ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﺟﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﺑﻀﻌﺔ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻣﺮﻳﺒﺔ.

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍلأﻭﻝ ﺍﻟﻤﺮﻳﺐ: ﻳﺴﺄﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻟﻲ: ﺑﻤﺎﺫﺍ ﺗﻌﻴﺶ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﺗُﺪﺍﺭ ﻣﻌﻴﺸﺘُﻚ ﺩﻭﻥ ﻋﻤﻞ؟ ﻧﺤﻦ لا ﻧﻘﺒﻞ ﻓﻲ ﺑـلاﺩﻧﺎ ﺍﻟﻤﺘﻘﺎﻋﺪﻳﻦ ﺍﻟﻜﺴﺎﻟﻰ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺘﺎﺗﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺳﻌﻲ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻭﻋﻤﻠﻬﻢ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧﻨﻲ ﺃﻋﻴﺶ ﺑﺎلاﻗﺘﺼﺎﺩ ﻭﺍﻟﺒﺮﻛﺔ. لا ﺃﻗﺒﻞ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺭﺯﺍﻗﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻨّﺔً ﻣﻦ ﺃﺣﺪ، ﻭﻗﺮﺭﺕ ﺃﻥ لا ﺃﻗﺒﻠﻬﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻲ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻴﺶ ﺑﻤﺎﺋﺔ ﺑﺎﺭﺓ ﺑﻞ ﺑﺄﺭﺑﻌﻴﻦ ﺑﺎﺭﺓ ﻳﺄﺑﻰ ﺃﻥ ﻳﺪﺧﻞَ ﺗﺤﺖ ﻣﻨّﺔ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ.

ﺇﻧﻨﻲ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺭﻏﺐ ﻣﻄﻠﻘﺎً ﺃﻥ ﺃﻭﺿﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺧﺸﻴﺔ ﺍلإﺷﻌﺎﺭ ﺑﺎﻟﻐﺮﻭﺭ ﻭﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺃﻛﺮﻩ ﺃﻥ ﺃﺑﻮﺡَ ﺑﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﺛﻘﻴﻠﺔ ﻋﻠﻲَّ، ﻭﻟﻜﻦ لأﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﺪﻭﺭ ﺍلأﻭﻫﺎﻡُ ﻭﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻟﺪﻯ ﺳﺆﺍﻟﻬﻢ ﻫﺬﺍ، ﻓﺄﻗﻮﻝ:

– ﺇﻥ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻛﻠﻬﺎ ﻫﻮ ﻋﺪﻡُ ﻗﺒﻮﻝ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ، ﻓﻤﻨﺬ ﻧﻌﻮﻣﺔ ﺃﻇﻔﺎﺭﻱ ﻟﻢ ﺃﻗﺒﻞ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺃﺣﺪ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺯﻛﺎﺓ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺭﻓﻀﻲ ﻟﻠﻤﺮﺗّﺐ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ -ﺇلا ﻣﺎ ﻋﻴﻨَﺘﻪ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔُ ﻟﻲ ﻟﺴﻨﺘﻴﻦ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﻭﺑﻌﺪ ﺇﻟﺤﺎﺡ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﻭﺇﺻﺮﺍﺭﻫﻢ ﺍﺿﻄﺮﺭﺕ ﺇﻟﻰ ﻗﺒﻮﻟﻪ- ﻭﺇﻥ ﻋﺪﻡ ﻗﺒﻮﻟﻲ ﻟﻤﻨّﺔ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺩﻓﻊ ﺿﺮﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ.. ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻳﺒﻴﻦ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﺣﻴﺎﺗﻲ. ﻓﺎﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺘﻲ ﻭﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻌﺮﻓﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﻣﻨﻲ ﺟﻴﺪﺍً. ﻭﻟﻘﺪ ﺣﺎﻭﻝ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﺑﻤﺤﺎﻭلاﺕ ﺷﺘﻰ ﺃﻥ ﺃﻗﺒﻞ ﻫﺪﺍﻳﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﻏﻀﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﺨﻤﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ، ﺇلا ﺃﻧﻨﻲ ﺭﻓﻀﺖ.

ﻓﺈﺫﺍ ﻗﻴﻞ: ﻓﻜﻴﻒ ﺇﺫﻥ ﺗﻌﻴﺶ؟

ﺃﻗﻮﻝ: ﺃﻋﻴﺶ ﺑﺎﻟﺒﺮﻛﺔ ﻭﺍلإﻛﺮﺍﻡ ﺍلإﻟﻬﻲ. ﻓﺈﻥَّ ﻧﻔﺴﻲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﻣﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﻛﻞَّ ﺇﻫﺎﻧﺔ ﻭﺗﺤﻘﻴﺮ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﻲ -ﻓﻲ ﺍلإﺭﺯﺍﻕ- ﺃﺣﻈﻰ ﺑﺎﻟﺒﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺇﻛﺮﺍﻡ ﺇﻟﻬﻲ ﻳُﻤﻨﺢ ﻛﺮﺍﻣﺔً ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

ﺳﺄﻭﺭﺩ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻗﻴﺎﻣﺎً ﺑﺄﺩﺍﺀ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﺗﺠﺎﻩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻛﺮﻣﻨﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻬﺎ ﻭﻋﻤـلا ﺑﺎلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ (ﺍﻟﻀﺤﻰ:١١) ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺭﻏﻢ ﻫﺬﺍ ﺃﺧﺸﻰ ﺃﻥ ﻳﺪﺍﺧﻞَ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻜﺮَ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﻐﺮﻭﺭ ﻓﺘﻤﺤَﻖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺮﻛﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﺒﺮﻛﺔ ﺍﻟﻤﺨﻔﻴﺔ ﺑﺎﻓﺘﺨﺎﺭٍ ﻣﺪﻋﺎﺓٌ لاﻧﻘﻄﺎﻋﻬﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺣﻴﻠﺘﻲ ﻓﺈﻧﻲ ﺍﺿﻄﺮﺭﺕُ ﺇﻟﻰ ﺫﻛﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺮﻛﺔ ﺍﺿﻄﺮﺍﺭﺍً.

ﻓﺎلأﻭﻝ: ﻟﻘﺪ ﻛﻔﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻬﻮﺭ ﺍﻟﺴﺘﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﺳﺘﺔٌ ﻭﺛـلاﺛﻮﻥ ﺭﻏﻴﻔﺎً ﻗﺪ ﺧُﺒﺰ ﻣﻦ ﻛﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻨﻄﺔ، ﻭلا ﺯﺍﻝ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﺑﺎﻗﻴﺎً، ﻭلا ﺃﻋﺮﻑ ﻣﺘﻰ ﻳﻨﻔﺪ. (حاشية) ﻭﻗﺪ ﺩﺍﻡ ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ.

ﺛﺎﻧﻴﻬﺎ: ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻟﻢ ﻳﺄﺗﻨﻲ ﻃﻌﺎﻡٌ ﺇﻟّﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻴﻦ ﺍﺛﻨﻴﻦ، ﻭﻗﺪ ﺃﻣﺮﺿﺎﻧﻲ ﻛـلاﻫﻤﺎ. ﻓﻔﻬﻤﺖُ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺃﻧﻪ ﻣﻤﻨﻮﻉ ﻋﻠﻲّ ﻃﻌﺎﻡُ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ!. ﻭﻟﻘﺪ ﻛﻔﺘﻨﻲ ﺃﻭﻗﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺯ ﻭﺛـلاﺛﺔ ﺃﺭﻏﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﺑﻘﻴﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ. ﻓﺎﻟﺼﺪﻳﻖ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ «ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﺎﻭﻳﺶ» ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﻴﺊ ﻟﻲ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻳﺸﻬﺪ ﺑﻬﺬﺍ ﻭﻳﺨﺒﺮ ﺑﻪ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﺍﻟﺮﺯ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻤﺮ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ ﻳﻮﻣﺎً ﺁﺧﺮ ﺑﻌﺪ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ.

ﺛﺎﻟﺜﻬﺎ: ﻟﻘﺪ ﻛﻔﺘﻨﺎ ﺃﻧﺎ ﻭﺿﻴﻮﻓﻲ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺃﻭﻗﻴﺔٌ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﺑﺪ ﺭﻏﻢ ﺗﻨﺎﻭﻟﻪ ﻳﻮﻣﻴﺎً ﻣﻊ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻃﻮﺍﻝ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﺷﻬﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺒﻞ. ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﻟﻲ ﺿﻴﻒ ﻣﺒﺎﺭﻙ ﻭﻫﻮ «ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ» ﻭﻗﺪ ﺃﻭﺷﻚ ﺧﺒﺰﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﺎﺩ، ﻭﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺍلأﺭﺑﻌﺎﺀ، ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ﺍﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﻭﺁﺕ ﺑﺎﻟﺨﺒﺰ، ﺇﺫ ﻟﻴﺲ ﺣﻮﺍﻟﻴﻨﺎ ﺃﺣﺪ ﺣﺘﻰ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺳﺎﻋﺘﻴﻦ ﻟﻨﺒﺘﺎﻉ ﻣﻨﻪ. ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻲ ﺃﺭﻏﺐ ﺃﻥ ﺃﺑﻴﺖ ﻣﻌﻚ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺒﻞ، لأﺗﻀﺮﻉ ﻣﻌﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ.

ﻓﻘﻠﺖ: ﺗﻮﻛﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ. ﺇﺫﻥ ﺍﺑﻖَ ﻣﻌﻲ.

ﺛﻢ ﺑﺪﺃﻧﺎ ﺑﺎﻟﺴﻴﺮ ﻣﻌﺎً ﺣﺘﻰ ﺻﻌﺪﻧﺎ ﻗﻤﺔ ﺟﺒﻞ ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻪ لا ﺩﺍﻋﻲ ﻭلا ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﺬﻟﻚ. ﻭﻛﺎﻥ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻣﻊ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺎﻱ ﻭﺍﻟﺴﻜﺮ.

ﻗﻠﺖ: ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﺍﻋﻤﻞ ﻟﻨﺎ ﻗﻠﻴـلا ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺎﻱ. ﻭﺑﺪﺃ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ.

ﻭﺟﻠﺴﺖ ﺃﻧﺎ ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮﺓ ﻗﻄﺮﺍﻥ ﺃﺗﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﻭﺍﺩٍ ﻋﻤﻴﻖ، ﻭﺃﻓﻜﺮ ﺑﺄﺳﻒ ﻭﺃﺳﻰ: ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺇﻟّﺎ ﻛﺴﺮﺓ ﻣﻦ ﺧﺒﺰ ﻣﺘﻌﻔﻦ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻜﻔﻴﻨﺎ ﻛﻠﻴﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺎﺀ. ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﺑﺎﻟﻴﻮﻣﻴﻦ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﻴﻦ. ﻓﻤﺎﺫﺍ ﺃﻗﻮﻝ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﺍﻟﻨﻘﻲ ﺍﻟﺴﺮﻳﺮﺓ!

ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﻏﺎﺭﻕ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺇﺫﺍ ﺑﺮﺃﺳﻲ ﻛﺄﻧﻪ ﻳُﺪﺍﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻓﺎﻟﺘﻔﺖُّ ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻲ ﺃﺭﻯ ﺭﻏﻴﻔﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻓﻮﻕ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻘﻄﺮﺍﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺑﻴﻦ ﺃﻏﺼﺎﻧﻬﺎ، ﻗﻠﺖ: ﺃﺑﺸﺮ ﻳﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻓﻘﺪ ﺃﻧﻌﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺮﺯﻕ. ﻓﺄﺧﺬﻧﺎ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﻓﺘﺸﻨﺎ ﻋﻦ ﺃﺛﺮ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻭﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﻋﻠﻴﻪ. ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻪ ﺳﺎﻟﻢٌ ﻣﻦ ﺃﻱ ﺗﻌﺮﺽ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ. ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺼﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﻣﻨﺬ ﺛـلاﺛﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ. ﻓﻜﻔﺎﻧﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﻏﻴﻒ ﻳﻮﻣﻴﻦ. ﻭﻣﺎ ﺃﻥ ﺃﻭﺷﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﺎﺩ ﺇﺫﺍ ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ «ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ» ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺻﺪﻳﻘﺎً ﺻﺎﺩﻗﺎً ﻃﻮﺍﻝ ﺃﺭﺑﻊ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻳﺼﻌﺪ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﻣﺘﻮﺟﻬﺎً ﻧﺤﻮﻧﺎ ﺁﺗﻴﺎً ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺨﺒﺰ.

ﺭﺍﺑﻌﻬﺎ: ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﺘﺮﺓَ «ﺍﻟﺠﺎﻛﻴﺖ» ﻗﺪ ﺍﺷﺘﺮﻳﺘُﻬﺎ ﻣﺴﺘﻌﻤﻠﺔً ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮﺍﺕ. ﻭﻛﻔَﺖ ﺃﺭﺑﻊُ ﻟﻴﺮﺍﺕ ﻭﻧﺼﻒ ﺍﻟﻠﻴﺮﺓ ﻟﻤﺼﺎﺭﻳﻒ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻣﻀﺖ ﻟﻠﻤـلاﺑﺲ ﻭﺍﻟﺤﺬﺍﺀ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺏ، ﻓﻠﻘﺪ ﻛﻔﺘﻨﻲ ﺍﻟﺒﺮﻛﺔُ ﻭﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.

ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺃﻣﺜﻠﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﻬﺬﺍ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﻟﻠﺒﺮﻛﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺟﻬﺎﺕ ﺷﺘﻰ. ﻭﺃﻥ ﺃﻫﺎﻟﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﻣﺜﻠﺔ ﺍﻟﺒﺮﻛﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﺣﺬﺍﺭ ﺣﺬﺍﺭ ﺃﻥ ﻳﺬﻫﺐ ﺑﻜﻢ ﺍﻟﻈﻦ ﺃﻧﻨﻲ ﺃﺫﻛﺮ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﺜﻠﺔ ﺍﻓﺘﺨﺎﺭﺍً، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﺿﻄﺮﺭﺕ ﺇﻟﻰ ﺫﻛﺮﻫﺎ ﺍﺿﻄﺮﺍﺭﺍً. ﻭلا ﻳﺮﺩﻥّ ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮﻛﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﻣﺜﻠﺔ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺻـلاﺣﻲ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﺮﻛﺎﺕ ﻫﻲ ﺇﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻬﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﺍﻟﻀﻴﻮﻑ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﻴﻦ ﺇﻟﻲّ. ﺃﻭ ﺃﻧﻬﺎ ﺇﻛﺮﺍﻡ ﺇﻟﻬﻲ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺃﻭ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﻣﺒﺎﺭﻛﺔ ﻟـلاﻟﺘﺰﺍﻡ ﺑﺎلإﻗﺘﺼﺎﺩ، ﺃﻭ ﺃﻧﻬﺎ ﺭﺯﻕ ﻟﻠﻘﻄﻂ ﺍلأﺭﺑﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺗـلاﺯﻣﻨﻲ ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﻫﺮﻳﺮﻫﺎ: ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ.. ﻓﻬﻲ ﺃﺭﺯﺍﻗُﻬﺎ ﺗﺄﺗﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺑﺮﻛﺔ، ﻭﺃﻧﺎ ﺑﺪﻭﺭﻱ ﺍﺳﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﺫﺍ ﺃﻧﺼﺖّ ﺇﻟﻰ ﻫﺮﻳﺮﻫﺎ ﺍﻟﺤﺰﻳﻦ ﺗﺪﺭﻙُ ﺟﻴﺪﺍً ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺬﻛﺮ: ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ.

ﻭﻋﻠﻰ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻘﻄﻂ ﻳﺮﺩ ﺑﺎﻟﺒﺎﻝ ﺫﻛﺮُ ﺍﻟﺪﺟﺎﺝ.

ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻲ ﺩﺟﺎﺟﺔ ﺗﺠﻠﺐ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺑﻴﻀﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻳﻮﻣﻴﺎً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﺑﺎﻧﻘﻄﺎﻉ ﻗﻠﻴﻞ ﺟﺪﺍً. ﻭﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻭﺿﻌﺖ ﺑﻴﻀﺘﻴﻦ ﻣﻌﺎً، ﻓﺎﺣﺘﺮﺕُ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺍﺳﺘﻔﺴﺮﺕ ﻋﻦ ﺃﺣﺒﺎﺑﻲ: ﻫﻞ ﻳﺤﺪﺙ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ؟ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺭﺑﻤﺎ ﻫﻲ ﺇﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻬﻲ.

ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺪﺟﺎﺟﺔ ﻓﺮﺥ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻴﻒ. ﺑﺪﺃ ﺍﻟﻔﺮﺥ ﺑﻮﺿﻊ ﺍﻟﺒﻴﺾ ﺑﺪﺍﻳﺔَ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ، ﻭﺍﺳﺘﻤﺮ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻃﻮﺍﻝ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً. ﻓﻠﻢ ﺗﺒﻖ ﻟﺪﻱ ﺷﺒﻬﺔ ﻭلا ﻟﺪﻯ ﺇﺧﻮﺗﻲ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﺨﺪﻣﺘﻲ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻟﻠﺒﻴﺾ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻭﻣﻦ ﻓﺮﺥ ﺻﻐﻴﺮ، ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺇﻛﺮﺍﻡ ﺇﻟﻬﻲ ﻟﻴﺲ ﺇﻟّﺎ. ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﻔﺮﺥ ﺑﺪﺃ ﺑﺎﻟﻮﺿﻊ ﺣﺎﻟﻤﺎ ﻗﻄﻌَﺘﻪ ﺍلأﻡ. ﻓﻠﻢ ﻳﺪَﻋﻨﻲ ﺩﻭﻥ ﺑﻴﻀﺔ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ.

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﺮﻳﺐ: ﻳﻘﻮﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ: ﻛﻴﻒ ﻧﺜﻖ ﺑﻚ ﻭﻧﻄﻤﺌﻦ ﺇﻟﻴﻚ ﺑﺄﻧﻚ لا ﺗﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ؟ ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻟﻮ ﺃﻃﻠﻘﻨﺎ ﺳﺮﺍﺣَﻚ ﺗﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭﻫﺎ؟ ﺛﻢ ﻛﻴﻒ ﻧﻌﺮﻑ ﺃﻧﻚ لا ﺗﺨﺪﻋﻨﺎ ﻭلا ﺗﻜﻴﺪُ ﺑﻨﺎ، ﺇﺫ ﺗﻈﻬﺮ ﻧﻔﺴَﻚ ﺑﻤﻈﻬﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻙ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﺄﺧﺬ ﺃﻣﻮﺍﻝَ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻇﺎﻫﺮﺍً، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ﺧﻔﻴﺔً، ﻓﻜﻴﻒ ﻧﻌﺮﻑ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻟﻴﺲ ﻣَﻜﺮﺍً؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ ﺃﺣﻮﺍﻟﻲ ﻗﺒﻞ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻌﺮﻓﻴﺔ، ﻭﺃﻃﻮﺍﺭﻱ ﻗﺒﻞ ﺇﻋـلاﻥ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﺻﺪﺭ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ «ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻣﺪﺭﺳﺘﻲ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ» ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻨﻲ.. ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻳﺒﻴﻦ ﺑﻴﺎﻧﺎً ﺷﺎﻓﻴﺎً: ﺃﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﺃﻣﻀﻴﺖ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻟﻢ ﺃﺗﻨﺎﺯﻝ ﺇﻟﻰ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺪﻳﻌﺔ ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﻧﻰ ﺣﻴﻠﺔ، ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺛﻤﺔَ ﺣِﻴﻞٌ ﻟﺤﺼﻠﺖ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻌﺔُ ﻭﺍﻟﻠﺠﻮﺀ ﺇﻟﻴﻜﻢ ﻣﻊ ﺗﺰﻟّﻒ ﻭﺗﻤﻠﻖ ﺧـلاﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﺨﻤﺲ. ﺇﺫ ﺍﻟﻤﺤﺘﺎﻝ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻳﺤﺒّﺐَ ﻧﻔﺴَﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺩﻭﻣﺎً ﺑﻞ ﻳﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺇﻏﻔﺎﻟﻬﻢ ﻭﺧﺪﺍﻋﻬﻢ، ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺗﺠﻨُّﺒﻬﻢ ﻭﺍلاﺑﺘﻌﺎﺩُ ﻋﻨﻬﻢ. ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻧﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﺗﻨﺎﺯﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺬﻟﻞ ﻟـلآﺧﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻬﺠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺯﻟﺔ ﺑﻲَّ ﻭﺍلاﻧﺘﻘﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻲّ، ﺑﻞ ﺃﻋﺮﺿﺖُ ﻋﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺘﻮﻛـلا ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﻭﺣﺪﻩ. ﺛﻢ ﺇﻥَّ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺮﻑ ﺣﻘﻴﻘﺔَ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻭﻛﺸﻒَ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ لا ﻳﻨﺪﻡ ﺃﺑﺪﺍً، ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺫﺍ ﻟﺐ. ﻭلا ﻳﺘﺸﺒﺚ ﺑﺎﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ. ﺛﻢ ﺇﻥ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻭﺣﻴﺪﺍً ﻓﺮﻳﺪﺍً لا ﻋـلاﻗﺔ ﻟﻪ ﻣﻊ ﺃﺣﺪ، لا ﻳﻀﺤّﻲ ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻟﺜﺮﺛﺮﺓ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﻭﺗﻬﺮﻳﺠﺎﺗﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﻀﺎﺀ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ. ﺑﻞ ﻟﻮ ﺿﺤّﻰ ﺑﻬﺎ، لا ﻳﻜﻮﻥ ﺣﻴّﺎلا ﺑﻞ ﻣﺠﻨﻮﻧﺎً، ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻋﺴﻰ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﻤﺠﻨﻮﻥُ ﺣﺘﻰ ﻳُﻬﺘﻢ ﺑﻪ؟

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﺣﻮﻝ ﻛﻮﻧﻲ ﻃﺎﻟﺒﺎً ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻃﻨﺎً ﻭﻋﺎﺯﻓﺎً ﻋﻨﻬﺎ ﻇﺎﻫﺮﺍً. ﻓﺄﻗﻮﻝ:

ﺑﻤﻀﻤﻮﻥ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﻭَﻣَﺂ ﺍُﺑَﺮِّﺉُ ﻧَﻔْﺴﻲ ﺍِﻥَّ ﺍﻟﻨَّﻔْﺲَ لاﻣَّﺎﺭَﺓٌ ﺑِﺎﻟﺴُّﻮﺀِ﴾ (ﻳﻮﺳﻒ:53).

ﺇﻧﻨﻲ ﻣﺎ ﺃﺑﺮﺉ ﻧﻔﺴﻲ ﺃﺑﺪﺍً، ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺮﻭﻡ ﻛﻞَّ ﻓﺴﺎﺩ. ﻭﻟﻜﻦ ﺧﺴﺮﺍﻥ ﺣﻴﺎﺓ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻭﺳﻌﺎﺩﺓ ﺧﺎﻟﺪﺓ لأﺟﻞ ﻟﺬﺓ ﻗﻠﻴﻠﺔ، ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ، ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻀﻴﻒ ﺍﻟﻤﺆﻗﺖ، ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ، ﻓﻲ ﻋﻤﺮ ﻗﺼﻴﺮ.. ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻌﻘـلاﺀ ﻭلا ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺬﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ؛ ﻟﺬﺍ ﺍﻧﻘﺎﺩﺕ ﻧﻔﺴﻲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ، ﺷﺎﺀﺕ ﺃﻡ ﺃﺑﺖ، ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻭﺭﺿﺨﺖ ﻟﻪ.

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﻤﺮﻳﺐ: ﻳﻘﻮﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ: ﺃﺗﺤﺒُّﻨﺎ؟ ﺃﺗﺮﺿﻰ ﻋﻨﺎ ﻭﺗﻌﺠﺐ ﺑﻨﺎ؟ ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﺤﺒﻨﺎ ﻓﻠﻤﺎﺫﺍ ﺇﺫﻥ ﺃﻋﺮﺿﺖَ ﻋﻨﺎ ﻭلا ﺗﺨﺎﻟﻄُﻨﺎ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﺠﺐ ﻭلا ﺗﺮﺿﻰ ﻋﻨﺎ ﻓﺄﻧﺖ ﺇﺫﻥ ﺗﻌﺎﺭﺿﻨﺎ، ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺴﺤﻖ ﻣﻌﺎﺭﺿﻴﻨﺎ!

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧﻨﻲ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻣُﺤﺒَّﺎً ﻟﺪﻧﻴﺎﻛﻢ، ﻓﻀـلا ﻋﻨﻜﻢ ﻟﻤﺎ ﺍﻧﺴﺤﺒﺖُ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺃﻋﺮﺿﺖ ﻋﻨﻬﺎ. ﻓﺄﻧﺎ لا ﺃﻋﺠﺐ ﺑﻜﻢ ﻭلا ﺑﺪﻧﻴﺎﻛﻢ، ﻭﻟﻜﻦ لا ﺃﺗﺪﺧﻞ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﻬﺎ ﻭلا ﺃﺧﺎﻟﻄﻜﻢ. لأﻧﻨﻲ ﺃﺻﺒﻮ ﺇﻟﻰ ﻗﺼﺪ ﻏﻴﺮ ﻗﺼﺪﻛﻢ، ﻓﻘﺪ ﻣﻸ ﺕْ ﻗﻠﺒﻲ ﺃﻣﻮﺭٌ ﻟﻢ ﺗُﺒﻖ ﻣﻮﺿﻌﺎً ﻟﻐﻴﺮﻫﺎ ﻛﻲ ﺃﻓﻜﺮَ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻣﺄﻣﻮﺭﻭﻥ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﻟﺤﺎﻝ لا ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻃﻦ ﺍﻟﻘﻠﺐ. لأﻧﻜﻢ ﺗﺮﻳﺪﻭﻥ ﺇﺩﺍﻣﺔَ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺇﺭﺳﺎﺀَ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻲ لا ﺃﺗﺪﺧﻞ ﺑﻬﻤﺎ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻟﻮﺍ: ﻟﻴﺤﺒﻨﺎ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻛﺬﻟﻚ، ﻓﺄﻧﺘﻢ ﻟﺴﺘﻢ ﺃﻫـلا ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺐ ﺃﺻـلا.

ﻭﺇﻥ ﺗﺪﺧﻠﺘﻢ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﺃﻗﻮﻝ: ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﺃﺗﻤﻨﻰ ﻣﺠﻲﺀ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻭﺳﻂ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ، ﻭﻟﻜﻨﻲ لا ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺇﺗﻴﺎﻧﻪ، ﻛﺬﻟﻚ ﺃﺗﻤﻨﻰ ﺻـلاﺡ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺃﺩﻋﻮ ﻟﺬﻟﻚ، ﻭﺃﺳﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺼﻠﺢ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻟﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻮﻕَ ﺇﺭﺍﺩﺗﻲ ﻭﻭﺳﻌﻲ ﻓـلا ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﻋﻠﻴﻪ. ﻟﺬﺍ لا ﺃﺗﺪﺧﻞُ ﻓﻌـلا، ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﻭﻇﻴﻔﺘﻲ ﻭلا ﺿﻤﻦ ﺍﻗﺘﺪﺍﺭﻱ ﻭﻃﺎﻗﺘﻲ.

  ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﺍﻟﻤﺮﻳﺐ: ﻳﻘﻮﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ: ﻟﻘﻴﻨﺎ ﺑـلاﻳﺎ ﻭﻧﺰﻟﺖ ﺑﻨﺎ ﻣﺼﺎﺋﺐٌ، ﻓﻠﻢ ﻧﻌﺪ ﻧﺜﻖ ﺑﺄﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻓﻜﻴﻒ ﻧﺜﻖ ﺑﻚ؟ ﻭﻟﻮ ﺳﻨَﺤﺖ ﻟﻚ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔُ ﺃﻟَﺎ ﺗﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭﻧﺎ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻭﻕ ﻟﻚ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﺳﺎﺑﻘﺎً ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻛﺎﻓﻴﺔ لإﻗﻨﺎﻋﻜﻢ ﻭﺑﺚ ﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻜﻢ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﺃﻗﻮﻝ:

ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﺃﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺩﻧﻴﺎﻛﻢ ﻭﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺘﻲ ﻭﺣﻮﻟﻲ ﻃـلاﺑﻲ ﻭﺃﻗﺮﺑﺎﺋﻲ، ﻭﺃﻋﻴﺶ ﻓﻲ ﻭﺳﻂ ﻣﻦ ﻳﺼﻐﻲ ﺇﻟﻲّ ﻭﻳﺴﺘﺸﻴﺮﻧﻲ، ﺑﻞ ﻟﻢ ﺃﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺩﻧﻴﺎﻛﻢ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﻤﺜﻴﺮﺓ، ﺃﻓﻴﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺧﻞَ ﻓﻴﻬﺎ ﻣَﻦْ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ، ﻭﻫﻮ ﻭﺣﻴﺪ ﻣﻨﻔﺮﺩ ﻭﺿﻌﻴﻒ ﻋﺎﺟﺰ، ﻣﺘﻮﺟّﻪ ﺑﻜﻞ ﻭﺳﻌﻪ ﻟـلآﺧﺮﺓ، ﻣﻨﻘﻄﻊ ﻋﻦ ﺍلاﺧﺘـلاﻁ ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺳـلاﺕ، ﻭﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﺇﻟّﺎ ﺑﻀﻊ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﺻﺒﺤﻮﺍ ﻏﺮﺑﺎﺀ ﻋﻨﻪ، ﺑﻞ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻫﻜﺬﺍ.. ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﺗﺪﺧّﻞ ﻓﻲ ﺩﻧﻴﺎﻛﻢ ﺍﻟﻌﻘﻴﻤﺔ ﻭﺍﻟﺨﻄﺮﺓ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺠﻨﻮﻧﺎً ﻣﻀﺎﻋﻔﺎً.

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﺗﺨﺺ ﺧﻤﺲَ ﻣﺴﺎﺋﻞَ ﺻﻐﻴﺮﺓ:

ﺃﻭلاﻫﺎ: ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻲ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ: ﻟِﻢَ لا ﺗﻄﺒّﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻚ ﺃﺻﻮﻝَ ﻣﺪﻧﻴﺘﻨﺎ ﻭﺁﺩﺍﺑﻬﺎ، ﻭلا ﺗﻌﻴﺶُ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﻃﺮﺍﺯ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ، ﻭلا ﺗﻠﺒﺲ ﻫﻴﺌﺔَ ﻣـلاﺑﺴﻨﺎ؟ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻚ ﻣﻌﺎﺭﺽ ﻟﻨﺎ؟.

ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ: ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺴﺎﺩﺓ! ﺑﺄﻱّ ﺣﻖ ﺗﻜﻠﻔﻮﻧﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﻃﺒﻖَ ﺁﺩﺍﺏ ﻣﺪﻧﻴﺘﻜﻢ؟ ﻓﺄﻧﺘﻢ ﻗﺪ ﺃﺟﺒﺮﺗﻤﻮﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺍلإﻗﺎﻣﺔ ﻇﻠﻤﺎً ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﻃﻮﺍﻝ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻭﻣﻨﻌﺘﻤﻮﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺳـلاﺕ ﻭﺍلاﺧﺘـلاﻁ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻛﺄﻧﻜﻢ ﻗﺪ ﺃﺳﻘﻄﺘﻤﻮﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻜﻢ ﺟﺮﺩﺗﻤﻮﻧﻲ ﺑﻐﻴﺮ ﺳﺒﺐ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻟﻢ ﺗﺴﻤﺤﻮﺍ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﻗﺎﺑﻞَ ﺃﻫﻞَ ﻣﺪﻳﻨﺘﻲ، ﺳﻮﻯ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﺍﺛﻨﻴﻦ. ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻧﻜﻢ ﻗﺪ ﺃﻃﻠﻘﺘﻢ ﺳﺮﺍﺡَ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻨﻔﻴﻴﻦ، ﻭﺳﻤﺤﺘﻢ ﻟﻬﻢ ﺑﺎلإﻗﺎﻣﺔ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻠﻴﻬﻢ ﻭﺫﻭﻳﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻭﻣﻨﺤﺘﻤﻮﻫﻢ ﺷﻬﺎﺩﺍﺕِ ﺗﺮﺧﻴﺺ ﺑﺬﻟﻚ.. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣـلاﺕ ﺗﻌﻨﻲ ﺃﻧﻜﻢ لا ﺗﻌﺪﻭﻧﻨﻲ ﻣﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍلأﻣﺔ ﻭلا ﻣﻦ ﺭﻋﺎﻳﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻃﻦ، ﻓﻜﻴﻒ ﺇﺫﻥ ﺗﻜﻠﻔﻮﻧﻨﻲ ﺑﺘﻄﺒﻴﻖ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﻣﺪﻧﻴﺘﻜﻢ؟

ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻗﺪ ﺿﻴّﻘﺘﻢ ﻋﻠﻲّ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻌﺘﻬﺎ ﻭﺟﻌﻠﺘﻤﻮﻫﺎ ﻟﻲ ﺳﺠﻨﺎً، ﺃﻓﻴﻜﻠَّﻒ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ؟.

ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻗﺪ ﺃﻗﻔﻠﺘﻢ ﻋﻠﻲّ ﺑﺎﺏَ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺃﻧﺎ ﺑﺪﻭﺭﻱ ﻃﺮﻗﺖُ ﺑﺎﺏ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﻓﻔﺘﺤﺘْﻪ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻄﺎﻟَﺐ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻭﺍﻗﻒ ﻓﻲ ﺑﺎﺏ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺃﻥ ﻳﻄﺒﻖ ﻋﺎﺩﺍﺕِ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺁﺩﺍﺑَﻬﺎ ﺍﻟﻤﺸﻮﺷﺔ؟

ﻓﻤﺘﻰ ﻣﺎ ﺃﻃﻠﻘﺘﻤﻮﻧﻲ ﺣﺮﺍً، ﻭﺃﻋﺪﺗﻤﻮﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺘﻲ ﻭﻣﻮﻃﻨﻲ، ﻭﺃﻋﻄﻴﺘﻤﻮﻧﻲ ﺣﻘﻮﻗﻲ ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻓﻠﻜﻢ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺃﻥ ﺗﻄﺎﻟﺒﻮﺍ ﺑﺘﻄﺒﻴﻖ ﺁﺩﺍﺑﻜﻢ!

ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﻳﻘﻮﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ: ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ، ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻓﺒﺄﻱّ ﺻـلاﺣﻴﺔ ﺗﻘﻮﻡ ﺃﻧﺖ ﺑﻨﺸﺮ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺩﻳﻨﻴﺔ؟ ﻓـلا ﻳﺤﻖ ﻟﻚ ﻣﺰﺍﻭﻟﺔ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﺃﻧﺖ ﻣﺤﻜﻮﻡ ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ لا ﺗﻘﻴَّﺪﺍﻥ ﺑﺸﻲﺀ ﻭلا ﺗﻨﺤﺼﺮﺍﻥ (ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﺯﻣﺎﻥ ﻣﻌﻴﻨﻴﻦ) ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﺍلإﻳﻤﺎﻥُ ﻭﻳﺘﻘﻴﺪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﻓﻲ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺭﺳﻤﻴﺔ؟ ﻓﺄﻧﺘﻢ ﺗﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺃﻥ ﺗﺤﺼﺮﻭﺍ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻗﻮﺍﻧﻴﻨﻜﻢ ﻭﺁﺩﺍﺑﻜﻢ (ﻓﻲ ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻜﻢ) ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍلأﺳﺲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻓـلا ﺗُﻘﺤَﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣـلاﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ، ﻭلا ﺗﺤﺼَﺮﺍﻥ ﻓﻲ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺭﺳﻤﻴﺔ ﻳﺆﺩَّﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻤﻞُ ﺑﺄﺟﺮﺓ. ﺑﻞ ﺇﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﺮﺍﺭ ﻭﺍﻟﻔﻴﻮﺿﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻮﻫﺒﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ، لا ﺗﺘﺄﺗﻰ ﺇﻟّﺎ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍﻟﻨﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﻌﺰﻭﻑ ﻋﻦ ﺣﻈﻮﻅ ﺍﻟﻨﻔﺲ.

ﻫﺬﺍ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﺩﺍﺋﺮﺗﻜﻢ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻗﺪ ﻗﺒﻠﺘﻨﻲ ﻭﺍﻋﻈﺎً ﻭﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺘﻲ، ﻭﻋﻴﻨﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ، ﻭﻗﺪ ﻗﻤﺖ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ، ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻮﻋﻆ. ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﺗﺮﻛﺖُ ﻣﺮﺗَّﺒﻬﺎ، ﻣﺤﺘﻔﻈﺎً ﻟﺪﻱ ﺑﺸﻬﺎﺩﺗﻬﺎ. ﺃﻱ ﺃﻧﺎ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﺅﺩﻱ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻣﻬﻤﺔَ ﺍﻟﻮﻋﻆ ﻭﺍلإﻣﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﻜﺎﻥ ﻛﺎﻥ، لأﻥ ﻧﻔﻴﻲ ﻇﻠﻢٌ ﻭﺍﺿﺢ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻨﻔﻴﻴﻦ ﻗﺪ ﺃُﻋﻴﺪﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻠﻴﻬﻢ، ﻓﺸﻬﺎﺩﺗﻲ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺇﺫﻥ ﺳﺎﺭﻳﺔُ ﺍﻟﻤﻔﻌﻮﻝ.

ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﺘُﻬﺎ، ﺧﺎﻃﺒﺖ ﺑﻬﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﻭلا ﺃﺩﻋﻮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺟﻤﻴﻌﺎً، ﺑﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺭﻭﺍﺣُﻬﻢ ﻣﺤﺘﺎﺟﺔ ﻭﻗﻠﻮﺑُﻬﻢ ﻣﺠﺮﻭﺣﺔ ﻳﺘﺤﺮَّﻭﻥ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺩﻭﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، ﻓﻴﺠﺪﻭﻧﻬﺎ. ﻳُﺴﺘﺜﻨﻰ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺗﻜﻠﻴﻔﻲ ﺃﺣﺪَ ﺍلأﻓﺎﺿﻞ ﺑﻄﺒﻊ ﺭﺳﺎﻟﺘﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﺤﺸﺮ، ﻗﺒﻞ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻜﺴﺐ ﻗﻮﺗﻲ ﻭﺗﺄﻣﻴﻦ ﻣﻌﻴﺸﺘﻲ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﺍﻟﻈﺎﻟﻢ ﺗﺠﺎﻫﻲ ﺩﻗﻖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻘﺪﻩ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻬﺎ.

ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﺇﻥ ﺑﻌﺾ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﻳﺘﺒﺮﺃﻭﻥ ﻣﻨﻲ ﻇﺎﻫﺮﺍً، ﺑﻞ ﻳﻨﺘﻘﺪﻭﻧﻨﻲ، ﻟﻴﺤﺒﺒﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴَﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﺮﺗﺎﺑﻴﻦ ﻣﻨﻲ؛ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺪﺳﺎﺳﻮﻥ ﻗﺪ ﺣﻤﻠﻮﺍ ﺗﺒﺮﺋﺔ ﻫﺆلاﺀ ﻭﺍﺟﺘﻨﺎﺑﻬﻢ ﻋﻨﻲ ﻣﺤﻤَﻞ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥ ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﻤﻠﻮﻫﺎ ﻣﺤﻤﻞ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍلإﺧـلاﺹ ﻟﻬﻢ. ﻟﺬﺍ ﺑﺪﺃﻭﺍ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺮﻳﺐ.

ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ: ﻳﺎ ﺭﻓﻘﺎﺋﻲ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ!

لا ﺗﻬﺮﺑﻮﺍ ﻣﻦ ﺧﺪﻣﺘﻲ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ؛ لأﻧﻪ لا ﻳﻠﺤﻘﻜﻢ ﺿﺮﺭٌ ﻣﻨﻲ ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ. ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻭﻗﻊ ﻋﻠﻲَّ ﺍﻟﻈﻠﻢ، ﻭﺃﺗﺖ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔُ، ﻓـلا ﻳﻤﻜﻨﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﻨﺠﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﺮﺍﺀﺓ ﻣﻨﻲ، ﺑﻞ ﺗﺴﺘﺄﻫﻠﻮﻥ ﺃﻛﺜﺮ لأﻥ ﺗﻨﺰﻝَ ﺑﻜﻢ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﺃﻭ ﺗﺪﺍﻫﻤَﻜﻢ ﻟﻄﻤﺔُ ﺗﺄﺩﻳﺐ.. ﺛﻢ ﻣﺎﺫﺍ ﺣﺪﺙ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﺎﺑﻜﻢ ﺍﻟﺮﻳﻮﺏ ﻭﺍلأﻭﻫﺎﻡ؟.

ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ: ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻡ ﻣﻨﻔﺎﻱ ﻫﺬﻩ.. ﺃﺭﻯ ﺃﻧﺎﺳﺎً ﻣﻤﻦ ﺳﻘﻄﻮﺍ ﻓﻲ ﺣﻤﺄﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﺍﺑﺘُﻠﻮﺍ ﺑﺎلإﻋﺠﺎﺏ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ، ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻲّ ﻧﻈﺮﺓً ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻭﺍلاﻧﺤﻴﺎﺯ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﺔ. ﻭﻛﺄﻧﻨﻲ ﻣﺜﻠﻬﻢ ﺫﻭ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻊ ﺗﻴﺎﺭﺍﺕ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺴﺎﺩﺓ! ﺍﻋﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺻﻒ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﻓﻲ ﺗﻴﺎﺭﻩ ﻭﺣﺪﻩ، ﻭﻳﻮﺍﺟﻬﻨﻲ ﺗﻴﺎﺭُ ﺍلإﻟﺤﺎﺩ. ﻭلا ﻋـلاﻗﺔ ﻟﻲ ﺃﺻـلا ﺑﺄﻱ ﺗﻴﺎﺭ ﺁﺧﺮ.

ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺘﺨﺬ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺲ ﻭﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ﻟﻲ، ﻭﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻲ ﻭﻳﺴﺒﺐ ﺇﻳـلاﻣﻲ، ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻤﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﻟﻘﺎﺀ ﺃﺟﺮﺓ، ﺭﺑﻤﺎ ﻳﺠﺪ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺬﺭ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ﻫﺬﻩ. ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﻌﻤﻞ ﻟﻘﺎﺀ ﺃﺟﺮﺓ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣـلاﺕ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻐﻴﺮﺓ ﻭﺍﻟﺤﻤﻴﺔ، ﻓﻠﻴﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﺧﻄﺄ ﺃﻳّﻤﺎ ﺧﻄﺄ، لأﻧﻪ -ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎﻩ ﺳﺎﺑﻘﺎً- لا ﻋـلاﻗﺔ ﻟﻲ ﻗﻄﻌﺎً ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﻠﻘﺪ ﻧﺬﺭﺕ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻭﺣﺼﺮﺕ ﻭﻗﺘﻲ ﻛﻠَّﻪ ﻟﻨﺸﺮ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻟﺬﺍ ﻓﻠﻴﻔﻜﺮ ﺟﻴﺪﺍً ﻣﻦ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻲ ﻭﻳﺘﺨﺬ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺲ، ﺇﻧﻪ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻤﺘﻌﺮﺽ ﻟـلإﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺰﻧﺪﻗﺔ ﻭﺍلإﻟﺤﺎﺩ.

ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ: ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺎﻧﻴﺔً.. ﻭﺍﻟﻌﻤﺮُ ﻗﺼﻴﺮﺍً.. ﻭﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓً.. ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﺗُﻜﺴﺐ ﻫﻨﺎ، ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.. ﻭﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺑـلا ﻣﻮﻟﻰ.. ﻓﻠﻠﻤﻀﻴﻒ ﺭﺏٌ ﻛﺮﻳﻢ ﺣﻜﻴﻢ.. لا ﻳﻀﻴّﻊ ﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﻭلا ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ.. ﻭ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾.. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﺍﻟﺴﻮﻱ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﺃﺫﻯ لا ﻳﺴﺘﻮﻳﺎﻥ.. ﻭلا ﻳﺠﺎﻭﺯ ﺑﺎﺏَ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﺃﺧـلاﺀُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺟﺎﻫُﻬﺎ..

ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺃﺳﻌﺪَ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﻣَﻦ: لا ﻳﻨﺴﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ لأﺟﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.. ﻭلا ﻳُﻀﺤّﻲ ﺑﺂﺧﺮﺗﻪ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ.. ﻭلا ﻳﻔﺴﺪ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ لأﺟﻞ ﺣﻴﺎﺓ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ.. ﻭلا ﻳﻬﺪﺭ ﻋﻤﺮﻩ ﺑﻤﺎ لا ﻳﻌﻨﻴﻪ.. ﻳﻨﻘﺎﺩ ﻟﻸ ﻭﺍﻣﺮ ﺍﻧﻘﻴﺎﺩَ ﺍﻟﻀﻴﻒ ﻟﻠﻤﻀﻴّﻒ. ﻟﻴﻔﺘﺢَ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﺑﺄﻣﺎﻥ.. ﻭﻳﺪﺧﻞَ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺑﺴـلاﻡ. (حاشية) ﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ لا ﺃﺑﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﻤﻈﺎﻟﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ ﺑﻲ ﺷﺨﺼﻴﺎً ﻭلا ﺃﻋﻴﺮ ﺑﺎلا ﻟﻠﻤﻀﺎﻳﻘﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻲ ﻭﺃﻗﻮﻝ: ﺇﻧﻬﺎ لا ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺍلاﻫﺘﻤﺎﻡ، ﻓـلا ﺃﺗﺪﺧﻞ ﺑﺄﻣﻮﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.