ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

   ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻭﺩﻣﺎﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلآﺧﺮﺓ

    ﻓﻴﻪ ﺃﺭﺑﻌﺔُ ﺃﺳﺲ ﻣﻊ ﻣﻘﺪﻣﺔ

   ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ

ﺇﺫﺍ ﺍﺩّﻋﻰ ﺃﺣﺪ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺳﻴُﺪﻣَّﺮ، ﻭﻳُﺒﻨﻰ ﻭﻳُﻌﻤَّﺮ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﻤﺮﺍﻧﺎ ﻣُﺤﻜﻤﺎ ﺭﺻﻴﻨﺎ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﺩﻋﻮﺍﻩ ﻫﺬﻩ ﺳﺘﺔُ ﺃﺳﺌﻠﺔ:

ﺍلأﻭﻝ: ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻳﺪﻣَّﺮ؟. ﻭﻫﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻣﺒﺮّﺭ؟ ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺛﺒﺖَ ﺃﻥْ ﻧﻌﻢ، ﻓﻬﻨﺎ ﻳﺮﺩُ:

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻫﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﺪﻡ ﺛﻢ ﻳﺒﻨﻰ ﻭﻳُﻌﻤِّﺮ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﻪ؟ ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺛﺒﺖَ ﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎ، ﻓﺴﻴﻠﻲ:

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻫﻜﺬﺍ: ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻫﺪﻣُﻬﺎ؟

ﻭﺳﺆﺍﻝ ﺁﺧﺮ: ﻭﻫﻞ ﺗُﻬﺪَﻡ ﻓﻌـلا؟ ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺛﺒﺖَ ﺃﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﻫﺪﻣُﻬﺎ ﻭﺃﻧﻪ ﺳﻮﻑ ﻳﻬﺪﻣﻬﺎ ﻓﻌـلا ﻓﺴﻴَﺮِﺩُ ﻫﻨﺎ ﺳﺆﺍلاﻥ؟.

ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻋﻤﺎﺭُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ؟ ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻪ ﻣﻤﻜﻦ،

ﻓﺴﻴﺮﺩ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ: ﻭﻫﻞ ﻳﻌﻤﺮّﻫﺎ ﻓﻌـلا؟.

ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﻌﻢ ﻭﺃﺛﺒﺖَ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ، ﻋﻨﺪﺋﺬ لا ﺗﺒﻘﻰ ﺃﻳﺔُ ﺛﻐﺮﺓٍ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻟﺪﺧﻮﻝ ﺃﻳﺔُ ﺷﺒﻬﺔ ﺃﻭ ﺷﻚ ﺃﻭ ﻭﻫﻢ ﻓﻴﻬﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ، ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﺒﺮّﺭ ﻟﻬﺪﻡ ﻗﺼﺮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﺪﻳﻨﺔِ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺗﺨﺮﻳﺒِﻬﺎ ﻭﺗﺪﻣﻴﺮﻫﺎ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻌﻤﻴﺮﻫﺎ ﻭﺑﻨﺎﺅﻫﺎ، ﻭﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣَﻦ ﻫﻮ ﻗﺎﺩﺭ ﻭﻣﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﻬﻮ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﻫﺪﻣُﻬﺎ، ﻭﺳﻴﻬﺪﻣُﻬﺎ ﻓﻌـلا، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻬﻮ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺗﻌﻤﻴﺮُﻫﺎ، ﻭﺳﻴﻌﻤّﺮﻫﺎ ﻓﻌـلا ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ. ﻭﺳﺘﺜﺒُﺖ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺑﻌﺪ ﺍلأﺳﺎﺱ ﺍلأﻭﻝ.

   ﺍلأﺳﺎﺱ ﺍلأﻭﻝ

ﺇﻥّ ﺍﻟﺮﻭﺡَ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﻗﻄﻌﺎ. ﺇﺫ ﺇﻥ ﺍﻟﺪلاﺋﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﻟّﺖ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﻓﻲ «ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍلأﻭﻝ» ﻫﻲ ﻧﻔﺴُﻬﺎ ﺩلاﺋﻞ ﻣﺴﺄﻟﺘﻨﺎ (ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﺮﻭﺡ) ﻫﺬﻩ. ﻭﻋﻨﺪﻱ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺚ ﺃﻥ ﻧﺨﻮﺽ ﻓﻲ ﺗﻮﺿﻴﺤﻬﺎ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻬﺎ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﻭﺩﻗﻴﻘﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﻓﻞ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻌﺪّ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﺍﻟﻤﻨﺘﻈﺮﺓ ﻟﻠﺮﺣﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﺑﺤﻴﺚ لا ﻧﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺑﺮﻫﺎﻥ لإﻳﻀﺎﺣﻬﺎ؛ ﻓﺎﻟﻠﻘﺎﺀﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﻣﺎ لا ﻳﻌﺪّﻭﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺩ، ﻭﺭﺅﻳﺔُ ﺃﻫﻞ ﻛﺸﻒ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﻟﻬﻢ، ﻭﻋـلاﻗﺎﺕ ﻋﺎﻣﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﺭﺗﺒﺎﻃﻬﻢ ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺅﻯ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ، ﻭﻣﺤﺎﻭﺭﺍﺕ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﻣﻌﻬﻢ.. ﻛﻞُّ ﺫﻟﻚ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺑﻘﺎﺀﻫﺎ -ﻟﻜﺜﺮﺓ ﺍﻟﺘﻮﺍﺗﺮ- ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ.

ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮَ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻫﺬﺍ ﻗﺪ ﺃﺳﻜﺮ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﺄﻭﻏﻞ ﺍﻟﻮﻫﻢَ ﻭﺍﻟﺸﺒﻬﺔَ ﻓﻲ ﺃﺑﺴﻂ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺒﺪﻳﻬﻴﺔ. ﻓـلأﺟﻞ ﺇﺯﺍﻟﺔ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻭﻫﺎﻡ ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ، ﺳﻨﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ «ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻣﻨﺎﺑﻊ» ﻓﻘﻂ، ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺑﻊ ﺍﻟﻐﺰﻳﺮﺓ ﻟﻠﺤﺪﺱ ﺍﻟﻘﻠﺒﻲ ﻭﺍلإﺫﻋﺎﻥ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﻣﻤﻬّﺪﻳﻦ ﻟﻬﺎ «ﺑﻤﻘﺪﻣﺔ».

   ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ

ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﺃﻥّ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝَ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ ﺍلأﺑﺪﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﺜﻴﻞ ﻳﻄﻠﺐ ﺧﻠﻮﺩَ ﻣﺸﺘﺎﻗﻴﻪ ﻭﺑﻘﺎﺀﻫﻢ ﻭﻫﻢ ﻛﺎﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﻌﺎﻛﺴﺔ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ. ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﺎﻗﺼﺔ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﺩﻭﺍﻡ ﻣﻨﺎﺩﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﻔﻜﺮﻳﻦ. ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﻥ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻳﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﺩﻭﺍﻡَ ﺗﻨﻌّﻢ ﺷﺎﻛﺮﻳﻬﻤﺎ ﺍﻟﻤﺤﺘﺎﺟﻴﻦ.. ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﺸﺘﺎﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻛﺎﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﻤﺼﻘﻮﻟﺔ.. ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﻱ ﺍﻟﻤﺘﻔﻜﺮ.. ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺎﻛﺮ ﺍﻟﻤﺤﺘﺎﺝ، ﺇﻥْ ﻫﻮ ﺇلا ﺭﻭﺡُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﻭلا؛ ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﺮﻭﺡ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﺑﺼﺤﺒﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ.. ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﻭﺍلأﺑﺪﻳﺔ.

ﻭﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﺮﻭﺡُ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺣﺪَﻫﺎ ﻟﻢ ﺗُﺨﻠَﻖ ﻟﻠﻔﻨﺎﺀ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺃﺑﺴﻂُ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﺗُﺨﻠﻖ ﻟﻠﻔﻨﺎﺀ ﺑﻞ ﻟﻬﺎ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ. ﻓﺎﻟﺰﻫﺮﺓُ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ -ﻣﺜـلا- ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻤﻠﻚ ﺭﻭﺣﺎ ﻣﺜﻠﻨﺎ، ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮﺣﻞ ﻇﺎﻫﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺗﺒﻘﻰ ﺻﻮﺭﺗُﻬﺎ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔً ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﺫﻫﺎﻥ، ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻭﻡ ﻗﺎﻧﻮﻥُ ﺗﺮﺍﻛﻴﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺌﺎﺕ ﻣﻦ ﺑُﺬﻳﺮﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻐﺮ، ﻓﺘﻤﺜّﻞ ﺑﺬﻟﻚ ﻧﻤﻮﺫﺟﺎ ﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺑﺂلاﻑ ﻣﻦ ﺍلأﻭﺟﻪ.

ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻧﻤﻮﺫﺝُ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺰﻫﺮﺓ ﻭﻗﺎﻧﻮﻥُ ﺗﺮﻛﻴﺒﻬﺎ، ﺍﻟﺸﺒﻴﻪ ﺟﺰﺋﻴﺎ ﺑﺎﻟﺮﻭﺡ، ﺑﺎﻗﻴﺎ ﻭﻣﺤﻔﻮﻇﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺤﻔﻴﻆ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻓﻲ ﺑُﺬﻳﺮﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺑﻜﻞ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﺍﻟﺘﻘﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﺭﻭﺡَ ﺍﻟﺒﺸﺮ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺃﻣﺮﻱ ﻧﻮﺭﺍﻧﻲ ﺗﻤﻠﻚ ﻣﺎﻫﻴﺔً ﺳﺎﻣﻴﺔً، ﻭﻫﻲ ﺫﺍﺕُ ﺣﻴﺎﺓٍ ﻭﺷﻌﻮﺭ، ﻭﺧﺼﺎﺋﺺَ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺟﺪﺍ ﻭﻋﺎﻟﻴﺔ ﺟﺪﺍ، ﻭﻗﺪ ﺃﻟﺒﺴﺖ ﻭﺟﻮﺩﺍ ﺧﺎﺭﺟﻴﺎ- لاﺑﺪّ ﺃﻧﻬﺎ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﻟـلأﺑﺪ، ﻭﻣﺸﺪﻭﺩﺓ ﺑﺎﻟﺴﺮﻣﺪﻳﺔ، ﻭﺫﺍﺕ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﻣﻊ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﺩﻭﻥ ﺃﺩﻧﻰ ﺷﻚ. ﻭﻛﻴﻒ ﺗﺪّﻋﻲ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻔﻬﻢ ﻫﺬﺍ: ﺇﻧﻨﻲ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻉٍ..؟.

ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﺴﺄﻝ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢُ ﺫﻭ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻭﺍﻟﺤﻔﻴﻆُ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺩﺭﺝ ﺗﺼﻤﻴﻢَ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺒﺎﺳﻘﺔ ﻭﺣﻔِﻆَ ﻗﺎﻧﻮﻥَ ﺗﺮﻛﻴﺒﻬﺎ ﺍﻟﺸﺒﻴﻪ ﺑﺎﻟﺮﻭﺡ ﻓﻲ ﺑﺬﺭﺓ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻐﺮ: ﻛﻴﻒ ﻳُﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻬﻢ؟.

   ﺍﻟﻤﻨﺒﻊ ﺍلأﻭﻝ: ﺃﻧﻔﺴﻲّ

ﺃﻱ ﺇﻥّ ﻛﻞَّ ﻣﻦ ﻳﺪﻗّﻖ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻭﻳﻔﻜّﺮ ﻣﻠﻴّﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻳُﺪﺭﻙ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺭﻭﺣﺎ ﺑﺎﻗﻴﺔً.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻪ ﺑﺪﻳﻬﻲ ﺃﻥ ﻛﻞَّ ﺭﻭﺡٍ ﺭﻏﻢ ﺍﻟﺘﺒﺪﻝ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﺮ ﺍﻟﺠﺎﺭﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻋﺒﺮَ ﺳﻨﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺗﻈﻞُّ ﺑﺎﻗﻴﺔً ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺘﺄﺛﺮ، ﻟﺬﺍ ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﺠﺴﺪُ ﻳﺰﻭﻝ ﻭﻳﺴﺘﺤﺪﺙ، ﻣﻊ ﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﻓـلاﺑﺪّ ﺃﻥّ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪ ﺍﻧﺴـلاﺧِﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ ﺍﻧﺴـلاﺧﺎ ﺗﺎﻣﺎ، ﻭﺯﻭﺍﻝ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻛﻠّﻪ، لا ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﻘﺎﺅﻫﺎ ﻭلا ﺗﺘﻐﻴﺮ ﻣﺎﻫﻴﺘُﻬﺎ.. ﺃﻱ ﺇﻧﻬﺎ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺭﻏﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﺴﺪﻳﺔ. ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻳﺒﺪّﻝ ﺃﺯﻳﺎﺀﻩ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﻊ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﺃﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻴُﺠﺮَّﺩُ ﻧﻬﺎﺋﻴﺎ ﻭﺗﺜﺒﺖ ﺍﻟﺮﻭﺡُ. ﻓﺒﺎﻟﺤﺪﺱ ﺍﻟﻘﻄﻌﻲ ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻗﺎﺋﻢ ﺑﺎﻟﺮﻭﺡ، ﺃﻱ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﺮﻭﺡُ ﻗﺎﺋﻤﺔً ﺑﺎﻟﺠﺴﺪ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻭﻣﺴﻴﻄﺮﺓ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ. ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺘﻔﺮّﻕ ﺍﻟﺠﺴﺪِ ﻭﺗﺒﻌﺜﺮُﻩ ﺑﺄﻱ ﺷﻜﻞ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻜﺎﻝ ﻭﺗﺠﻤّﻌُﻪ لا ﻳﻀﺮّ ﺑﺎﺳﺘﻘـلاﻟﻴﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭلا ﻳﺨﻞ ﺑﻬﺎ ﺃﺻـلا. ﻓﺎﻟﺠﺴﺪ ﻋﺶّ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﻣﺴﻜﻨُﻬﺎ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺮﺩﺍﺋﻬﺎ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺭﺩﺍﺀُ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻏـلاﻑ ﻟﻄﻴﻒ ﻭﺑﺪﻥ ﻣﺜﺎﻟﻲ ﺛﺎﺑﺖ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍّ ﻣﺎ ﻭﻣﺘﻨﺎﺳﺐ ﺑﻠﻄﺎﻓﺘﻪ ﻣﻌﻬﺎ. ﻟﺬﺍ لا ﺗﺘﻌﺮّﻯ ﺍﻟﺮﻭﺡُ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﺑﻞ ﺗﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻋﺸّﻬﺎ لاﺑﺴﺔً ﺑﺪﻧَﻬﺎ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﻭﺃﺭﺩﻳﺘَﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ.

   ﺍﻟﻤﻨﺒﻊ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺁﻓﺎﻗﻲ

ﻭﻫﻮ ﺣُﻜﻢ ﻧﺎﺑﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﻜﺮﺭﺓ ﻭﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﻤﺘﻌﺪﺩﺓ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻓُﻬﻢ ﺑﻘﺎﺀُ ﺭﻭﺡٍ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻤﺎﺕ، ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺫﻟﻚ ﺑﻘﺎﺀَ «ﻧﻮﻉ» ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻋﺎﻣﺔ. ﺇﺫ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻇﻬﺮﺕ ﺧﺎﺻّﺔ «ﺫﺍﺗﻴﺔ» ﻓﻲ ﻓﺮﺩٍ ﻭﺍﺣﺪ، ﻳُﺤﻜَﻢ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻓﺮﺍﺩ؛ لأﻧﻬﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﺫﺍﺗﻴﺔ، ﻓـلاﺑﺪّ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ. ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥّ ﺑﻘﺎﺀَ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻓﺮﺩ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﺤﺴﺐ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﺍلآﺛﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻌﺪّ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ ﻭﺍلأﻣﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﺋﻬﺎ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻗﻄﻌﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺃﻧﻪ ﻛﻤﺎ لا ﻳﺴﺎﻭﺭﻧﺎ ﺍﻟﺸﻚُّ ﻭلا ﻳﺄﺧﺬﻧﺎ ﺍﻟﺮﻳﺐُ ﺃﺑﺪﺍ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻘﺎﺭﺓ ﺍلأﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺍﻟﻤﻜﺘﺸَﻔﺔ ﺣﺪﻳﺜﺎ ﻭﺍﺳﺘﻴﻄﺎﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺴﻜﺎﻥ، ﻛﺬﻟﻚ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺸﻚّ ﺃﻥ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ ﻭﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﺍلآﻥ ﺃﺭﻭﺍﺣﺎ ﻏﻔﻴﺮﺓ ﻟـلأﻣﻮﺍﺕ، ﻟﻬﺎ ﻋـلاﻗﺎﺕ ﻣﻌﻨﺎ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﻫﺪﺍﻳﺎﻧﺎ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺗﻤﻀﻲ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﺗﺄﺗﻴﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻴﻮﺿﺎﺗُﻬﺎ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ ﺍلإﺣﺴﺎﺱ -ﻭﺟﺪﺍﻧﺎ ﺑﺎﻟﺤﺪﺱ ﺍﻟﻘﻄﻌﻲ- ﺑﺄﻥ ﺭﻛﻨﺎ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻓﻲ ﻛﻴﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻳﻈﻞُّ ﺑﺎﻗﻴﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ. ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﻛﻦ ﺍلأﺳﺎﺱ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻌﺮَّﺿﺔ ﻟـلاﻧﺤـلاﻝ ﻭﺍﻟﺨﺮﺍﺏ؛ لأﻧﻬﺎ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻭﻟﻬﺎ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ. ﺇﺫ ﺍلاﻧﺤـلاﻝ ﻭﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﻭﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺮﻛّﺒﺔ. ﻭﻛﻤﺎ ﺑﻴّﻨﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺗﺆﻣّﻦ ﻃﺮﺯﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ، ﻓﺘﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻨﻮﻉٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ. ﺃﻱ ﺇﻥّ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓَ ﻭﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻫﻤﺎ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺣﻴﺚ ﺗﺴﺮﻱ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ. ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻓﻨﺎﺀَ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﻬﺪﻡ ﻭﺍﻟﺘﺤﻠّﻞ ﺃﻭ ﺑﺎلإﻋﺪﺍﻡ؛ ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﻬﺪﻡ ﻭﺍﻟﺘﺤﻠّﻞ ﻓـلا ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻬﻤﺎ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓُ ﻭﺍﻟﺘﻔﺮﺩُ ﺑﺎﻟﻮﻟﻮﺝ، ﻭلا ﺗﺘﺮﻛﻬﻤﺎ ﺍﻟﺒﺴﺎﻃﺔُ ﻟﻺ ﻓﺴﺎﺩ، ﻭﺃﻣﺎ ﺍلإﻋﺪﺍﻡ ﻓـلا ﺗﺴﻤﺢ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔُ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﻟﻠﺠﻮﺍﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻭﻳﺄﺑﻰ ﺟُﻮﺩُﻩ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺮﺩّ ﻣﺎ ﺃﻋﻄﻰ ﻣﻦ ﻧﻌﻤﺔِ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻟﺮﻭﺡ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟـلاﺋﻘﺔ ﻭﺍﻟﻤﺸﺘﺎﻗﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

   ﺍﻟﻤﻨﺒﻊ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺃﻣﺮﻱ، ﺣﻲّ، ﺫﻭ ﺷﻌﻮﺭ، ﻧﻮﺭﺍﻧﻲ، ﻭﺫﺍﺕ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ، ﻣُﻌﺪّﺓ لاﻛﺘﺴﺎﺏ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ، ﻭﻗﺪ ﺃﻟﺒﺴﺖ ﻭﺟﻮﺩﺍ ﺧﺎﺭﺟﻴﺎ؛ ﺇﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﺃﺿﻌﻒَ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻳﻈﻬﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺜﺒﺎﺕُ ﻭﺍﻟﺒﻘﺎﺀ، لأﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺃﻣﻌﻨﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻧﺮﻯ ﺑﺄﻥ ﻫﻨﺎﻙ «ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ» ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﻌﺮّﺿﺔ ﻟﻠﺘﻐﻴّﺮ، ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺪﺣﺮﺝ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﺤﻮلاﺕ ﻭﺃﻃﻮﺍﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣُﺒﺪِّﻟﺔً ﺻﻮﺭﺍ ﻭﺃﺷﻜﺎلا ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻈﻞ ﻫﻲ ﺑﺎﻗﻴﺔً ﺣﻴﺔً ﻭلا ﺗﻤﻮﺕ ﺃﺑﺪﺍ. ﻓﺎﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺮﻱ ﻋﻠﻰ «ﻧﻮﻉٍ» ﻣﻦ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻳﻜﻮﻥ ﺟﺎﺭﻳﺎ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺨﺺ «ﺍﻟﻔﺮﺩ» ﻟﻺ ﻧﺴﺎﻥ؛ ﺇﺫ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ «ﺍﻟﻔﺮﺩ» ﺣﺴﺐ ﺷﻤﻮﻝِ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ، ﻭﻛﻠّﻴﺔِ ﻣﺸﺎﻋﺮﻩ ﻭﺃﺣﺎﺳﻴﺴﻪ، ﻭﻋﻤﻮﻡ ﺗﺼﻮّﺭﺍﺗﻪ، ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ «ﺍﻟﻨﻮﻉ» ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﺪُ ﻓﺮﺩﺍ ﻭﺍﺣﺪﺍ؛ لأﻥ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻗﺪ ﺧﻠﻖ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﺮﺁﺓً ﺟﺎﻣﻌﺔ، ﻭﺷﺎﻣﻠﺔ، ﻣﻊ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔٍ ﺗﺎﻣﺔ، ﻭﻣﺎﻫﻴﺔٍ ﺭﺍﻗﻴﺔ. ﻓﺤﻘﻴﻘﺘُﻪ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ لا ﺗﻤﻮﺕ ﺃﺑﺪﺍ -ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ- ﻭﺇﻥ ﺑﺪّﻟﺖ ﻣﺌﺎﺕِ ﺍلآلاﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ، ﻓﺘﺴﺘﻤﺮ ﺭﻭﺣُﻪ ﺣﻴﺔً ﻛﻤﺎ ﺑﺪﺃﺕ ﺣﻴﺔً؛ ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔُ ﺷﻌﻮﺭِ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻭﻋﻨﺼﺮُ ﺣﻴﺎﺗِﻪ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻭﺃﺑﺪﺍ ﺑﺈﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻬﺎ ﻭﺑﺄﻣﺮﻩ ﻭﺇﺫﻧﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ.

   ﺍﻟﻤﻨﺒﻊ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ

ﺇﻥّ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﺤﻜّﻤﺔ ﻭﺍﻟﺴﺎﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﺗﺘﺸﺎﺑﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺇﻟﻰ ﺣﺪّ ﻣﺎ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ ﺁﺗﻴﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ «ﺍلأﻣﺮ ﻭﺍلإﺭﺍﺩﺓ». ﻓﻬﻲ ﺗﺘﻮﺍﻓﻖ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻣﻌﻴّﻨﺔ ﻟﺼﺪﻭﺭﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ ﻧﻔﺴﻪ. ﻓﻠﻮ ﺩﻗﻘﻨﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻮﺍﻣﻴﺲ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﻓﻲ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺇﺣﺴﺎﺱ ﻇﺎﻫﺮ، ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﺃﻟﺒﺴَﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦُ ﺍلأﻣﺮﻳﺔ ﻭﺟﻮﺩﺍ ﺧﺎﺭﺟﻴﺎ ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺇﺫﻥ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻟﻬﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦَ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻭﻣﺴﺘﻤﺮﺓ ﻭﺑﺎﻗﻴﺔ ﺩﺍﺋﻤﺎ. ﻓـلا ﺗﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺗﻬﺎ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕُ ﻭلا ﺗُﻔﺴﺪُﻫﺎ ﺍلاﻧﻘـلاﺑﺎﺕ. ﻓﻤﺜـلا: ﺇﺫﺍ ﻣﺎﺗﺖ ﺷﺠﺮﺓُ ﺗﻴﻦٍ ﻭﺗﺒﻌﺜﺮﺕ، ﻓﺈﻥ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺗﺮﻛﻴﺒﻬﺎ ﻭﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺭﻭﺣِﻬﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﺣﻴّﺎ ﻓﻲ ﺑﺬﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻐﺮ. ﺃﻱ ﺇﻥّ ﻭﺣﺪﺓ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ لا ﺗﻔﺴﺪ ﻭلا ﺗﺘﺄﺛﺮ ﺿﻤﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﻘﻠﺒﺎﺕ.

ﻭﻃﺎﻟﻤﺎ ﺃﻥ ﺃﺑﺴﻂ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺭﻳﺔ ﻭﺃﺿﻌﻔَﻬﺎ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺪﻭﺍﻡ ﻭﺍﻟﺒﻘﺎﺀ، ﻓﻴﻠﺰﻡ ﺃﻥّ ﺍﻟﺮﻭﺡَ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ لا ﺗﺮﺗﺒﻂ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﻣﻊ ﺃﺑﺪِ ﺍلآﺑﺎﺩ؛ لأﻥ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺑﻨﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ: ﴿ﻣِﻦْ ﺃَﻣْﺮِِ ﺭَﺑّﻰ﴾ ﺁﺕٍ ﻣﻦ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍلأﻣﺮ، ﻓﻬﻮ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺫﻭ ﺷﻌﻮﺭٍ ﻭﻧﺎﻣﻮﺱٌ ﺫﻭ ﺣﻴﺎﺓ، ﻗﺪ ﺃﻟﺒﺴﺘﻪ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺟﻮﺩﺍ ﺧﺎﺭﺟﻴﺎ. ﺇﺫﻥ ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻏﻴﺮَ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍلآﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ «ﺍلأﻣﺮ» ﻭﺻﻔﺔ «ﺍلإﺭﺍﺩﺓ» ﺗﻈﻞُّ ﺑﺎﻗﻴﺔً ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺃﻭ ﻏﺎﻟﺒﺎ، ﻓﻜﺬﻟﻚ ﺍﻟﺮﻭﺡُ، ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺻﻨﻮُﻫﺎ، ﺁﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ «ﺍلأﻣﺮ». ﻭﻫﻲ ﺗﺠﻞٍّ ﻟﺼﻔﺔ «ﺍلإﺭﺍﺩﺓ». ﻓﻬﻲ ﺃﻟﻴﻖُ ﺑﺎﻟﺒﻘﺎﺀ ﻭﺃﺻﻠﺢُ ﻟﻪ. ﺃﻱ ﺇﻥّ ﺑﻘﺎﺀﻫﺎ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﺎﻟﺜﺒﻮﺕ ﻭﺍﻟﻘﻄﻌﻴﺔ؛ لأﻥ ﻟﻬﺎ ﻭﺟﻮﺩﺍ ﻭﺍﻣﺘـلاﻛﺎ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻭﺃﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔً ﻣﻨﻬﺎ، ﺫﻟﻚ لأﻥ ﻟﻬﺎ ﺷﻌﻮﺭﺍ، ﻭﻫﻲ ﺃﺩﻭَﻡ ﻭﺃﺛﻤﻦُ ﻗﻴﻤﺔً ﻣﻨﻬﺎ لأﻧﻬﺎ ﺗﻤﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.

   ﺍلأﺳﺎﺱ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﺇﻥّ ﻫﻨﺎﻙ ﺿﺮﻭﺭﺓً ﻭﻣﻘﺘﻀﻰً ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺍلأﺧﺮﻯ.. ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﺐ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻗﺎﺩﺭ ﻣﻘﺘﺪﺭ.. ﻭﺇﻥ ﺩﻣﺎﺭَ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻣﻮﺕَ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻤﻜﻦ.. ﻭﺇﻧﻪ ﺳﻴﻘﻊ ﻓﻌـلا.. ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺤﺸﺮَ ﻭﺑﻌﺚَ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻤﻜﻦ ﺃﻳﻀﺎ.. ﻭﺇﻧﻪ ﺳﺘﻘﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﻓﻌـلا.

ﻓﻬﺬﻩ ﺳﺖُّ ﻣﺴﺎﺋﻞ. ﺳﻨﺒﻴّﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻗﺐ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﻳﻘﻨﻊ ﺍﻟﻌﻘﻞَ، ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻗﺪ ﺳﻘﻨﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﺑﺮﺍﻫﻴﻦَ ﺟﻌﻠﺖ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏَ ﺗﺮﻗﻰ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ. ﻭﻟﻜﻨﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻧﺘﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻨﻊ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﻳﺒﻬﺘُﻪ، ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞّ ﺟـلاﻟُﻪ».

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓَ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻭﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺒﺮﺭﺍ ﻟﻠﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﻘﺎﻃﻊ ﺍﻟﺪّﺍﻝ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺣﺪﺱ ﻳﺘﺮﺷﺢ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﺓ ﻳﻨﺎﺑﻴﻊَ ﻭﻣﺪﺍﺭﺍﺕٍ:

   ﺍﻟﻤﺪﺍﺭ ﺍلأﻭﻝ

ﺇﺫﺍ ﺗﺄﻣﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﺃﺭﺟﺎﺀ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻛﺎﻣـلا ﻭﺗﻨﺎﺳﻘﺎ ﺑﺪﻳﻌﺎ ﻣﻘﺼﻮﺩﺍ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺟﺰﺍﺋﻪ. ﻓﻨﺸﺎﻫﺪ ﺭﺷﺤﺎﺕِ ﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭ، ﻭﻟﻤﻌﺎﺕِ ﺍﻟﻘﺼﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺟﻬﺔ.. ﺣﺘﻰ ﻧﺒﺼﺮ ﻧﻮﺭَ «ﺍﻟﻘﺼﺪ» ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﺿﻴﺎﺀَ «ﺍلإﺭﺍﺩﺓ» ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﺄﻥ، ﻭﻟﻤﻌﺎﻥَ «ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭ» ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺮﻛﺔ، ﻭﺷﻌﻠﺔَ «ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ» ﻓﻲ ﻛﻞ ﺗﺮﻛﻴﺐ.

ﻓﺸﻬﺎﺩﺓُ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﺗﻠﻔﺖُ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﺳﻌﺎﺩﺓ ﺧﺎﻟﺪﺓ، ﻓﻤﺎﺫﺍ ﻳﻌﻨﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺻﻴﻦ؟ ﺇﻧﻪ ﺳﻴﺒﻘﻰ ﻣﺠﺮّﺩَ ﺻﻮﺭﺓٍ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺑﺎﻫﺘﺔ ﻭﺍﻫﻴﺔ، ﻭﺳﻴﻜﻮﻥ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻛﺎﺫﺑﺎ ﺩﻭﻥ ﺃﺳﺎﺱ، ﻭﺳﺘﺬﻫﺐ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺎﺕُ ﻭﺍﻟﺮﻭﺍﺑﻂ ﻭﺍﻟﻨِﺴﺐ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺭﻭﺡ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻖ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ- ﻫﺒﺎﺀً ﻣﻨﺜﻮﺭﺍ.. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓَ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓَ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﻫﺬﺍ «ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ» ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻓﻌـلا ﻭﺃﻋﻄﺖ ﻟﻪ ﻣﻌﻨﻰً، ﻟﺬﺍ ﻓﻨﻈﺎﻡُ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻫﺬﺍ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ.

   ﺍﻟﻤﺪﺍﺭ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﺇﻥّ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺗﺘﻀﺢ ﺣﻜﻤﺔ ﺟﻠﻴّﺔ. ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻣﺰ ﺇﻟﻰ ﻋﻨﺎﻳﺘﻪ ﺍلأﺯﻟﻴﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻭﺿﻮﺣﺎ ﺗﺎﻣﺎ؛ ﻓﺮﻋﺎﻳﺔُ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﻛﻞ ﻛﺎﺋﻦ، ﻭﺍﻟﺘﺰﺍﻡُ ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﻭﺍﻟﺤِﻜَﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺟﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻭﻫﻲ ﺗﻌﻠﻦ، ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺣﺎﻟﻬﺎ، ﺃﻥّ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ؛ ﺫﻟﻚ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﺑﺪﻳﺔ ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻨﻜﺮ -ﻣﻜﺎﺑﺮﻳﻦ ﻭﻣﻌﺎﻧﺪﻳﻦ- ﻛﻞَّ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ ﻭﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺍﻟﺒﺪﻳﻬﻴﺔ.

ﻧﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻣﻜﺘﻔﻴﻦ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ  ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ  ﻓﻘﺪ ﺃﻇﻬﺮﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔَ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ.

   ﺍﻟﻤﺪﺍﺭ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

ﻟﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﻋﻘـلا ﻭﺣﻜﻤﺔً ﻭﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺀً ﻭﺗﺠﺮﺑﺔً: ﺃﻧﻪ لا ﻋﺒﺜﻴﺔَ ﻭلا ﺇﺳﺮﺍﻑَ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻭﺃﻥّ ﻋﺪﻣَﻬﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍلآﺧﺮﺓ. ﻭﺍﻟﺪﻟﻴﻞُ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﺇﺳﺮﺍﻑ ﻭلا ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻋﺒﺚ، ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖَ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﺍﺧﺘﺎﺭ ﻟﺨﻠﻖ ﻛﻞِّ ﺷﻲﺀ ﺃﻗﺮﺏَ ﻃﺮﻳﻖ، ﻭﺃﺩﻧﻰ ﺟﻬﺔٍ، ﻭﺃﺭﻕَّ ﺻﻮﺭﺓ، ﻭﺃﺟﻤﻞَ ﻛﻴﻔﻴﺔ. ﻓﻘﺪ ﻳﺴﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺷﻲﺀ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﺎﺋﺔَ ﻭﻇﻴﻔﺔ، ﻭﻗﺪ ﻳﻌﻠّﻖ ﻋﻠﻰ ﺷﻲﺀ ﺩﻗﻴﻖ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻟﻔﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ. ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﺳﺮﺍﻑ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﺒﺚ، ﻓـلاﺑﺪّ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ. ﻭﺫﻟﻚ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺭﺟﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ، ﻓﺈﻥّ ﺍﻟﻌﺪﻡَ ﻳﺤﻮّﻝ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺚ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥّ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻛﺎﻥ ﺇﺳﺮﺍﻓﺎ ﻭﻫﺪﺭﺍ. ﺇلا ﺃﻥ ﻋﺪﻡَ ﺍلإﺳﺮﺍﻑ ﺍﻟﺜﺎﺑﺖ ﺣﺴﺐ ﻋﻠﻢ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍلأﻋﻀﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﺟﻤﻴﻌِﻬﺎ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻟَﻴﺒﻴّﻦ ﻟﻨﺎ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺬﻫﺐ ﻫﺒﺎﺀً، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺇﺳﺮﺍﻓﺎ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍلاﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕِ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻭﺍلآﻣﺎﻝِ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ، ﻭﺍلأﻓﻜﺎﺭِ ﻭﺍﻟﻤﻴﻮﻝ.. ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻴﻞَ ﺍلأﺻﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﺍﻟﻤﻐﺮﻭﺱ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻳُﻔﺼﺢ ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩِ ﻛﻤﺎﻝٍ ﻣﻌﻴﻦ، ﻭﺃﻥ ﻣﻴﻠَﻪ ﻭﺗﻄﻠّﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻳﻌﻠﻦ ﺇﻋـلاﻧﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩِ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺧﺎﻟﺪﺓ ﻭﺃﻧﻪ ﺍﻟﻤﺮﺷّﺢ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ.

ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺎﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺎﺕُ ﺍﻟﺮﺻﻴﻨﺔ ﻭﺍلآﻣﺎﻝُ ﺍﻟﺮﺍﻗﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺳﺲ ﻣﺎﻫﻴﺔَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﻠُّﻬﺎ -ﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ- ﺇﺳﺮﺍﻓﺎ ﻭﻋﺒﺜﺎ ﻭﺗﺬﻫﺐُ ﻫﺒﺎﺀً، ﺧـلاﻓﺎ ﻟﻠﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺨﻠﻖ.

ﻧﻜﺘﻔﻲ ﻫﻨﺎ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ لأﻧﻨﺎ ﻗﺪ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎﻫﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» .

   ﺍﻟﻤﺪﺍﺭ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ

ﺇﻥّ ﺍﻟﺘﺒﺪلاﺕ ﻭﺍﻟﺘﺤﻮلاﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ، ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻭﺍﻟﺮﺑﻴﻊ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ، ﻭﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺟﺴﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺧـلاﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻭﺍﻟﻨﻮﻡِ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺧﻮ ﺍﻟﻤﻮﺕ.. ﺗﺸﺎﺑﻪ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﺍﻟﻨﺸﺮ، ﻭﻫﻲ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻟﻜﻞٍّ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺗُﺸﻌِﺮ ﺑﺤﺪﻭﺙ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻭﺗُﺨﺒﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺭﻣﺰﺍ. ﻓﻤﺜﻠﻤﺎ ﺳﺎﻋﺎﺗُﻨﺎ ﺗﻌﺪُّ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﻭﺍﻟﺴﺎﻋﺔ، ﻭﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ، ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﺤﺮﻛﺔ ﺗﺮﻭﺳﻬﺎ ﻓﺘُﺨﺒﺮ ﻋﻘﺎﺭﺑُﻬﺎ ﺑﺤﺮﻛﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺑﺎﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻬﺎ -ﺃﻱ ﺇﻥّ ﻛﻞّ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻠﺘﻲ ﺗﻠﻴﻬﺎ- ﻛﺬﻟﻚ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻬﻲ ﻛﺴﺎﻋﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔٍ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺪﻭﺭﺍﻧِﻬﺎ ﻭﺗﻌﺎﻗﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺪّ ﺍلأﻳﺎﻡ ﻭﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﻓﺘُﺨﺒﺮ ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻬﺎ. ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗُﺤﺪﺙ ﺍﻟﺼﺒﺢَ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻠﻴﻞ، ﻭﺍﻟﺮﺑﻴﻊَ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ، ﻛﺬﻟﻚ ﺗُﺨﺒﺮﻧﺎ ﺭﻣﺰﺍ ﻋﻦ ﺣﺪﻭﺙ ﺻﺒﺢِ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺻﺪﻭﺭِﻫﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ.

ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻳﻤﺮّ ﺑﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻓﻔﻲ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﻳﺮﻯ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻌﺚ، ﺃﻱ ﺇﻧﻪ ﻳﺮﻯ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺃﻣﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﺸﺮ، ﺑﻞ ﺇﻧﻪ ﻳﺮﻯ ﻛﻴﻒ ﺗﺘﺒﺪّﻝ ﺟﻤﻴﻊُ ﺫﺭﺍﺕ ﺟﺴﻤﻪ ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﺳﻨﻴﻦ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻳﺮﻯ ﻧﻤﻮﺫﺝَ ﻗﻴﺎﻣﺔٍ ﻭﺣﺸﺮٍ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﻴﻦ ﻣﺮﺗﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺒﺪلاﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺼﻞ ﻓﻲ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺟﺴﻤﻪ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ. ﻭﻳﺸﺎﻫﺪ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺸﺮَ ﻭﺍﻟﻨﺸﻮﺭ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻞِّ ﺭﺑﻴﻊ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛـلاﺛﻤﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ.. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﺸﺪُ ﻣﻦ ﺍلأﻣﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍلإﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺤﺪّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺸﺮ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪّ ﻣﻦ ﺍﻟﻌـلاﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﺮﻣﻮﺯ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺤﺼﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺸﻮﺭ.. ﻣﺎ ﻫﻮ ﺇلا ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺗﺮﺷﺤﺎﺕ ﻟﻠﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍلأﻛﺒﺮ. ﻓﺤﺪﻭﺙ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ﻭﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﺍﻟﻨﺸﻮﺭ ﻓﻲ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ، ﻣﻦ ﻗِﺒَﻞ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﺑﺈﺣﻴﺎﺋﻪ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﺠﺬﻭﺭ ﻭﻗﺴﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺑﻌﻴﻨِﻬﺎ، ﻭﺇﻋﺎﺩﺗﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺳﺎﺋﺮَ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺍلأﻭﺭﺍﻕ ﻭﺍلأﺯﻫﺎﺭ ﻭﺍلأﺛﻤﺎﺭ ﺑﻤﺜﻠِﻬﺎ، ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺩﻟﻴـلا ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻟﻜﻞِّ ﻓﺮﺩٍ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ. ﺣﻴﺚ ﺇﻥ «ﺍﻟﻔﺮﺩ» ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳﻘﺎﺑﻞ «ﺍﻟﻨﻮﻉ» ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍلأﺧﺮﻯ؛ لأﻥ ﻧﻮﺭَ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺃﻋﻄﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ لآﻣﺎﻟﻪ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭﻩ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﻴﻂَ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﺑﻞ ﺇﺫﺍ ﺍﺑﺘﻠﻊ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ لا ﻳﺸﺒﻊُ.. ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻓﻤﺎﻫﻴّﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺟﺰﺋﻴﺔ، ﻭﻗﻴﻤﺘُﻪ ﺷﺨﺼﻴﺔ، ﻭﻧﻈﺮُﻩ ﻣﺤﺪﻭﺩ، ﻭﻋﻘﻠُﻪ ﻣﺤﺼﻮﺭ، ﻭﺃﻟﻤُﻪ ﺁﻧﻲ، ﻭﻟﺬﺗﻪ ﻭﻗﺘﻴﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻣﺎﻫﻴﺘُﻪ ﺳﺎﻣﻴﺔ، ﻭﻣﻴﺰﺍﺗُﻪ ﺭﺍﻗﻴﺔ ﻭﻗﻴﻤﺘﻪ ﻏﺎﻟﻴﺔ، ﻭﻧﻈﺮﻩ ﺷﺎﻣﻞ ﻋﺎﻡ، ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ لا ﻳﺤﺪّﻩ ﺷﻲﺀ، ﻭﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺁلاﻣﻪ ﻭﻟﺬﺍﺗﻪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ؛ ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﻳﺸﺎﻫَﺪ ﻣﻦ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﺤﺸﺮ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﻳُﺨﺒﺮ ﻭﻳﺮﻣﺰ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻛﻞَّ ﻓﺮﺩ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳُﻌﺎﺩ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻭﻳُﺤﺸَﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻗﺪ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﺑﺸﻜﻞ ﻗﻄﻌﻲ ﻛﻤﻦ ﻳﺜﺒﺖ ﺣﺎﺻﻞ ﺿﺮﺏ ﺍلاﺛﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﺃﺭﺑﻌﺎ ﻓﻘﺪ ﺃﻭﺟﺰﻧﺎﻩ ﻫﻨﺎ.

   ﺍﻟﻤﺪﺍﺭ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ

ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻮﻥ ﺃﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﺗﺼﻮﺭﺍﺗِﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔَ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺘﻨﺎﻫﻰ ﺍﻟﻤﺘﻮﻟّﺪﺓَ ﻣﻦ ﺁﻣﺎﻟﻪ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﺍﻟﺤﺎﺻﻠﺔَ ﻣﻦ ﻣﻴﻮﻟﻪ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗُﺤﺪ، ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔَ ﻣﻦ ﻗﺎﺑﻠﻴﺎﺗﻪ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺼﻮﺭﺓ، ﺍﻟﻤﻨﺪﻣﺠﺔَ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻪ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ، ﺍﻟﻤﻨﺪﺭﺟﺔَ ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺮ ﺭﻭﺣﻪ، ﻛﻞُّ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻤﺪّ ﺃﺻﺎﺑﻌَﻬﺎ ﻓﺘﺸﻴﺮ ﻭﺗﺤﺪُﻕ ﺑﺒﺼﺮِﻫﺎ ﻓﺘﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﺭﺍﺀ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻫﺬﺍ. ﻓﺎﻟﻔﻄﺮﺓُ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻜﺬﺏ ﺃﺑﺪﺍ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻴﻞٍ ﺷﺪﻳﺪ ﻗﻄﻌﻲ لا ﻳﺘﺰﺣﺰﺡُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ﺗﻌﻄﻲ ﻟﻠﻮﺟﺪﺍﻥ ﺣﺪﺳﺎ ﻗﻄﻌﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓِ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ.

ﻧﻜﺘﻔﻲ ﻫﻨﺎ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺣﻴﺚ ﺃﻇﻬﺮﺕ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔُ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻛﺎﻟﻨﻬﺎﺭ.

   ﺍﻟﻤﺪﺍﺭ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ

ﺇﻥّ ﺭﺣﻤﺔ ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦُ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔَ ﻧﻌﻤﺔً ﻓﻌـلا ﻭﺃﻧﻘﺬَﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﻤﺔ، ﻭﻧﺠَّﺖ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻦ ﻧﺤﻴﺐ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺍلأﺑﺪﻱ.. ﻫﻲ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓُ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ﻭﺩﺍﺭُ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ. ﻭﻫﻲ ﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗَﺤﺮﻡ ﺍﻟﺒﺸﺮَ ﻣﻨﻬﺎ، ﺇﺫ ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻮﻫَﺐ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓُ ﻭﺩﺍﺭُ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺭﺃﺱُ ﻛﻞ ﻧﻌﻤﺔ ﻭﻏﺎﻳﺘُﻬﺎ ﻭﻧﺘﻴﺠﺘُﻬﺎ ﺍلأﺳﺎﺱ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗُﺒﻌَﺚ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻬﺎ ﺑﺼﻮﺭﺓ «ﺁﺧﺮﺓ» .. ﻟﺘﺤﻮﻟﺖ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻨِﻌَﻢ ﺇﻟﻰ ﻧﻘَﻢ.. ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺇﻧﻜﺎﺭَ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺓ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺑﺪﺍﻫﺔ ﻭﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔِ ﺑﺸﻬﺎﺩﺓ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔُ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺍﻟﻮﺍﺿﺤﺔ ﻭﺿﻮﺣﺎ ﺃﺳﻄﻊَ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻤﺲ.

ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﻓﺘﺮﺿﺖَ ﺃﻥّ ﻧﻬﺎﻳﺔَ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗﺼﻴﺮُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺍلأﺑﺪﻱ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﺛﻢ ﺩﻗﻘّﺖَ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍلآﺛﺎﺭ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻟﺘﻠﻚ «ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ» ﻭﺃﻧﻮﺍﺭِﻫﺎ ﻓﻲ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﺤﻨﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ.. ﻓﺈﻧﻚ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔَ ﺗُﺼﺒﺢ ﻣﺼﻴﺒﺔً ﻛﺒﺮﻯ.. ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻨﺎﻥَ ﺍﻟﻠﺬﻳﺬ ﻳﻜﻮﻥ ﺩﺍﺀً ﻭﺑﻴـلا.. ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻘﻞَ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﺑـلاﺀً ﻋﻈﻴﻤﺎ..

ﻓﺎﻟﺮﺣﻤﺔُ ﺇﺫﻥ -لأﻧﻬﺎ ﺭﺣﻤﺔُ- لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻘﺎﺑِﻞ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔَ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺍلأﺑﺪﻱ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ. ﺃﻱ لاﺑﺪ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺧﺮﻯ..

ﻟﺨّﺼﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻨﺎ ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻗﺪ ﺃﻭﺿﺤﺘﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﺟﻤﺎﻝ ﻭﻭﺿﻮﺡ.