ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

   ﻳﺨﺺ ﺗﺤﻮلاﺕ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ

    ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (ﺳﺒﺄ:٣)

ﻳﺒﻴﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﻣﺜﻘﺎﻝَ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻟﻬﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ، ﺃﻱ ﻳﺒﻴﻦُ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮَ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﻨُﻴﺪﻳﻘﺔ ﺍﻟﺬﺭﺓ، ﻭﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺟﺰﺀﺍ ﺿﺌﻴـلا ﺟﺪﺍ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﻭﻭﻇﻴﻔﺘِﻬﺎ؛ ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻧﻘﺎﻁ ﺛـلاﺙ ﻣﻊ ﻣﻘﺪﻣﺔ.

   ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ

ﺇﻥّ ﺗﺤﻮلاﺕ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻭﺟﻮلاﻧَﻬﺎ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺍﻫﺘﺰﺍﺯﺍﺕ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻭﺗﻨﻘُّﻠَﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻛﺘﺎﺑﺔِ ﻗﻠﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻟﻶ ﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻜﻮﻥ. ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻮﻫّﻤﻪ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﻮﻥ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﻟﻌﻮﺑﺔُ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔٍ ﻋﺸﻮﺍﺋﻴﺔ لا ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﺎ ﻭلا ﻣﻐﺰﻯ؛ ﺫﻟﻚ لأﻥ ﻛﻞَّ ﺫﺭﺓ، ﻭﻛﻞَّ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺗﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻣﺒﺪﺃ ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ: «ﺑﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ» -ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ- ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﺃﺛﻘﺎلا ﻫﺎﺋﻠﺔ ﺗﻔﻮﻕ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻃﺎﻗﺘَﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻛﺤﻤﻞ ﺑﺬﺭﺓ ﺍﻟﺼﻨﻮﺑﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﻛﺘﺎﻓﻬﺎ ﺷﺠﺮﺗَﻬﺎ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ. ﺛﻢ ﻋﻨﺪ ﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﻭﻇﻴﻔﺘِﻬﺎ ﺗﻘﻮﻝ: «ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ» ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﺃﻇﻬﺮﺕ ﺃﺛﺮﺍ ﺑﺪﻳﻌﺎ، ﻛﺄﻧﻪ ﻳُﻨﺸﺪ ﻗﺼﻴﺪﺓً ﺭﺍﺋﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻝِ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻭﺭﻭﻋﺔِ ﺻﻮﺭﺓٍ ﺗﻨﻢّ ﻋﻦ ﻣﻐﺰﻯ ﻋﻤﻴﻖ ﺗﺘﺤﻴﺮ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ.. ﻓﺈﻥ ﺷﺌﺖ ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺑﺈﻧﻌﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻣّﺎﻥ ﻭﺍﻟﺬُﺭﺓ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺗﺤﻮلاﺕ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻭﺗﻨﻘـلاﺗﻬﺎ، ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺣﺮﻛﺎﺕٍ ﻭﺍﻫﺘﺰﺍﺯﺍﺕٍ ﺫﺍﺕ ﻣﻐﺰﻯ ﻋﻤﻴﻖ، ﻧﺎﺷﺌﺔٍ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﻣﺤﻮِ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻓﻲ ﻟﻮﺡ «ﺍﻟﻤﺤﻮ ﻭﺍلإﺛﺒﺎﺕ» ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺣﻘﻴﻘﺔُ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﻝ ﻭﺻﺤﻴﻔﺘُﻪ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ، ﺍﺳﺘﻨﺴﺎﺧﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﻟﻠﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗِﻬﺎ، ﻭﻣﺤﻮﺭُ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺗﺸﻜﻴﻠِﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ، ﻭﻓﻘﺎ ﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺟﻤﺎﻉُ ﻣﻘﻮﻣﺎﺕ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻓﻲ ﺃﺻﻮﻟِﻬﺎ ﻭﻓﺮﻭﻋﻬﺎ -ﺃﻱ ﺃﺻﻞُ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻀﻰ ﻭﻛﻞ ﻧﺴﻞٍ ﺁﺕٍ- ﺍﻟﺘﻲ ﻃﻮﺍﻫﺎ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻣﻊ ﻣﻤﻴﺰﺍﺗﻬﺎ، ﻭﻋﻨﻮﺍﻥ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺃﻣﺮﻩ. (حاشية) ﻟﻘﺪ ﺫُﻛﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ: «ﺇﻣﺎﻡ ﻣﺒﻴﻦ» ﻭ«ﻛﺘﺎﺏ ﻣﺒﻴﻦ» ﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﻣﻮﺍﺿﻊ. ﻭﻗﺎﻝ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺴﺮﻳﻦ: ﺇﻧﻬﻤﺎ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻭﺍﺣﺪ. ﻭﻗﺎﻝ ﺁﺧﺮﻭﻥ: ﻣﻌﻨﺎﻫﻤﺎ ﻣﺨﺘﻠﻒ. ﻭﻓﺴّﺮﻭﺍ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﻤﺎ ﺑﻮﺟﻮﻩ ﻣﺘﻀﺎﺭﺑﺔ. ﻭﺧـلاﺻﺔُ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻮﻩ: ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻋﻨﻮﺍﻧﺎﻥ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ. ﻭﻟﻘﺪ ﺣﺼﻞ ﻟﻲ ﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻭﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ ﺑﻔﻴﺾ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺃﻥ: «ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ» ﻋﻨﻮﺍﻥ ﻟﻨﻮﻉٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺃﻣﺮﻩ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ. ﺃﻱ ﺇﻧﻪ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﻮﺟﻬﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ. ﻭﺑﻌﺒﺎﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ: ﺇﻧﻪ ﺳﺠﻞّ ﻟﻠﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺇﻟﻰ ﻧﺴﻠﻪ، ﺇﻟﻰ ﻋﺮﻭﻗﻪ ﻭﺇﻟﻰ ﺑﺬﻭﺭﻩ، ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ. ﻭﻗﺪ ﺃﺛﺒﺖ ﻭﺟﻮﺩُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺠﻞ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﻭﻓﻲ «ﺣﺎﺷﻴﺔ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ». ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺃﻣﺮﻩ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ: ﺃﻥ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺟﺬﻭﺭﻫﺎ ﻭﺃﺻﻮﻟﻬﺎ، ﻟـلأﺷﻴﺎﺀ، ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلإﺑﺪﺍﻉ ﻭﺍلإﺗﻘﺎﻥ، ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻭﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺘﻤﺎﻥ ﻭﻓﻖ ﺳﺠﻞ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺃﻧﺴﺎﻟﻬﺎ ﻭﺑﺬﻭﺭﻫﺎ، ﺳﺠﻞ ﺻﻐﻴﺮ ﻟـلأﻭﺍﻣﺮ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺑﺮﺍﻣﺞ ﻣﺎ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﻓﻬﺎﺭﺳﻪ، ﻓﻴﺼﺢ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ -ﻣﺜـلا- ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺑﺮﺍﻣﺞ ﻭﻓﻬﺎﺭﺱ ﻣﺠﺴّﻤﺔ ﻣﺼﻐﺮﺓ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻳﻨﻈِّﻢ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ، ﻭﻟـلأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴّﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺼﺎﻣﻴﻢ ﻭﺍﻟﻔﻬﺎﺭﺱ ﻭﺗﺤﺪّﺩﻫﺎ.

 ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ: ﺃﻥ «ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ» ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻓﻬﺮﺱ ﻭﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﺓ ﻋﺮﻭﻗُﻬﺎ ﻭﺃﻏﺼﺎﻧﻬﺎ ﻭﻓﺮﻭﻋﻬﺎ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ. ﻓـ«ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ» ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺳﺠﻞ ﻟﻠﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﻭﻛﺮﺍﺱُ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮﻩ. ﻭﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺗُﺴﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﻛﺎﺗﻬﺎ ﻭﻭﻇﺎﺋﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﺈﻣـلاﺀ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﻭﺑﺤﻜﻤﻬﺎ. ﺃﻣﺎ «ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ» ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﻮﺟﻬﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﺃﻱ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ. ﻓﻬﻮ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﻟﻠﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻬﺎ، ﻭﺳﺠﻞ ﻟﻬﻤﺎ ﻭﻛﺘﺎﺏ، ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺃﻣﺮﻩ. ﻭﺑﺘﻌﺒﻴﺮ ﺁﺧﺮ: ﺇﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ «ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ» ﺳﺠـلا ﻟﻠﻘَﺪَﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻓـ«ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ» ﺳﺠﻞ ﻟﻠﻘُﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩﻩ، ﻓﻲ ﻫﻮﻳﺘﻪ، ﻓﻲ ﺻﻔﺎﺗﻪ، ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﻳﺪلاﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳُﻀﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻭﺗُﻌﻴَّﻦ ﻟﻪ ﺻﻮَﺭﻩ، ﻭﻳﺸﺨَّﺺ ﻣﻘﺪﺍﺭﻩ، ﻭﻳﻌﻄﻰ ﻟﻪ ﺷﻜﻠﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﺑﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﻗﺪﺭﺓٍ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻧﺎﻓﺬﺓ. ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺇﺫﻥ ﻟﻬﻤﺎ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﻛﻠﻴﺔ ﻭﻋﻤﻮﻣﻴﺔ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻓﻲ ﺳﺠﻞ ﻋﻈﻴﻢ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳُﻔﺼَّﻞ ﻭﻳُﺨﺎﻁ ﺛﻮﺏُ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻳُﻠﺒَﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻳُﻌﻄﻰ ﻟﻪ ﺻﻮﺭﻩ ﺍﻟﻤﺨﺼﻮﺻﺔ، ﻭﻓﻖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ. ﻭﻗﺪ ﺃﺛﺒﺖ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺠﻞ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ» ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ «ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ».

 ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﻤﺎﻗﺔ ﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ ﻭﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﺍﻟﻐﻔﻠﺔ! ﻓﻠﻘﺪ ﺷﻌﺮﻭﺍ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻅ ﻟﻠﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮﺓ، ﻭﺃﺣﺴّﻮﺍ ﺑﻤﻈﺎﻫﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮ ﻟﻠﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻭﻟﻤﺴﻮﺍ ﺻُﻮَﺭﻩ ﻭﻧﻤﺎﺫﺟﻪ، ﺇلا ﺃﻧﻬﻢ ﺃﻃﻠﻘﻮﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ» -ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ- ﻓﺄﺧﻤﺪﻭﺍ ﻧﻮﺭَﻩ.

 ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﺑﺈﻣـلاﺀٍ ﻣﻦ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ، ﺃﻱ ﺑﺤُﻜﻢ ﺍﻟﻘَﺪَﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺩﺳﺘﻮﺭﻩ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬ، ﺗﻜﺘﺐ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ -ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩﻫﺎ- ﺳﻠﺴﻠﺔَ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ -ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺁﻳﺔ- ﻭﺗﻮﺟِﺪ ﻭﺗﺤﺮِﻙ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﻟﻮﺡ «ﺍﻟﻤﺤﻮ ﻭﺍلإﺛﺒﺎﺕ» ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﺰﻣﺎﻥ.

 ﺃﻱ ﺇﻥ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺍﻫﺘﺰﺍﺯﺍﺕ ﻭﺣﺮﻛﺎﺕ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻋﺒﻮﺭ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، ﻭﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍلاﺳﺘﻨﺴﺎﺥ، ﻭﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ، ﺃﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ. ﺃﻣﺎ «ﻟﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻮ ﻭﺍلإﺛﺒﺎﺕ» ﻓﻬﻮ ﺳﺠﻞ ﻣﺘﺒﺪﻝ ﻟﻠّﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻅ ﺍلأﻋﻈﻢ ﺍﻟﺜﺎﺑﺖ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ، ﻭﻟﻮﺣﺔ «ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻭﻣﺤﻮ» ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﺃﻱ ﻫﻮ ﺳﺠﻞ ﻟـلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﺮﺿﺔ ﺩﻭﻣﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻫﻮ ﻫﺬﺍ. ﻧﻌﻢ، ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﺣﻘﻴﻘﺔ، ﻓﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﺑﺎﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺮﻱ ﺟﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﻨﻬﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻭﻣﺪﺍﺩ ﻟﻜﺘﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻮ ﻭﺍلإﺛﺒﺎﺕ. ﻭلا ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺇلا ﺍﻟﻠﻪ.

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

   ﻭﻫﻲ ﻣﺒﺤﺜﺎﻥ

   ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ

ﺇﻥّ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﻛﻞ ﺫﺭﺓ ﻭﻓﻲ ﺳﻜﻮﻧِﻬﺎ، ﻳﺘﻠﻤّﻊ ﻧﻮﺭﺍﻥ ﻟﻠﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﺷﻤﺴﺎﻥ ﺳﺎﻃﻌﺘﺎﻥ. ﻭﻟﻘﺪ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﺑﻴﻘﻴﻦ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻣﺠﻤـلا ﻓﻲ ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻭﻓﺼﻠﻨﺎﻩ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﺃﻥ ﻛﻞ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺄﻣﻮﺭﺓً ﺑﺄﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺘﺤﺮﻙ ﺑﺈﺫﻧﻪ ﻭﻓِﻌﻠﻪ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺑﻌِﻠﻤﻪ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥَ ﻟﻜﻞِّ ﺫﺭﺓ ﻋﻠﻢ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ، ﻭﻗﺪﺭﺓ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ، ﻭﺑﺼﺮ ﻳﺮﻯ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻭﺟﻪ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﺃﻣﺮ ﻧﺎﻓﺬ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.

لأﻥ ﻛﻞَّ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺫﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ، ﺗﻌﻤﻞ -ﺃﻭ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻌﻤﻞ- ﻋﻤـلا ﻣﻨﺘﻈﻤﺎ ﻓﻲ ﺟﺴﻢ ﻛﻞّ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ، ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺃﻧﻈﻤﺔ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻦَ ﺗﺮﺍﻛﻴﺒﻬﺎ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﻋﻤﻞُ ﺷﻲﺀ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗُﻌﻠَﻢ ﺃﻧﻈﻤﺘُﻪ، ﻭﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻗﺎﻣﺖ ﺍﻟﺬﺭﺓُ ﺑﻌﻤﻞ ﻓـلا ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺧﻄﺄ. ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺗُﻨﺠَﺰ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺧﻄﺄ. ﻓﺈﺫﻥ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻭﻓﻖ ﺃﻭﺍﻣﺮ ﻣَﻦ ﻳﻤﻠِﻚ ﻋﻠﻤﺎ ﻣﺤﻴﻄﺎ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﺑﺈﺫﻧﻪ، ﻭﺑﻌﻠﻤﻪ، ﻭﺑﺈﺭﺍﺩﺗﻪ.. ﺃﻭ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻬﺎ ﻣﺜﻞُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ!

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﻛﻞّ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺫﺭﺍﺕ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ، ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺟﺴﻢ ﻛﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ، ﻭﻓﻲ ﺛﻤﺮﺓِ ﻛﻞ ﺯﻫﺮﺓ، ﻭﻓﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﻛﻞ ﻭﺭﻗﺔ، ﻭﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻛﻞٍّ ﻣﻨﻬﺎ. ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺑﻨﺎﺀَ ﻛﻞٍّ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺍلآﺧﺮ ﻭﻧﻈﺎﻣَﻪ ﻳﺒﺎﻳﻦ ﺍلآﺧﺮ، ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻤﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﺍﻟﺘﻴﻦ -ﻣﺜـلا- ﺷﺒﻴﻬﺎ ﺑﻤﻌﻤﻞ ﺍﻟﻨﺴﻴﺞ، ﻟﻜﺎﻥ ﻣﻌﻤﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﺍﻟﺮﻣﺎﻥ ﺷﺒﻴﻬﺎ ﺑﻤﻌﻤﻞ ﺍﻟﺴﻜﺮ. ﻓﺘﺼﺎﻣﻴﻢ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ، ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻶ ﺧﺮ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺍﻟﻬﻮﺍﺋﻴﺔ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻛﻞٍّ ﻣﻨﻬﺎ -ﺃﻭ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ- ﻭﺗﻌﻤﻞ ﺑﻤﻬﺎﺭﺓ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻭﺑﺤﻜﻤﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﻭﺗﺘﺨﺬ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻭﺿﺎﻋﺎ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﺛﻢ ﺣﺎﻟﻤﺎ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻭﻇﻴﻔﺘُﻬﺎ ﺗﺘﺮﻛﻬﺎ ﻣﺎﺿﻴﺔً ﺇﻟﻰ ﺷﺄﻧﻬﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﺬﺭﺓ ﺍﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺍﻟﻤﺘﺤﺮﻙ؛ ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻌﻠﻢُ ﺍﻟﺼﻮَﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﺒﺴﺖْ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ، ﻭﻋﻠﻰ ﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﺃﺯﺍﻫﻴﺮﻫﺎ، ﻭﺗﻌﻠﻢ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻘﺎﺩﻳﺮَ ﻛﻞٍّ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺃﻧﻤﺎﻁ ﺗﺼﺎﻣﻴﻤﻬﺎ! ﺃﻭ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﻣﺄﻣﻮﺭﺓ ﺑﺄﻣﺮِ ﻣَﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﺫﻟﻚ ﻛﻠّﻪ ﻭﻋﺎﻣﻠﺔ ﺑﺈﺭﺍﺩﺗﻪ.

ﻭﻛﺬﺍ ﻛﻞُّ ﺫﺭﺓ ﺳﺎﻛﻨﺔٍ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺍﻟﺴﺎﻛﻦ ﺍﻟﻬﺎﺩﺉ، ﻓﻬﻲ ﻣﺘﻬﻴﺌﺔ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﻨﺒﺘﺎ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺬﻭﺭ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺰﻫﺮﺓ ﻭﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﻤﺜﻤﺮﺓ؛ ﺇﺫ ﻟﻮ ﺃﻟﻘﻴﺖ ﻓﻲ ﺣﻔﻨﺔِ ﺗﺮﺍﺏ -ﺍﻟﻤﺘﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﺫﺭﺍﺕ ﻣﺘﻤﺎﺛﻠﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺫﺭﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ- ﻭلاﻗﺖ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ؛ ﻓﺈﻣﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺠﺪ ﻣﺼﻨﻌﺎ ﺧﺎﺻﺎ ﺑﻬﺎ، ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟُﻪ ﺑﻨﺎﺅﻫﺎ ﻣﻦ ﻟﻮﺍﺯﻡ ﻭﻣﻌﺪّﺍﺕ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻔﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻣﻌﺎﻣﻞُ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻋﺪﻳﺪﺓ، ﻋﺪﺩَ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍلأﺛﻤﺎﺭ.! ﺃﻭ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻠﻢ ﻭﺍﺳﻊ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﻣﺤﻴﻄﺔ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﺗﺒﺪﻉُ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ.. ﺃﻭ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺘﻢ ﺑﺤﻮﻝ ﻭﻗﻮﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺍﻟﻌﻠﻴﻢ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ.

ﻟﻮ ﺳﺎﻓﺮ ﺷﺨﺺ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ، ﻭﻫﻮ ﺟﺎﻫﻞ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺟﻬـلا ﻣﻄﺒﻘﺎ، ﻭﻋـلاﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﺃﻋﻤﻰ لا ﻳﺒﺼﺮ، ﻭﻟﻮ ﺩﺧﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻞ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﻧﻊ، ﻭﺃﻧﺠﺰ ﺃﻋﻤﺎلا ﺑﺪﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﻨﻮﻑ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻭﻓﻲ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍلأﺑﻨﻴﺔ، ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻭﻣﻬﺎﺭﺓ ﺑﺎﺭﻋﺔ ﺗﺤﻴﺮﺕ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ.. ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻥّ ﻣَﻦ ﻟﻪ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻳﻌﺮﻑ ﻳﻘﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞ لا ﻳﻌﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎﺀ ﻧﻔﺴﻪ، ﺑﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺳﺘﺎﺫ ﻋﻠﻴﻢ ﻳﻠﻘّﻨﻪ ﻭﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻪ.

ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﺎﺟﺰ، ﺃﻋﻤﻰ، ﻣﻘﻌﺪ، ﻗﺎﺑﻊ ﻓﻲ ﻛﻮﺧﻪ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ، لا ﻳﺤﺮﻙ ﺳﺎﻛﻨﺎ. ﺃﺩﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺣﺼﻮ، ﻭﻗﻄﻊٍ ﻣﻦ ﻋﻈﻢ، ﻭﺷﻲﺀ ﻳﺴﻴﺮ ﻣﻦ ﻗﻄﻦ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺎﻟﻜﻮﺥ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺗﺼﺪﺭ ﻣﻨﻪ ﺃﻃﻨﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻜﺮ، ﻭﺃﻃﻮﺍﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﻴﺞ، ﻭﺁلاﻑ ﻣﻦ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ، ﻣﻊ ﻣـلاﺑﺲ ﻓﻲ ﺃﺑﻬﻰ ﺯﻳﻨﺔ ﻭﺃﻓﺨﺮ ﻧﻮﻉ، ﻣﻊ ﺃﻃﻌﻤﺔ ﻃﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻠﺬﺓ.. ﺃﻓـلا ﻳﻘﻮﻝ ﻣَﻦ ﻟﻪ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ: ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍلأﻋﻤﻰ ﺍﻟﻤﻘﻌﺪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺇلا ﺣﺎﺭﺱ ﺿﻌﻴﻒ ﻟﻤﺼﻨﻊ ﻣﻌﺠِﺰ، ﻭﺧﺎﺩﻡ ﻟﺪﻯ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺫﻱ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ؟

ﻛﺬﻟﻚ ﺍلأﻣﺮ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺫﺭﺍﺕ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﻭﻇﺎﺋﻔِﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍلأﺯﻫﺎﺭ ﻭﺍلأﺛﻤﺎﺭ، ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﺻﻤﺪﺍﻧﻴﺔ، ﻭﺭﺍﺋﻌﺔ ﻣﻦ ﺭﻭﺍﺋﻊ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻣﻌﺠﺰﺓ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻭﺧﺎﺭﻗﺔ ﻣﻦ ﺧﻮﺍﺭﻕ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ. ﻓـلا ﺗﺘﺤﺮﻙ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻭلا ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﺇلا ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻭﺑﺈﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺫﻱ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ.

ﻭﻗِﺲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺫﺭﺍﺕِ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻨﺒﺖ ﻟﺴﻨﺎﺑﻞ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻭﺍﻟﻨﻮﻯ، ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﻣﺎﻛﻨﺔٍ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻭﻣﻄﺒﻌﺔٍ ﻣﻐﺎﻳﺮﺓ ﻟـلأﺧﺮﻯ، ﻭﺧﺰﻳﻨﺔ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻋﻦ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻭﻟﻮﺣﺔِ ﺇﻋـلاﻥ ﺗُﻌﻠﻦ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻣﺘﻤﻴﺰﺓً ﻋﻦ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻭﻗﺼﻴﺪﺓٍ ﻋﺼﻤﺎﺀ ﺗﺜﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎلاﺗﻪ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا. ﻭلا ﺷﻚ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻣﺎ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﻨﺸﺄً ﻟﺘﻠﻚ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺇلا ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ لأﻣﺮ:﴿ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮﻥ﴾ ﻭﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﺴﺨّﺮ لأﻣﺮﻩ، ﻭلا ﻳﻌﻤﻞ ﺇلا ﺑﺈﺫﻧﻪ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻭﻗﻮﺗﻪ.. ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻘﻴﻦ ﻭﺛﺎﺑﺖ ﻗﻄﻌﺎ.. ﺁﻣﻨﺎ.

ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻣﻦ ﻭﻇﺎﺋﻒَ ﻭﺣِﻜَﻢ.

ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻧﺤﺪﺭﺕ ﻋﻘﻮﻟُﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻋﻴﻮﻧﻬﻢ، ﻓـلا ﻳﺮﻭﻥ ﺇلا ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ، ﻳﺮﻭﻥ ﺑﺤِﻜﻤﺘﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺑﻔﻠﺴﻔﺘﻬﻢ ﺍﻟﻤﺒﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﻌﺒﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺃﻥّ ﺗﺤﻮلاﺕ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻣﺮﺑﻮﻃﺔ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ. ﺣﺘﻰ ﺍﺗﺨﺬﻭﻫﺎ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻣﻘﺮﺭﺓ ﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮﻫﻢ ﻛﻠﻬﺎ، ﺟﺎﻋﻠﻴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺼﺪﺭ ﺇﻳﺠﺎﺩٍ ﻟﻠﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ!

ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻤﻠﻚ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻳﻌﻠﻢ ﻳﻘﻴﻨﺎ ﻣﺪﻯ ﺑُﻌﺪﻫﻢ ﻋﻦ ﻣﻨﻄﻖ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻓﻲ ﺇﺳﻨﺎﺩﻫﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺰﺩﺍﻧﺔ ﺑﺤِﻜَﻢٍ ﻏﺰﻳﺮﺓ، ﺇﻟﻰ ﺷﻲﺀ ﻣﺨﺘﻠﻂ ﻋﺸﻮﺍﺋﻲ لا ﺣﻜﻤﺔَ ﻓﻴﻪ ﻭلا ﻣﻌﻨﻰ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻭﺣﻜﻤﺘُﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺮﻯ ﺃﻥّ ﺗﺤﻮلاﺕ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻟﻬﺎ ﺣِﻜَﻢ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ ﻭﻏﺎﻳﺎﺕ لا ﺗﺤﺼﻰ ﻭﻭﻇﺎﺋﻒُ لاﺗﺤﺪ، ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ (ﺍلإﺳﺮﺍﺀ:٤٤) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ.

ﻭﻧﺤﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺑﻀﻊٍ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻘﻂ، ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ:

ﺃﻭلاﻫﺎ: ﺇﻥّ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، لأﺟﻞ ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻳﺤﺮّﻙ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻭﻳﺴﺨّﺮﻫﺎ ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ، ﺟﺎﻋـلا ﻣﻦ ﻛﻞ ﺭﻭﺡٍ ﻭﺍﺣﺪﺓ «ﻧﻤﻮﺫﺟﺎ»، ﻳُﻠﺒﺴﻬﺎ ﺟﺴﺪﺍ ﺟﺪﻳﺪﺍ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ، ﻭﻳﺴﺘﻨﺴﺦ ﻣﻦ ﻛﻞِّ ﻛﺘﺎﺏٍ ﻓﺮﺩٍ ﺑﺤﻜﻤﺘﻪ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ ﺁلاﻑَ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻭﻳُﻈﻬﺮ ﺣﻘﻴﻘﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﺻﻮَﺭ ﺷﺘﻰ، ﻭﻳﻔﺴﺢ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﻭﻳﻌﺪّ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻟﻮﺭﻭﺩ ﺃﻛﻮﺍﻥٍ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﻋﻮﺍﻟﻢَ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕٍ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﻃﺎﺋﻔﺔً ﺇﺛﺮ ﻃﺎﺋﻔﺔ.

ﺛﺎﻧﻴﺘﻬﺎ: ﺇﻥ ﻣﺎﻟﻚ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺫﺍ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﻗﺪ ﺧﻠﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﻭﺟﻪ ﺍلأﺭﺽ، ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ، ﺃﻱ ﻣﻬّﺪﻫﺎ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻗﺎﺑﻠﺔً ﻟﻨﻤﻮ ﻣﺤﺎﺻﻴﻞ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺍﺩﺕ ﻭﻧﺸﻮﺋﻬﺎ، ﻭﻇﻬﻮﺭِﻫﺎ ﺑﺠﺪّﺗﻬﺎ ﻭﻃﺮﺍﻭﺗﻬﺎ، ﺃﻱ ﻟﻴَﺰﺭﻉ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕِ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻭﻳﺤﺼﺪَﻫﺎ. ﻓﻔﻲ ﻣﺰﺭﻋﺘﻪ ﺍﻟﺸﺎﺳﻌﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﺴﻌﺔ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ، ﻳُﺒﺮﺯ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻛﺎﺋﻨﺎﺕٍ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﺼﻞ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻬﺮ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺳﺎﻋﺔ، ﻓﻴﻌﻄﻲ ﺳﺎﺣﺔَ ﺍلأﺭﺽ ﻣﺤﺎﺻﻴﻞَ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﺑﺘﺤﺮﻳﻚ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺑﺤﻜﻤﺔٍ ﺗﺎﻣﺔ ﻭﺗﻮﻇﻴﻔِﻬﺎ ﺑﻨﻈﺎﻡ ﻣﺘﻘﻦ، ﻣُﺒﻴّﻨﺎ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﺑﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻫﺬﻩ ﻫﺪﺍﻳﺎ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻨﻀُﺐ، ﻭﻧﻤﺎﺫﺝَ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻨﻔﺪ.

ﺛﺎﻟﺜﺘﻬﺎ: ﺇﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳُﺤﺮّﻙ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺑﺤﻜﻤﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﻭﻳﺴﺨّﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻭﻇﺎﺋﻒَ ﻣﻨﻈﻤﺔٍ لأﺟﻞ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺑﺪﺍﺋﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻲ ﺗﻔﻴﺪ ﺍلأﺳﻤﺎﺀُ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺗﺠﻠﻴﺎﺗِﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ. ﻓﻴُﺨﺮﺝ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥٍ ﻣﺤﺪﻭﺩ ﻣﺎ لا ﻳُﺤﺪ ﻣﻦ ﺑﺪﺍﺋﻊ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﺪﺍﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ، ﻭﻳﻜﺘﺐُ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺿﻴﻘﺔ ﺁﻳﺎﺕٍ ﺗﻜﻮﻳﻨﻴﺔ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ، ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﻥٍ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻣﺤﺎﺻﻴﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻭﻧﺘﺎﺋﺠَﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻭﻣﺤﺎﺻﻴﻞَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ، ﻓﻲ ﺣُﻜﻢٍ ﻭﺍﺣﺪ، ﺇلا ﺃﻥ ﻣﻌﺎﻧﻴَﻬﺎ ﻭﻣﺪﻟﻮلاﺗﻬﺎ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﺟﺪﺍ، ﺇﺫ ﺑﺘﺒﺪﻝ ﺍﻟﺘﻌﻴﻨﺎﺕ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭﻳﺔ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻭﺗﻜﺜﺮ ﻭﺗﺰﺩﺍﺩ. ﻭﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻌﻴﻨﺎﺕ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﺸﺨّﺼﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﻗﺘﺔ ﺗُﺒﺪَّلاﻥ، ﻭﻫﻤﺎ ﻓﺎﻧﻴﺘﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ، ﺇلا ﺃﻥ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻳﺤﺎﻓَﻆُ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺗﺴﺘﻤﺮ ﻭﺗﺒﻘﻰ ﻭﺗﺜﺒﺖ. ﻓﺄﻭﺭﺍﻕُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺃﺯﺍﻫﻴﺮُﻫﺎ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗُﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ -لأﻧﻬﺎ لا ﺗﺤﻤﻞ ﺭﻭﺣﺎ ﻛﺎلإﻧﺴﺎﻥ- ﻫﻲ ﻋﻴﻦُ ﺃﻣﺜﺎﻟِﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ، ﺇﺫﺍ ﻧُﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﺇلا ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺸﺨﺼﺎﺕ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭﻳﺔ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺸﺨﺼﺎﺕ ﺃﺗﺖ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ، ﻟﺘﺤﻞ ﻣﺤﻞ ﺗﺸﺨﺼﺎﺕ ﺳﺎﺑﻘﺘِﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟـلإﻓﺎﺩﺓ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺪﺩ ﺗﺠﻠﻴﺎﺗُﻬﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ.

ﺭﺍﺑﻌﺘﻬﺎ: ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺫﺍ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻳﺤﺮّﻙ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕِ ﻓﻲ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﻭﻳﻨﺴﺠُﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﻨﻊ ﺍلأﺭﺽ، ﺟﺎﻋـلا ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕِ ﺳﻴﺎﻟﺔً ﻭﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕِ ﺳﻴﺎﺭﺓً، ﻭﺫﻟﻚ لأﺟﻞ ﺇﻋﺪﺍﺩ ﻣﺎ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﻣﻦ ﻟﻮﺍﺯﻡَ ﺃﻭ ﺗﺰﻳﻴﻨﺎﺕٍ ﺃﻭ ﻣﺤﺎﺻﻴﻞَ ﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﻭﺍﺳﻌﺔ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ، ﻛﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺟﺪﺍ ﻭﺳﺎﺋﺮِ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ. ﻓﻴﻬﻴﺊ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ، ﻣﺤﺎﺻﻴﻞَ ﻭﻧﺘﺎﺋﺞَ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ، ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺟﺪﺍ. ﻭﻳُﺠﺮﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﻴـلا لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﻳﺼﺒّﻪ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻭﻳﺼﺐُّ ﻗﺴﻤﺎ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﺍلآﺧﺮﺓ.

ﺧﺎﻣﺴﺘﻬﺎ: ﻳﺤﺮّﻙ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ ﻓﻲ ﺣﻜﻤﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﻭﻳﺴﺨّﺮُﻫﺎ ﻓﻲ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﺇﻇﻬﺎﺭﺍ ﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﺇﻟﻬﻴﺔ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ، ﻭﺟﻠﻮﺍﺕٍ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ، ﻭﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺟـلاﻟﻴﺔ لا ﻣﻨﺘﻬﻰ ﻟﻬﺎ، ﻭﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ لا ﻋﺪّ ﻟﻬﺎ، ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ، ﻭﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﺘﻨﺎﻩٍ. ﻓﻴﺠﻌﻞ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺗﺴﺒّﺢ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺕٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥٍ ﻣﺘﻨﺎﻩٍ ﻭﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﻣﺤﺪﻭﺩ، ﻣﺒﻴﻨﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺠﻠﻴﺎﺗِﻪ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔَ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻟﻴﺔَ ﻭﺍﻟﺠـلاﻟﻴﺔَ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻣﻮﺟِﺪﺍ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ، ﻭﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ، ﻭﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺪﺍﺋﻊ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ -ﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﻦ ﻭﻫﻮﻳﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ- ﻭﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﻧﺴﺎﺋﺞَ ﻟﻮﺣﻴﺔٍ ﺣﻜﻴﻤﺔ. ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺤﺮﻙ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ، ﻭﻳﺒﺮﺯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺠﺴﻴﻤﺔ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ، ﻭﺇلا ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥَ ﻟﻜﻞِّ ﺫﺭﺓٍ ﻋﻘﻞ ﺑﻜﺒﺮ ﺍﻟﺸﻤﺲ!.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺃﻣﺜﻠﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻮلاﺕ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺤﺮَّﻙ ﺑﺤﻜﻤﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ، ﻛﻬﺬﻩ ﺍﻟﻨﻤﺎﺫﺝ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ، ﺑﻞ ﺭﺑﻤﺎ ﺗﺮﺑﻮ ﻋﻠﻰ ﺧﻤﺴﺔ ﺁلاﻑ ﻣﺜﺎﻝ. ﺇلا ﺃﻥ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ ﺍﻟﺤﻤﻘﻰ ﻗﺪ ﻇﻨﻮﻫﺎ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ! ﻓﻠﻘﺪ ﺯﻋﻤﻮﺍ -ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ- ﺃﻥّ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺘَﻴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺮﻙ ﺑﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻧﺸﻮﺓ ﻭﺟﺬﺏ ﺭﺑﺎﻧﻲ، ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺁﻓﺎﻗﻲ ﻭﺍلآﺧﺮ ﺃﻧﻔﺴﻲ، ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻐﺮﻗﺔ ﻓﻲ ﺫﻛﺮ ﻭﺗﺴﺒﻴﺢ ﺇﻟﻬﻲ ﻛﺎﻟﻤﺮﻳﺪ ﺍﻟﻤﻮﻟﻮﻱ، ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎﺀ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻭﺗﺮﻗﺺ ﺫﺍﻫﻠﺔً ﻭﺗﺪﻭﺭ.

ﻧﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ: ﺃﻥ ﻋﻠﻢ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻤﺎ، ﺑﻞ ﺟﻬﻞ. ﻭﺃﻥ ﺣﻜﻤﺘَﻬﻢ ﺳﺨﺎﻓﺔ ﻭﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ!

(ﺳﻨﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺣﻜﻤﺔً ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻄﻮﻟﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ).