ﺗﺨﺺ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺤﺸﺮ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ (ﺍﻟﻘﺪﺭ:٤)

﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ (ﺍلإﺳﺮﺍﺀ:85)

ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﻘﺼﺪﻳﻦ ﺃﺳﺎﺳﻴﻦ ﻣﻊ ﻣﻘﺪﻣﺔ

ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ

ﻳﺼﺢّ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻥ ﻭﺟﻮﺩَ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﺛﺎﺑﺖ ﻛﺜﺒﻮﺕ ﻭﺟﻮﺩ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ، ﻓﻜﻤﺎ ﺑَﻴّﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮﺓ»: ﺃﻥّ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔَ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻗﻄﻌﺎ، ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔَ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﻳﻘﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻠﺴﻤﺎﻭﺍﺕ -ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻟـلأﺭﺽ- ﻣﻦ ﺳﺎﻛﻨﻴﻦ. ﻭلا ﺑﺪّ ﺃﻧﻬﻢ ﺫﻭﻭ ﺷﻌﻮﺭ، ﻭﻫﻢ ﻣﺘـلاﺋﻤﻮﻥ ﻣﻌﻬﺎ ﻛﻞ ﺍﻟﺘـلاﺅﻡ. ﻭﻓﻲ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺴﻤّﻰ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺴﺎﻛﻨﻮﻥ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑـ«ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ» ﻭ«ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ».

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻫﻜﺬﺍ.. ﻓﺮﻏﻢ ﺿﺂﻟﺔ ﻛﺮﺗِﻨﺎ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻭﺻﻐﺮِﻫﺎ ﻗﻴﺎﺳﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻓﺈﻥ ﻣـلأﻫﺎ ﺑﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺫﻭﺍﺕ ﻣﺸﺎﻋﺮ، ﺑﻴﻦ ﺣﻴﻦ ﻭﺁﺧﺮ، ﻭﺇﺧـلاﺀﻫﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﺗﺰﻳﻴﻨﻬﺎ ﺑﺂﺧﺮﻳﻦ ﺟُﺪﺩ ﻳﺸﻴﺮ، ﺑﻞ ﻳﺼﺮّﺡ: ﺃﻥّ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕِ ﺫﺍﺕَ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﺍﻟﻤﺸﻴﺪﺓ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻗﺼﻮﺭ ﻣﺰﻳّﻨﺔ، لاﺑﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻶ ﻯ ﺃﻳﻀﺎ، ﺑﺬﻭﻱ ﺣﻴﺎﺓٍ ﻣُﺪﺭﻛﻴﻦ ﻭﺍﻋﻴﻦ، ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻧﻮﺭُ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺿﻴﺎﺀُ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﻭﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ -ﻛﺎلإﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ- ﻫﻢ ﻛﺬﻟﻚ، ﻣﺸﺎﻫﺪﻭ ﻗﺼﺮِ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻔﺨﻢ.. ﻭﻣﻄﺎﻟﻌﻮ ﻛﺘﺎﺏَ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ.. ﻭﺍﻟﺪﺍﻋﻮﻥ ﺍلأﺩلاﺀ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ.. ﻭﻳﻤﺜِﻠﻮﻥ ﺑﻌﺒﻮﺩﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ، ﺗﺴﺎﺑﻴﺢَ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻭﺃﻭﺭﺍﺩَ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ.

ﺃﺟﻞ، ﺇﻥّ ﺗﻨﻮّﻉ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻳﺪﻝّ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ؛ لأﻥ ﺗﺰﻳﻴﻦَ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﺪﻗﺎﺋﻖ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﻤﺒﺪﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻌﺪّ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ، ﻭﺑﻤﺤﺎﺳﻦَ ﺫﺍﺕِ ﻣﻌﺎﻥٍ ﻭﻧﻘﻮﺵ ﺣﻜﻴﻤﺔ، ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ، ﺃﻧﻈﺎﺭ ﻣﺘﻔﻜﺮﻳﻦ ﻭﻣﺴﺘﺤﺴِﻨﻴﻦ، ﻭﻣﻌﺠَﺒﻴﻦ ﻣﻘﺪّﺭﻳﻦ.. ﺃﻱ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﻭﺟﻮﺩَﻫﻢ.

ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻳﻄﻠﺐ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖَ.. ﻭﺍﻟﻄﻌﺎﻡَ ﻳُﻌﻄﻰ ﻟﻠﺠﺎﺋﻊ.. ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥّ ﻏﺬﺍﺀَ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﻗﻮﺕَ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﻭﻳﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻴﻬﻢ. ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺰﻳﻴﻨﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺗﺄﻣـلا ﻭﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ، ﻭﺃﻥ الإنس ﻭﺍﻟﺠﻦ لا ﻳﻤﻜﻨﻬﻤﺎ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡُ ﺇلا ﺑﻘﺴﻂ ﺿﺌﻴﻞ ﺟﺪﺍ -ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻮﻥ- ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ، ﻭﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ.. ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ، ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻏﻴﺮ ﻧﻬﺎﺋﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻦ «ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ» ﻭﺃﺟﻨﺎﺱ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻣﻦ «ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ»، ﻛﻲ ﻳﻌﻤّﺮﻭﺍ ﺑﺼﻔﻮﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﺘﺮﺍﺻّﺔ ﻭﻳﻤﻠﺆﻭﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ.. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ.. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ..

ﺃﺟﻞ، ﻓﻔﻲ ﻛﻞ ﺟﻬﺔٍ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺩﺍﺋﺮﺓٍ ﻣﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮﻩ، ﻫﻨﺎﻙ «ﻣﻮﻇﻔﻮﻥ» ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺔ «ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ» ﻗﺪ ﺃﺳﻨﺪ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻭﺍﺟﺐُ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻌﺒﻮﺩﻳﺔٍ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ.. ﻓﺎﺳﺘﻨﺎﺩﺍ ﺇﻟﻰ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺑﻌﺾ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻭﺍﺳﺘﻠﻬﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﺔِ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻥّ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﺍﻟﺴﻴّﺎﺭﺓ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺑﻘﻄﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻄﺮ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺳُﻔﻦ ﻭﻣﺮﺍﻛﺐُ ﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ، ﻓﻬﻢ ﻳﺮﻛﺒﻮﻧَﻬﺎ ﺑﺈﺫﻥ ﺇﻟﻬﻲ، ﻭﻳﺸﺎﻫﺪﻭﻥ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺳﺎﺋﺤﻴﻦ ﻓﻴﻪ.. ﻭﻳﻤﺜّﻠﻮﻥ «ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺕ» ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﻛﺐ.. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥّ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ «ﺃﺭﻭﺍﺣﻬﻢ ﻓﻲ ﺟﻮﻑ ﻃﻴﺮ ﺧﻀﺮ ﺗﺴﺮﺡ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨّﺔ»، ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻧﺒﻮﻱ ﺷﺮﻳﻒ، ﻟﺬﺍ ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻧﻪ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻤﺎ ﺃﺷﺎﺭ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻣﻦ «ﻃﻴﺮ ﺧﻀﺮ» ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺤﻞ ﻣﻦ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﺤﻴﺔ، ﻫﻲ ﻃﺎﺋﺮﺍﺕ لأﺟﻨﺎﺱٍ ﻣﻦ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ، ﻓﻬﻲ ﺗﺤﻞّ ﻓﻲ ﺃﺟﺴﺎﺩ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﺗﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺣﻮﺍﺳﻬﺎ ﻛﺎلأﻋﻴﻦ ﻭﺍلآﺫﺍﻥ، ﻭﺗﺘﻔﺮﺝ ﻋﻠﻰ ﺭﻭﺍﺋﻊ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﻓﻴﻪ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺗﺆﺩﻱ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺗِﻬﺎ ﺍﻟﻤﺨﺼﻮﺻﺔ..

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻜﻤﺎ ﺍﻗﺘﻀﺖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ، ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻘﺘﻀﻴﻪ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ:

لأﻥّ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﻠﻖ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭﺑﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺟﺎﺩﺓ ﺣﻴﺎﺓً ﻟﻄﻴﻔﺔً ﺫﺍﺕ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻣﺘﻨّﻮﺭ، ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺍﻟﻜﺜﻴﻒ ﻋﻠﻰ ﺿﺂﻟﺔ ﻋـلاﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﺮﻭﺡ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﻌﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﺗﻌﻠّﻘﻪ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. لاﺑﺪّ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ ﺫﻭﺍﺕ ﺷﻌﻮﺭ، ﻗﺪ ﺧُﻠﻘﺖ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻨﻮﺭ، ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﻣﺤﻴﻂ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ ﻭﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻟﻴﻖُ ﺑﺎﻟﺮﻭﺡ ﻭﺃﻧﺴﺐُ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﻭﺃﻗﺮﺏُ ﺇﻟﻴﻬﺎ.

ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍلأﻭﻝ

«ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﺑﺎﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﺭﻛﻦ ﻣﻦ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ»

ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺃﺭﺑﻊ ﻧﻜﺎﺕ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ

ﺍلأﺳﺎﺱ ﺍلأﻭّﻝ

ﺇﻥّ ﻛﻤﺎﻝَ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩَ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﻛﺎﺋﻦ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻓﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻧﻮﺭُ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺿﻴﺎﺀُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.. ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺭﺃﺱُ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺃﺳﺎﺳُﻪ.. ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻣﻠﻜﺎ ﻟﻜﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲّ، ﻓﺘﺠﻌﻞ ﺍﻟﺸﻲﺀَ ﺍﻟﺤﻲّ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪَ ﺑﺤُﻜﻢ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ. ﻓﺒﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺍﻟﺸﻲﺀُ ﺍﻟﺤﻲّ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: «ﺇﻥّ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻣُﻠﻜﻲ، ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺴﻜﻨﻲ، ﻭﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻛﻠَّﻬﺎ ﻣُﻠﻚ ﺃﻋﻄﺎﻧﻴﻪ ﻣﺎﻟﻜﻲ».. ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻀﻮﺀ ﺳﺒﺐ ﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ ﻭﺳﺒﺐ ﻟﻈﻬﻮﺭ ﺍلأﻟﻮﺍﻥ -ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻝ- ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ ﻫﻲ ﻛﺸّﺎﻓﺔ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻭﺳﺒﺐ ﻟﻈﻬﻮﺭﻫﺎ، ﻭﺳﺒﺐ ﻟﺘﺤﻘﻖ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺎﺕ.. ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﺟﺰﺀَ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺑﺤُﻜﻢ ﺍﻟﻜﻞّ ﻭﺍﻟﻜﻠّﻲ، ﻭﺳﺒﺐ ﻟﺤَﺼﺮ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺰﺀ، ﻭﺳﺒﺐ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﻛﻤﺎلاﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ؛ ﻛﺈﺷﺮﺍﻛﻬﺎ ﻭﺗﻮﺣﻴﺪﻫﺎ ﺍلأﺷﻴﺎﺀَ ﺍﻟﻮﻓﻴﺮﺓ، ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﻣﺪﺍﺭﺍ ﻟﻮﺣﺪﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻣَﻈﻬﺮﺍ ﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﺣﺪﺓ.. ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺗﺠﻠّﻲ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻓﻬﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﻟـلأﺣﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ..

ﻭﺍلآﻥ ﻟﻨﻮﺿﺢ:

ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺟﺒـلا ﺷﺎﻫﻘﺎ، ﻓﻬﻮ ﻏﺮﻳﺐ.. ﻳﺘﻴﻢ.. ﻭﺣﻴﺪ.. ﺇﺫ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻋـلاﻗﺘُﻪ ﻭﺻﻠﺘُﻪ ﺑﻤﻜﺎﻧﻪ، ﻭﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻓﻘﻂ، ﻭﻣﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﻌﺪﻭﻡ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺫﻟﻚ لأﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ «ﺣﻴﺎﺓ» ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻬﺎ، ﻭلا «ﺷﻌﻮﺭ» ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ.

ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺟﺴﻢ ﺻﻐﻴﺮ ﺣﻲّ ﻛﺎﻟﻨﺤﻞ ﻣﺜـلا، ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ  ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ  ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﻴﻢ ﻋﻘﺪﺍ ﺗﺠﺎﺭﻳﺎ ﻭﺻِﻠﺔً ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻭﺧﺎﺻﺔً ﻣﻊ ﻧﺒﺎﺗﺎﺕ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺃﺯﻫﺎﺭِﻫﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺍﻟﻘﻮﻝ: «ﺇﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺭﺽ ﻫﻲ ﺣﺪﻳﻘﺘﻲ ﻭﻣﺘﺠﺮﻱ.».. ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺇﺫﻥ، ﻋﺪﺍ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱِ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻨﺔ ﻓﻲ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﺩﻭﺍﻓﻊُ ﻓﻄﺮﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻛﺄﺣﺎﺳﻴﺲَ ﺳﺎﺋﻘﺔٍ ﻭﻣﺸﻮّﻗﺔٍ ﺗُﻌﻄﻲ ﻟﻠﻨﺤﻞ ﻓﺮﺻﺔَ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻭﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍلاﺧﺘﺼﺎﺹ ﻭالأنس ﻭﺍﻟﺘﺒﺎﺩﻝ ﻣﻊ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.

ﻭﻟﺌﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ ﺗُﻈﻬﺮ ﺗﺄﺛﻴﺮَﻫﺎ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻲ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲّ ﺻﻐﻴﺮ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﻛﻠّﻤﺎ ﻋَﻠَﺖْ ﻭﺍﺭﺗﻘﺖْ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻴﺎ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻓﺈﻥ ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻳﺘﺴﻊُ ﻭﻳﻜﺒﺮُ ﻭﻳﺘﻨﻮّﺭ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺠﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﺑﻌﻘﻠﻪ ﻭﺷﻌﻮﺭﻩ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺿﻴﺎﺀ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ- ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺠﻮﻝ ﻓﻲ ﻏﺮﻑ ﺩﺍﺭﻩ. ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺴﺎﻓﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦُ ﺍﻟﺤﻲّ ﺫﻭ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﻣﻌﻨﻮﻳﺎ، ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺗﺄﺗﻲ ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺿﻴﻮﻓﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺁﺓ ﺭﻭﺣﻪ ﺑﺎﺭﺗﺴﺎﻣﻬﺎ ﻭﺗﻤﺜّﻠﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ.

ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﺤﺪّ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺃﺳﻄﻊُ ﺑﺮﻫﺎﻥٍ ﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺃﻭﺳﻊُ ﻣﺠﺎﻝ ﻟﻨﻌﻤﺘﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ، ﻭﺃﻟﻄﻒُ ﺗﺠﻞٍّ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺭﺣﻤﺘﻪ، ﻭﺃﺩﻕُّ ﻧﻘﺶ ﻣﻦ ﻧﻘﻮﺵ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ ﺍﻟﻨﺰﻳﻬﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻬﺎ ﺧﻔﻴﺔ ﻭﺩﻗﻴﻘﺔ؛ لأﻥ ﺗﻨﺒّﻪ «ﺍﻟﻌﻘﺪﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ» ﺃﻱ ﺗﻔﺘﺤَﻬﺎ ﻭﻧﻤﻮَّﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜﻞ ﺃﺩﻧﻰ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ- ﺑﻘﻲ ﻣﺴﺘﻮﺭﺍ ﻋﻦ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ، ﺭﻏﻢَ ﺷﺪﺓ ﻇﻬﻮﺭِﻩ ﻭﻛﺜﺮﺗﻪ ﻭﺍلإﻟﻔﺔ ﺑﻪ. ﻭﻟﻢ ﺗﻨﻜﺸﻒ ﺣﻘﻴﻘﺘُﻪ ﺍﻟﺼﺎﺋﺒﺔ ﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻟﺤﺪّ ﺍلآﻥ ﺑﺠـلاﺀ.

ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻧﺰﻳﻬﺔ ﻧﻘﻴﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﻭﺟﻬَﻴﻬﺎ -ﺍﻟﻤُﻠﻚ ﻭﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ- ﺻﺎﻓﻴﺎﻥ ﻭﺷﻔﺎﻓﺎﻥ؛ ﺇﺫ ﺇﻥ ﻳﺪَ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺗﺒﺎﺷﺮ ﺃﻋﻤﺎﻟَﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﻭﺿﻊٍ ﻟﺴﺘﺎﺭ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﺟﻌﻠﺖ ﺍلأﺳﺒﺎﺏَ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﺣﺠﺎﺑﺎ ﻟﺘﺼﺮّﻓﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍلأﺧﺮﻯ. ﻛﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻨﺸﺄً ﻟـلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺨﺴﻴﺴﺔ ﻭﻟﻠﻜﻴﻔﻴﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﺰﻳﻬﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﻓﻲ ﻋﺰﺓَ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺍلأﻣﺮ.

ﻭﺍﻟﺨـلاﺻﺔ: ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻴﺎﺓ ﻓﺎﻟﻮﺟﻮﺩُ ﻟﻴﺲ ﺑﻮﺟﻮﺩ، ﻭلا ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻓﺎﻟﺤﻴﺎﺓُ ﺿﻴﺎﺀُ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭُ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻟﻬﻤﺎ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻫﻤﻴﺔ، ﻭﻣﺎ ﺩﻣﻨﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤُﺘﻘﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻧﺮﻯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻗﺔ ﻭﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﺍلإﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻭﺍلاﻧﺴﺠﺎﻡ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﻛﺮﺗُﻨﺎ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ -ﻭﻫﻲ ﻛﺬﺭﺓ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻮﻥ- ﺗﺰﺧﺮُ ﺑﻤﺎ لا ﻳُﻌﺪّ ﻭلا ﻳﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﺫﻭﻱ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭﺍلإﺩﺭﺍﻙ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﻳُﺤﻜﻢ ﺑﺤَﺪﺱٍ ﺻﺎﺩﻕ ﻭﻳُﻘﺮَّﺭ ﺑﻴﻘﻴﻦ ﻗﺎﻃﻊ ﺃﻥّ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﺍﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ﺗﺪﺏّ ﻓﻴﻬﺎ ﺳَﻜَﻨﺔٌ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻭﺫﻭﻱ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﺑﻤﺎ ﻳـلاﺋﻤﻬﺎ ﻭﻳﺘﺠﺎﻭﺏ ﻣﻌﻬﺎ، ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻤﻚ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺀ، ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﺳﻜﻨﺔ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﻟﻬﻴﺐ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﻤﻦ ﻳﺘـلاﺀﻣﻮﻥ ﻣﻌﻬﺎ، لأﻥ ﺍﻟﻨﺎﺭ لا ﺗُﺤﺮﻕ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺑﻞ ﺗﻤﺪّﻩ ﻭﺗﺪﻳﻤﻪ.

ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺗﺨﻠﻖ ﺃﺣﻴﺎﺀً ﻭﺫﻭﻱ ﺃﺭﻭﺍﺡ لا ﺗﻌﺪّ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﺩ ﻋﺎﺩﻳﺔ ﺟﺪﺍ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﺃﻛﺜﻒ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ، ﻭﺗﺒﺪّﻝ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﺍﻟﻐﻠﻴﻈﺔ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﺩﺓٍ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺑﻜﻞِّ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻭﺇﺗﻘﺎﻥ، ﻭﺗﻨﺸُﺮُ ﻧﻮﺭَ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﻐﺰﺍﺭﺓ، ﻭﺗﺮﺻّﻊ ﺃﻏﻠﺐَ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﻀﻴﺎﺀِ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻟﻦ ﻳﻬﻤﻞ ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻭﺑﺤﻜﻤﺘﻪ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ، ﺍﻟﻨﻮﺭَ ﻭﺍلأﺛﻴﺮَ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎلاﺕ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﻳﺒﺔ، ﺑﻞ ﺍﻟﻤـلاﺋﻤﺔ ﻟﻠﺮﻭﺡ، ﺩﻭﻥ ﺣﻴﺎﺓ. ﻭﻟﻦ ﻳﺘﺮﻛﻪ ﺟﺎﻣﺪﺍ ﻭﻟﻦ ﻳﺪﻋﻪ ﺩﻭﻥ ﺷﻌﻮﺭ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍلأﻭﻟﻰ ﺃﻥ ﻳَﺨﻠﻖ ﺟﻠّﺖ ﻗﺪﺭﺗُﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘُﻪ ﺃﺣﻴﺎﺀً ﻭﺫﻭﻱ ﺷﻌﻮﺭ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺴﻴّﺎﻟﺔ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ، ﻣﻦ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻈـلاﻡ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﻣﺎﺩﺓ ﺍلأﺛﻴﺮ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ، ﻓﻴَﺨﻠﻖ ﻛﺜﺮﺓً ﻛﺎﺛﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺫﻭﺍﺕ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ -ﻛﺎلأﺟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ- ﻓﻴﺼﻴﺮ ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﻗﺴﻢ ﺁﺧﺮ ﺃﺟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺠﻦّ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﻭﺡ.

ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍلآﺗﻲ ﻳﺘﺒﻴّﻦ ﻟﻚ؛ ﻛﻢ ﺗﻜﻮﻥُ ﻓﻜﺮﺓُ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﺑﻜﺜﺮﺓ، ﻛﻤﺎ ﺑﻴّﻨﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺣﻘﻴﻘﺔً ﻭﺑﺪﺍﻫﺔ ﻭﺃﻣﺮﺍ ﻣﻌﻘﻮلا، ﻭﻛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺮﻓﺾُ ﻭﻋﺪﻡُ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺧـلاﻓﺎ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﺑﻞ ﺧﺮﺍﻓﺔً ﻭﺿـلاﻟﺔ ﻭﻫﺬﻳﺎﻧﺎ ﻭﺑـلاﻫﺔ:

ﻳﺘﺼﺎﺩﻕ ﺍﺛﻨﺎﻥ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﺪﻭﻱ ﻭﺁﺧﺮُ ﺣﻀﺮﻱ، ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺴﻴﺮﺍﻥ ﻣﻌﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ -ﻛﺈﺳﻄﻨﺒﻮﻝ- ﻭﻗﺒﻞ ﺩﺧﻮﻟﻬﻤﺎ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔَ ﻭﻓﻲ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﻳﺎﻫﺎ ﻳﺼﺎﺩﻓﺎﻥ ﻣﺒﻨﻰً ﺻﻐﻴﺮﺍ ﻭﻭﺭﺷﺔً ﻗﺬﺭﺓ، ﻓﻴﺒﺼﺮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺒﻨﻰ ﻣﻤﻠﻮﺀً ﺑﺮﺟﺎﻝ ﻣﺴﺎﻛﻴﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻣﻨﻬﻮﻛﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻤﻞ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ، ﻭﻳـلاﺣﻈﺎﻥ ﺣﻮﻝَ ﺍﻟﻤﻌﻤﻞ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺕٍ ﻭﺃﺣﻴﺎﺀً ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻳﻀﺎ ﺗﻘﺘﺎﺕ ﻛﻞّ ﺑﻄﺮﻳﻘﺘﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺣﺴﺐ ﺷﺮﺍﺋﻂ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ. ﻓﻤﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺄﻛﻞ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﻭﺃﺧﺮﻯ ﺗﺄﻛﻞ ﺍلأﺳﻤﺎﻙ ﻓﻘﻂ، ﻭﻫﻜﺬﺍ.. ﻭﻓﻴﻤﺎ ﻫﻤﺎ ﻳﺮﺍﻗﺒﺎﻥ ﺃﺣﻮﺍﻝَ ﻫﺆلاﺀ ﺇﺫﺍ ﺑﻬﻤﺎ ﻳﺮﻳﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺑُﻌﺪٍ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺁلاﻓﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺰﻳّﻨﺔ ﻭﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﺗﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﻴﺎﺩﻳﻦُ ﻭﻓﺴﺢُ ﻭﺍﺳﻌﺔ، ﺇلا ﺃﻥ ﺳﻜﺎﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ لا ﻳَﻈﻬﺮﻭﻥ ﻟﻬﻤﺎ، ﺇﻣﺎ ﻟﺒُﻌﺪﻫﻤﺎ ﻋﻨﻬﻢ، ﺃﻭ ﻟﻀﻌﻒ ﻧﻈﺮﻫﻤﺎ، ﺃﻭ لاﺧﺘﻔﺎﺀ ﺳﻜﻨﺔِ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ، ﻭلا ﺗﻮﺟﺪ ﺷﺮﺍﺋﻂُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺭﺷﺔ ﺍﻟﻘﺬﺭﺓ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ.

ﻓﺎﻟﺒﺪﻭﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﺮَ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻗﺎﻝ: «ﺇﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺍﺕ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﻭلا ﺃﺣﺪَ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﺇﺫ ﺇﻧﻨﻲ لا ﺃﺭﺍﻫﻢ، ﻭﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﺤﻴﺎﺗﻨﺎ ﺃﺻـلا»، ﻓﺄﻇﻬﺮَ ﺑﻬﺬﻳﺎﻧﻪ ﻫﺬﺍ ﺣﻤﺎﻗﺘَﻪ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ.

ﺃﺟﺎﺑﻪ ﺻﺪﻳﻘُﻪ ﺍﻟﻌﺎﻗﻞ ﺍﻟﺮﺯﻳﻦ: ﻳﺎ ﻫﺬﺍ! ﺃﻣﺎ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻜﻦَ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ ﺍﻟﺤﻘﻴﺮ ﻣﻠﻲﺀ ﺑﺎلأﺣﻴﺎﺀ ﻭﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﺒﺮ ﻣﻦ ﻓﺮﺍﻍ ﺣﻮﻟَﻨﺎ ﻟﻢ ﻳُﻤـلأ ﺑﺎلأﺣﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ، ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻳﺒﺪّﻟﻬﻢ ﻭﻳﺠﺪّﺩﻫﻢ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻭﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﻢ ﺃﺑﺪﺍ. ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺍلآﻥ ﻫﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺍﺕُ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﻭﺍﻟﺘﺰﻳﻴﻨﺎﺕُ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ، ﻭﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﺒﺎﺫﺧﺔ ﻋﻠﻰ ﺑُﻌﺪﻫﺎ ﻋﻨّﺎ ﺧﺎﻟﻴﺔً ﻣﻦ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘـلاﺋﻤﻴﻦ ﻣﻌﻬﺎ؟. ﺇﻧﻬﺎ لاﺑﺪّ ﻗﺪ ﻣُﻠﺌﺖ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺑﺬﻭﻱ ﺃﺭﻭﺍﺡ، ﻟﻬﻢ ﺷﺮﺍﺋﻂُ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﻢ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﺄﻛﻠﻮﻥ -ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺍلأﻋﺸﺎﺏ ﻭﺍلأﺳﻤﺎﻙ- ﺷﻴﺌﺎ ﺁﺧﺮ، ﻓﺈﻥّ ﻋﺪﻡَ ﺭﺅﻳﺘﻬﻢ -ﻟﺒُﻌﺪﻫﻢ ﺃﻭ ﻟﻘُﺼﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺃﻭ ﺍﺧﺘﻔﺎﺋﻬﻢ- لا ﻳﻘﻴﻢ ﺩﻟﻴـلا ﺃﺑﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ لا ﻳﺪﻝ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﻭﻟﻴﺲ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﺑﺤﺠﺔٍ ﻗﻄﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

ﻭﻗﻴﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ؛ ﺇﻥّ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍلأﺟﺮﺍﻡ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ، ﻋﻠﻰ ﻛﺜﺎﻓﺘﻬﺎ ﻭﺿﺂﻟﺔ ﺣﺠﻤﻬﺎ، ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﻮﻃﻨﺎ ﻟﻤﺎ لا ﻳﺤﺪّ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻭﺫﻭﻱ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ، ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖْ ﺃﻗﺬﺭُ ﻭﺃﺧﺲُّ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺎﺑﻊَ ﻭﻣﻮﺍﻃﻦَ ﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﻭﻣﺤﺸﺮﺍ ﻭﻣﻌﺮﺿﺎ ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ. ﻓﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻭﺍﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻭﺍﻟﺤﺪﺱ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﻭﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﻃﻊ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺗﺪﻝ ﻭﺗﺸﻬﺪ ﺑﻞ ﺗﻌﻠﻦ ﺃﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀَ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﻭﺍلأﻧﺠﻢَ ﻭﺍﻟﻜﻮﺍﻛﺐ ﻛﻠَّﻬﺎ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎلأﺣﻴﺎﺀ ﻭﺑﺬﻭﻱ ﺍلإﺩﺭﺍﻙ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ. ﻭﻳﻄﻠﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔُ ﺍﻟﻐﺮّﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺧُﻠﻘﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻀﻮﺀ ﻭﺍﻟﻈـلاﻡ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﻭﺍﻟﺮﺍﺋﺤﺔ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻭﺍلأﺛﻴﺮ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺴﻴﺎلاﺕ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺑﺄﻧﻬﻢ: ﻣـلاﺋﻜﺔ.. ﻭﺟﺎﻥ.. ﻭﺭﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ. ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ ﺃﺟﻨﺎﺱ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ؛ ﺇﺫ ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻤَﻠَﻚ ﺍﻟﻤﻮﻛّﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﺮﺓ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﺍﻟﻤَﻠَﻚ ﺍﻟﻤﻮﻛّﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻤﺲ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﻟﻬﻢ ﺃﺟﻨﺎﺱ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ.

ﺧﺎﺗﻤﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍلأﺳﺎﺱ

ﻟﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻭﺃﺻـلا ﻟﻴﺒﻘﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩُ ﻣﺴﺨّﺮﺍ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻬﺎ ﻭﺗﺎﺑﻌﺎ ﻟﻬﺎ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑـ«ﻣﻌﻨﻰ»، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.. ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ..

ﻭﺗُﺮﻳﻨﺎ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﻭﺍﻟﻤـلاﺣﻈﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ لا ﺗﻜﻮﻥ ﻣُﻄﺎﻋﺔً ﺣﺘﻰ ﻳُﺮﺟَّﻊ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻣﻄﻴﻌﺔ ﺧﺎﺩﻣﺔ لإﻛﻤﺎﻝ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ.. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.. ﻭﺃﺳﺎﺳﻬﺎ.. ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ.

ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺒﺪﻳﻬﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﻳُﺴﺘﺠﺪﻯ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﻬﺎ ﻭﺗُﻄﻠﺐَ ﺃﻭ ﺗُﻨﺘَﻈﺮَ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﻭﺍﻟﻤُﺜُﻞ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﺴﻴﺮ ﻭﻓﻖ ﺃﺳﺎﺱ ﻣﻌﻴّﻦ ﻭﺗﺘﺤﺮﻙ ﺑﺈﺷﺎﺭﺗﻪ.. ﻫﺬﺍ ﺍلأﺳﺎﺱ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﻫﻮ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ.

ﻭﺗﻘﺘﻀﻲ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥ لا ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍلأﻋﻤﺎﻝُ ﻭﺍﻟﻤُﺜُﻞ ﻭلا ﺗُﺒﻨﻰ ﻋﻠﻰ ﺿﻮﺋﻬﺎ، ﺇﺫ ﺇﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﺒّﺎ ﻭلا ﺃﺻـلا ﻭلا ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻭلا ﺛﺎﺑﺘﺎ ﻣﺴﺘﻘﺮﺍ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻗﺸﺮﺓ ﻭﻏـلاﻑ ﻭﺯَﺑَﺪ ﻭﺻﻮﺭﺓ ﻣﻬﻴﺄﺓ ﻟﻠﺘﺸﻘّﻖ ﻭﺍﻟﺬﻭﺑﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﻤﺰﻕ.

ﺃلا ﻳُﺸﺎﻫَﺪ ﻛﻴﻒ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺭﺅﻳﺘُﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﺗﻤﻠﻚ ﺇﺣﺴﺎﺳﺎﺕ ﺣﺎﺩّﺓ ﻭﻗﻮﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺴﻤﻊ ﻫﻤﺴﺎﺕ ﺑﻨﻰ ﺟﻨﺴﻬﺎ ﻭﺗﺮﻯ ﻣﻮﺍﺩَّ ﺭﺯﻗﻬﻢ!!. ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﺒﻴّﻦ ﻟﻨﺎ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻛﻠّﻤﺎ ﺻﻐُﺮﺕ ﻭﺩﻗّﺖ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﺍﻧﻄﺒﺎﻉُ ﻣـلاﻣﺢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺁﺛﺎﺭﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﺍﺷﺘﺪّ ﻧﻮﺭُ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻓﻴﻬﺎ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻛﻠﻤﺎ ﺩﻗﺖ ﻭﺍﺑﺘﻌﺪﺕ ﻋﻦ ﻣﺎﺩﻳﺘﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻘﺘﺮﺏ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﻓﻴﺘﺠﻠّﻰ ﻧﻮﺭُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺣﺮﺍﺭﺓُ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺑﺸﺪّﺓ ﺃﻛﺜﺮ..

ﻓﻬﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﺷﺢ ﻛﻞُّ ﻣﺎ ﻧﺮﻯ ﻣﻦ ﺗﺮﺷﺤﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺗﻨﺴﺎﺏُ ﺭﻗﺮﺍﻗﺔً ﻣﻦ ﺃﻏﻄﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩّﺓ، ﻭلا ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢُ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺗﺤﺖ ﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﻤﻠﻮﺀﺍ ﺑﺬﻭﻱ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭﺑﺬﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ؟ ﻭﻫﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﻳُﺴﻨﺪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ ﻛﻞُّ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺗﺮﺷﺤﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻟﻠﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻣﻨﺎﺑﻊ ﻟﻤﻌﺎﺗﻬﺎ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ، ﻭﺗﺘﻮﺿﺢَ ﺑﻬﺎ ﻭﺣﺪﻫﺎ!؟.. ﻛـلا ﺛﻢ ﻛـلا.. ﺑﻞ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ ﺍﻟﻤﺘﺮﺷﺤﺔ، ﻭﻟﻤﻌﺎﺗﻬﺎ ﺗُﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ ﺃﻥّ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻫﺬﺍ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺳﺘﺎﺭ ﻣﻨﻘّﺶ ﻣﺰﺭﻛﺶ ﻣﻠﻘﻰً ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ ﻭﺍلأﺭﻭﺍﺡ.