ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

ﺇﻥّ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﻣﻦ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﺃﻱ ﺇﻥّ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﺘﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺍﻟﺪلاﺋﻞُ ﺍﻟﻘﺎﻃﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ لا ﺗُﻌﺪ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ. ﻭﻧﺤﻦ ﺳﻨﺒﻴﻦ ﻫﻨﺎ ﻣﺪﻯ ﻗﻮﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﻛﻦ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻲ ﻭﺳﻌﺘِﻪ ﺑﺄﺳﻠﻮﺏٍ ﺑﺴﻴﻂٍ ﻭﻇﺎﻫﺮٍ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ.

   ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ

ﺇﻥّ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻗﺒﻞ ﻛَﻮﻧﻪ ﻭﺑﻌﺪ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﻜﺘﻮﺏ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ، ﻳﺼﺮّﺡ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﴿وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (ﺍلأﻧﻌﺎﻡ:59) ﻭﺗُﺼﺪّﻕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢَ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕُ ﻗﺎﻃﺒﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻗﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮُ، ﺑﺂﻳﺎﺕِ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﻭﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺍلاﻣﺘﻴﺎﺯ ﻭﺍﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﻭﺍﻟﺘﺰﻳﻴﻦ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﻛﺘﺎﺑﺎﺕ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﻭﻣﻮﺯﻭﻧﺎﺕ ﺁﻳﺎﺗِﻬﺎ ﺗﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥّ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻣﻜﺘﻮﺏ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥّ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻜﺘﻮﺏ ﻭﻣﻘﺪّﺭ ﻗﺒﻞ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻭﻛَﻮﻧﻪ، ﻓﻬﻮ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﻭﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻭﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻤﻘﺎﺩﻳﺮ ﻭﺍﻟﺼﻮﺭ، ﺷﻮﺍﻫﺪُ ﺻﺪﻕٍ. ﺇﺫ ﻣﺎ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﺇلا ﺻﻨﻴﺪﻳﻘﺎﺕ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺃﺑﺪﻋﻬﺎ ﻣﻌﻤﻞ «ﻙ.ﻥ» ﺃﻭﺩﻉ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪَﺭ ﻓُﻬَﻴﺮﺱَ ﺭﺳﻤﻪ، ﻭﺗَﺒْﻨﻲ ﺍﻟﻘُﺪﺭﺓُ -ﺣﺴﺐ ﻫﻨﺪﺳﺔ ﺍﻟﻘﺪَﺭ- ﻣﻌﺠﺰﺍﺗِﻬﺎ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒُﺬﻳﺮﺍﺕ، ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﺔً ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥّ ﻛﻞَّ ﻣﺎ ﺳﻴﺠﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭٍ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﻭﻗﺎﺋﻌﻬﺎ، ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﻓﻲ ﺑﺬﺭﺗﻬﺎ. لأﻥ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻭﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ﻣﺎﺩﺓً، ﻓـلا ﺍﺧﺘـلاﻑ ﺑﻴﻨﻬﺎ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺍﻟﻤﻘﺪﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻢ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﺒﻴّﻦ ﺍﻟﻘَﺪﺭ ﺑﻮﺿﻮﺡ. ﻓﻠﻮ ﺩُﻗّﻖ ﺍﻟﻨﻈﺮُ ﺇﻟﻰ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ ﻟﺘﺒﻴّﻦ ﺃﻥّ ﻟﻪ ﺷﻜـلا ﻭﻣﻘﺪﺍﺭﺍ، ﻛﺄﻧﻪ ﻗﺪ ﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﻗﺎﻟﺐٍ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍلإﺗﻘﺎﻥ، ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻘﺪﺍﺭ ﻭﺍﻟﺸﻜﻞ ﻭﺍﻟﺼﻮﺭﺓ، ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻗﺎﻟﺐٍ ﻣﺎﺩﻱ ﺧﺎﺭﻕ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلاﻧﺜﻨﺎﺀﺍﺕ ﻭﺍلاﻧﺤﻨﺎﺀﺍﺕ.. ﺃﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺗُﻔﺼّﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﻭﺗُﻠﺒﺴﻬﺎ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓَ ﺑﻘﺎﻟﺐ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻋﻠﻤﻲ ﻣﻮﺯﻭﻥ ﺃﺗﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﺭ.

ﺗﺄﻣّﻞ ﺍلآﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ، ﻓﺎﻟﺬﺭﺍﺕ ﺍﻟﺼُﻢّ ﺍﻟﻌُﻤﻲ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺷﻌﻮﺭ ﻟﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ، ﺗﺘﺤﺮﻙ ﻓﻲ ﻧﻤﻮ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﺛﻢ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﺣﺪﻭﺩ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺗَﻮَﻗُّﻒَ ﻋﺎﺭﻑٍ ﻋﺎﻟِﻢ ﺑﻤﻈﺎﻥّ ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﻭﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ. ﺛﻢ ﺗُﺒﺪّﻝ ﻣﻮﺍﺿﻌَﻬﺎ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻬﺪﻑ ﻏﺎﻳﺔ ﻛﺒﺮﻯ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺗﺘﺤﺮﻙ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺍﺭ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﺍلآﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﺭ، ﻭﺣﺴﺐ ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻘﺪﺍﺭ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕُ ﺍﻟﻘَﺪﺭ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺍلأﺷﻴﺎﺀِ ﺍﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻭﺍﻟﺼﻮَﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﺒﺴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺩﻳﻬﺎ ﺑﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﺃﻳﻀﺎ لاﻧﺘﻈﺎﻡ ﺍﻟﻘﺪﺭ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﺗﺠﻠﻴﻴﻦ ﻟﻠﻘﺪﺭ:

ﺍلأﻭﻝ: «ﺑﺪﻳﻬﻲ» ﻳﺨﺒﺮ ﻭﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ.

ﻭﺍلآﺧﺮ: ﺗﺠﻞٍ ﻧﻈﺮﻱ «ﻣﻌﻘﻮﻝ» ﻳُﺨﺒﺮ ﻭﻳﺮﻣﺰ ﺇﻟﻰ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﺍلأﻣﺮِ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ.

ﻓ «ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﺒﺪﻳﻬﻲ» ﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﻣﻦ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﻭﻛﻴﻔﻴﺎﺕ ﻭﻫﻴﺌﺎﺕ ﻣﺎﺩﻳﺔ ﻟﻠﺸﺠﺮﺓ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺸﺎﻫَﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ. 

ﻭ «ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ» ﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﻴُﺨﻠَﻖ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﻣﻦ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﻭﺃﺷﻜﺎﻝ ﻭﺣﺮﻛﺎﺕ ﻭﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﻃَﻮﺍﻝَ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻳُﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺘﺎﺭﻳﺦ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ. ﻓﺘﻠﻚ ﺍلأﻭﺿﺎﻉ ﻭﺍلأﺷﻜﺎﻝ ﻭﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﺣﻴﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﺣﻴﻦ ﺇلا ﺃﻥ ﻟﻬﺎ ﻣﻘﺪﺍﺭﺍ ﻗﺪَﺭﻳﺎ ﻣﻨﺘﻈﻤﺎ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻓﻲ ﺃﻏﺼﺎﻥ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺃﻭﺭﺍﻗﻬﺎ. ﻓﻠﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﻟﻠﻘﺪﺭ ﺗﺠﻞٍ ﻛﻬﺬﺍ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍلاﻋﺘﻴﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥّ ﻫﺬﺍ ﻳﻔﻴﺪ ﺃﻥ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠَّﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﻛﻮﻧِﻬﺎ ﻭﻭﺟﻮﺩِﻫﺎ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔٌ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﻔﻬَﻢ ﺫﻟﻚ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺪﺑﺮ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺣﻴﺎﺓ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﺑﻌﺪ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻭﻛﻮﻧﻪِ ﻣﻜﺘﻮﺏٌ؛ ﻓﻬﻮ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﻭﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ، ﻭﺍﻟﻘﻮﺓُ ﺍﻟﺤﺎﻓﻈﺔ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻅ ﻭﺗﺨﺒﺮ ﻋﻨﻪ. ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺎﻫﺪ ﺻﺎﺩﻕ، ﻭﺃﻣﺎﺭﺓ ﻭﻋـلاﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ. ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻛﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﺗُﻜﺘﺐ ﻓﻲ ﻧﻮﺍﺗﻬﺎ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﻗﻠﺒﻬﺎ- ﻣﻘﺪّﺭﺍﺕُ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﻣﺴﺘﻘﺒﻠُﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎ.

ﻭﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺤﺎﻓﻈﺔ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻛﺤﺒﺔ ﺧﺮﺩﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻐﺮ- ﺗَﻜﺘﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﺪُ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺗﺎﺭﻳﺦَ ﺣﻴﺎﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻗﺴﻤﺎ ﻣﻦ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻛﺘﺎﺑﺔً ﺩﻗﻴﻘﺔ، ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﻭﻋﻬﺪ ﺻﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺃﻋﻄﺘﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓُ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻭﺿﻌَﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻣﻦ ﺩﻣﺎﻏﻪ، ﻟﻴﺘﺬﻛّﺮ ﺑﻬﺎ ﻭﻗﺖَ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ، ﻭﻟﻴﻄﻤﺌﻦّ ﺃﻥّ ﺧﻠﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﺮﺝ ﻭﺍﻟﻤﺮﺝ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ، ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻟﻠﺒﻘﺎﺀ، ﺭﺳَﻢَ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮُ ﻫﻮﻳﺎﺕِ ﺍﻟﺰﺍﺋـلاﺕِ، ﻭﺃﻟﻮﺍﺡٌ ﻳَﻜﺘﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻔﻴﻆ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺎﺕ.

ﻧﺤﺼﻞ ﻣﻤﺎ ﺳﺒﻖ: ﺃﻥّ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ، ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﻘﺎﺩﺓً ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ ﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻣﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﺩﻧﻰ ﺣﻴﺎﺓٍ ﻭﺃﺑﺴﻄُﻬﺎ، ﻓﺈﻥّ ﺣﻴﺎﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، لاﺑﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﺭُﺳِﻤﺖ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺗﻔﺮﻋﺎﺗﻬﺎ ﺑﻤﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﻛُﺘﺒﺖ ﺑﻘﻠﻤِﻪ.

ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻄﺮﺍﺕِ ﺗُﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺤﺎﺏ، ﻭﺍﻟﺮﺷﺤﺎﺕِ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻊ ﺍﻟﻤﺎﺀ، ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺪﺍﺕِ ﻭﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺴﺠﻞ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ. ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕُ ﻭﺍﻟﻨُﻄﻒ ﻭﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻭﺍﻟﻨﻮﻯ ﻭﺍﻟﺼﻮﺭ ﻭﺍلأﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻤﺎﺛﻠﺔ ﺃﻣﺎﻣَﻨﺎ، ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺭﺷﺤﺎﺕِ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﺒﺪﻳﻬﻲ، ﺃﻱ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﻭﻗﻄﺮﺍﺕِ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ -ﺃﻱ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻲ- ﻭﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺴﺘﻨﺪﺍﺗِﻬﻤﺎ ﻭﻭﺛﺎﺋِﻘﻬﻤﺎ.. ﺗﺪﻝ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ، ﻭﻫﻮ ﺳﺠﻞُّ ﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻅ، ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺩﻳﻮﺍﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ.

ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ: ﻣﺎ ﺩﻣﻨﺎ ﻧﺮﻯ ﺃﻥّ ﺫﺭﺍﺕِ ﻛﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ، ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻧﻤﻮﻩ ﻭﻧﺸﻮﺋﻪ ﺗﺮﺣﻞ ﺇﻟﻰ ﺣﺪﻭﺩٍ ﻭﻧﻬﺎﻳﺎﺕٍ ﻣﻠﺘﻮﻳﺔ ﻣﻨﺜﻨﻴﺔ ﻭﺗﻘﻒ ﻋﻨﺪﻫﺎ. ﻭﺗﻐﻴّﺮ ﻃﺮﻳﻘَﻬﺎ ﻟﺘُﺜﻤﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺎﺕ ﺣﻜﻤﺔً ﻭﻓﺎﺋﺪﺓ ﻭﻣﺼﻠﺤﺔ. ﻓﺒﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻘﺪﺍﺭ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻗﺪ ﺭُﺳﻢ ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﺒﺪﻳﻬﻲ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎلاﺕ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺃﻳﻀﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺩ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﻭﻣﺜﻤﺮﺓ ﻭﻧﻬﺎﻳﺎﺕ ﻣﻔﻴﺪﺓ ﻗﺪ ﺭُﺳﻤﺖ ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺃﻳﻀﺎ. ﻓﺎﻟﻘﺪﺭﺓُ ﻣﺼﺪﺭ، ﻭﺍﻟﻘَﺪﺭُ ﻣِﺴْﻄَﺮ، ﺗُﺴﻄِّﺮ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓُ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻄﺮ ﺍﻟﻘﺪﺭ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏَ ﻟﻠﻤﻌﺎﻧﻲ.

ﻓﻤﺎ ﺩﻣﻨﺎ ﻧﺪﺭﻙ ﺇﺩﺭﺍﻛﺎ ﺟﺎﺯﻣﺎ ﺃﻥ ﻣﺎ ﺭُﺳﻢ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺩ ﻭﺛﻤﺮﺍﺕ ﻭﻧﻬﺎﻳﺎﺕ ﺣﻜﻴﻤﺔ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺠﺮﻳﻪ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦُ ﺍﻟﺤﻲ ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﻭﺃﻃﻮﺍﺭ ﻗﺪ ﺭُﺳﻢ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﻘﻠﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭ. ﺇﺫ ﺇﻥ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻳﺠﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﻧﻈﺎﻡ ﻭﺍﻧﺘﻈﺎﻡ، ﻣﻊ ﺗﻐﻴﻴﺮﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻭﺍﺗﺨﺎﺫﻩ ﺍلأﺷﻜﺎﻝ. ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﻗﻠﻢُ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻣﻬﻴﻤﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺣﻴﺎﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﻛﻤﻞُ ﺛﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺧﻠﻴﻔﺔُ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺤﺎﻣﻞ ﻟﻸﻣﺎﻧﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ- ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻧﻘﻴﺎﺩﺍ ﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻣﻦ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ.

ﻓﺈﻥ ﻗﺎﻝ: ﺇﻥّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻗﺪ ﻛﺒّﻠﻨﺎ ﻭﺳَﻠﺐَ ﺣﺮﻳﺘﻨﺎ، ﺃلا ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﻳﻮﺭﺙ ﺛﻘـلا ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻳﻮﻟﺪ ﺿﻴﻘﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﻭﻫﻤﺎ ﺍﻟﻤﺸﺘﺎﻗﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍلاﻧﺒﺴﺎﻁ ﻭﺍﻟﺠﻮلاﻥ؟

ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻛـلا، ﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ! ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭ لا ﻳﻮﺭﺙ ﺿﻴﻘﺎ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻤﻨﺢ ﺧﻔﺔً ﺑـلا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻭﺭﺍﺣﺔ ﺑـلا ﻏﺎﻳﺔ ﻭﺳﺮﻭﺭﺍ ﻭﻧﻮﺭﺍ ﻳﺤﻘﻖ ﺍلأﻣﻦ ﻭﺍلأﻣﺎﻥ ﻭﺍﻟﺮَّﻭﺡ ﻭﺍﻟﺮﻳﺤﺎﻥ؛ لأﻥّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﻳﻀﻄﺮ لأﻥ ﻳﺤﻤﻞ ﺛﻘـلا ﺑﻘﺪْﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻫﻞ ﺭﻭﺣﻪ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ، ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺿﻴﻘﺔ ﻭﺣﺮﻳﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻭﺗﺤﺮﺭ ﻣﺆﻗﺖ. لأﻥّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻟﻪ ﻋـلاﻗﺎﺕ ﻣﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔ، ﻭﻟﻪ ﻣﻘﺎﺻﺪُ ﻭﻣﻄﺎﻟﺐ لا ﺗﻨﺘﻬﻴﺎﻥ، ﺇلا ﺃﻥّ ﻗﺪﺭﺗَﻪ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗَﻪ ﻭﺣﺮﻳﺘَﻪ لا ﺗﻜﻔﻲ لإﻳﻔﺎﺀ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪ. ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﺪﻯ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺳﻴﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺛﻘﻞ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ، ﻭﻛﻢ ﻫﻮ ﻣﺨﻴﻒ ﻭﻣﻮﺣﺶ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﻳﺤﻤﻞ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻀﻊ ﺟﻤﻴﻊَ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺛﻘﺎﻝ ﻓﻲ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ، ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻨﺤﻪ ﺭﺍﺣﺔً ﺗﺎﻣﺔ، ﺇﺫ ﻳﻨﻔﺘﺢ ﺃﻣﺎﻡَ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﻣﻴﺪﺍﻥُ ﺗﺠﻮﺍﻝ ﻭﺍﺳﻊ، ﻓﻴﺴﻴﺮﺍﻥ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﻛﻤﺎلاﺗﻬﻤﺎ ﺑﺤﺮﻳﺔ ﺗﺎﻣﺔ. ﺑﻴﺪ ﺃﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻳﺴﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ ﺣﺮﻳﺘَﻬﺎ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻭﻳﻜﺴﺮ ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺘَﻬﺎ ﻭﻳﺤﻄّﻢ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘَﻬﺎ ﻭﻳﺤﺪّ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺴﺎﺋﺒﺔ.

ﺃلا ﺇﻥّ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﻟﺬﻳﺬ ﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﻟﺬﺓ، ﻭﺳﻌﺎﺩﺓ ﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺳﻌﺎﺩﺓ. ﻭﺣﻴﺚ لا ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍلآﺗﻲ:

ﺭﺟـلاﻥ ﻳﺴﺎﻓﺮﺍﻥ ﻣﻌﺎ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﻋﻈﻴﻢ، ﻭﻳﺪﺧـلاﻥ ﺇﻟﻰ ﻗﺼﺮ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ﻭﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺐ. ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ لا ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺧﻠﺴﺔ ﻭﻳُﻤﻀﻲَ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﻐﺼﺐ ﺍلأﻣﻮﺍﻝ، ﻓﻴﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﺍﻟﻘﺼﺮ. ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮﻫﺎ ﻭﺗﻨﻈﻴﻢ ﻭﺍﺭﺩﺍﺗﻬﺎ ﻭﺗﺸﻐﻴﻞ ﻣﻜﺎﺋﻨﻬﺎ ﻭﺇﻋﻄﺎﺀ ﺃﺭﺯﺍﻕ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﻤﺮﻫﻘﺔ ﺩﻓﻌَﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍلاﺿﻄﺮﺍﺏ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻭﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮ، ﺣﺘﻰ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﺍﻟﺰﺍﻫﻴﺔ ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ﺟﺤﻴﻤﺎ لا ﻳﻄﺎﻕ، ﺇﺫ ﻳﺘﺄﻟﻢ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺇﺩﺍﺭﺗﻪ، ﻓﻴﻘﻀﻲ ﻭﻗﺘﻪ ﺑﺎلآﻫﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﺴﺮﺍﺕ. ﻭﺃﺧﻴﺮﺍ ﻳُﻠﻘﻰ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﻋﻘﺎﺑﺎ ﻭﺗﺄﺩﻳﺒﺎ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﻮﺀ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﻭﺃﺩﺑﻪ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﻭﻳﻌﺪّ ﻧﻔﺴَﻪ ﺿﻴﻔﺎ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻳﻌﺘﻘﺪ ﺃﻥّ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻭﺍﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﺗُﺪﺍﺭ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﺑﻨﻈﺎﻡ ﻭﻗﺎﻧﻮﻥ ﻭﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﻭﻣﺨﻄﻂ. ﻓﻴﻠﻘﻲ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﻣﺴﺘﻔﻴﺪﺍ ﺑﺎﻧﺸﺮﺍﺡ ﺗﺎﻡ ﻭﺻﻔﺎﺀ ﻛﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﻣﺘﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﺍﻟﺰﺍﻫﺮﺓ ﻛﺎﻟﺠﻨﺔ. ﻭﻳﺮﻯ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺟﻤﻴـلا ﺣﻘﺎ، ﺍﺳﺘﻨﺎﺩﺍ ﺇﻟﻰ ﻋﻄﻒ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ، ﻭﺍﻋﺘﻤﺎﺩﺍ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﺎﻝ ﻗﻮﺍﻧﻴﻨﻪ ﺍلإﺩﺍﺭﻳﺔ.. ﻓﻴﻘﻀﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻟﺬﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻭﺳﻌﺎﺩﺓ ﺗﺎﻣﺔ.

ﻓﺎﻓﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺳﺮَّ: «ﻣﻦ ﺁﻣﻦ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﺃﻣِﻦَ ﻣﻦ ﺍﻟﻜَﺪﺭ».

ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ

ﺇﺫﺍ ﻗﻠﺖ: ﻟﻘﺪ ﺃﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ ﺃﻥّ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﻠﻘﺪﺭ ﺟﻤﻴﻞ ﻭﺧﻴﺮ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺸﺮ ﺍلآﺗﻲ ﻣﻨﻪ ﺧﻴﺮ، ﻭﺍﻟﻘﺒﺢُ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﻣﻨﻪ ﺟﻤﻴﻞ؛ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐُ ﻭﺍﻟﺒـلاﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺰﻝ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﺬﻩ ﺗﺠﺮﺡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤُﻜﻢ ﻭﺗﻘﺪﺡُ ﺑﻬﺬﺍ ﺍلإﺛﺒﺎﺕ.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ، ﻭﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ! ﻳﺎ ﻣﻦ ﺗﺘﺄﻟﻤﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻟﺸﺪﺓ ﻣﺎ ﺗﺤﻤـلاﻥ ﻣﻦ ﺷﻔﻘﺔ ﻭﺭﺃﻓﺔ، ﺍﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺧﻴﺮٌ ﻣﺤﺾ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡَ ﺷﺮ ﻣﺤﺾ. ﻭﺍﻟﺪﻟﻴﻞُ ﻫﻮ ﺭﺟﻮﻉُ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﻭﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻛﻮﻥُ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﺃﺳﺎﺱَ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍﻟﻨﻘﺎﺋﺺ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﺪﻡُ ﺷﺮﺍ ﻣﺤﻀﺎ، ﻓﺎﻟﺤﺎلاﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺠﺮّ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﺃﻭ ﻳُﺸﻢُّ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻌﺪﻡُ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺍﻟﺸﺮ ﺃﻳﻀﺎ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺳﻄﻊُ ﻧﻮﺭ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ، ﺗﺘﻘﻮﻯ ﺑﺘﻘﻠّﺒﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﺗﺘﺼﻔّﻰ ﺑﺪﺧﻮﻟﻬﺎ ﺃﻭﺿﺎﻋﺎ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ، ﻭﺗﺜﻤﺮ ﺛﻤﺮﺍﺕٍ ﻣﻄﻠﻮﺑﺔ ﺑﺎﺗﺨﺎﺫﻫﺎ ﻛﻴﻔﻴﺎﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ، ﻭﺗﺒﻴﻦ ﻧﻘﻮﺵَ ﺃﺳﻤﺎﺀِ ﻭﺍﻫﺐِ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﻴﺎﻧﺎ ﻟﻄﻴﻔﺎ ﻭﺟﻤﻴـلا ﺑﺘﺤﻮﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻃﻮﺍﺭ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ.

ﻭﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗُﻌﺮﺽ ﺣﺎلاﺕ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﺍلآلاﻡ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍﻟﻤﺸﻘﺎﺕ ﻭﺍﻟﺒﻠﻴﺎﺕ، ﻓﺘﺘﺠﺪﺩ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎلاﺕ ﺃﻧﻮﺍﺭُ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻭﺗﺘﺒﺎﻋﺪ ﻋﻨﻬﺎ ﻇﻠﻤﺎﺕُ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﻢ ﺗﺘﻄﻬﺮ ﻭﺗﺘﺼﻔﻰ، ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍﻟﺘﻮﻗﻒَ ﻭﺍﻟﺴﻜﻮﻥ ﻭﺍﻟﺴﻜﻮﺕ ﻭﺍﻟﻌﻄﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﺪﻋﺔ ﻭﺍﻟﺮﺗﺎﺑﺔ، ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺪﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻴﻔﻴﺎﺕ ﻭﺍلأﺣﻮﺍﻝ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺃﻋﻈﻢ ﻟﺬﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ ﺗﺘﻨﺎﻗﺺ ﺑﻞ ﺗﺰﻭﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎلاﺕ ﺍﻟﺮﺗﻴﺒﺔ.

ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ ﺗﺒﻴّﻦ ﻧﻘﻮﺵَ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻓﻜﻞُّ ﻣﺎ ﻳﻨﺰﻝ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇﺫﻥ ﺟﻤﻴﻞ ﻭﺣﺴﻦ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺇﻥ ﺻﺎﻧﻌﺎ ﺛﺮﻳﺎ ﻣﺎﻫﺮﺍ ﻳﻜﻠّﻒ ﺭﺟـلا ﻓﻘﻴﺮﺍ ﻟﻘﺎﺀ ﺃﺟﺮﺓٍ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻟﻴﻘﻮﻡ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻇﺮﻑ ﺳﺎﻋﺔ ﺑﺪﻭﺭ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ (ﻣﻮﺩﻳﻞ)، لأﺟﻞ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺁﺛﺎﺭ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻭﺇﺑﺮﺍﺯ ﻣﺪﻯ ﺛﺮﻭﺍﺗﻪ ﺍﻟﻘﻴّﻤﺔ. ﻓﻴُﻠﺒﺴﻪ ﻣﺎ ﻧﺴﺠَﻪ ﻣﻦ ﺣُﻠﺔ ﻗﺸﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍلإﺑﺪﺍﻉ، ﻭﻳُﺠﺮﻯ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻋﻤﺎلا ﻭﻳُﻈﻬﺮ ﺃﻭﺿﺎﻋﺎ ﻭﺃﺷﻜﺎلا ﺷﺘﻰ لإﻇﻬﺎﺭ ﺧﻮﺍﺭﻕ ﺻﻨﺎﺋﻌﻪ ﻭﺑﺪﺍﺋﻊ ﻣﻬﺎﺭﺍﺗﻪ، ﻓﻴﻘﺺّ ﻭﻳﺒﺪّﻝ ﻭﻳﻄﻮّﻝ ﻭﻳﻘﺼّﺮ، ﻭﻫﻜﺬﺍ..

ﺗُﺮﻯ ﺃﻳﺤﻖّ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﺍلأﺟﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻤﺎﻫﺮ: «ﺇﻧﻚ ﺗﺘﻌﺒﻨﻲ ﻭﺗﺮﻫﻘﻨﻲ ﺑﻄﻠﺒﻚ ﻣﻨّﻲ ﺍلاﻧﺤﻨﺎﺀ ﻣﺮﺓ ﻭﺍلاﻋﺘﺪﺍﻝ ﺃﺧﺮﻯ.. ﻭﺇﻧﻚ ﺗﺸﻮّﻩ ﺑﻘﺼّﻚ ﻭﺗﻘﺼﻴﺮﻙ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻤﻴﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻤّﻠﻨﻲ ﻭﻳﺰﻳﻨﻨﻲ؟» ﺗُﺮﻯ ﺃﻳﻘﺪﺭ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻪ: «ﻟﻘﺪ ﻇﻠﻤﺖَ ﻭﻣﺎ ﺃﻧﺼﻔﺖَ؟!».

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍلأﻣﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ- ﺇﺫ ﻳﺒﺪّﻝ ﻗﻤﻴﺺ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻟﺒﺴﻪ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻳﻘﻠّﺒﻪ ﻓﻲ ﺣﺎلاﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﻤﻴﺺُ ﺍﻟﻤﺮﺻﻊ ﺑﺎﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﻛﺎﻟﻌﻴﻦ ﻭﺍلأﺫﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ، ﻳﺒﺪّﻟﻪ ﻭﻳﻘﻠّﺒﻪ ﺇﻇﻬﺎﺭﺍ ﻟﻨﻘﻮﺵ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ.

ﻓﻔﻲ ﺍلأﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘّﺴﻢ ﺑﺎلآلاﻡ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﺃﻧﻮﺍﺭُ ﺟﻤﺎﻝٍ ﻟﻄﻴﻒ ﺗﺸﻒّ ﻋﻦ ﺃﺷﻌﺔ ﺭﺣﻤﺔٍ ﺿﻤﻦ ﻟﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﺇﻇﻬﺎﺭﺍ لأﺣﻜﺎﻡ ﺑﻌﺾ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ.

ﺍﻟﺨﺎﺗﻤﺔ

ﻫﺬﻩ ﻓﻘﺮﺍﺕ ﺧﻤﺲ ﺃﺳﻜﺘﺖ ﺍﻟﻨﻔﺲَ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ ﻟﺴﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﺔ ﺍﻟﻤﺘﻔﺎﺧﺮﺓ ﺍﻟﻤﻐﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﻤﺮﺍﺋﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺠﺒﺔ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ.

ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀُ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓً ﻭﻣﺘﻘﻨﺔَ ﺍﻟﺼُﻨﻊ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺻﺎﻧﻌﺎ ﻣﺎﻫﺮﺍ ﻗﺪ ﺻﻨﻌﻬﺎ. ﻓﻠﻘﺪ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﺃﻧﻪ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗُﺴﻨَﺪ ﻛﻞُّ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ، ﻳﺘﻌﺴّﺮ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻛﺘﻌﺴﺮ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﺇﻥ ﺃﺳﻨﺪ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ، ﺗﺴﻬُﻞ ﺍلأﺷﻴﺎﺀُ ﻛﻠﻬﺎ ﻛﺴﻬﻮﻟﺔ ﺷﻲﺀ ﻭﺍﺣﺪ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ لا ﻳُﻌﻄﻲ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﻧﺘﺎﺋﺠَﻬﻤﺎ ﻭﻏﺎﻳﺎﺗِﻬﻤﺎ -ﻭﻫﻢ ﺫﻭﻭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ- ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻩ ﻓﻴﻔﺴﺪَ ﺍلأﻣﻮﺭ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﻠّﻤﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﺪﻱ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻓﻴﻌﺒﺚَ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺃﻋﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺒﻴﺪَﻫﺎ.. ﻭلا ﻳﺴﻠّﻢُ ﺃﻳﻀﺎ ﺷﻜﺮَﻫﺎ ﻭﻋﺒﺎﺩﺍﺗﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻩ.

ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻤﻐﺮﻭﺭﺓ! ﺇﻧﻚِ ﺗﺸﺒﻬﻴﻦ ﺳﺎﻕ ﺍﻟﻌﻨﺐ، لا ﺗﻐﺘﺮّﻱ ﻭلا ﺗﻔﺘﺨﺮﻱ، ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﺴﺎﻕ ﻟﻢ ﺗﻌﻠّﻖ ﺍﻟﻌﻨﺎﻗﻴﺪَ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﺑﻞ ﻋﻠّﻘﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻏﻴﺮُﻫﺎ.

ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﺋﻴﺔ! لا ﺗﻐﺘﺮﻱ ﻗﺎﺋﻠﺔ: «ﺇﻧﻨﻲ ﺧﺪﻣﺖُ ﺍﻟﺪﻳﻦ». ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﺻﺮﻳﺢ ﺑ «ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻴﺆﻳﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻔﺎﺟﺮ». ﻓﻌﻠﻴﻚ ﺃﻥ ﺗﻌُﺪّﻱ ﻧﻔﺴﻚِ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻔﺎﺟﺮ، لأﻧﻚِ ﻏﻴﺮ ﻣﺰﻛﺎﺓ. ﻭﺍﻋﻠﻤﻲ ﺃﻥ ﺧﺪﻣﺘﻚ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻭﻋﺒﺎﺩﺍﺗﻚ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇلا ﺷﻜﺮُ ﻣﺎ ﺃﻧﻌﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻚ، ﻭﻫﻲ ﺃﺩﺍﺀ ﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﻭﻓﺮﻳﻀﺔ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.. ﺍﻋﻠﻤﻲ ﻫﺬﺍ ﻭﺃﻧﻘﺬﻱ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻌُﺠﺐ ﻭﺍﻟﺮﻳﺎﺀ.

ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﺇﻥ ﻛﻨﺖِ ﺗﺮﻭﻣﻴﻦ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺤﻘﺔ، ﻓﺎﻇﻔﺮﻱ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ؛ ﺇﺫ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠُّﻬﺎ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺃﺷﻌﺔُ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻣﻈﺎﻫﺮُ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﺗﺠﻠﻴﺎﺕُ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ. ﻭﺍﻋﻠﻤﻲ ﺃﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﺎﺩﻳﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻭ ﻣﻌﻨﻮﻳﺎ ﻭﺟﻮﻫﺮﻳﺎ ﺃﻭ ﻋﺮﺿﻴﺎ، ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ، ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﺭ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ. ﻭﺇلا ﻓﻬﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺗﺎﻓﻬﺔ لا ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻟﻬﺎ. ﻭﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ.

ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ! ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﻣﺸﺘﺎﻗﺔ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺗﻔﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﻓﺎﻋﻠﻤﻲ ﻳﻘﻴﻨﺎ ﺃﻥّ ﻣﺎ ﺗﻈﻨﻴﻨَﻪ ﺣﻴﺎﺓً، ﻣﺎ ﻫﻮ ﺇلا ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺖ ﻓﻴﻬﺎ. ﻓﻤﺎ ﻗﺒﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺯﻣﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﻛﻠّﻪ ﻣﻴﺖ، ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺯﻣﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻛﻠﻪ ﻋﺪﻡ، لاﺷﻲﺀ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥّ ﻣﺎ ﺗﻔﺘﺨﺮﻳﻦ ﺑﻪ ﻭﺗﻐﺘﺮﻳﻦ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﻓﺎﻧﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﺇلا ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻗﺴﻤﺎ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻋﺎﺷﺮﺓ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ، ﺑﻞ ﺁﻥٌ ﺳﻴّﺎﻝٌ.. ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺣَﻜَﻢ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻭﺍﻟﺼـلاﺡ ﺑﻌﺪﻣﻴﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﺩﻧﻴﺎ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍلأﻣﺮ، ﻫﻜﺬﺍ ﻓﺪﻋﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ، ﻭﺍﺻﻌﺪﻱ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺴﺮ، ﻭﺍﻧﻈﺮﻱ، ﻣﺎ ﺃﻭﺳﻊ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ، ﻓﺎﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻥ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻚ ﺣﻴّﺎﻥ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﺎ ﻭﻣﻮﺟﻮﺩﺍﻥ.

ﻓﻴﺎ ﻧﻔﺴﻲ: ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ، ﺍﺑﻜﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﺒﻜﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﻭﺍﺳﺘﻐﻴﺜﻲ ﻭﻗﻮﻟﻲ:

ﺃﻧﺎ ﻓﺎﻥٍ، ﻣَﻦ ﻛﺎﻥ ﻓﺎﻧﻴﺎ لا ﺃﺭﻳﺪ

ﺃﻧﺎ ﻋﺎﺟﺰ، ﻣَﻦ ﻛﺎﻥ ﻋﺎﺟﺰﺍ لا ﺃﺭﻳﺪ..

ﺳﻠّﻤﺖُ ﺭﻭﺣﻲ ﻟﻠﺮﺣﻤﻦ، ﺳﻮﺍﻩ لا ﺃﺭﻳﺪ..

ﺑﻞ ﺃﺭﻳﺪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺣﺒﻴﺒﺎ ﺑﺎﻗﻴﺎ ﺃﺭﻳﺪ..

ﺃﻧﺎ ﺫﺭﺓ..

ﻭﻟﻜﻦْ ﺷﻤﺴﺎ ﺳﺮﻣﺪﺍ ﺃﺭﻳﺪ.

ﺃﻧﺎ لاﺷﻲﺀ ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺷﻲﺀ، ﻭﻟﻜﻦْ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕِ ﻛﻠَّﻬﺎ ﺃﺭﻳﺪ.

       ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺧﻄﺮﺕ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﻛُﺘﺒﺖ ﻛﻤﺎ ﻭﺭﺩﺕْ. ﻭﻫﻲ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ ﻓﻲ ﺫﻛﺮ «ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ»:

ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ؛ ﺇﺫ ﻫﻮ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮُ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺍﻟﻨﻘّﺎﺵ ﺍلأﺯﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕِ ﻛـلا ﻭﺟﺰﺀﺍ ﻭﺻﺤﺎﺋﻒَ ﻭﻃﺒﻘﺎﺕٍ ﻭﻣﺎ ﺣﻘﺎﺋﻖُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠﻴﺎ ﻭﺟﺰﺋﻴﺎ ﻭﻭﺟﻮﺩﺍ ﻭﺑﻘﺎﺀً ﺇلا ﺧﻄﻮﻁُ ﻗﻠﻢِ ﻗﻀﺎﺋِﻪ ﻭﻗَﺪَﺭﻩ ﻭﺗﻨﻈﻴﻤﻪ ﻭﺗﻘﺪﻳﺮِﻩ ﺑﻌﻠﻢٍ ﻭﺣﻜﻤﺔٍ… ﻭﻧﻘﻮﺵُ ﺑﺮﻛﺎﺭ ﻋﻠﻤِﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ ﻭﺗﺼﻮﻳﺮﻩ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮﻩ ﺑﺼﻨﻊٍ ﻭﻋﻨﺎﻳﺔٍ… ﻭﺗﺰﻳﻴﻨﺎﺕُ ﻳﺪِ ﺑﻴﻀﺎﺀ ﺻُﻨﻌِﻪ ﻭﻋﻨﺎﻳﺘﻪ ﻭﺗﺰﻳﻴﻨﻪ ﻭﺗﻨﻮﻳﺮﻩ ﺑﻠﻄﻒ ﻭﻛﺮﻡٍ… ﻭﺃﺯﺍﻫﻴﺮُ ﻟﻄﺎﺋﻒِ ﻟﻄﻔﻪ ﻭﻛﺮﻣﻪ ﻭﺗﻮﺩﺩﻩ ﻭﺗﻌﺮُّﻓﻪ ﺑﺮﺣﻤﺔٍ ﻭﻧﻌﻤﺔٍ… ﻭﺛﻤﺮﺍﺕُ ﻓﻴّﺎﺽِ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﻧﻌﻤﺘﻪ ﻭﺗﺮﺣﻤﻪ ﻭﺗﺤﻨّﻨﻪ ﺑﺠﻤﺎﻝ ﻭﻛﻤﺎﻝ… ﻭﻟﻤﻌﺎﺕُ ﻭﺗﺠﻠﻴﺎﺕُ ﺟﻤﺎﻟِﻪ ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ ﺑﺸﻬﺎﺩﺍﺕ ﺗﻔﺎﻧﻴﺔِ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﻭﺳﻴﺎﻟﻴﺔِ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﻣﻊ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩ ﺍﻟﺴﺮﻣﺪﻱ، ﺍﻟﺪﺍﺋﻢِ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﻭﺍﻟﻈﻬﻮﺭ، ﻋﻠﻰ ﻣﺮّ ﺍﻟﻔﺼﻮﻝ ﻭﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﺪﻫﻮﺭ، ﻭﺩﺍﺋﻢِ ﺍلإﻧﻌﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﺮّ ﺍلأﻧﺎﻡ ﻭﺍلأﻳﺎﻡ ﻭﺍلأﻋﻮﺍﻡ.

ﻧﻌﻢ، ﻓﺎلأﺛﺮُ ﺍﻟﻤﻜﻤَّﻞ ﻳﺪﻝ ﺫﺍ ﻋﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﻤﻜﻤَّﻞ، ﺛﻢ ﺍﻟﻔﻌﻞُ ﺍﻟﻤﻜﻤَّﻞ ﻳﺪﻝ ﺫﺍ ﻓﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍلاﺳﻢ ﺍﻟﻤﻜﻤَّﻞ، ﺛﻢ ﺍلاﺳﻢ ﺍﻟﻤﻜﻤَّﻞ ﻳﺪﻝ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺻﻒ ﺍﻟﻤﻜﻤَّﻞ، ﺛﻢ ﺍﻟﻮﺻﻒُ ﺍﻟﻤﻜﻤَّﻞ ﻳﺪﻝ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺄﻥ ﺍﻟﻤﻜﻤَّﻞ ﺛﻢ ﺍﻟﺸﺄﻥ ﺍﻟﻤﻜﻤَّﻞ ﻳﺪﻝ ﺑﺎﻟﻴﻘﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ.

ﻧﻌﻢ، ﺗﻔﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﺯﻭﺍﻝُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻣﻊ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ، ﻣﻊ ﺍﻟﻔﻴﺾ ﺍﻟﻤـلاﺯﻡ.. ﻣﻦ ﺃﻇْﻬﺮِ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ، ﻟﻴﺲ ﻣُﻠﻚَ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ.. ﻣﻦ ﺃﻓﺼﺢ ﺗﺒﻴﺎﻥٍ.. ﻣﻦ ﺃﻭﺿﺢ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻟﻠﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩ ﻟـلإﺣﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﺪﺩ ﻟﻠﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.. ﻟﻠﺒﺎﻗﻲ ﺍﻟﻮﺩﻭﺩ..

ﺍﻟﻠّﻬﻢَّ ﺻَﻞِّ ﻋَﻠﻰ ﺳَﻴّﺪﻧﺎ ﻣُﺤَﻤَّﺪٍ ﻣِﻦَ ﺍلأﺯﻝِ ﺇﻟَﻰ ﺍلأﺑَﺪِ ﻋَﺪﺩ ﻣَﺎ ﻓِﻲ ﻋِﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻋَﻠﻰ ﺁﻟﻪِ ﻭﺻَﺤﺒﻪِ ﻭَﺳﻠِّﻢْ.

ﺫﻳﻞ

ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻳﻞُ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ ﺟﺪﺍ ﻟﻪ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻭﻣﻨﺎﻓﻊُ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ

ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻃﺮﺍﺋﻖُ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﺳﺒُﻞ ﻋﺪﻳﺪﺓ. ﻭﻣﻮﺭﺩُ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺤﻘﺔ ﻭﻣﻨﻬﻞُ ﺍﻟﺴﺒﻞ ﺍﻟﺼﺎﺋﺒﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﺇلا ﺃﻥ ﺑﻌﺾَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺃﻗﺮﺏُ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﻭﺃﺳﻠﻢُ ﻭﺃﻋﻢُّ.

ﻭﻗﺪ ﺍﺳﺘﻔﺪﺕُ ﻣﻦ ﻓﻴﺾ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ -ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻓﻬﻤﻲ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮ- ﻃﺮﻳﻘﺎ ﻗﺼﻴﺮﺍ ﻭﺳﺒﻴـلا ﺳﻮﻳﺎ ﻫﻮ: ﻃﺮﻳﻖُ ﺍﻟﻌَﺠﺰ، ﺍﻟﻔﻘﺮ، ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ، ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻛﺎﻟﻌﺸﻖ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﺑﻞ ﺃﻗﺮﺏُ ﻭﺃﺳﻠﻢ، ﺇﺫ ﻫﻮ ﻳﻮﺻِﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﻴﺔ ﺑﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ… ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻣﺜﻠُﻪ ﻳﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ»… ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻛﺎﻟﻌﺸﻖ ﻣﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺇلا ﺃﻧﻪ ﺃﻧﻔﺬُ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺃﻭﺳﻊُ ﻣﻨﻪ ﻣﺪﻯ، ﺇﺫ ﻫﻮ ﻳﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ»… ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﺃﻳﻀﺎ ﻛﺎﻟﻌﺸﻖ ﺇلا ﺃﻧﻪ ﺃﻏﻨﻰ ﻣﻨﻪ ﻭﺃﺳﻄﻊَ ﻧﻮﺭﺍ ﻭﺃﺭﺣﺐَ ﺳﺒﻴـلا، ﺇﺫ ﻫﻮ ﻳﻮﺻﻞ ﺍﻟﺴﺎﻟﻚَ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ».

ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻤﺎ ﺳﻠﻜﻪ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﻓﻲ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﺨﻔﺎﺀ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺨﻄﻮﺍﺕ ﺍﻟﻌﺸﺮ -ﻛﺎﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍﻟﻌﺸﺮ- ﻭﻓﻲ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﺠﻬﺮ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺨﻄﻮﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ -ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ- ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖُ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺃﺭﺑﻊ ﺧﻄﻮﺍﺕ ﻓﺤﺴﺐ، ﻭﻫﻮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺻﻮﻓﻴﺔ.

ﻭلا ﻳﺬﻫﺒﻦّ ﺑﻜﻢ ﺳﻮﺀُ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻄﺄ. ﻓﺎﻟﻤﻘﺼﻮﺩُ ﺑﺎﻟﻌَﺠﺰ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﺘﻘﺼﻴﺮ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺇﻇﻬﺎﺭُ ﺫﻟﻚ ﻛﻠِّﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻟﻴﺲ ﺇﻇﻬﺎﺭَﻩ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ.

ﺃﻣﺎ ﺃﻭﺭﺍﺩُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ ﻭﺃﺫﻛﺎﺭُﻩ ﻓﺘﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺍﺗﺒﺎﻉِ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻌﻤﻞِ ﺑﺎﻟﻔﺮﺍﺋﺾ، ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺑﺎﻋﺘﺪﺍﻝ ﺍلأﺭﻛﺎﻥ، ﻭﺍﻟﻌﻤﻞِ ﺑﺎلأﺫﻛﺎﺭ ﻋﻘﺒﻬﺎ، ﻭﺗﺮﻙِ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ.

ﺃﻣﺎ ﻣﻨﺎﺑﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻄﻮﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﻬﻲ: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾ (ﺍﻟﻨﺠﻢ:32) ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ… ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ (ﺍﻟﺤﺸﺮ:19) ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ… ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:79) ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ… ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ (ﺍﻟﻘﺼﺺ:٨٨) ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ.

ﻭﺇﻳﻀﺎﺡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻄﻮﺍﺕ ﺍلأﺭﺑﻊ ﺑﺈﻳﺠﺎﺯ ﺷﺪﻳﺪ ﻛﺎلآﺗﻲ:

ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﻛﻤﺎ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍلآﻳﺔُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾ ﻭﻫﻲ ﻋﺪﻡُ ﺗﺰﻛﻴﺔِ ﺍﻟﻨﻔﺲ. ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺣﺴﺐ ﺟﺒﻠّﺘﻪ، ﻭﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﻓﻄﺮﺗﻪ، ﻣﺤﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﺑﻞ لا ﻳﺤﺐّ ﺇلا ﺫﺍﺗَﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ. ﻭﻳﻀﺤّﻲ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻳﻤﺪﺡ ﻧﻔﺴَﻪ ﻣﺪﺣﺎ لا ﻳﻠﻴﻖ ﺇلا ﺑﺎﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﻭﺣﺪَﻩ، ﻭﻳﻨﺰّﻩ ﺷﺨﺼَﻪ ﻭﻳﺒﺮﺉ ﺳﺎﺣﺔَ ﻧﻔﺴﻪ، ﺑﻞ لا ﻳﻘﺒﻞ ﺍﻟﺘﻘﺼﻴﺮ ﻟﻨﻔﺴِﻪ ﺃﺻـلا ﻭﻳﺪﺍﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ ﺩﻓﺎﻋﺎ ﻗﻮﻳﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺼﺮﻑ ﻣﺎ ﺃﻭﺩﻋَﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻬﺰﺓٍ ﻟﺤﻤﺪﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻘﺪﻳﺴﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﻴﺼﻴﺒُﻪ ﻭﺻﻒُ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾(ﺍﻟﻔﺮﻗﺎﻥ:43) ﻓﻴﻌﺠَﺐُ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﻳﻌﺘﺪّ ﺑﻬﺎ.. ﻓـلاﺑﺪ ﺇﺫﻥ ﻣﻦ ﺗﺰﻛﻴﺘﻬﺎ. ﻓﺘﺰﻛﻴﺘُﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﻭﺗﻄﻬﻴﺮُﻫﺎ ﻫﻲ ﺑﻌﺪﻡ ﺗﺰﻛﻴﺘﻬﺎ.

ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻛﻤﺎ ﺗﻠﻘّﻨﻪ ﺍلآﻳﺔُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﺩﺭﺱِ ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾. ﻭﺫﻟﻚ: ﺃﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻳﻨﺴﻰ ﻧﻔﺴَﻪ ﻭﻳﻐﻔﻞ ﻋﻨﻬﺎ، ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﻓﻜّﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺻﺮﻓَﻪ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻩ، ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀَ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﺩﻓﻌَﻪ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ، ﻭﻛﺄﻧﻪ لا ﻳﻌﻨﻴﻪ ﺑﺸﻲﺀ، ﺇﺫ ﻣﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲِ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺬﻛُﺮ ﺫﺍﺗَﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺃﺧﺬ ﺍلأﺟﺮﺓ ﻭﺍﻟﺤﻈﻮﻅ ﻭﺗﻠﺘﺰﻡ ﺑﻬﺎ ﺑﺸﺪﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﻨﺎﺳﻰ ﺫﺍﺗَﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ. ﻓﺘﺰﻛﻴﺘُﻬﺎ ﻭﺗﻄﻬﻴﺮُﻫﺎ ﻭﺗﺮﺑﻴﺘُﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞُ ﺑﻌﻜﺲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ، ﺃﻱ ﻋﺪﻡُ ﺍﻟﻨﺴﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻨﺴﻴﺎﻥ، ﺃﻱ ﻧﺴﻴﺎﻥُ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻈﻮﻅ ﻭﺍلأﺟﺮﺓ، ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮُ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺨﺪﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ.

ﻭﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﻫﻲ ﻣﺎ ﺗﺮﺷﺪ ﺇﻟﻴﻪ ﺍلآﻳﺔُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ ﻭﺫﻟﻚ: ﺃﻥّ ﻣﺎ ﺗﻘﺘﻀﻴﻪ ﺍﻟﻨﻔﺲُ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻨﺴﺐ ﺍﻟﺨﻴﺮَ ﺇﻟﻰ ﺫﺍﺗﻬﺎ، ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻮﻗُﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺨﺮ ﻭﺍﻟﻌﺠﺐ. ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺃﻥ لا ﻳﺮﻯ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺇلا ﺍﻟﻘﺼﻮﺭَ ﻭﺍﻟﻨﻘﺺَ ﻭﺍﻟﻌﺠﺰَ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮَ، ﻭﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﻛﻞَّ ﻣﺤﺎﺳﻨﻪ ﻭﻛﻤﺎلاﺗﻪ ﺇﺣﺴﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﻓﺎﻃﺮﻩ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻭﻳﺘﻘﺒَّﻠﻬﺎ ﻧِﻌﻤﺎ ﻣﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻓﻴﺸﻜﺮ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺑﺪﻝَ ﺍﻟﻔﺨﺮ، ﻭﻳﺤﻤﺪُ ﺑﺪﻝ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﻫﺎﺓ. ﻓﺘﺰﻛﻴﺔُ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺳﺮ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ (ﺍﻟﺸﻤﺲ:٩). ﻭﻫﻲ ﺃﻥْ ﺗﻌﻠﻢ ﺑﺄﻥ ﻛﻤﺎﻟَﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﻛﻤﺎﻟِﻬﺎ، ﻭﻗﺪﺭﺗَﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺠﺰِﻫﺎ، ﻭﻏﻨﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﻓﻘﺮِﻫﺎ، (ﺃﻱ ﻛﻤﺎﻝُ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻋﺪﻡ ﻛﻤﺎﻟِﻬﺎ، ﻭﻗﺪﺭﺗُﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺠﺰﻫﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻏﻨﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﻓﻘﺮﻫﺎ ﺇﻟﻴﻪ).

ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﻫﻲ ﻣﺎ ﺗﻌﻠّﻤُﻪ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾. ﺫﻟﻚ لأﻥّ ﺍﻟﻨﻔﺲَ ﺗﺘﻮﻫﻢ ﻧﻔﺴَﻬﺎ ﺣﺮﺓً ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ، ﻟﺬﺍ ﺗﺪّﻋﻰ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، ﻭﺗﻀﻤُﺮ ﻋﺼﻴﺎﻧﺎ ﺣﻴﺎﻝ ﻣﻌﺒﻮﺩﻫﺎ ﺍﻟﺤﻖ. ﻓﺒﺈﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍلآﺗﻴﺔ ﻳﻨﺠﻮ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻭﻫﻲ ﺃﻥّ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﺑﺤﺪّ ﺫﺍﺗﻪ، ﻭﺑﻤﻌﻨﺎﻩ ﺍلاﺳﻤﻲ: ﺯﺍﺋﻞ، ﻣﻔﻘﻮﺩ، ﺣﺎﺩﺙ، ﻣﻌﺪﻭﻡ. ﺇلا ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺍﻟﺤﺮﻓﻲ، ﻭﺑﺠﻬﺔ ﻗﻴﺎﻣﻪ ﺑﺪﻭﺭ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓِ ﺍﻟﻌﺎﻛﺴﺔِ لأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻭﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﻣﻬﺎﻣّﻪ ﻭﻭﻇﺎﺋﻔﻪ: ﺷﺎﻫﺪ، ﻣﺸﻬﻮﺩ، ﻭﺍﺟﺪ، ﻣﻮﺟﻮﺩ.

ﻓﺘﺰﻛﻴﺘُﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﻫﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﺃﻥّ ﻋﺪﻣَﻬﺎ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻭﻭﺟﻮﺩَﻫﺎ ﻓﻲ ﻋﺪﻣﻬﺎ، ﺃﻱ ﺇﺫﺍ ﺭﺃﺕ ﺫﺍﺗَﻬﺎ ﻭﺃﻋﻄﺖ ﻟﻮﺟﻮﺩﻫﺎ ﻭﺟﻮﺩﺍ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻐﺮﻕ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺕِ ﻋﺪﻡٍ ﻳﺴﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻛﻠَّﻬﺎ. ﻳﻌﻨﻲ ﺇﺫﺍ ﻏﻔﻠﺖْ ﻋﻦ ﻣُﻮﺟِﺪﻫﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ، ﻣﻐﺘﺮﺓً ﺑﻮﺟﻮﺩﻫﺎ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺠﺪ ﻧﻔﺴَﻬﺎ ﻭﺣﻴﺪﺓ ﻏﺮﻳﻘﺔ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺍﻟﻴﺮﺍﻋﺔُ ﻓﻲ ﺿﻴﺎﺋﻬﺎ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱ ﺍﻟﺒﺎﻫﺖ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺍﻟﺒﻬﻴﻢ. ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺮﻙ ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔَ ﻭﺍﻟﻐﺮﻭﺭَ ﺗﺮﻯ ﻧﻔﺴَﻬﺎ ﺣﻘﺎ ﺃﻧﻬﺎ لا ﺷﻲﺀ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﺗﻌﻜﺲ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﻣُﻮﺟِﺪِﻫﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﻓﺘﻈﻔﺮ ﺑﻮﺟﻮﺩٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻩٍ ﻭﺗﺮﺑﺢ ﻭﺟﻮﺩَ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ.

ﻧﻌﻢ، ﻣﻦ ﻳﺠﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻘﺪ ﻭﺟﺪَ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ، ﻓﻤﺎ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕُ ﺟﻤﻴﻌُﻬﺎ ﺇلا ﺗﺠﻠﻴﺎﺕُ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺟﻞّ ﺟـلاﻟُﻪ.

    ﺧﺎﺗﻤﺔ

ﺇﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﻊ ﺧﻄﻮﺍﺕ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮ، ﻗﺪ ﺳﺒﻘﺖ ﺇﻳﻀﺎﺣﺎﺗُﻪ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺴﺖ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻋﻠﻢِ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﺣﻘﻴﻘﺔِ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ، ﺣﻜﻤﺔِ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ.

ﺇلا ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺸﻴﺮ ﻫﻨﺎ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺑﻀﻊ ﻧﻘﺎﻁ ﻭﻫﻲ: ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻫﻮ ﺃﻗﺼﺮُ ﻭﺃﻗﺮﺏُ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ، لأﻧﻪ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺃﺭﺑﻊ ﺧﻄﻮﺍﺕ. ﻓﺎﻟﻌﺠﺰُ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻳﺴﻠّﻤﻬﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺇﻟﻰ «ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ» ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ؛ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺗﻤﻜﻦ ﺍﻟﻌﺸﻖُ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ -ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﻧﻔﺬُ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﻤﻮﺻﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ- ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺘﺸﺒﺚ ﺑﺎﻟﻤﻌﺸﻮﻕ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮﻯ ﺯﻭﺍﻟَﻪ ﺗﺒﻠﻎ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏَ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺃﺳﻠﻢُ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ، لأﻥ ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻓﻴﻪ ﺷﻄﺤﺎﺕُ ﺃﻭ ﺍﺩﻋﺎﺀﺍﺕ ﻓﻮﻕ ﻃﺎﻗﺘﻬﺎ، ﺇﺫ ﺍﻟﻤﺮﺀُ لا ﻳﺠﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﺘﻘﺼﻴﺮ ﻓﻴﺘﺠﺎﻭﺯَ ﺣﺪَّﻩ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﺎﻡ ﻭﺟﺎﺩﺓ ﻛﺒﺮﻯ، لأﻧﻪ لا ﻳﻀﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺇﻋﺪﺍﻡ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭلا ﺇﻟﻰ ﺳَﺠﻨﻬﺎ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺃﻫﻞ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﺗﻮﻫﻤﻮﺍ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻋﺪﻣﺎ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: «لا ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇلا ﻫﻮ» لأﺟﻞ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﺍﻟﻘﻠﺒﻲ. ﻭﻛﺬﺍ ﺃﻫﻞ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ»، ﺣﻴﺚ ﺳﺠﻨﻮﺍ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﻨﺴﻴﺎﻥ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: «لا ﻣﺸﻬﻮﺩ ﺇلا ﻫﻮ» ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﺍﻟﻘﻠﺒﻲ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﻌﻔﻮ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﻜﻞ ﻭﺿﻮﺡ ﻋﻦ ﺍلإﻋﺪﺍﻡ ﻭﻳﻄﻠﻖ ﺳﺮﺍﺣَﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺠﻦ.

ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺴﺨﺮﺓ ﻟﻔﺎﻃﺮﻫﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﺧﺎﺩﻣﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻪ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﻣﻈﺎﻫﺮُ ﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺗﻌﻜﺲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ. ﺃﻱ ﺇﻧﻪ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺮﻓﻲ ﻭﻳﻌﺰﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلاﺳﻤﻲ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺧﺎﺩﻣﺔ ﻭﻣﺴﺨﺮﺓ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ. ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﻨﺠﻮ ﺍﻟﻤﺮﺀُ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ، ﻭﻳﺒﻠﻎ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭَ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻓﻴﺠﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻃﺮﻳﻘﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.

ﻭﺯﺑﺪﺓ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ لا ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلاﺳﻤﻲ، ﺃﻱ لا ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺴﺨﺮﺓ ﻟﻨﻔﺴِﻬﺎ ﻭﻟﺬﺍﺗِﻬﺎ، ﺑﻞ ﻳﻌﺰﻟُﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﻭﻳﻘﻠﺪﻫﺎ ﻭﻇﻴﻔﺔَ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺴﺨﺮﺓ ﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.