بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ (ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ:27) ﻭ﴿يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ (ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ:١)

  ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻥَّ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﻣﻦ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺷﻔﻴﻘﺔ، ﻭﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ» ﻣﻦ ﺗﺪﺑﻴﺮ ﻭِﻓﻖ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ، ﻭﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﻮﺩﻭﺩ» ﻣﻦ ﻟُﻄﻒ ﻭﻣﺤﺒﺔ.. ﻛﻴﻒ ﺗﺘـلاﺋﻢ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣُﺮﻋﺐ ﻭﻣﻮﺣﺶ ﻛﺎﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍﻟﻤﺸﻘﺎﺕ؟

ﻭﻟﻨﺴﻠّﻢ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻮﺕ لا ﺑﺄﺱ ﺑﻪ ﻭﻫﻮ ﺧﻴﺮٌ ﻭﺣَﺴﻦٌ ﺣﻴﺚ ﺳﻴﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻳﺔُ ﺭﺣﻤﺔٍ ﻭﺷﻔﻘﺔ ﺗَﺴﻊ، ﻭﺃﻳﺔُ ﺣﻜﻤﺔٍ ﻭﻣﺼﻠﺤﺔ ﺗﻮﺟَﺪ، ﻭﺃﻱُّ ﻟﻄﻒ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﺇﻓﻨﺎﺀ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺍلأﺯﻫﺎﺭ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﺆﻫَّﻠﺔ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺸﻐﻮﻓﺔِ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺘﻮّﺍﻗﺔ ﻟﻠﺒﻘﺎﺀ، ﻭﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭﺩﻭﻥ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﻭﺇﻋﺪﺍﻣِﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺇﻣﻬﺎﻝِ ﺃﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﺎ؟ ﻭﻓﻲ ﺗﺴﺨﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﺎﻕ ﻭﺗﻐﻴﻴﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﺡ لأﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪَﻋَﺔ ﻭﺍﻟﺮﺍﺣﺔ؟ ﻭﻓﻲ ﺇﻣﺎﺗﺘﻬﺎ ﻭﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﻭﻓﺮﺍﻗﻬﺎ ﺑـلا ﺗﻮﻗّﻒ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳُﺴﻤﺢ لأﺣﺪٍ ﺑﺎﻟﻤﻜﻮﺙ ﻗﻠﻴـلا ﻭﺩﻭﻥ ﺭﺿﻰً ﻣﻦ ﺃﺣﺪ؟

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻜﻲ ﻧﺤﻞّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻧﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ، ﻓﻬﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺟﺪﺍً ﻭﻋﻤﻴﻘﺔ ﺟﺪﺍً ﻭﺭﻓﻴﻌﺔ ﺟﺪﺍً، ﻟﻨﺮﻯ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻮﺿﻮﺡ. ﻓﻨﺒﻴﻦ ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﻭﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻰ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﺭﻣﻮﺯ ﻭﻧﺒﻴﻦ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﻤﺲ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ.

  ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ

  ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﺭﻣﻮﺯ

  ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍلأﻭﻝ

ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﻮﺍﺗﻴﻢ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ»: ﺇﻥَّ ﺻﻨّﺎﻋﺎً ﻣﺎﻫﺮﺍً، ﻳﻜﻠّﻒ ﺭﺟـلا ﻓﻘﻴﺮﺍً ﻟﻘﺎﺀ ﺃﺟﺮﺓٍ ﻳﺴﺘﺤﻘُّﻬﺎ، ﻟﻴﻘﻮﻡَ ﻟﻪ ﺑﺪﻭﺭ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ «ﺍﻟﻤﻮﺩﻳﻞ» ﻟﻴَﺨﻴﻂ ﻟﺒﺎﺳﺎً ﺭﺍﻗﻴﺎً، ﻓﺎﺧﺮﺍً ﻓﻲ ﺃﺟﻤﻞ ﺯﻳﻨﺔ ﻭﺃﻛﺜﺮِﻫﺎ ﺑﻬﺎﺀً، ﺇﻇﻬﺎﺭﺍً ﻟﻤﻬﺎﺭﺗﻪ ﻭﺻﻨﻌﺘﻪ. ﻟﺬﺍ ﻳﻔﺼّﻞ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞِ ﺍﻟﻠﺒﺎﺱَ ﻭﻳﻘُﺼّﻪ ﻭﻳﻘﺼِّﺮﻩ ﻭﻳﻄﻮِّﻟﻪ، ﻭﻳُﻘﻌِﺪ ﺍﻟﺮﺟﻞَ ﻭﻳُﻨﻬِﻀَﻪ، ﻭﻳﺠﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ.. ﻓﻬﻞ ﻳﺤﻖ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻠﺼﻨّﺎﻉ: ﻟِﻢَ ﺗﺒﺪّﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﺒﺎﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻤّﻠﻨﻲ؟ ﻭﻟِﻢَ ﺗﻐﻴّﺮﻩ؟ ﻓﺘُﻘﻌﺪﻧﻲ ﺗﺎﺭﺓ ﻭﺗُﻨﻬﻀﻨﻲ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﺘﻔﺴﺪ ﺭﺍﺣﺘﻲ؟!

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ (ﻭﻟﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ) ﻗﺪ ﺍﺗﺨﺬ ﻣﺎﻫﻴﺔَ ﻛﻞِّ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻘﻴﺎﺳﺎً ﻭﻧﻤﻮﺫﺟﺎً «ﻣﻮﺩﻳـلا» ﻓﺄﻟﺒﺲ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻟﺒﺎﺳﺎً ﻣﺮﺻّﻌﺎً ﺑﺎﻟﺤﻮﺍﺱ، ﻭﻧﻘﺶ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻘﻮﺷﺎً ﺑﻘﻠﻢ ﻗﻀﺎﺋﻪ ﻭﻗَﺪَﺭﻩ، ﻭﺃﻇﻬﺮ ﺟﻠﻮﺍﺕ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﺇﺑﺮﺍﺯﺍً ﻟﻜﻤﺎﻝ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺑﻨﻘﻮﺵ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ. ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻤﻨﺢ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺃﻳﻀﺎً ﻛﻤﺎلا ﻭﻟﺬﺓ ﻭﻓﻴﻀﺎً ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺃﺟﺮﺓٍ ﻣـلاﺋﻤﺔ ﻟﻪ.

ﻓﻬﻞ ﻳﺤﻖ ﻟﺸﻲﺀ ﺃﻥ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺎﻟﻚُ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻳﺘﺼﺮّﻑ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻪ ﻛﻴﻒ ﻳﺸﺎﺀ ﻭﻳﻘﻮﻝ: «ﺇﻧﻚ ﺗﺘﻌﺒﻨﻲ ﻭﺗﻔﺴﺪ ﻋﻠﻲّ ﺭﺍﺣﺘﻲ»؟ ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ ﻭﻛـلا!

ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺣﻖ ﺑﺄﻳﺔ ﺟﻬﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺇﺯﺍﺀ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺪّﻋﻲ ﺑﺄﻱ ﺣﻖٍ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ، ﺑﻞ ﺣﻘُّﻬﺎ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ، ﺃﺩﺍﺀً ﻟﺤﻖ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻨﺤﻬﺎ ﺇﻳﺎﻫﺎ. لأﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻤﻨﻮﺣﺔ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻭﻗﻮﻋﺎﺕ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﻠّﺔ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻣﺮﺍﺗﺐُ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗُﻤﻨﺢ ﻫﻲ ﺇﻣﻜﺎﻧﺎﺕٌ، ﻭﺍلإﻣﻜﺎﻧﺎﺕُ ﻋﺪﻡٌ، ﻭﻫﻲ لا ﺗﺘﻨﺎﻫﻰ، ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ لا ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﺔ، ﻓﻤﺎ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ لا ﻋﻠﺔ ﻟﻪ.

 ﻣﺜـلا: لا ﻳﺤﻖ ﻟﻠﻤﻌﺎﺩﻥ ﺃﻥ ﺗﺸﻜﻮ ﻗﺎﺋﻠﺔً: ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﻧﺼﺒﺢ ﻧﺒﺎﺗﺎﺕٍ؟ ﺑﻞ ﺣﻘُّﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺸﻜﺮ ﻓﺎﻃﺮَﻫﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃُﻧﻌﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻛﻤﻌﺎﺩﻥ.

ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﺃﺻﺒﺢ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎً؟ ﺑﻞ ﺣﻘُّﻪ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻫﺐ ﻟﻪ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻌﺎً. ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﻭﻳﻘﻮﻝ: ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎً؟ ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻤﺎ ﺃﻧﻌﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺟﻮﻫﺮ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺮﺍﻗﻲ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻘِﺲ.

ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺸﺎﻛﻲ! ﺇﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺒﻖَ ﻣﻌﺪﻭﻣﺎً، ﺑﻞ ﻟﺒﺴﺖَ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﻭﺫُﻗﺖ ﻃﻌﻢَ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻭﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﺟﻤﺎﺩﺍً ﻭﻟﻢ ﺗﺼﺒﺢ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎً، ﻓﻘﺪ ﻭﺟﺪﺕ ﻧﻌﻤﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻭﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﻓﻲ ﻏﻴﺎﻫﺐ ﺍﻟﻀـلاﻝ، ﻭﺗﻨﻌّﻤﺖ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﻭﺍلأﻣﺎﻥ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ..

ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﺭﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻔﺮﺍﻥ! ﺃﻓَﺒَﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺗﺪﻋّﻲ ﺣﻘﺎً ﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﻚ، ﺇﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺸﻜﺮ ﺭﺑَّﻚ ﺑﻌﺪُ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﻧﻌﻢ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻧِﻌﻢٌ ﺧﺎﻟﺼﺔ. ﺑﻞ ﺗﺸﻜﻮ ﻣﻨﻪ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا ﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﻌﻢ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ ﻧِﻌﻢ ﻏﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍلإﻣﻜﺎﻧﺎﺕ ﻭﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﻣﻤﺎ لا ﺗﻘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﻭلا ﺗﺴﺘﺤﻘﻪ، ﻓﺘﺸﻜﻮ ﺑﺤﺮﺹ ﺑﺎﻃﻞ ﻭﺗﻜﻔﺮ ﺑﻨﻌَﻤِﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.

ﺗُﺮﻯ ﻟﻮ ﺃﻥ ﺭﺟـلا ﺃُﺻﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﻣﻨﺎﺭﺓ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺫﺍﺕ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﻭﺗﺴﻠَّﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺩﺭﺟﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺪﻳﺔ ﺛﻤﻴﻨﺔ ﺛﻢ ﻭﺟﺪ ﻧﻔﺴَﻪ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ، ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺭﻓﻴﻊ، ﺃﻳﺤﻖُّ ﻟﻪ ﺃﻥ لا ﻳﺸﻜﺮ ﺻﺎﺣﺐ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﻭﻳﺒﻜﻲ ﻭﻳﺘﺄﻓﻒ ﻭﻳﺘﺤﺴﺮ ﻗﺎﺋـلا: ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﺃﻗﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻮﺩ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ..

ﺗﺮﻯ ﻛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻤﻠُﻪ ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻃـلا ﻟﻮ ﺗﺼﺮّﻑ ﻫﻜﺬﺍ ﻭﻛﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﻛﻔﺮﺍﻥ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﻭﻛﻢ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺿـلاﻟﺔ ﻣﻘﻴﺘﺔ!. ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺒُﻠﻬﺎﺀ ﻳﺪﺭﻛﻮﻥ ﻫﺬﺍ.

ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺺ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻘﺎﻧﻊ! ﻭﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﺮﻑ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻘﺘﺼﺪ! ﻭﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﻛﻲ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ! ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ!

ﺍﻋﻠﻢ ﻳﻘﻴﻨﺎً: ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﺷﻜﺮﺍﻥ ﺭﺍﺑﺢ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺤﺮﺹ ﻛﻔﺮﺍﻥ ﺧﺎﺳﺮ، ﻭﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩ ﺗﻮﻗﻴﺮٌ ﻟﻠﻨﻌﻤﺔ ﺟﻤﻴﻞ ﻭﻧﺎﻓﻊ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍلإﺳﺮﺍﻑ ﺍﺳﺘﺨﻔﺎﻑ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ ﻣﻀﺮّ ﻭﻣﺸﻴﻦ.

ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖ ﺭﺍﺷﺪﺍً، ﻋﻮّﺩ ﻧﻔﺴﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻭﺣﺎﻭﻝ ﺑﻠﻮﻍ ﺍﻟﺮﺿﻰ. ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻄﻖ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﻞ: ﻳﺎ ﺻﺒﻮﺭ ﻭﺗﺠﻤّﻞ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ. ﻭﺃﺭﺽ ﺑﺤﻘﻚ ﻭلا ﺗﺸﻚُ. ﻭﺍﻋﻠﻢ ﻣﻤﻦ ﻭﺇﻟﻰ ﻣَﻦ ﺗﺸﻜﻮ ﺇﻟﺰَﻡ ﺍﻟﺼﻤﺖ. ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ لا ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻓﺎﺷﻚُ ﻧﻔﺴَﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻣﻨﻬﺎ.

  ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ «ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍلأﺧﻴﺮﺓ ﻟﻠﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ» ﺃﻧﻪ:

ﺇﻥَّ ﺣﻜﻤﺔً ﻣﻦ ﺣِﻜﻢ ﺗﺒﺪﻳﻞ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺩﻭﻣﺎً ﻭﺗﺠﺪﻳﺪِﻩ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺗﺒﺪﻳـلا ﻭﺗﺠﺪﻳﺪﺍً ﻣﺤﻴّﺮﺍً ﻣﺬﻫـلا ﺑﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻧﺎﺑﻌﺔٌ ﻣﻦ ﺷﻬﻴﺔ، ﻣﻦ ﺍﺷﺘﻴﺎﻕ، ﻣﻦ ﻟﺬﺓ، ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺔ، ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ:

ﺇﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﻛﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ ﻧﻮﻉٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ، ﻭﺍﻟﻠﺬﺓ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﻛﻤﺎﻝ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻧﻮﻉٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻛﻤﺎﻝ، ﺇﻟﻰ ﻟﺬﺓ، ﺇﻟﻰ ﺟﻤﺎﻝ، ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺫﻭ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﺟﺎﻣﻊٌ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ ﻭﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ، ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺷﻔﻘﺔً ﻣﻘﺪﺳﺔ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ ﻭﻣﺤﺒﺔً ﻣﻨﺰّﻫﺔ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻮﺟﻮﺏ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻭﻗﺪﺳﻴﺘﻪ ﻭﺗﻮﺍﻓﻖ ﺗﻌﺎﻟﻴﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﻏﻨﺎﻩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺗﻨﺎﺳﺐ ﻛﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺗﻨﺰُّﻫﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭلا ﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﻪ ﺷﻮﻗﺎً ﻣﻘﺪّﺳﺎً لا ﺣﺪّ ﻟﻪ، ﻧﺎﺑﻌﺎً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻭﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰَّﻫﺔ، ﻭﺃﻥ ﻟﻪ ﺳﺮﻭﺭﺍً ﻣﻘﺪﺳﺎً لا ﺣﺪّ ﻟﻪ ﻧﺎﺑﻌﺎً ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ، ﻭﺃﻥ ﻟﻪ ﻟﺬﺓً ﻣﻘﺪﺳﺔ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ -ﺇﻥ ﺟﺎﺯ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ- ﻧﺎﺷﺌﺔٌ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ. ﻭلاﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﻪ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺭﺿﻰً ﻣﻘﺪﺳﺎً لا ﺣﺪّ ﻟﻪ ﻭﺍﻓﺘﺨﺎﺭﺍً ﻣﻘﺪّﺳﺎً لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ -ﺇﻥ ﺟﺎﺯ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ- ﻧﺎﺷﺌَﻴﻦ ﻣﻦ ﺭﺿﻰً ﻭﺍﻣﺘﻨﺎﻥ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﺍﻧﻄـلاﻕ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻌﻞ، ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻭﺗﺘﻜﺎﻣﻞ ﺑﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺿﻤﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ.. ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﺮﺿﻰ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺍلاﻓﺘﺨﺎﺭ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻳﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ. ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺗﺒﺪﻳـلا ﻭﺗﻐﻴﻴﺮﺍً ﻭﺗﺤﻮﻳـلا ﻭﺗﺨﺮﻳﺒﺎً لا ﺣﺪّ ﻟﻬﻤﺎ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩَﻳﻦ ﻳﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ -ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻣﺎ- ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺒﻴِّﻨُﻪ ﺣﻜﻤﺔُ ﺍﻟﺒﺸﺮ (ﻓﻠﺴﻔﺘُﻪ ﻭﻋﻠﻮﻣُﻪ) ﻣﻦ ﻓﻮﺍﺋﺪ ﺗﺨﺺ ﻏﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ، ﺗﺎﻓﻬﺔٌ لا ﻗﻴﻤﺔَ ﻟﻬﺎ، ﻭﻋﻠﻤﺖُ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺗُﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺒﺜﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﺮﺍﺳﺦ ﻗﺪﻣُﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ: ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻀﻞ ﻓﻲ ﺿـلاﻟﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﺃﻭ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﻮﻓﺴﻄﺎﺋﻴﺎً، ﺃﻭ ﻳﻨﻜﺮ ﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﺃﻭ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ: «ﺍﻟﻤﻮﺟﺐ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ».

ﻭﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺑﻌﺜَﺖ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ» لإﻏﺎﺛﺘﻲ، ﻓﺄﻇﻬﺮ ﻟﻲ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ، ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﻛﻞ ﻣﺼﻨﻮﻉٍ ﻣﻜﺘﻮﺏٌ ﺭﺑﺎﻧﻲ ﺣﻜﻴﻢ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻄﺎﻟﻌﻪ ﺟﻤﻴﻊُ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ.

ﻛﻔَﺘﻨﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﺪﺓَ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ، ﺛﻢ ﺍﻧﻜﺸﻔﺖ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﻕُ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ، ﻓﻠﻢ ﺗﻌُﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔُ ﻛﺎﻓﻴﺔً ﻭﺍﻓﻴﺔ. ﻭﺃُﻇﻬﺮﺕْ ﻟﻲ ﻏﺎﻳﺔٌ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻋﻈﻢُ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻰ.

ﺃﻱ ﺇﻥ ﺃﻫﻢ ﻏﺎﻳﺔ ﻟﻠﻤﺼﻨﻮﻉ ﻫﻲ ﺍﻟﻨﻈﺮُ ﺇﻟﻰ ﺻﺎﻧﻌﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﺃﻱ ﻳﻌﺮِﺽ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻉُ ﻛﻤﺎلاﺕ ﺻﻨﻌﺔِ ﺻﺎﻧﻌﻪ، ﻭﻧﻘﻮﺵَ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﻣﺮﺻَّﻌﺎﺕ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﻭﻫﺪﺍﻳﺎ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﻈﺮﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﺮﺁﺓً ﻟﺠﻤﺎﻟﻪ ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ ﺟﻞ ﻭﻋـلا. ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻬﻤﺖُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ، ﻭﻛﻔَﺘﻨﻲ ﻣﺪﺓً ﻣﺪﻳﺪﺓ.

ﺛﻢ ﻇﻬﺮﺕ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕُ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ ﺍﻟﺴﺮﻳﻊ ﺟﺪﺍً، ﺿﻤﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﺤﻴّﺮﺓ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺇﺗﻘﺎﻧﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﺑﺪﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔُ ﻏﻴﺮ ﻭﺍﻓﻴﺔً، ﻭﻋﻠﻤﺖُ ﺃﻥ لاﺑﺪ ﻣﻦ ﺩﺍﻉٍ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻣﻘﺘﻀﻰ ﺟﻠﻴﻞ ﻳﻌﺎﺩﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﻭﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﺃُﻇﻬﺮﺕ ﻟﻲ ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺍلإﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺄﺗﻲ.

ﻭﺃُﻋﻠﻤﺖ ﻳﻘﻴﻨﺎً: ﺃﻥ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺳﻴﺮَ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺳﻴـلاﻧﻬﺎ، ﺗﺤﻤِﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻐﺰﻳﺮﺓ ﺑﺤﻴﺚ ﻳُﻨﻄِﻖ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊُ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺃﻧﻮﺍﻉَ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ، ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻥ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﺣﺮﻛﺎﺕ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺗﻬﺎ ﻫﻲ ﻛﻠﻤﺎﺕُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨُﻄﻖ ﻭﺃﻥ ﺳﻴﺮَﻫﺎ ﻭﺩﻭﺭﺍﻧَﻬﺎ ﺗﻜﻠّﻢ ﻭﻧﻄﻖ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌَﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇلا ﻛﻠﻤﺎﺕٌ ﺗﺴﺒﻴﺤﻴﺔ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻫﻲ ﻧﻄﻖٌ ﻭﺇﻧﻄﺎﻕٌ ﺻﺎﻣﺖٌ ﻟﻠﻜﻮﻥ ﻭﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ.

  ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

ﺇﻥ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ لا ﺗﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭلا ﺗﺼﻴﺮُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﺑﻞ ﺗﻤﻀﻲ ﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻘُﺪﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌِﻠﻢ، ﻭﺗﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻭﺗﺘﻮﺟّﻪ ﻣﻦ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍﻟﺘﻐﻴّﺮ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺍﻟﺒﻘﺎﺀ. ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻳﻌﻮﺩﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺇﻟﻰ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ ﻭﺟﻠﻮﺍﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺑﺎﻗﻴﺔٌ ﻭﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻬﺎ ﺩﺍﺋﻤﺔ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ ﺗﺘﺠﺪﺩ ﻭﺗﺘﺠﻤّﻞ ﻭﺗﺘﺒﺪﻝ، ﻓـلا ﺗﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﺑﻞ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﺗﻌﻴّﻨﺎﺗﻬﺎ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭﻳﺔ. ﺃﻣﺎ ﺣﻘﺎﺋﻘُﻬﺎ ﻭﻣﺎﻫﻴﺎﺗُﻬﺎ ﻭﻫﻮﻳﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺪﺍﺭُ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﻣﻈﻬﺮُ ﺍﻟﻔﻴﺾ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻓﻬﻲ ﺑﺎﻗﻴﺔٌ ﻓﺎﻟﺤُﺴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻤﻠﻚ ﺭﻭﺣﺎً ﻳﻌﻮﺩﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻓﺎﻟﺸﺮﻑ ﻟﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻟﻬﺎ. ﺇﺫ ﺍﻟﺤُﺴﻦ ﺣﺴﻨُﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺗﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭلا ﻳﻮﺭﺙ ﺗﺒﺪﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﺿﺮﺭﺍً ﻟـلأﺳﻤﺎﺀ.

ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ، ﻓﺈﻥ ﻓﺮﺍﻗﻬﺎ ﻭﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻨﺎﺀً ﻭلا ﻋﺪﻣﺎً ﺑﻞ ﻳﻨﺠﻮ ﺍﻟﺸﻲﺀُ ﺍﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺟﺴﻤﺎﻧﻲ ﻭﻣﻦ ﺍﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻣﻮﺩﻋﺎً ﺛﻤﺮﺍﺕ ﻭﻇﺎﺋﻔﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺴﺒﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺭﻭﺣﻪ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ. ﻓﺄﺭﻭﺍﺡُ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﺣﺴﻨﻰ. ﻓﺘﺪﻭﻡ ﻭﺗﺴﺘﻤﺮ، ﻭﺗﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻣـلاﺋﻤﺔ ﻟﻬﺎ.

ﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﺣﻴﺎﺀُ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺃﺻـلا ﻳﻤﻀﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺃﺑﺪﻳﺔ ﻭﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﺆﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎلاﺕ ﻣﺎﺩﻳﺔ ﻭﻣﻌﻨﻮﻳﺔ.

ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻓﺮﺍﻗﻬﻢ ﻭﺯﻭﺍﻟَﻬﻢ ﻟﻴﺲ ﻣﻮﺗﺎً ﻭﻋﺪﻣﺎً ﻭلا ﺯﻭﺍلا ﻭﻓﺮﺍﻗﺎً ﺣﻘﺎً، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻭِﺻﺎﻝٌ ﻣﻊ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﻭﻫﻮ ﺳﻴﺎﺣﺔ ﻣُﻤﺘﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻋﻮﺍﻟﻢ ﺃﺟﻤﻞَ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﺯﻫﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﺇﻟﻰ ﻣﻤﺎﻟﻜﻪ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺯﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ.

ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ ﻭﺑﺎﻕٍ، ﻭﺇﻥ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺳﺮﻣﺪﻳﺔٌ ﻭﺃﺳﻤﺎﺀﻩ ﺩﺍﺋﻤﺔ، ﺇﺫﻥ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﻧﻘﻮﺷﻬﺎ ﺗﺘﺠﺪﺩ ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺀٍ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻓﻠﻴﺲ ﺗﺨﺮﻳﺒﺎً ﻭلا ﻓﻨﺎﺀً ﻭلا ﺇﻋﺪﺍﻣﺎً ﻭﺯﻭﺍلا. ﺇﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺫﻭ ﻋـلاﻗﺔ -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ- ﻣﻊ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻓﻴﺘﻠﺬﺫ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻬﺎ ﻭﻳﺘﺄﻟﻢ ﺑﻤﺼﺎﺋﺒﻬﺎ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻣﻊ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻣﻊ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺑﺎلأﺧﺺ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻳﺤﺒّﻬﻢ ﻭﻳﻌﺠﺐ ﺑﻬﻢ ﻭﻳﺤﺘﺮﻣﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻓﻬﻮ ﺃﺷﺪُّ ﺗﺄﻟﻤﺎً ﺑﺂلاﻣﻬﻢ ﻭﺃﻛﺜﺮُ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﻀﺤّﻲ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺇﺳﻌﺎﺩﻫﻢ ﻛﺘﻀﺤﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ ﺍﻟﺸﻔﻴﻘﺔ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻬﺎ ﻭﺭﺍﺣﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻭﻟﺪﻫﺎ.

ﻓﻜﻞ ﻣﺆﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺳﻌﻴﺪﺍً ﺑﺴﻌﺎﺩﺓ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺑﻘﺎﺋﻬﺎ ﻭﻧﺠﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺻﻴﺮﻭﺭﺗﻬﺎ ﻣﻜﺎﺗﻴﺐَ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﻭﻳﻐﻨﻢ ﻧﻮﺭﺍً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﺑﻌِﻈَﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ. ﻓﻜﻞٌّ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺣﺴﺐ ﺩﺭﺟﺘﻪ.

ﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻝ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺘﺄﻟﻢ ﻋـلاﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺁلاﻣﻪ ﺑﻬـلاﻙ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺑﻔﻨﺎﺋﻬﺎ ﻭﺑﺈﻋﺪﺍﻣﻬﺎ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ ﻭﺑﺂلاﻡ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻣﻨﻬﺎ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﻛﻔﺮﻩ ﻳﻤـلأ ﺩﻧﻴﺎﻩ ﺑﺎﻟﻌﺪﻡ ﻭﻳﻔﺮﻏﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ، ﻓﻴﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢ (ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ) ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺴﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢ (ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ).

  ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ

ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺫُﻛﺮ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﻋﺪﺓ: ﺇﻥ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﺩﻭﺍﺋﺮَ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻧﺎﺷﺌﺔً ﻣﻦ ﻋﻨﺎﻭﻳﻨﻪ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻓﻠﻪ ﺍﺳﻢُ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ، ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ، ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ، ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ.

﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﻓﺈﻥ ﻟـلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕٍ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ لا ﺗُﺤﺪ، ﻓﺘﻨﻮُّﻉ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻧﺎﺷﺊٌ ﻋﻦ ﺗﻨﻮﻉ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺻﺎﺣﺐَ ﻛﻞِّ ﺟﻤﺎﻝ ﻭﻛﻞ ﻛﻤﺎﻝ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ ﻭﺇﺷﻬﺎﺩِﻫﻤﺎ. ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ -ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﺩﺍﺋﻤﻴﺔً ﻭﺳﺮﻣﺪﻳﺔ- ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻇﻬﻮﺭﺍً ﺩﺍﺋﻤﻴﺎً ﺳﺮﻣﺪﻳﺎً ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺭﺅﻳﺔَ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ. ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺭﺅﻳﺔَ ﻭﺇﺭﺍﺀﺓَ ﺟﻠﻮﺓِ ﺟﻤﺎﻟِﻬﺎ ﻭﺍﻧﻌﻜﺎﺱ ﻛﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ. ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺗﺠﺪﻳﺪَ ﻛﺘﺎﺏِ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﺁﻧﺎً ﻓﺂﻧﺎً. ﺃﻱ ﻛﺘﺎﺑﺘُﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﺔً ﻣﺠﺪﺩﺓ ﺫﺍﺕ ﻣﻐﺰﻯ. ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔَ ﺃﻟﻮﻑٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﻛﻞِّ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻟﻨﻈﺮ ﺷﻬﻮﺩِ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﻤّﻰ ﺍلأﻗﺪﺱ ﻣﻊ ﻋﺮﺿِﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺋﻬﻢ. ﺗﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ:

  ﺻﺤﺎﺋﻒُ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ..  ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻌﺪﻭﺩﺓ

  ﺣﺮﻭﻓُﻪ ﻭﻛﻠﻤﺎﺗﻪ..   ﻫﺬﻩ ﺍلأﻓﺮﺍﺩ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ

  ﻟﻘﺪ ﺳُﻄّﺮ ﻓﻲ ﻟﻮﺡ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻅ:

  ﺇﻥ ﻛﻞَّ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻔﻆٌ ﺑﻠﻴﻎ ﻣﺠﺴّﻢ

  ﺗَﺄَﻣَّﻞْ ﺳُﻄُﻮﺭَ ﺍﻟْﻜَﺎﺋِﻨَﺎﺕِ ﻓَﺈﻧَّﻬَﺎ   ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻤَـلإ ﺍلاﻋْﻠَﻰ ﺇﻟَﻴْﻚَ ﺭَﺳَﺎﺋِﻞُ

  ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ

  ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻧﻜﺘﺘﻴﻦ

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ:  ﺇﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ، ﻓﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇﺫﻥ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻧﺘﺴﺎﺑﺎً ﻟﻠﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻓﻜﻞ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺇﺫﻥ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ، لأﻥ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺑﺎﻧﺘﺴﺎﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﺑﺴﺮّ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻳَﻌﺮﻑ ﺍﻧﺘﺴﺎﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺃﻭ ﻳُﻌﺮَﻑ ﺍﻧﺘﺴﺎﺑﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻓﻬﻮ ﺫﻭ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺴﺮ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﻳﻨﺎﻝ ﺃﻧﻮﺍﺭَ ﻭﺟﻮﺩٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﺑﺤﺪﻭﺩ، ﻓـلا ﻓﺮﺍﻕَ ﻭلا ﺯﻭﺍﻝ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ.. ﻟﺬﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻴﺶُ ﻓﻲ ﺁﻥ ﺳﻴﺎﻝ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﺒﻌﺚَ ﺃﻧﻮﺍﺭِ ﻭﺟﻮﺩٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ، ﻭﻟﻢ ﻳُﻌﺮﻑ، ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﻨﺎﻝ ﻣﺎ لا ﻳﺤﺪ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺻﻨﻮﻑ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﻌﺪﻡ، لأﻥ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻟﻪ ﻓﺮﺍﻕ ﻭﺍﻓﺘﺮﺍﻕ ﻭﺯﻭﺍﻝ ﺗﺠﺎﻩ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻪ. ﺃﻱ ﻳَﺤﻤﻞُ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﺃﻧﻮﺍﻋﺎً لا ﺗﺤﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺻﻨﻮﻓﺎً لا ﺗﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ، ﻓﻠﻮ ﻇﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﻠﻴﻮﻧﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻧﺘﺴﺎﺏ ﻟﻤﺎ ﻋَﺪﻝَ ﻗﻄﻌﺎً ﺁﻧﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ.

ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ: ﺇﻥَّ ﺁﻧﺎً ﺳﻴﺎلا ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﻨﻮّﺭ ﻳﻔﻀُﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﺑﺘﺮ. ﺃﻱ ﺇﻥَّ ﺁﻧﺎً ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﻨﺘﺴﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣُﺮﺟّﺢ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ لا ﺍﻧﺘﺴﺎﺏ ﻓﻴﻪ. ﻭلأﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ: ﺇﻥ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻫﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻭﻫﻲ ﺗَﻨﻌﻢ ﺑﺄﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻤﻠﻮﺀﺓً ﺑﺎﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﻭﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ. ﻭﺑﺨـلاﻑ ﺫﻟﻚ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻓﺈﻥ ﻇﻠﻤﺎﺕِ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺁلاﻡَ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺃﻭﺟﺎﻉَ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ، ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻮﺣﺸﺔً ﺧﺎﻭﻳﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ.

ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥَّ ﻟﻜﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭ ﺷﺠﺮﺓ، ﻋـلاﻗﺔً ﻣﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺗﻜﻮّﻥ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺍلأﺧﻮﺓ ﻭﺍﻟﺼﺪﺍﻗﺔ ﻭﺍﻟﻌـلاﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻴﻨﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ.. ﻓﻠﻬﺎ ﺇﺫﻥ ﻭﺟﻮﺩﺍﺕٌ ﻋﺮَﺿﻴﺔ ﺑﻌﺪﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﻗُﻄﻔَﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﻓﺈﻥ ﻓﺮﺍﻗﺎً ﻭﺯﻭﺍلا ﻳﺤﺼـلاﻥ ﺗﺠﺎﻩ ﻛﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ. ﻭﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕُ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤﻘﻄﻮﻓﺔ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﻤﻌﺪﻭﻡ، ﻓﻴﻌﻤّﻬﺎ ﺍﻟﻈـلاﻡُ، ﻇـلاﻡ ﻋﺪﻡ ﺧﺎﺭﺟﻲ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻟﻪ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠﻬﺎ، ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﻗﺪﺭﺓ ﺍلأﺣﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ. ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻧﺘﺴﺎﺏٌ ﻓﺈﻥ ﺃﻧﻮﺍﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﺑﻌﺪﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺼﻴﺐ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ.

ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺇﻟﻰ ﻋﻈﻤﺔ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺷﺎﻫِﺪ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔَ ﺍﻟﻤﺨﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻀـلاﻝ.

ﻓﺎلإﻳﻤﺎﻥ ﺇﺫﻥ ﻫﻮ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑُﻴّﻨﺖ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﻣﺰ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺍلاﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻟّﺎ ﺑﺎلإﻳﻤﺎﻥ، ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻌﺪﻭﻡ ﻟـلأﻋﻤﻰ ﻭﺍلأﺻﻢ ﻭﺍلأﺑﻜﻢ ﻭﺍﻟﻤﺠﻨﻮﻥ، ﻛﺬﻟﻚ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻌﺪﻭﻡ ﻣﻈﻠﻢ ﺑﺎﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺇﻥ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﻭﻟـلأﺷﻴﺎﺀ ﺛـلاﺛﺔَ ﻭﺟﻮﻩ:

  ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍلأﻭﻝ:

ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻓﻬﻮ ﻣﺮﺁﺓٌ ﻟﻬﺎ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﺮِﺽ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝُ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ، ﺑﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺘﺠﺪّﺩ.

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:

ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﻭﻳﺮﻧﻮ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﻣﺰﺭﻋﺘﻬﺎ. ﻓﻔﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺗﻨﻀﺞ ﺛﻤﺮﺍﺕٌ ﺑﺎﻗﻴﺎﺕ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻳﺨﺪﻡ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ، لأﻧﻪ ﻳﺤﻮّﻝ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺎﺕ، ﻭﻓﻴﻪ ﺟﻠﻮﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺒﻘﺎﺀ لا ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ.

  ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:

ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﻦ، ﺃﻱ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻧﺤﻦ، ﻓﻬﻮ ﻭﺟﻪٌ ﻳﻌﺸﻘﻪ ﺍﻟﻔﺎﻧﻮﻥ ﻭﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻬﻮﻯ، ﻭﻫﻮ ﻣﻮﺿﻊُ ﺗﺠﺎﺭﺓ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﻭﻣﻴﺪﺍﻥُ ﺍﻣﺘﺤﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﻇﻔﻴﻦ ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﺭﻳﻦ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻔﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺟﻠﻮﺍﺕُ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺮﻫﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﺮﺍﺣﺎﺕ ﺁلاﻡ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ.

ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﻟﺔ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ، ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻟّﺎ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻣﺘﺤﺮﻛﺔ، ﻭﻣﻈﺎﻫﺮ ﻣﺘﺒﺪّﻟﺔ ﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ .