باسمه سبحانه

 ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

    (ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺛـلاﺙ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻣﻬﻤﺔ)

   ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻥَّ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀَ ﻣﺸﻬﻮﺭﻳﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝَ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ (ﻗﺪﺱ ﺳﺮﻩ) ﺻﺎﺣﺐ ﻛﺘﺎﺏ «ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ ﺍﻟﻤﻜﻴﺔ» ﻭﺍﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺠﻴﻠﻲ (ﻗﺪﺱ ﺳﺮﻩ) ﺻﺎﺣﺐ ﻛﺘﺎﺏ «ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ» ﻳﺒﺤﺜﻮﻥ ﻓﻲ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺴﺒﻊ، ﻭﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ ﺧﻠﻒ ﺟﺒﻞ ﻗﺎﻑ، ﻭﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻛﺎﻟﻤﺸﻤﺸﻴﺔ -ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ- ﻭﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﻨﺎ! ﻓﻬﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮﻧﻪ ﺻﺪﻕٌ ﻭﺻﻮﺍﺏ؟ ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻲ ﺃﺭﺿﻨﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ! ﻭﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ ﺗﻨﻜﺮ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮﻧﻪ! ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺃﻗﻮﺍﻟُﻬﻢ ﺻﻮﺍﺑﺎً ﻓﻜﻴﻒ ﺃﺻﺒﺤﻮﺍ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀَ ﺻﺎﻟﺤﻴﻦ، ﺇﺫ ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻗﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫَﺪ ﻭﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺱ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ!.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﻫﻢ ﺃﻳﻀﺎً ﺃَﻫﻞُ ﻭلاﻳﺔ ﻭﺷﻬﻮﺩ، ﻓﻤﺎ ﺷﺎﻫﺪﻭﻩ ﻓﻘﺪ ﺭﺃَﻭﻩ ﺣﻘﺎً، ﻭﻟﻜﻦ ﻳﻘﻊ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻓﻲ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺃﺣﻜﺎﻣﻬﻢ، ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪﺍﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺿﻮﺍﺑﻂَ ﻟﻬﺎ ﻭلا ﺣﺪﻭﺩ، ﻭﻓﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺭﺅﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﺮﺅﻯ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺣﻖّ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻬﺎ.

ﺇﺫ ﻛﻤﺎ لا ﻳﺤﻖ ﻟﺼﺎﺣﺐ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺎﻩ ﺑﻨﻔﺴﻪ، ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﻘﺴﻢُ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻜﺸﻒ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﺃﻥْ ﻳﻌﺒّﺮﻭﺍ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪﺍﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ، ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ. ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺤﻖ ﻟﻪ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺍﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻢ ﻭﺭﺛﺔُ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﻴﻦ ﺑﺎلأﺻﻔﻴﺎﺀ. ﻭلا ﺭﻳﺐ ﺃﻥَّ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﻫﺆلاﺀ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮﻗَﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﺳﻴﺪﺭﻛﻮﻥ ﺃﺧﻄﺎﺀﻫﻢ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺈﺭﺷﺎﺩ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﻳﺼﺤﺤﻮﻧﻬﺎ. ﻭﻗﺪ ﺻﺤﺤﻬﺎ ﻓﻌـلا ﻗﺴﻢٌ ﻣﻨﻬﻢ.

ﻓﺎﺳﺘﻤﻊ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻴﺔ ﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﻫﻲ:

ﺍﺻﻄﺤﺐَ ﺭﺍﻋﻴﺎﻥِ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺼَّـلاﺡ ﻓﺤﻠﺒﺎ ﻣﻦ ﻏﻨﻤﻬﻤﺎ ﺍﻟﻠﺒﻦَ ﻭﻭﺿﻌﺎﻩ ﻓﻲ ﺇﻧﺎﺀ ﺧﺸﺒﻲ ﻭﻭﺿﻌﺎ ﺍﻟﻨﺎﻱ ﺍﻟﻘﺼﺒﻲ ﻓﻮﻕ ﺣﺎﻓﺘﻲ ﺍﻟﺼﺤﻦ. ﺛﻢ ﺷﻌﺮ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﺎﻟﻨﻌﺎﺱ، ﻭﻣﺎ ﻓﺘﺊ ﺃﻥ ﻏﻠﺒَﻪ ﺍﻟﻨﻮﻡُ، ﻓﻨﺎﻡ ﻭﺍﺳﺘﻐﺮﻕ ﻓﻲ ﻧﻮﻣﻪ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻘﺪ ﻇﻞ ﻣﺴﺘﻴﻘﻈﺎً ﻳﺮﻗﺐ ﺻﺎﺣﺒَﻪ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻪ ﻳﺮﻯ ﻭﻛﺄﻥ ﺷﻴﺌﺎً ﺻﻐﻴﺮﺍً -ﻛﺎﻟﺬﺑﺎﺑﺔ- ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺃﻧﻒ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺍﻟﻨﺎﺋﻢ، ﺛﻢ ﻳﻤﺮُﻕ ﺳﺮﻳﻌﺎً ﻭﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ ﺍلإﻧﺎﺀ ﻧﺎﻇﺮﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺒﻦ ﺛﻢ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻓﻮﻫﺔ ﺍﻟﻨﺎﻱ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ ﻃﺮﻓﻴﻪ ﻭﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻓﻮﻫﺔ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍلآﺧﺮ، ﺛﻢ ﻳﻤﻀﻲ ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺛﻘﺐ ﺻﻐﻴﺮ ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻘﺘﺎﺩ ﺍﻟﺸﻮﻛﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ.

ﺛﻢ ﻳﻌﻮﺩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺑﻌﺪ ﻣﺪﺓ ﻭﻳﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﻱ ﺃﻳﻀﺎً ﻭﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍلآﺧﺮ ﻣﻨﻪ، ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﺎﺋﻢ ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﻧﻔﻪ.. ﻭﻫﻨﺎ ﻳﺴﺘﻴﻘﻆ ﺍﻟﻨﺎﺋﻢ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻪ، ﻭﻳﺼﺤﻮ ﻗﺎﺋـلا ﻟﺼﺪﻳﻘﻪ:

– ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻓﻲ ﻏﻔﻮﺗﻲ ﻫﺬﻩ ﺭﺅﻳﺎ ﻋﺠﻴﺒﺔ!

– ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﺭﻧﺎ ﺧﻴﺮﺍً ﻭﺃﺳﻤِﻌﻨﺎ ﺧﻴﺮﺍً.. ﻗﻞ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻣﺎﺫﺍ ﺭﺃﻳﺖ؟

– ﺭﺃﻳﺖ ﻭﺃﻧﺎ ﻧﺎﺋﻢ، ﺑﺤﺮﺍً ﻣﻦ ﻟﺒﻦ، ﻭﻗﺪ ﻣُﺪَّ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﺴﺮٌ ﻋﺠﻴﺐ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﺴﺮ ﻣﺴﻘﻔﺎً، ﻭﻟﺴﻘﻔﻪ ﻧﻮﺍﻓﺬ، ﻣﺮﺭﺕُ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﺮ، ﻭﺭﺃﻳﺖ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻏﺎﺑﺔ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﺫﺍﺕ ﺃﺷﺠﺎﺭ ﻣﺪﺑﺒﺔ. ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﺘﻌﺠﺒﺎً ﺭﺃﻳﺖ ﻛﻬﻔﺎً ﺗﺤﺖ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻓﺴﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺩﺧﻠﺖ ﻓﻴﻪ، ﻭﺭﺃﻳﺖ ﻛﻨﺰﺍً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﻣﻦ ﺫﻫﺐ ﺧﺎﻟﺺ.

ﻓﻘﻞ ﻟﻲ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ، ﻣﺎ ﺗﺮﻯ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺎﻱ ﻫﺬﻩ، ﻭﻛﻴﻒ ﺗﻌﺒّﺮﻫﺎ ﻟﻲ؟ ﺃﺟﺎﺑﻪ ﺻﺪﻳﻘُﻪ ﺍﻟﺼﺎﺣﻲ:

– ﺇﻥَّ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺘَﻪ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻠﺒﻦ ﻫﻮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﺒﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺎﺀ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻮﻗﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﺎﻱ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻓﻮﻕ ﺣﺎﻓﺘﻴﻪ، ﻭﺍﻟﺮﺅﻭﺱ ﺍﻟﻤﺸﻮﻛﺔ ﻟﻸ ﺷﺠﺎﺭ ﻫﻲ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻘﺘﺎﺩ ﻫﺬﻩ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﻬﻒ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻫﻮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺜﻘﺐ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ، ﺗﺤﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺒﺘﺔ ﺍﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻨﺎ. ﻓﻬﺎﺕ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﺍﻟﻤﻌﻮَﻝ لأﺭﻳﻚ ﺍﻟﻜﻨﺰ ﺑﻨﻔﺴﻲ. ﻓﻴﺄﺗﻲ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﻮَﻝ ﻭﻳﺒﺪﺁﻥ ﺍﻟﺤﻔﺮ ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻘﺘﺎﺩ، ﻭﻟﻢ ﻳﻠﺒﺜﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻜﺸﻒ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﻌﺪﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﻛﻨﺰ ﺫﻫﺒﻲ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﺭﺁﻩ ﺍﻟﻨﺎﺋﻢ ﻓﻲ ﻧﻮﻣﻪ ﺻﻮﺍﺏ ﻭﺻﺤﻴﺢ، ﻭﻗﺪ ﺭﺃﻯ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺻﺪﻗﺎً، ﻭﻟﻜﻦ لأﻧﻪ ﻣﺴﺘﻐﺮﻕ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ، ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ لا ﺿﻮﺍﺑﻂَ ﻟﻪ ﻭلا ﺣﺪﻭﺩ، ﻓـلا ﻳﺤﻖ ﻟﻠﺮﺍﺋﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺭﺅﻳﺎﻩ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ، ﻟﺬﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﻪ ﺧﻄﺄ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ ﺻﺎﺩﻗﺎً: ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﺑﺤﺮﺍً ﻣﻦ ﻟﺒﻦ. ﻭﻟﻜﻦ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻞ ﺻﺎﺣﻴﺎً ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻤﻴﺰ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﻭﻳﻔﺮﺯﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻓﻠﻪ ﺣﻖ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺣﻴﺚ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﻗﺎﺋـلا:

– ﺇﻥَّ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﺣﻖ ﻭﺻﺪﻕ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺃﻳﺘَﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﺤﺮﺍً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً، ﺑﻞ ﻗﺪ ﺻﺎﺭ ﺇﻧﺎﺀُ ﺍﻟﻠﺒﻦ ﺍﻟﺨﺸﺒﻲ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺎﻙ ﻛﺄﻧﻪ ﺍﻟﺒﺤﺮ، ﻭﺻﺎﺭ ﺍﻟﻨﺎﻱُ ﻛﺎﻟﺠﺴﺮ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ..

ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰُ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ، ﻓﻠﻮ ﻣﺰﺟﺎ ﻣﻌﺎً، ﺗﺄﺗﻲ ﺃﺣﻜﺎﻣُﻬﻤﺎ ﺧﻄﺄً ﻭلا ﻧﺼﻴﺐَ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺤﺔ.

ﻭﻣﺜﺎﻝ ﺁﺧﺮ: ﻫَﺐْ ﺃﻥ ﻟﻚ ﻏﺮﻓﺔً ﺿﻴﻘﺔ، ﻭﺿﻌﺖَ ﻓﻲ ﺟﺪﺭﺍﻧﻬﺎ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻛﺒﻴﺮﺓ، ﺗﻐﻄﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﺠﺪﺍﺭَ ﻛﻠَّﻪ، ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﻏﺮﻓﺘﻚ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﻗﺪ ﺍﺗﺴﻌﺖ ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﻛﺎﻟﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﻔﺴﻴﺤﺔ، ﻓﺈﺫﺍ ﻗﻠﺖَ:

– ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺭﻯ ﻏﺮﻓﺘﻲ ﻛﺴﺎﺣﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ.. ﻓﺈﻧﻚ لا ﺷﻚ ﺻﺎﺩﻕ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻚ.

– ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﺣﻜﻤﺖَ ﻭﻗﻠﺖ:

– ﻏﺮﻓﺘﻲ ﻭﺍﺳﻌﺔٌ ﺳﻌﺔَ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ ﻓﻌـلا.. ﻓﻘﺪ ﺃﺧﻄﺄﺕَ ﻓﻲ ﺣﻜﻤﻚ، لأﻧﻚ ﻗﺪ ﻣﺰﺟﺖ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ، ﻭﻫﻮ ﻫﻨﺎ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ، ﺑﻌﺎﻟَﻢ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﻫﻮ ﻫﻨﺎ ﻋﺎﻟَﻢ ﻏﺮﻓﺘﻚ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻌـلا.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺒﻴّﻦَ ﺃﻥَّ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﻟﺴﻨﺔ ﺑﻌﺾ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺸﻒ، ﺃﻭ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﻛﺘﺒﻬﻢ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻟﻠﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺼﻮﻳﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺰِﻧﻮﺍ ﺑﻴﺎﻧﺎﺗِﻬﻢ ﺑﻤﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ لا ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻲ ﻟﻸ ﺭﺽ. ﺇﺫ ﻗﺎﻟﻮﺍ:

ﺇﻥ ﻃﺒﻘﺔً ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍلأﺭﺽ ﺧﺎﺻﺔٌ ﺑﺎﻟﺠﻦ ﻭﺍﻟﻌﻔﺎﺭﻳﺖ ﻭﻟﻬﺎ ﺳﻌﺔ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ. ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻗﻄﻌُﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﺳﻨﻴﻦ لا ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺍﻟﺴﻌﺔ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﻓﺮﺿﻨﺎ ﺃﻥَّ ﻛﺮﺗﻨﺎ ﺍلأﺭﺿﻴﺔَ ﻛﺒﺬﺭﺓ ﺻﻨﻮﺑﺮ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ، ﻓﺈﻥَّ ﺷﺠﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﻨﺒﺜﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻛﺸﺠﺮﺓ ﺻﻨﻮﺑﺮ ﺿﺨﻤﺔ ﺟﺪﺍً ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﻳﺮﻭﻥ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺳﻴﺮﻫﻢ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍلأﺭﺽ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﺍﺳﻌﺔً ﺳﻌﺔً ﻣﻬﻮﻟﺔ ﺟﺪﺍً، ﻓﻴﺸﺎﻫﺪﻭﻧﻬﺎ ﺑﺴﻌﺔ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ. ﻓﻤﺎ ﻳﺮﻭﻧَﻪ ﺻﺪﻕٌ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ. ﻭﻟﻜﻦ لأﻥ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺷﺒﻴﻪٌ ﺻﻮﺭﺓً ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻓﻬﻢ ﻳﺮﻭﻧﻬﻤﺎ -ﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻤﻴﻦ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ- ﻣﻤﺰﻭﺟﻴﻦ ﻣﻌﺎً. ﻓﻴﻌﺒّﺮﻭﻥ ﻋﻤﺎ ﻳﺸﺎﻫﺪﻭﻥ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ. ﻭﻟﻜﻦ لأﻥَّ ﻣﺸﻬﻮﺩﺍﺗِﻬﻢ ﻏﻴﺮُ ﻣﻮﺯﻭﻧﺔ ﺑﻤﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﻳﺴﺠﻠﻮﻧَﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺒﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻮﺩﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺼﺤﻮ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺘﻠﻘﻮﻧﻬﺎ ﺧـلاﻑ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩَ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﻟﻘﺼﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﺣﺪﻳﻘﺔ ﻓﻴﺤﺎﺀ ﺗﺴﺘﻮﻋﺒﻪ ﻣﺮﺁﺓٌ ﺻﻐﻴﺮﺓ، ﻛﺬﻟﻚ ﺳﻌﺔُ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ، ﻭﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺗﺴﺘﻮﻋﺒﻬﺎ ﻣﺴﺎﻓﺔُ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ.

 خـﺍﺗﻤﺔ

ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ: ﺃﻥَّ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﺃﻭﻃﺄُ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺩﺭﺟﺔ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ. ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻜﺸﻔﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺿﻮﺍﺑﻂَ ﻟﻬﺎ ﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺪﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺷﻬﻮﺩﻫﻢ ﻓﻘﻂ، لا ﺗﺒﻠﻎ ﺃﺣﻜﺎﻡَ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﻣﻦ ﻭﺭﺛﺔ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ لا ﻳﺴﺘﻨﺪﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﺑﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﻮﺣﻲ، ﻓﻴﺼﺪﺭﻭﻥ ﺃﺣﻜﺎﻣَﻬﻢ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺴﺪﻳﺪﺓ. ﻓﻬﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻏﻴﺒﻴﺔ ﺇلا ﺃﻧﻬﺎ ﺻﺎﻓﻴﺔٌ لا ﺷﺎﺋﺒﺔَ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﻫﻲ ﻣﺤﺪﺩﺓٌ ﺑﻀﻮﺍﺑﻂ، ﻭﻣﻮﺯﻭﻧﺔٌ ﺑﻤﻮﺍﺯﻳﻦ.

ﺇﺫﻥ ﻓﻤﻴﺰﺍﻥُ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﺸﻔﻴﺎﺕ ﻭﺍلأﺫﻭﺍﻕ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺍﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ: ﺩﺳﺎﺗﻴﺮُ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ، ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻦُ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﺍﻟﺤﺪﺳﻴﺔ.

   ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ

ﺳﺆﺍﻝ: ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﻣﻦ ﺃﺭﻓﻊ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ، ﺑﻴﻨﻤﺎ لا ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻟﻬﺎ ﺃﺛﺮﺍً ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻭﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻭﻥ، ﻭلا ﻋﻨﺪ ﺃﺋﻤﺔ ﺁﻝ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﻮﻥ ﺑﺂﻝ ﺍﻟﻌﺒﺎﺀ، ﻭلا ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻭﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ ﺍلأﺋﻤﺔ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ، ﻭلا ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ. ﻓﻬﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺗﻮﺍ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻛﺘﺸﻔﻮﺍ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﺃﺳﻤﻰ ﻭﺃﺭﻓﻊ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ؟ ﻭﻫﻞ ﺳﺒَﻘﻮﻫﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻀﻤﺎﺭ؟!

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻛـلا.. ﻭﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍلأﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ، ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻭﺭ ﺃﺣﺪ ﻛﺎﺋﻨﺎً ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﺃﻥْ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﻗﺮﺏَ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟـلاﻣﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﻮﺍﺭﺛﻴﻦ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﻛﻨﻮﺯ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺒﻘﻮﻫﻢ. ﻓﺎﻟﺼﺮﺍﻁ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻃﺮﻳﻘُﻬﻢ ﻭﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﻘﻮﻳﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻨﻬﺠﻬﻢ.

ﺃﻣﺎ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻬﻲ ﻣﺸﺮﺏٌ ﻭﻧﺰﻋﺔٌ ﻭﺣﺎﻝ ﻭﻫﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻧﺎﻗﺼﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻣﺸﺮّﺑﺔ ﺑﻠﺬﺓ ﻭﺟﺪﺍﻧﻴﺔ ﻭﻧﺸﻮﺓ ﺭﻭﺣﻴﺔ ﻓﺈﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮﻧﻬﺎ ﺃﻭ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ لا ﻳﺮﻏﺒﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﻐﺎﺩﺭﺗﻬﺎ ﻓﻴﺒﻘﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ، ﻇﺎﻧﻴﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍلأﺧﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺴﻤﻮ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻭلا ﻳﻄﺎﻟﻬﺎ ﺃﻓﻖ. ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥَّ ﺻﺎﺣﺐَ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ، ﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﺫﺍ ﺭﻭﺡ ﻣﺘﺠﺮﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﻣﻦ ﻭﺳﺎﺋﻠﻬﺎ ﻭﻣﺰﻗﺖ ﺳﺘﺎﺭَ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺗﺤﺮﺭﺕ ﻣﻦ ﻗﻴﻮﺩﻫﺎ ﻭﻧﺎﻟﺖ ﺷﻬﻮﺩﺍً ﻓﻲ ﻟُﺠّﺔ ﺍلاﺳﺘﻐﺮﺍﻕ ﺍﻟﻜﻠﻲ، ﻓﺈﻥّ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻗﺪ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺓ ﻭﺟﻮﺩ ﺣﺎﻟﻲ لا ﻋﻠﻤﻲ، ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﻭﺣﺪﺓ ﺷﻬﻮﺩ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻓﺘﺤﻘﻖ ﻟﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﻛﻤﺎلا ﻭﻣﻘﺎﻣﺎً ﺧﺎﺻﺎً ﺑﻪ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﺗﻮﺻﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪ ﺗﺮﻛﻴﺰ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻪ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ.

ﺃﻣﺎ ﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﺻﺎﺣﺐُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻏﺮﻗَﺘﻬﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﺃﺳﺒﺎﺑﻬﺎ. ﻓﺈﻥَّ ﺍﺩﻋﺎﺀﻩ ﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻗﺪ ﺗﺆﺩﻱ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻟﻜﻮﻥ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻪ ﻣﻨﺤﺼﺮﺍً ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻜﻮﻥ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺼﺮﺍﻁَ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﻟﻬﻮ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻭﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥَّ  ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺛﺎﺑﺘﺔ  ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﺪﻳﻬﻢ، ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻥ ﺍلأﺩﺏ ﺍﻟـلاﺋﻖ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻫﻮ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ:١١) ﺃﻱ ﺃﻧﻪ ﻣﻨﺰّﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺒﻴﻪ ﻭﺍﻟﺘﺤﻴﺰ ﻭﺍﻟﺘﺠﺰﺅ. ﻭﺃﻥَّ ﻋـلاﻗﺘَﻪ ﺑﺎﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻋـلاﻗﺔُ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺑﺎﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻓﺎﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﻭﻫﺎﻣﺎً ﻛﻤﺎ ﻳﺪّﻋﻲ ﺃﺻﺤﺎﺏُ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺑﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ. ﺇﺫﻥ ﻓﻠﻴﺲ ﺻﺤﻴﺤﺎً ﻗﻮﻟُﻬﻢ «ﻫﻤﻪ ﺍﻭﺳﺖ» ﺃﻱ «لا ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇلا ﻫﻮ» ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ «ﻫﻤﻪ ﺍﺯ ﺍﻭﺳﺖ» ﺃﻱ «لا ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇﻟّﺎ ﻣﻨﻪ» ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺎﺕِ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥْ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢَ ﻧﻔﺴَﻪ، ﺃﻱ ﺃﺯﻟﻴﺔ.

ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺮﻳﺐ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺫﻫﺎﻥ ﺑﻤﺜﺎﻟﻴﻦ:

ﺍلأﻭﻝ: ﻟﻨﻔﺮﺽ ﺃﻥَّ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎً، ﻭﺃﻥَّ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺩﺍﺋﺮﺓَ ﻋﺪﻝ، ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻤﺜﻠﺔ لاﺳﻢ «ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ». ﻭﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻫﻮ «ﺧﻠﻴﻔﺔ» ﺇﺫﻥ ﻓﺈﻥ ﻟﻪ ﺩﺍﺋﺮﺓً ﺗﻌﻜﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺫﻟﻚ ﺍلاﺳﻢ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻳﺤﻤﻞ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﺠﻴﺶ» ﻟﺬﺍ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﺫﻟﻚ ﺍلاﺳﻢ. ﻓﺎﻟﺠﻴﺶ ﻣﻈﻬﺮ ﻟﻬﺬﺍ ﺍلاﺳﻢ. ﻭﺍلآﻥ ﺇﺫﺍ ﻗﻴﻞ ﺑﺄﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻫﻮ «ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ» ﻓﻘﻂ ﻭﺃﻧﻪ لا ﺗﻮﺟﺪ ﺳﻮﻯ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺲ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍلاﻋﻈﻢ، ﻓﻔﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺑﻴﻦ ﻣﻮﻇﻔﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﺻﻔﺔٌ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻳﺔ -ﻏﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ- لأﻭﺻﺎﻑ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻬﻢ، ﺃﻱ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳُﺘَﺼﻮَّﺭَ ﺻﻔﺔٌ ﻇﻠﻴﺔ ﻭﺗﺎﺑﻌﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﻮﻇﻔﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﻝ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ، ﺇﺫ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﻈﻬﺮ ﺃﺣﻮﺍﻟُﻬﺎ ﻭﻣﻌﺎﻣـلاﺗُﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻇﻠﻲ ﻭﻓﺮﺿﻲ ﻭﻏﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﺑﻴﻦ ﻣﻮﻇﻔﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﻫﻜﺬﺍ.

ﺇﺫﻥ ﻓﻔﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻓﺈﻥ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻭﺻﻔﺔ ﺣﺎﻛﻤﻴﺘﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ «ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ» ﻭﺣﺎﻛﻤﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﻝ، ﺃﻣﺎ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﺜﻞ «ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ» ﻭ«ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﺠﻴﺶ»… ﺇﻟﺦ، ﻓﺘﺒﻘﻰ ﻧﺴﺒﻴﺔً ﻭﻏﻴﺮَ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻣﺎﻫﻴﺔُ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔُ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﺗﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭﺃﻥ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻫﻲ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺩﻭﺍﺋﺮَ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔً ﻭﺗﻘﺘﻀﻴﻬﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﺳﻤﺎﺀٍ ﺣﺴﻨﻰ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔٍ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓٍ ﻟﻬﺎ، ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ، ﺍﻟﻮﻫﺎﺏ، ﺍﻟﺨـلاﻕ، ﺍﻟﻔﻌﺎﻝ، ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻬﺎ.

ﻭﺍلآﻥ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺃﺻﺤﺎﺏُ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: «لا ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇﻟّﺎ ﻫﻮ» ﻭﻳُﻨﺰِﻟﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻨﺰﻟﺔَ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻓﺈﻥَّ ﺍﺳﻤﺎﺀَ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ، ﺍلأﺣﺪ، ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ، ﺗﺠﺪ ﻟﻬﺎ ﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﺩﻭﺍﺋﺮﻫﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭﺣﺘﻰ ﺇﻥْ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﻣﺮﺍﻳﺎﻫﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔً -ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ﻭﻋﺪﻣﻴﺔ- ﻓـلا ﺗﻀﺮ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀَ ﺷﻴﺌﺎً، ﺑﻞ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺃﺻﻔﻰ ﻭﺃﻟﻤﻊ ﺇﻥْ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺗﻪ ﻟﻮﻥُ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ لا ﺗﺠﺪ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ، ﺍﻟﻘﻬﺎﺭ، ﺍﻟﺠﺒﺎﺭ، ﺍﻟﺨـلاﻕ، ﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ. ﺑﻞ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻳﺔً ﻭﻧﺴﺒﻴﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻫﻲ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻛﺎﺳﻢ  ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ  ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻇـلا، ﻭﻫﻲ ﺃﺻﻠﻴﺔ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﺎﺑﻌﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥَّ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔَ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻭﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻭﺃﺋﻤﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺸﻴﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ «ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺛﺎﺑﺘﺔ» ﻳُﻘﺮّﻭﻥ ﺑﺄﻥَّ لأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕٍ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔً ﻭﺃﻥ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺟﻮﺩﺍً ﻋﺮَﺿﻴﺎً ﺃﺳﺒﻐﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍلإﻳﺠﺎﺩ. ﻭﻣﻊ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻭﺟﻮﺩﺍً ﻋﺮَﺿﻴﺎً ﻭﺿﻌﻴﻔﺎً ﻭﻇـلا ﻏﻴﺮَ ﺩﺍﺋﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻮﺟﻮﺩ «ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻭَﻫﻤﺎً ﻭﻟﻴﺲ ﺧﻴﺎلا، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﺃﺳﺒﻎَ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺻﻔﺔَ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺑﺘﺠﻠﻲ ﺍﺳﻤﻪ «ﺍﻟﺨـلاﻕ» ﻭﻫﻮ ﻳﺪﻳﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

   ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻟﻨﻔﺮﺽ ﺃﻥَّ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺃﺭﺑﻊَ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺟﺪﺍﺭﻳﺔٍ ﻛﺒﻴﺮﺓٍ ﻣﻮﺿﻮﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺪﺭﺍﻧﻬﺎ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ. ﻓﺼﻮﺭﺓُ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺗﺮﺗﺴﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ، ﻭﻟﻜﻦْ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ ﺗﻌﻜﺲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﺻﻔﺘَﻬﺎ ﻭﻟﻮﻧﻬﺎ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ ﺳﺘﻌﻜﺲ ﻣﻨﻈﺮﺍً ﺧﺎﺻﺎً ﻟﻠﻐﺮﻓﺔ. ﻓﺈﺫﺍ ﺩﺧﻞ ﺭﺟـلاﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﻭﺍﻃﻠﻊ ﺃﺣﺪُﻫﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﺪﻯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺮﻯ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻣﺮﺗﺴﻤﺔً ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﻤﻊ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻮﺭ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺻﻮَﺭ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺁﺗﻪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺸﻐﻞ ﺇﻟّﺎ ﺣﻴﺰﺍً ﺻﻐﻴﺮﺍً ﻣﻨﻬﺎ، ﺑﻌﺪ ﺃﻥْ ﺗﻀﺎﺀﻟﺖ ﺻﻮﺭﺗُﻬﺎ ﻣﺮﺗﻴﻦ ﻭﺗﻐﻴﺮﺕ ﺣﻘﻴﻘﺘُﻬﺎ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺭﻯ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓَ ﻫﻜﺬﺍ. ﺇﺫﻥ ﻓﻬﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻚ ﺗﺮﻯ ﺫﻟﻚ ﻭﻣﺎ ﺗﺮﺍﻩ ﺻﺤﻴﺢ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺃﺧﺮﻯ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﻕ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻭﺿﺌﻴﻠﺔ ﻭﻣﻨﻌﻜﺴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻈِـلاﻝ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﺍﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺗﻚ!

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥَّ ﻛﻞ ﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﺮﺁﺓً ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ ﻛﻞٌّ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﺓ. ﻓﻤﺜـلا: ﺇﻥ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺃﻣﺜﺎﻝ: «ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ» ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﺳﻤﺎﺀَ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔً ﻭﺃﺻﻠﻴﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕٍ لاﺋﻘﺔً ﺑﻬﺎ ﻭﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻣﺤﺘﺎﺟﺔً ﺇﻟﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﻭﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ.

ﻓﻜﻤﺎ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ» ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕٍ ﺣﻴﺔً ﻣﺤﺘﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﻓﺈﻥ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﺟﻨﺔً ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺃﻣﺜﺎﻝ «ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ، ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ، ﺍلأﺣﺪ، ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﻫﻲ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻘﻂ ﻭﺗﻮﻫّﻢ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺗﺎﺑﻌﺔً ﻭﻇِـلا ﻟﻬﺎ، ﺣُﻜﻢٌ ﻏﻴﺮُ ﻋﺎﺩﻝ ﻭﺗﻨﻜّﺐٌ ﻋﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﺍلاﺣﺘﺮﺍﻡ ﻟﻬﺬﻩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ.

ﺇﺫﻥ ﻓﺎﻟﺼﺮﺍﻁ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ، ﺑﻞ ﺻﺮﺍﻁ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺇﻥْ ﻫﻮ ﺇﻟّﺎ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻭﺃﺋﻤﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﺍلأﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻠﻜﻪ ﺍﻟﺘـلاﻣﻴﺬ ﺍلأﻭﻝ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ.

 ﴿ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻚَ لا ﻋِﻠْﻢَ ﻟَﻨَﺎ ﺍِلا ﻣﺎ ﻋَﻠَّﻤْﺘَﻨﺎ ﺍِﻧَّﻚَ ﺍَﻧْﺖَ ﺍﻟْﻌَﻠﻴﻢُ ﺍﻟْﺤَﻜﻴﻢ﴾

﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾

 ﺍﻟﻠّﻬﻢ ﺻَﻞِّ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺃﺭﺳﻠﺘﻪ ﺭﺣﻤﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺻﺤﺒﻪ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ

ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺣﻠّﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﻭلا ﻛﺸﻔﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ.

ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ (ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ:29) ﴿ ﻓﻌّﺎﻝٌ ﻟﻤﺎ ﻳُﺮﻳﺪ﴾ (ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ:16)

ﺳﺆﺍﻝ: ﻣﺎ ﺳﺮُّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴّﺮﺓ ﻟﻸﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﻣﺎ ﺣﻜﻤﺘُﻬﺎ؟ ﻭﻟِﻢَ لا ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕُ ﺍﻟﺪﺍﺋﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ، ﺑﻞ ﺗﺘﺠﺪﺩ ﻭﺗﺘﻐﻴﺮ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥَّ ﺇﻳﻀﺎﺡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺃﻟﻒ ﺻﺤﻴﻔﺔ، ﻓﻨﺪﻉ ﺍلإﻳﻀﺎﺡَ ﺟﺎﻧﺒﺎً ﻭﻧﺤﺼﺮ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏَ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلاﺧﺘﺼﺎﺭ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺘﻴﻦ ﺍﺛﻨﺘﻴﻦ ﻓﻨﻘﻮﻝ:

ﺇﻥَّ ﺷﺨﺼﺎً ﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺩﻯ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻓﻄﺮﻳﺔ، ﺃﻭ ﻗﺎﻡ ﺑﻤﻬﻤﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﺳﻌﻰ ﻓﻲ ﺇﻧﺠﺎﺯﻫﺎ ﺳﻌﻴﺎً ﺣﺜﻴﺜﺎً، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫِﺪ ﻳﺪﺭﻙ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺇﻟّﺎ ﺑﺪﺍﻓﻌﻴﻦ:

  ﺍلأﻭﻝ: ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ ﺑ (ﺍﻟﻌﻠﺔ ﺍﻟﻐﺎﺋﻴﺔ).

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺇﻥَّ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺤﺒﺔً، ﻭﺷﻮﻗﺎً، ﻭﻟﺬﺓ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺃﺩﺍﺋﻪ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻬﺎ ﺑﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﺷﻮﻕ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑ (ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﻭﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻲ).

ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ: ﺇﻥ ﺍلأﻛﻞَ ﻭﻇﻴﻔﺔٌ ﻓﻄﺮﻳﺔ ﻳﺸﺘﺎﻕ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻬﺎ ﺑﺪﺍﻓﻊ ﻣﻦ ﻟﺬﺓ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻬﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺇﻧﻤﺎﺀ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺇﺩﺍﻣﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻸ ﻛﻞ ﻭﺛﻤﺮﺓ ﻟﻪ.

﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔَ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﺮ ﺍلأﻟﺒﺎﺏَ ﻭﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻏﻤﺮﺓ ﺍﻧﺪﻫﺎﺵٍ ﻭﺇﻋﺠﺎﺏ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ، ﻭﺗﺠﺮﻱ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺣﻜﻤﺘﻴﻦ ﺍﺛﻨﺘﻴﻦ ﻭﺍﺳﻌﺘﻴﻦ ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﻛـلا ﻣﻨﻬﻤﺎ لا ﻳﺤﺪّﻫﺎ ﺣﺪﻭﺩ.

    ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ:

ﺇﻥ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻟﻬﺎ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕٌ لا ﺗُﺤﺪ ﻭلا ﺗﺤﺼﺮ، ﻓﺘﻨﻮُّﻉ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻮﺍﻉ لا ﺗُﺤﺼَﺮ ﻧﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﺗﻨﻮﻉ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺼﻮﺭﺓ. ﻭﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺑﺤﺪ ﺫﺍﺗﻬﺎ لاﺑﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﺃﻱ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﺇﻇﻬﺎﺭَ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ، ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓَ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ ﻭﺇﺷﻬﺎﺩَﻫﺎ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥَّ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺗﻘﻀﻰ ﺑﺘﺠﺪﺩ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﺃﻱ ﺗﺠﺪﺩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺁﻧﺎً ﻓﺂﻧﺎً، ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭٍ ﺩﻭﻥ ﺗﻮﻗﻒ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀَ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔَ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﺠﺪﺩﺍً ﻭﺑﺒـلاﻏﺔ ﺣﻜﻴﻤﺔ ﻭﻣﻐﺰﻯً ﺩﻗﻴﻖ ﺑﺤﻴﺚ ﻳُﻈﻬﺮ ﻛﻞُّ ﻣﻜﺘﻮﺏ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺟﻞ ﻭﻋـلا ﻭﺃﻣﺎﻡ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﺎﻟﻜﺔ ﻟﻠﺸﻌﻮﺭ ﻭﻳﺪﻓﻌﻬﻢ ﻟﻘﺮﺍﺀﺗﻪ.

    ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ:

ﻛﻤﺎ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔ ﻧﺎﺑﻌﺔٌ ﻣﻦ ﻟﺬﺓ ﻭﻣﻦ ﺷﻬﻴﺔ ﻭﻣﻦ ﺷﻮﻕ، ﺑﻞ ﺇﻥَّ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﺬﺓ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ ﺑﺤﺪ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻧﻮﻉٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ.

﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺷﻔﻘﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔٌ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻭﻣﺤﺒﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﺗﻠﻴﻘﺎﻥ ﺑﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗـلاﺋﻤﺎﻥ ﻏﻨﺎﻩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺗﻌﺎﻟﻴﻪ ﻭﺗﻘﺪﺳَﻪ ﻭﺗﻮﺍﻓﻘﺎﻥ ﻛﻤﺎﻟَﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ. ﺛﻢ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻮﻗﺎً ﻣﻘﺪﺳﺎً ﻣﻄﻠﻘﺎً ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ ﺁﺕ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺳﺮﻭﺭ ﻣﻘﺪﺱ ﻧﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻟﺬﺓ ﻣﻘﺪﺳﺔ لاﺋﻘﺔ ﺑﻪ -ﺇﻥْ ﺟﺎﺯ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ- ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ، ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔَ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻭﻣﺎ ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔ ﻣﻦ ﺭﺿﻰ ﻋﺎﻡ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺷﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﺍﻧﻄـلاﻕ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻭﺗﻜﻤّﻠﻬﺎ، ﺿﻤﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ.. ﻓﻤﺎ ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺭﺿﻰ ﻣﻘﺪﺱ ﻣﻄﻠﻖ -ﺇﻥْ ﺟﺎﺯ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ- ﻭﺍﻓﺘﺨﺎﺭٍ ﻣﻘﺪﺱ ﻣﻄﻠﻖ.. ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﻭﻳﺨﺺ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦَ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔً ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻭﺑﺼﻮﺭﺓ لا ﺗﺤﺪ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥَّ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺗﺠﻬـلاﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔَ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺧﻠﻂ ﺃﺻﺤﺎﺑُﻬﺎ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔَ ﺍﻟﺼﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔَ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺀ ﻭﺍلأﺳﺒﺎﺏَ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﻓﻲ ﻏﻤﺮﺓ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ ﺍﻟﻌﻠﻴﻤﺔ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ، ﻓﻤﺎ ﺍﻫﺘﺪﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻞ ﺿﻠّﻮﺍ ﺿـلالا ﺑﻌﻴﺪﺍً.

﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ (ﺍلأﻧﻌﺎﻡ:91)

﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾

 ﺍﻟﻠّﻬﻢ ﺻَﻞِّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﺷﻒ ﻃﻠﺴﻢ ﻛﺎﺋﻨﺎﺗﻚ ﺑﻌﺪﺩ ﺫﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺻﺤﺒﻪ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ.

 الباقي هو الباقي

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ