﻮﻋَﺎﺗِﻚَ ﺑِﻜَﻮﻧِﻪِ ﺃﻛﻤَﻞَ ﻭَﺃﺑﺪَﻉَ ﻣَﺼﻨُﻮﻋَﺎﺗِﻚَ، ﻭَﺻَﻴﺮُﻭﺭَﺗِﻪِ ﺃﻧﻤُﻮﺫَﺝَ ﻛَﻤَﺎلاﺕِ ﺻَﻨﻌَﺘِﻚَ، ﻭَﻓﻬﺮﺳﺘﺔَ ﻣﺤَﺎﺳِﻦِ ﻧُﻘُﻮﺷِﻚَ.. ﻭَﻣَﻦ ﺗَﻈَﺎﻫَﺮَ ﻓﻴﻪِ ﻟَﻄَﺎﺋﻒُ ﻣﺤﺒَّﺘِﻚَ ﻭَﺭَﻏﺒﺘِﻚَ ﻟِﺎﺳﺘِﺤْﺴَﺎﻥِ ﺻَﻨﻌَﺘِﻚَ ﺑِﻜَﻮﻧِﻪِ ﺃﻋﻠَﻰ ﺩَلاﻟِﻲ ﻣَﺤَﺎﺳِﻦِ ﺻَﻨﻌَﺘِﻚَ ﻭَﺍﺭﻓَﻊَ ﺍﻟْﻤُﺴﺘَﺤﺴِﻨِﻴﻦَ ﺻَﻮﺗﺎ ﻓِﻲ ﺇﻋـلاﻥِ ﺣُﺴﻦِ ﻧُﻘُﻮﺷِﻚَ ﻭَﺃﺑﺪَﻋَﻬُﻢ ﻧَﻌﺘﺎ ﻟِﻜَﻤَﺎلاﺕِ ﺻَﻨﻌَﺘِﻚَ.. ﻭَﻣَﻦ ﺗَﺠَﻤَّﻊَ ﻓِﻴﻪِ ﺃﻗﺴَﺎﻡُ ﻣﺤﺒَّﺘﻚ ﻭَﺍﺳﺘِﺤﺴَﺎﻧِﻚَ ﻟِﻤَﺤَﺎﺳِﻦِ ﺃﺧْـلاﻕِ ﻣَﺨﻠُﻮﻗَﺎﺗِﻚَ ﻭَﻟَﻄَﺎﺋِﻒِ ﺃﻭﺻَﺎﻑِ ﻣَﺼﻨُﻮﻋَﺎﺗِﻚَ، ﺑِﻜَﻮﻧِﻪِ ﺟَﺎﻣِﻌﺎ ﻟِﻤَﺤَﺎﺳِﻦِ ﺍﻟْﺄﺧْـلاﻕِ ﻛَﺎﻓَّﺔً ﺑِﺈِﺣﺴَﺎﻧِﻚَ ﻭَﻟِﻠَﻄَﺎﺋِﻒِ ﺍﻟْﺄﻭﺻَﺎﻑِ ﻗَﺎﻃِﺒﺔً ﺑِﻔَﻀْﻠِﻚَ.. ﻭَﻣَﻦ ﺻَﺎﺭَ ﻣِﺼﺪَﺍﻗﺎ ﻭَﻣِﻘْﻴَﺎﺳﺎ ﻓَﺎﺋﻘﺎ ﻟِﺠَﻤِﻴﻊِ ﻣَﻦ ﺫﻛﺮﺕَ ﻓِﻲ ﻓُﺮﻗَﺎﻧِﻚَ ﺃﻧّﻚَ ﺗُﺤﺒُّﻬُﻢ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻤُﺤﺴِﻨِﻴﻦَ ﻭَﺍﻟﺼَّﺎﺑِﺮِﻳﻦَ ﻭَﺍﻟْﻤُﺆﻣِﻨِﻴﻦَ ﻭَﺍﻟْﻤُﺘَّﻘﻴﻦَ ﻭَﺍﻟﺘَّﻮَّﺍﺑِﻴﻦَ ﻭَﺍﻟْﺄﻭَّﺍﺑِﻴﻦَ ﻭَﺟَﻤِﻴﻊ ﺍﻟْﺄﻭْﺻَﺎﻑِ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺃﺣﺒَﺒﺘَﻬُﻢ ﻭَﺷَﺮَّﻓْﺘَﻬُﻢ ﺑِﻤﺤَﺒﺘِﻚَ، ﻓِﻲ ﻓُﺮﻗَﺎﻧِﻚَ ﺣﺘَّﻰ ﺻَﺎﺭَ ﺇِﻣَﺎﻡَ ﺍﻟﺤَﺒِﻴﺒِﻴﻦَ ﻟَﻚَ، ﻭَﺳَﻴﺪَ ﺍﻟْﻤَﺤﺒُﻮﺑِﻴﻦَ ﻟَﻚَ ﻭَﺭَﺋِﻴﺲَ ﺃﻭِﺩَّﺍﺋِﻚَ ﻭَﻋَﻠَﻰ ﺁﻟِﻪِ ﻭَﺃﺻْﺤَﺎﺑِﻪِ ﻭَﺇﺧْﻮَﺍﻧِﻪِ ﺃﺟﻤَﻌِﻴﻦَ

 ﺁﻣِﻴﻦَ ﺑِﺮَﺣﻤَﺘِﻚَ ﻳَﺎ ﺃﺭْﺣَﻢَ ﺍﻟﺮَّﺍﺣِﻤِﻴﻦَ.