ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

  ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺍﺗﺒﻊ ﺍﻟﻬﺪﻯ.. ﻭﺍﻟﻤـلاﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺍﺗﺒﻊ ﺍﻟﻬﻮﻯ

ﺍﺧﻮﺗﻲ ﺍلأﻋﺰﺍﺀ! 

ﺗﺴﺄﻟﻮﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻋﻦ ﺣﺎﻟﻲ ﻭﺭﺍﺣﺘﻲ، ﻭﻋﻦ ﻋﺪﻡ ﻣﺮﺍﺟﻌﺘﻲ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﺔ ﻟﻠﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺷﻬﺎﺩﺓ (ﻟﻠﻤﻨﻔﻴﻴﻦ) ﻭﻋﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻲ ﺑﺄﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺃﺳﺌﻠﺘﻜﻢ ﺗﺘﻜﺮﺭ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﺗُﺴﺄﻝ ﻣﻨﻲ ﻣﻌﻨﻰً، ﺃﺿﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلإﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﺑﻠﺴﺎﻥ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻠﺴﺎﻥ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ».

    سـﺅﺍﻟﻜﻢ ﺍلأﻭﻝ:

ﻛﻴﻒ ﺣﺎﻟﻜﻢ؟ ﺃﺃﻧﺘﻢ ﻓﻲ ﺧﻴﺮ ﻭﻋﺎﻓﻴﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻤﺪﺍً لا ﺃُﺣﺼﻴﻪ، ﺇﺫ ﺣﻮّﻝ ﺃﻧﻮﺍﻉَ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﺭﻩ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺎﺑﻬﻨﻲ ﺑﻬﺎ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻮﺍﻉٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ. ﻭﺇﻟﻴﻜﻢ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ:

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﻨﻌﺰلا ﻓﻲ ﻣﻐﺎﺭﺓ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﻭﻗﺪ ﻃﻠّﻘﺖ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔَ ﻭﺗﺠﺮﺩﺕ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻨﺸﻐـلا ﺑﺄﻣﻮﺭ ﺁﺧﺮﺗﻲ، ﺃﺧﺮﺟﻨﻲ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﻧﻔﻮﻧﻲ ﻇﻠﻤﺎً ﻭﻋﺪﻭﺍﻧﺎً. ﻓﺠﻌﻞ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻔﻲَ ﻟﻲ ﺭﺣﻤﺔ، ﺇﺫ ﺣﻮّﻝ ﺫﻟﻚ ﺍلاﻧـﺰﻭﺍﺀَ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﺮّﺿﺎً ﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺗُﺨﻞ ﺑﺎلإﺧـلاﺹ ﻭﺍلأﻣﺎﻥ، ﺇﻟﻰ ﺧﻠﻮﺓ ﻓﻲ ﺟﺒﺎﻝ (ﺑﺎﺭلا) ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﺍلأﻣﻦُ ﻭﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﻭﺍلإﺧـلاﺹ. ﻭﻗﺪ ﻋﺰﻣﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺳﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﺭﻭﺳﻴﺎ ﻭﺭﺟﻮﺕُ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﺃﻧـﺰﻭﻱ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺧﺮ ﻋﻤﺮﻱ ﻓﻲ ﻣﻐﺎﺭﺓ. ﻓﺠﻌﻞ ﺃﺭﺣﻢُ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ (ﺑﺎﺭلا) ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺓ ﻭﻳﺴّﺮ ﻟﻲ ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﺤﻤّﻞ ﻛﺎﻫﻠﻲ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﻣﺘﺎﻋﺐَ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺓ ﻭﺻﻌﻮﺑﺎﺗﻬﺎ ﺇﻟّﺎ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﺑﻨﻲ ﻣﻦ ﻣﻀﺎﻳﻘﺎﺕ ﺑﺴﺒﺐ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﻭﺭﻳﻮﺏ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﺑﻀﻌﺔُ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﻬﺆلاﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ -ﻭﻗﺪ ﺭﻛﺒﺘﻬﻢ ﺍلأﻭﻫﺎﻡُ ﻇﻨﺎً ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻟﺼﺎﻟﺤﻲ ﻭﻟﺮﺍﺣﺘﻲ- ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﺑﺄﻭﻫﺎﻣﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﻗﺪ ﺟﻠﺒﻮﺍ ﺍﻟﻀﻴﻖَ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﻭﺍﻟﻀﺮﺭ ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻋﻄﻮﺍ ﻟﻠﻤﻨﻔﻴﻴﻦ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻭﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﻭﺃﺧﻠﻮﺍ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺠﺮﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ ﻭﻋﻔﻮﺍ ﻋﻨﻬﻢ، ﻓﻘﺪ ﻣﻨﻌﻮﺍ ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔَ ﻋﻨﻲ ﻇﻠﻤﺎً ﻭﺟﻮﺭﺍً، ﻭﻟﻜﻦ ﺭﺑﻲ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺷﺎﺀ ﺃﻥ ﻳﺒﻘﻴﻨﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﻟﻴﺴﺘﺨﺪﻣﻨﻲ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﻟﻴﺠﻌﻠﻨﻲ ﺃﻛﺘﺐ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻤﻴﺘُﻬﺎ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ، ﻓﺄﺑﻘﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﺑـلا ﺿﺠﺔ ﻭلا ﺿﻮﺿﺎﺀ، ﻭﺣﻮّﻟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ ﺳﺎﺑﻐﺔ.

ﻭﻣﻊ ﺃﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﻤﺤﻮﺍ ﻟﺬﻭﻱ ﺍﻟﻨﻔﻮﺫ ﻭﺍﻟﺸﻴﻮﺥ ﻭﻟﺮﺅﺳﺎﺀ ﺍﻟﻌﺸﺎﺋﺮ (ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﻔﻴﻴﻦ)، ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺍﻟﻤﺪﺍﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﺩﻧﻴﺎﻫﻢ، ﺑﺎﻟﺒﻘﺎﺀ ﻓﻲ ﺍلأﻗﻀﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﻭﺳﻤﺤﻮﺍ لأﻗﺎﺭﺑﻬﻢ ﻭﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻌﺎﺭﻓﻬﻢ ﺑﺰﻳﺎﺭﺗﻬﻢ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻓﺮﺿﻮﺍ ﻋﻠﻲّ ﺣﻴﺎﺓَ ﺍﻟﻌﺰﻟﺔ ﻇﻠﻤﺎً ﻭﻋﺪﻭﺍﻧﺎً ﻭﺃﺭﺳﻠﻮﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻳﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ. ﻭﻟﻢ ﻳﺴﻤﺤﻮﺍ لأﻗﺎﺭﺑﻲ ﻭلا لأﻫﻞ ﺑﻠﺪﺗﻲ -ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﺍﺛﻨﻴﻦ- ﺑﺰﻳﺎﺭﺗﻲ. ﻓﻘﻠﺐ ﺧﺎﻟﻘﻲ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺰﻟﺔَ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ ﻏﺎﻣﺮﺓ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ، ﺇﺫ ﺟﻌﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺰﻟﺔ ﻭﺳﻴﻠﺔً ﻟﺼﻔﺎﺀ ﺫﻫﻨﻲ ﻭﺗﺨﻠﻴﺼﻪ ﻣﻦ ﺗﻮﺍﻓﻪ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﺗﻮﺟﻴﻬﻪ ﻟـلاﺳﺘﻔﺎﺿﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺎﺋﻪ ﻭﻧﻘﺎﺋﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻥَّ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﺳﺘﻜﺜﺮﻭﺍ ﻋﻠﻲّ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺀ ﺣﺘﻰ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺃﻭ ﺭﺳﺎﻟﺘﻴﻦ ﺍﻋﺘﻴﺎﺩﻳﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺪﺓ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﻛﺎﻣﻠﺘﻴﻦ. ﺑﻞ ﺇﻧﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ لا ﻳﺮﺗﺎﺣﻮﻥ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺤﻀﺮ ﻟﺰﻳﺎﺭﺗﻲ ﺿﻴﻒٌ ﺃﻭ ﺿﻴﻔﺎﻥ ﻣﺮﺓ ﻛﻞ ﻋﺸﺮﺓ ﺃﻳﺎﻡ ﺃﻭ ﻛﻞ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﺃﻭ ﻛﻞ ﺷﻬﺮ، ﻣﻊ ﺃﻥ ﻏﺮﺽ ﺍﻟﺰﻳﺎﺭﺓ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺛﻮﺍﺏ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻟﻴﺲ ﺇلا. ﻓﺎﺭﺗﻜﺒﻮﺍ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻓﻲ ﺣﻘﻲ، ﻭﻟﻜﻦ ﺭﺑﻲ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﻭﺧﺎﻟﻘﻲ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺑﺪّﻝ ﻟﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻈﻠﻢَ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ، ﺇﺫ ﺃﺩﺧﻠﻨﻲ ﻓﻲ ﺧﻠﻮﺓ ﻣﺮﻏﻮﺑﺔ ﻭﻋﺰﻟﺔ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻬﻮﺭ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﺴﺐ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺴﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ. ﻓﺎﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ.

ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺣﺎﻟﻲ ﻭﻇﺮﻭﻑ ﺭﺍﺣﺘﻲ.

    سـﺅﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:

ﻟِﻢَ لا ﺗﺮﺍﺟﻊ (ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﻦ) ﻟﻠﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺷﻬﺎﺩﺓ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻣﺤﻜﻮﻡٌ ﻟﻠﻘﺪَﺭ ﻭﻟﺴﺖ ﻣﺤﻜﻮﻣﺎً لأﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻟﺬﺍ ﺃﺭﺍﺟﻊ ﺍﻟﻘﺪﺭ. ﻭﺃﺭﺣﻞ ﻣﻦ ﻫﻬﻨﺎ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺳﻤﺢ ﺍﻟﻘﺪَﺭ ﻭﻗﻄﻊ ﺭﺯﻗﻲ ﻫﻨﺎ.

ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻫﻲ ﺃﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﻴﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺳﺒﺒﻴﻦ:

  ﺍلأﻭﻝ: ﺳﺒﺐٌ ﻇﺎﻫﺮ. ﻭﺍلآﺧﺮ: ﺣﻘﻴﻘﻲ.

ﻭﻗﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﺒﺒﺎً ﻇﺎﻫﺮﺍً ﻭﺃﺗﻮﺍ ﺑﻲ ﺇﻟﻰ ﻫﻬﻨﺎ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭُ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﻓﺤَﻜﻢ ﻋﻠﻲّ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﺰﻟﺔ. ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻇَﻠَﻢَ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻓﻘﺪ ﻋَﺪﻝَ.

ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻓﻜّﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻂ: «ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻳﺨﺪﻡ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺈﻓﺮﺍﻁ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ». ﻓﻨﻔﻮﻧﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍلاﺣﺘﻤﺎﻝ، ﻭﻇﻠﻤﻮﺍ ﻇﻠﻤﺎً ﻣﻀﺎﻋﻔﺎً ﺑﺜـلاﺙ ﺟﻬﺎﺕ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻓﻘﺪ ﺭﺃﻯ ﺃﻧﻨﻲ لا ﺃﺧﺪﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺧﺪﻣﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻓﺤﻜَﻢ ﻋﻠﻲّ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻨﻔﻲ، ﻭﺣﻮّﻝ ﻇﻠﻤَﻬﻢ ﺍﻟﻤﻀﺎﻋَﻒ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻘﺪﺭُ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ ﻧﻔﻴﻲ، ﻭﺍﻟﻘﺪﺭُ ﻋﺎﺩﻝٌ، ﻓﺄﻧﺎ ﺃﺭﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺃُﻓﻮﺽ ﺃﻣﺮﻱ ﺇﻟﻴﻪ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ ﺇﻟّﺎ ﺣﺠﺞٌ ﻭﻣﺒﺮﺭﺍﺕ ﺗﺎﻓﻬﺔ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺃﻫﻞِ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ لا ﻳﻌﻨﻲ ﺷﻴﺌﺎً ﻭلا ﻳﺠﺪﻱ ﻧﻔﻌﺎً. ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﺣﻘﺎً ﺃﻭ ﺃﺳﺒﺎﺑﺎً ﻗﻮﻳﺔ ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﺮﺍﺟﻌﺘﻬﻢ.

ﺇﻧﻨﻲ ﺗﺮﻛﺖ ﺩﻧﻴﺎﻫﻢ ﺗﺮﻛﺎً ﻧﻬﺎﺋﻴﺎً -ﺗﺒﺎً ﻟﻬﺎ- ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻋﺮﺿﺖ ﻋﻦ ﺳﻴﺎﺳﺎﺗﻬﻢ ﻛﻠﻴﺎً -ﻭﺗﻌﺴﺎً ﻟﻬﺎ- ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﺎﻭﺭﻫﻢ ﻣﻦ ﺷﻜﻮﻙ ﻭﺃﻭﻫﺎﻡ لا ﺃﺻﻞ ﻟﻬﺎ ﺇﻃـلاﻗﺎً؛ ﻟﺬﺍ لا ﺃﺭﻏﺐ ﻓﻲ ﺃﻥْ ﺃُﺿﻔﻰ ﺻﺒﻐﺔَ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻳﻮﺏ ﻭﺍلأﻭﻫﺎﻡ ﺑﻤﺮﺍﺟﻌﺘﻬﻢ. ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﻟﻲ ﺃﻗﻞ ﺭﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺑﺴﻴﺎﺳﺘﻬﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻃﺮﻑ ﺣﺒﺎﻟﻬﺎ ﺑﺄﻳﺪﻱ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ، ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺗُﻈﻬﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ. ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻧﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﺭﻏﺐ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺟﺮﻳﺪﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻟﻢ ﺍﻗﺮﺃﻫﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ. ﻓﻤﻨﺬ ﺃﺭﺑﻊ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻭﺃﻧﺎ ﻫﻨﺎ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ، ﻟﻢ ﺗَﺒﺪُ ﻣﻨﻲ ﻇﺎﻫﺮﺓٌ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﻮ ﻭﺍﻟﺮﻓﻌﺔ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻮ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﻲ ﺃﺗﺮﻓّﻊ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻜﺬﺏُ.

ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻌﺪﻡ ﻣﺮﺍﺟﻌﺘﻬﻢ ﻫﻮ: ﺃﻥ ﺍﺩﻋﺎﺀ ﺍﻟﺤﻖ ﺇﺯﺍﺀ ﻣَﻦ ﻳﻈﻨﻮﻥ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞَ ﺣﻘﺎً، ﻧﻮﻉٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ، ﻓـلا ﺃﺭﻳﺪ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﻇﻠﻢ ﻛﻬﺬﺍ.

    سـﺅﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:

ﻟِﻢَ لا ﺗﻬﺘﻢ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ ﺑﻤﺠﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ. ﻧﺮﺍﻙ لا ﺗﻐﻴّﺮ ﻣﻦ ﻃﻮﺭِﻙَ ﺃﺻـلا ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. ﺃﻓﺘﺮﺗﺎﺡ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺃﻡ ﺃﻧﻚ ﺗﺨﺎﻑ ﺧﻮﻓﺎً ﻳﺪﻓﻌُﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻜﻮﺕ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻨﻌَﺘْﻨﻲ ﺑﺸﺪﺓ ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺑﻞ ﺃﻧﺴَﺘﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﺇﻟّﺎ ﻓﺈﻥ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻛﻠّﻬﺎ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻟﻢ ﻳﻜﺒّﻠﻨﻲ ﻭلا ﻳﻤﻨﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺻﻠﺔ ﺳﻴﺮﻱ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺭﺍﻩ ﺣﻘﺎً. ﺛﻢ ﻣِﻢَّ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﻮﻓﻲ؟ ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻲ ﻣﻊ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋـلاﻗﺔ ﻏﻴﺮ ﺍلأﺟﻞ، ﺇﺫ ﻟﻴﺲ ﻟﻲ ﺃﻫﻞٌ ﻭﺃﻭلاﺩ ﺃﻓﻜﺮ ﻓﻴﻬﻢ، ﻭلا ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺃﻓﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭلا ﺃﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﺷﺮﻑ ﺍلأﺻﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﺤﺴﺐ ﻭﺍﻟﻨﺴﺐ. ﻭﺭﺣﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﻋﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻤﻌﺔ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﺸﻬﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑﺔ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻴﻬﺎ.. ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ ﺇﻟّﺎ ﺃﺟﻠﻲ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﺣﺪﻩ. ﻭﻣﻦ ﻳﺠﺮﺅ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻪ ﻗﺒﻞ ﺃﻭﺍﻧﻪ. ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻔﻀّﻞ ﺃﺻـلا ﻣﻮﺗﺎً ﻋﺰﻳﺰﺍً ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺓ ﺫﻟﻴﻠﺔ.

ﻭﻟﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻣﺜﻞ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ»؛

   ﻭﻧﺤﻦ ﺃﻧﺎﺱٌ لا ﺗَﻮَﺳّﻂَ ﺑَﻴْﻨﻨﺎ     ﻟﻨﺎ ﺍﻟﺼَﺪْﺭُ ﺩﻭﻥَ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻤﻴﻦَ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺒﺮُ

    ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺗﻤﻨﻌُﻨﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺫﻟﻚ:

ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇلا ﻛﺮﻛﺐٍ ﻭﻗﺎﻓﻠﺔ ﺗﻤﻀﻲ، ﻭﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﺃﻥَّ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﺃﺩّﺕ ﺑﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻨﻘﻊ ﺁﺳﻦ، ﻓﺎﻟﺒﺸﺮﻳﺔُ ﺗﺘﻌﺜﺮ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﻫﺎ ﻓﻬﻲ لا ﺗﻜﺎﺩ ﺗﻘﻮﻡ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﺃﻭﺣﺎﻝ ﻣﻠﻮﺛﺔ ﻣﻨﺘﻨﺔ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺁﻣﻨﺔ.

ﻭﻗﺴﻢ ﺁﺧﺮ ﻗﺪ ﻭﺟﺪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻟﺘُﻨﺠﻴﻪ -ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻉ- ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺣﻞ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻊ.

ﻭﻗﺴﻢ ﺁﺧﺮ ﻭﻫﻢ ﺍلأﻏﻠﺒﻴﺔ ﻳﻤﻀﻮﻥ ﻭﺳﻂ ﻇـلاﻡ ﺩﺍﻣﺲ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻊ ﺍﻟﻤُﻮﺣﻞ ﺍﻟﻤﺘﺴﺦ.

ﻓﺎﻟﻌﺸﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﻫﺆلاﺀ ﻳﻠﻄّﺨﻮﻥ ﻭﺟﻮﻫَﻬﻢ ﻭﺃﻋﻴﻨﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻮﺣﻞ ﺍﻟﻘﺬﺭ ﻇﻨﺎً ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻧﻪ ﺍﻟﻤِﺴﻚ ﻭﺍﻟﻌﻨﺒﺮ، ﺑﺴﺒﺐ ﺳُﻜﺮﻫﻢ. ﻓﺘﺎﺭﺓ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﻭﺃﺧﺮﻯ ﻳﻘﻌﻮﻥ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻤﻀﻮﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﻐﺮﻗﻮﻥ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ، ﻓﻬﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻊ ﻭﻳﺘﺤﺴﺴﻮﻥ ﻋﻔﻮﻧﺘﻪ ﻭﻗﺬﺍﺭﺗﻪ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﺣﺎﺋﺮﻭﻥ، ﺇﺫ ﻳﻌﺠﺰﻭﻥ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍلآﻣﻨﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻋـلاﺟﺎﻥ ﺍﺛﻨﺎﻥ ﺇﺯﺍﺀ ﻫﺆلاﺀ:

   ﺃﻭﻟﻬﻤﺎ: ﺇﻳﻘﺎﻅ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﻤﺨﻤﻮﺭﻳﻦ ﺑﺎﻟﻤﻄﺮﻗﺔ.

   ﻭﺛﺎﻧﻴﻬﺎ: ﺇﺭﺍﺀﺓ ﻃﺮﻳﻖ ﺍلأﻣﺎﻥ ﻭﺍﻟﺨـلاﺹ ﻟﻠﺤﺎﺋﺮﻳﻦ ﺑﺈﻇﻬﺎﺭ ﻧﻮﺭ ﻟﻬﻢ (ﺃﻱ ﺑﺎلإﺭﺷﺎﺩ).

ﻓﺎﻟﺬﻱ ﺃﺭﺍﻩ ﺃﻥ ﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﺭﺟـلا ﻳﻤﺴﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﻄﺮﻗﺔ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻈﻞ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺤﺎﺋﺮﻭﻥ ﺍﻟﺒﺎﺋﺴﻮﻥ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳُﺒﺼّﺮﻭﺍ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺃُﺑﺼﺮﻭﺍ ﻓﺈﻥ ﻫﺆلاﺀ ﻟﻜﻮﻧﻬﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻋﺼﺎ ﻭﻧﻮﺭﺍً ﻣﻌﺎً ﻓـلا ﻳﻮﺛَﻖ ﺑﻬﻢ. ﻓﻴﺤﺎﻭﺭ ﺍﻟﺤﺎﺋﺮ ﻧﻔﺴَﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ ﻭﺍﺿﻄﺮﺍﺏ: ﺗُﺮﻯ ﺃﻳُﺮﻳﺪ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺪﺭﺟﻨﻲ ﺑﺎﻟﻨﻮﺭ ﻟﻴﻀﺮﺑﻨﻲ ﺑﺎﻟﻤﻄﺮﻗﺔ؟. ﺛﻢ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﺤﻄﻢ ﺍﻟﻤﻄﺮﻗﺔُ ﺑﺎﻟﻌﻮﺍﺭﺽ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً، ﻳﺬﻫﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭُ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﺩﺭﺍﺝ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﺃﻭ ﻳﻨﻄﻔﺊ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻊ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلإﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﺑﺜﺔ ﺍﻟﻤﻠﻮﺛﺔ ﺍﻟﻐﺎﻓﻠﺔ ﺍﻟﻤﻠﻄﺨﺔ ﺑﺎﻟﻀـلاﻟﺔ.

ﻭﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻤﺨﻤﻮﺭﻭﻥ ﻫﻢ ﺍﻟﻤﺘﻤﺮﺩﻭﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻠﺬﺫﻭﻥ ﺑﺎﻟﻀـلاﻟﺔ.

ﻭﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺤﺎﺋﺮﻭﻥ ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﻤﺌﺰﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻬﻢ ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺍﻟﺨـلاﺹ ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ لا ﻳﻬﺘﺪﻭﻥ ﺳﺒﻴـلا.. ﻓﻬﻢ ﺣﺎﺋﺮﻭﻥ.

ﺃﻣﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭﻕ ﻓﻬﻲ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﺃﻣﺎ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﻓﻬﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺎﻟﻨﻮﺭ لا ﺗﺜﺎﺭ ﺣﻴﺎﻟﻪ ﺍﻟﻀﺠﺔُ ﻭلا ﻳﻘﺎﺑَﻞ ﺑﺎﻟﻌﺪﺍﺀ ﻗﻄﻌﺎً، ﻭلا ﻳﻨﻔﺮ ﻣﻨﻪ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥُ ﺍﻟﺮﺟﻴﻢ.

ﻭﻟﺬﻟﻚ، ﻗﻠﺖ: «ﺃﻋﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ» ﻟﻜﻲ ﺃﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﻭﺍﻋﺘﺼﻤﺖ ﺑﻜﻠﺘﺎ ﻳﺪﻱّ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ، ﻣﻠﻘﻴﺎً ﻣﻄﺮﻗﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺟﺎﻧﺒﺎً.

ﻭﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ -ﺳﻮﺍﺀً ﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻘﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ- ﻋﺸﺎﻗﺎً ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ. ﻓﺎﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻠﻘﻰ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻊ ﻃﺎﻫﺮ ﺯﻛﻲ ﻣﺒﺮﺃٌ ﻣﻦ ﻣﻮﺣﻴﺎﺕ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍلاﻧﺤﻴﺎﺯﺍﺕ ﺍﻟﻤُﻐﺮﺿﺔ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ، ﻭﻳُﺮﺷﺪ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻡ ﺃﺭﻓﻊ ﻭﺃﺳﻤﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎً، لا ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﺗﺤﺠﺐ ﻋﻨﻪ ﺟﻬﺔٌ، ﻭلا ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻊ ﺷﺒﻬﺔ ﻓﺌﺔ، ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ. ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻟّﺎ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻈﻨﻮﻥ ﺍﻟﻜﻔﺮَ ﻭﺍﻟﺰﻧﺪﻗﺔ ﺳﻴﺎﺳﺔً ﻓﻴﻨﺤﺎﺯﻭﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭﻫﺆلاﺀ ﻫﻢ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺃﻧﺎﺳﻲ ﺃﻭ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻓﻲ ﺃﺟﺴﺎﺩ ﺑﺸﺮ.

ﻭﺣﻤﺪﺍً ﻟﻠﻪ ﻓﺈﻧﻨﻲ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺠﺮﺩﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻢ ﺃﺑﺨﺲ ﻗﻴﻤﺔَ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺛﻤﻦ ﻣﻦ ﺍلأﻟﻤﺎﺱ ﻭﻟﻢ ﺃﺟﻌﻠﻬﺎ ﺑﺘﻔﺎﻫﺔ ﻗﻄﻊ ﺯﺟﺎﺟﻴﺔ ﺑﺘﻬﻤﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. ﺑﻞ ﺗﺰﻳﺪ ﻗﻴﻤﺔُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮّ ﺍلأﻳﺎﻡ ﻭﺗﺘﺄﻟﻖ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ.

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ (ﺍلأﻋﺮﺍﻑ:43).

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ الباقي

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ