ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ

  ﺍﻟﺘﻠﻮﻳﺤﺎﺕ ﺍﻟﺘﺴﻌﺔ

  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (ﻳﻮﻧﺲ:62)

  ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﻳﺨﺺ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻭﻫﻲ ﺗﺴﻌﺔ ﺗﻠﻮﻳﺤﺎﺕ

  ﺍﻟﺘﻠﻮﻳﺢ ﺍلأﻭﻝ

ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﺎﻭﻳﻦ «ﺍﻟﺘﺼﻮﻑ، ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ، ﻭﺍﻟﻮلاﻳﺔ، ﻭﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ» ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺭﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ، ﻃﺎﻓﺤﺔ ﺑﺎﻟﻠﺬﺓ ﻭﺍﻟﻨﺸﻮﺓ، ﺃﻋﻠﻦ ﻋﻨﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍلأﺫﻭﺍﻕ ﻭﺗﻨﺎﻭﻟﻮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺪﺭﺱ ﻭﺍﻟﺘﻤﺤﻴﺺ ﻭﺍﻟﺘﻌﺮﻳﻒ، ﻓﻜﺘﺒﻮﺍ ﺁلاﻑ ﺍﻟﻤﺠﻠﺪﺍﺕ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻓﺄﺧﺒﺮﻭﺍ ﺍلأﻣﺔ ﻭﺃﺧﺒﺮﻭﻧﺎ ﺑﻬﺎ، ﺟﺰﺍﻫﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮﺍً ﻛﺜﻴﺮﺍً.

ﻭﻧﺤﻦ ﻫﻨﺎ ﺳﻨﺒﻴﻦ ﺑﻀﻊَ ﺭﺷﺤﺎﺕ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻣﺎ ﺗﻠﺠﺌﻨﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ، ﻓﻬﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺑﻀﻊ ﻗﻄﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺰﺍﺧﺮ.

ﺳﺆﺍﻝ: ﻣﺎ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ ﻏﺎﻳﺔ «ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ» ﻭﻫﺪﻓَﻬﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، ﻭﻧﻴﻠُﻬﺎ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﺍلأﺣﻤﺪﻱ ﻭﺗﺤﺖ ﺭﺍﻳﺘﻪ، ﺑﺨﻄﻮﺍﺕ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺻﻮلا ﺇﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻭﺟﺪﺍﻧﻴﺔ ﻭﺫﻭﻗﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ. ﻓﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﺍﻟﺘﺼﻮﻑ ﺳﺮ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ ﺭﻓﻴﻊ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺑﺸﺮﻱ ﺳﺎﻡ.

ﺃﺟﻞ، ﻟﻤّﺎ ﻛﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺧـلاﺻﺔً ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺧﺮﻳﻄﺔٍ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ لآلاﻑ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ، ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥَّ ﺩﻣﺎﻍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ -ﺍﻟﺸﺒﻴﻪ ﺑﻤﺠﻤّﻊ ﻣﺮﻛﺰﻱ ﻟﻠﺒﺚ ﻭﺍلاﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﺍﻟﺴﻠﻜﻲ ﻭﺍﻟـلاﺳﻠﻜﻲ- ﻭﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺮﻛﺰ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻋﻠﻮﻡ ﻭﻓﻨﻮﻥ ﻭﻳﻜﺸﻒ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﻳﺒﺜﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎً، ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻮ ﻣﺤﻮﺭٌ ﻟﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ لا ﺗﺤﺪّ، ﻭﻣُﻈﻬﺮ ﻟﻬﺎ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻧﻮﺍﺗُﻬﺎ. ﻛﻤﺎ ﺑﻴّﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ لا ﻳﺤﺼﺮﻫﻢ ﺍﻟﻌﺪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﻄﺮﻭﻩ ﻣﻦ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮﺓ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﻗﻠﺐُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺩﻣﺎﻏﻪ ﻟﻬﻤﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﻗﻊ، ﻭﻗﺪ ﺃُﺩﺭﺟﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺁلاﻑُ ﻣﺎﻛﻨﺔ ﺃُﺧﺮﻭﻳﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻭﺃﺟﻬﺰﺗُﻬﺎ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻛﺎﻧﺪﺭﺍﺝ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﻓﻲ ﺑﺬﺭﺗﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﻓﺎﻃﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠَﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻗﺪ ﺃﺭﺍﺩ ﺗﺸﻐﻴﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺗﺤﺮﻳﻜَﻪ ﻭﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻗﺪﺭﺍﺗﻪ ﻭﺍلاﻧﺘﻘﺎﻝ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻃﻮﺭ «ﺍﻟﻘﻮﺓ» ﺇﻟﻰ ﻃﻮﺭ «ﺍﻟﻔﻌﻞ».

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﺃﺭﺍﺩ ﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻌﻤﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺧُﻠﻖ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻪ، ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺍﻟﻌﻘﻞُ ﺑﻌﻤﻠﻪ، ﻭلا ﺷﻚ ﺃﻥ ﺃﻋﻈﻢ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺗﺸﻐﻴﻠﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎلإﻗﺒﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺿﻤﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻋﺒﺮ ﺳﺒﻴﻞ «ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ».

  ﺍﻟﺘﻠﻮﻳﺢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﺇﻥَّ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢَ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﻘﻠﺒﻲ ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﺤﺮﻙ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﺇﻥْ ﻫﻲ ﺇﻟّﺎ «ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ» ﻭ«ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ». ﻓﻤﺤﺎﺳﻦ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻭﻓﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ لا ﺗُﺤﺼﻰ. ﻓﻠﻮ ﺻﺮﻓﻨﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻓﻮﺍﺋﺪﻫﻤﺎ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺣﺪ ﻟﻬﺎ ﻭﻧﺘﺎﺋﺠِﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺭﻗﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ، ﻭﺃﺧﺬﻧﺎ ﺑﻨﻈﺮ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭ ﻓﺎﺋﺪﺓً ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﻓﻮﺍﺋﺪﻫﻤﺎ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻮﺩ ﻧﻔﻌُﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻀﻄﺮﺑﺔ ﻧﺮﻯ:

ﺃﻥَّ ﺃﻱ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻛﺎﻥ لا ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺳﻠﻮﺍﻥ، ﻭﻳﻔﺘﺶ ﻋﻦ ﺫﻭﻕ ﻭﻳﺘﺤﺮﻯ ﻋﻦ ﺃﻧﻴﺲ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺰﻳﻞ ﻋﻨﻪ ﻭﺣﺸﺘَﻪ ﻭﻳﺨﻔﻒَ ﻋﻨﻪ ﺛﻘﻞَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻳﺘﺨﻔﻒ ﻣﻦ ﻏﻠﻮﺍﺋﻬﺎ، ﻭﻟﻮ ﺟﺰﺋﻴﺎً .

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﻬﻴﺆﻩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻴﺔ ﻭﺍلأﻧﺲ ﺑﺎلآﺧﺮﻳﻦ ﻗﺪ ﺗﻤﻨﺢ ﻭﺍﺣﺪﺍً ﺃﻭ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃُﻧﺴﺎ ﻣﻮﻗﺘﺎً ﺑﻞ ﺫﺍ ﻏﻔﻠﺔ ﻭﺫﻫﻮﻝ، ﻭﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺤﻴَﻮﻥ ﻣﻨﻔﺮﺩﻳﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻭﺍﻟﻮﺩﻳﺎﻥ، ﺃﻭ ﺳﺎﻗﺘﻬﻢ ﻫﻤﻮﻡُ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻧﺎﺋﻴﺔ ﻣﻮﺣﺸﺔ، ﺃﻭ ﺍﺑﺘُﻠﻮﺍ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ ﺍﻟﻨﺬﻳﺮﺓ ﺑﺎلآﺧﺮﺓ… ﻓﻬﺆلاﺀ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻳﻈﻠّﻮﻥ ﻣﺤﺮﻭﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلأﻧﺲ ﻓـلا ﻳﺄﻧﺴﻮﻥ ﻭلا ﻳﺠﺪﻭﻥ ﺍﻟﻌَﺰﺍﺀ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ!.. ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﺴﻠﻮﺍﻥ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ لأﻣﺜﺎﻝ ﻫﺆلاﺀ، ﻭﺍلأﻧﺲ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﻟﻬﻢ ﻟﻴﺲ ﺇﻟّﺎ ﻓﻲ ﺗﺸﻐﻴﻞ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮ.. ﻓﻔﻲ ﺍلأﺻﻘﺎﻉ ﺍﻟﻨﺎﺋﻴﺔ، ﻭﺑﻴﻦ ﺷﻌﺎﺏ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﻭﻋﺒﺮ ﻣﻬﺎﻭﻱ ﺍﻟﻮﺩﻳﺎﻥ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺮﺩﺩﺍً: «ﺍﻟﻠﻪ .. ﺍﻟﻠﻪ» ﻣﺴﺘﺄﻧﺴﺎً ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺬﻛﺮ، ﻭﻣﺘﻔﻜﺮﺍً ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮﺟﺲ ﻣﻨﻬﺎ ﺧﻴﻔﺔ ﻭﺗﻮﺣﻲ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﻮﺣﺸﺔ، ﻓﺈﺫﺍ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ﻳﻀﻔﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍلأﻧﺲَ ﻭﺍﻟﻤﻮﺩّﺓ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺎﻟﺬﺍﻛﺮ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥَّ ﻟﺨﺎﻟﻘﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺫﻛﺮﻩ ﻋﺒﺎﺩﺍً لا ﺣﺪ ﻟﻬﻢ ﻣﻨﺘﺸﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺭﺟﺎﺀ ﻓﻬﻢ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﺟﺪﺍً.. ﺇﺫﻥ ﻓﺄﻧﺎ ﻟﺴﺖُ ﻭﺣﻴﺪﺍً، ﻓـلا ﺩﺍﻋﻲ ﻟـلاﺳﺘﻴﺤﺎﺵ، ﻭلا ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻪ .. ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﺬﻭﻕ ﻣﻌﻨﻰ ﺍلأﻧﺲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻳﻠﻤﺲ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻴﺰﺩﺍﺩ ﺷﻜﺮُﻩ ﻟﺮﺑﻪ.

  ﺍﻟﺘﻠﻮﻳﺢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺣُﺠﺔ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ، ﺫﻟﻚ لأﻥ ﻣﺎ ﺑﻠّﻐﺘﻪ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔُ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺗﺮﺍﻫﺎ «ﺍﻟﻮلاﻳﺔُ» ﺑﺪﺭﺟﺔ «ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ» ﺑﺸﻬﻮﺩٍ ﻗﻠﺒﻲ ﻭﺗﺬﻭّﻕ ﺭﻭﺣﺎﻧﻲ ﻓﺘﺼﺪّﻗُﻬﺎ، ﻭﺗﺼﺪﻳﻘُﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺣﺠﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ لأﺣﻘﻴﺔ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ.

ﻭﺇﻥ ﻣﺎ ﺟﺎﺀﺕ ﺑﻪ «ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ» ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ، ﻓﺈﻥ «ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ» ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻘﻴﺔ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ، ﻭﻋﻠﻰ ﺻﺪﻭﺭﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻤﺎ ﺍﺳﺘﻔﺎﺿﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺍﺳﺘﻔﺎﺩﺕ ﺑﻜﺸﻔﻴﺎﺗﻬﺎ ﻭﺃﺫﻭﺍﻗﻬﺎ.

ﻧﻌﻢ، ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ «ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ» ﻫﻤﺎ ﺣُﺠﺘﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻘﻴﺔ «ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ» ﻭﺩﻟﻴـلاﻥ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ، ﻓﺈﻧﻬﻤﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺳﺮُّ ﻛﻤﺎﻝ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻭﻣﺤﻮﺭُ ﺃﻧﻮﺍﺭﻩ، ﻭﻫﻤﺎ ﻣﻌﺪﻥ ﺳﻤﻮ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺭﻗﻴِّﻬﺎ ﻭﻣﻨﺒﻊ ﻓﻴﻮﺿﺎﺗﻬﺎ ﺑﺄﻧﻮﺍﺭ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻭﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺃﺿﻮﺍﺋﻪ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻤﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻗﺼﻮﻯ ﻓﻘﺪ ﺍﻧﺤﺎﺯ ﻗﺴﻢٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻔِﺮَﻕ ﺍﻟﻀﺎﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺃﻫﻤﻴﺘﻬﻤﺎ، ﻓﺤَﺮﻣﻮﺍ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭٍ ﻫﻢ ﻣﺤﺮﻭﻣﻮﻥ ﻣﻨﻬﺎ. ﻭﻣﻤﺎ ﻳﺆﺳﻒ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻎَ ﺍلأﺳﻒ ﺃﻥ ﻋﺪﺩﺍً ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻜﻤﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻭﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻐﺎﻓﻠﻴﻦ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺑﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻳﺴﻌَﻮﻥ لإﻳﺼﺎﺩ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺨﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ، ﻣﺘﺬﺭﻋﻴﻦ ﺑﻤﺎ ﻳﺮﻭﻧﻪ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺎﺀِ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﺳﻮﺀِ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻬﻢ، ﺑﻞ ﻳﺒﺬﻟﻮﻥ ﺟﻬﺪَﻫﻢ ﻟﻬﺪﻣﻬﺎ ﻭﺗﺪﻣﻴﺮﻫﺎ ﻭﺗﺠﻔﻴﻒ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﺒﻊ ﺍﻟﻔﻴﺎﺽ ﺑﺎﻟﻜﻮﺛﺮ ﺍﻟﺒﺎﻋﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻧﻪ ﻳﻨﺪﺭُ ﺃﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﺞ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺴﺎﻟﻚ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣُﺒَﺮّﺃ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﺺ ﻭﺍﻟﻘﺼﻮﺭ، ﻭﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺟﻮﺍﻧﺒُﻪ ﻛﻠُّﻬﺎ ﺣﺴﻨﺔ ﺻﺎﻟﺤﺔ، ﻓـلا ﺑﺪ ﺇﺫﻥ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺙ ﻧﻘﺺٍ ﻭﺃﺧﻄﺎﺀٍ ﻭﺳﻮﺀ ﺗﺼﺮﻑ، ﺇﺫ ﻣﺎ ﺩﺧﻞ ﺃﻣﺮﺍً ﻣَﻦْ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﻣﻦ ﺃﻫﻠﻪ، ﺇﻟّﺎ ﺃﺳﺎﺅﺍ ﺇﻟﻴﻪ. ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳُﻈﻬﺮ ﻋﺪﺍﻟﺘﻪ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﻣﻮﺍﺯﻧﺔ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻭﺗﻘﻮﻳﻤِﻬﺎ، ﺑﺮﺟﺤﺎﻥ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ، ﻓﻤَﻦ ﺭﺟَﺤﺖ ﺣﺴﻨﺎﺗُﻪ ﻭﺛﻘﻠﺖ، ﻓﻠﻪ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺗُﻘﺒﻞ ﺃﻋﻤﺎﻟُﻪ، ﻭﻣﻦ ﺭﺟﺤﺖ ﺳﻴﺌﺎﺗُﻪ ﻭﺧﻔﺖ ﺣﺴﻨﺎﺗﻪ ﻓﻠﻪ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﻭﺗُﺮﺩّ ﺃﻋﻤﺎﻟُﻪ، ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻧﻪ لا ﺗﺆﺧﺬ «ﻛﻤﻴﺔُ» ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺑﻨﻈﺮ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳُﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ «ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ». ﻓﺮُﺏَّ ﺣﺴﻨﺔٍ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺗﺮﺟﺢ ﺃﻟﻒَ ﺳﻴﺌﺔ ﺑﻞ ﻗﺪ ﺗُﺬﻫﺐ ﺑﻬﺎ ﻭﺗﻤﺤﻮﻫﺎ ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎً ﻓﻲ ﺇﻧﻘﺎﺫ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺗﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﺮﺍﻫﺎ ﻋﻴﻦَ ﺍﻟﺤﻖ، ﻓـلا ﺭﻳﺐ ﺃﻥ ﺣﺴﻨﺎﺕ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻟﻬﻲ ﺃﺭﺟﺢُ ﻣﻦ ﺳﻴﺌﺎﺗﻬﺎ.

ﻭلا ﺃﺩﻝّ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﺣﺘﻔﺎﻅ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺑﺈﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻫﺠﻮﻡ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻣﻨﺘﺴﺒﺎً ﺍﻋﺘﻴﺎﺩﻳﺎً ﻣﺨﻠﺼﺎً ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻳُﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻱ ﻣﺪّﻉٍ ﻛﺎﻥ ﻟﻠﻌﻠﻢ. ﺇﺫ ﻳﻨﻘﺬ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﺑﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻭﻕ ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﺑﻤﺎ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﺣﺐّ ﺗﺠﺎﻩ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻓﺤﺘﻰ ﺑﺎﺭﺗﻜﺎﺑﻪ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ لا ﻳﻜﻮﻥ ﻛﺎﻓﺮﺍً ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﺎﺳﻘﺎً، ﺇﺫ لا ﻳﻠﺞ ﺻﻔﻮﻑَ ﺍﻟﺰﻧﺪﻗﺔ ﺑﻴُﺴﺮ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻗﻮﺓ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺠﺮﺡ ﻣﺎ ﺍﺭﺗﻀﺎﻩ ﻣﻦ ﻭلاﺀ ﺗﺠﺎﻩ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺃﻗﻄﺎﺏ ﺍﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﺭﺗﺒﻂ ﺑﻬﻢ ﺑﻤﺤﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﻭﺍﻋﺘﻘﺎﺩ ﺟﺎﺯﻡ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ لا ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻔﻨّﺪ ﺃﻭ ﺗﻔﺴﺪ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻭﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﺑﻬﻢ، ﻓﻠﻦ ﺗﺤﻞ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻭﺍﻟﺮﺿﺎ ﺑﻬﻢ، ﻭﻟﻦ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍلإﻟﺤﺎﺩ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻔﻘﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﺑﻬﻢ. ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻆٌّ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﺸﺮﻉ ﻗﻠﺒُﻪ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ، ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﺑﻤﻜﺎﻥ -ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ- ﺃﻥ ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔً ﺗﺎﻣﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺩﺳﺎﺋﺲ ﺍﻟﺰﻧﺎﺩﻗﺔ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﻴﻦ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎً ﻣﺪﻗﻘﺎً.

ﺑﻘﻲ ﺃﻣﺮ ﺁﺧﺮ ﻫﻮ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗُﺪﺍﻥ «ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ» ﻭلا ﻳُﺤﻜَﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺴﻴﺌﺎﺕ ﻣﺬﺍﻫﺐ ﻭﻣﺸﺎﺭﺏ ﺃﻃﻠﻘﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻇﻠﻤﺎً ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ» ﻭﺭﺑﻤﺎ ﺍﺗﺨﺬﺕ ﻟﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓً ﺧﺎﺭﺝ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﺑﻞ ﺧﺎﺭﺝ ﻧﻄﺎﻕ ﺍلإﺳـلاﻡ.

ﻓﻠﻮ ﺻﺮﻓﻨﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻮﺻﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔُ ﺳﻮﺍﺀ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺃﻭ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ، ﻭﻧﻈﺮﻧﺎ ﻓﻘﻂ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺳِّﻊ ﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍلأﺧﻮﺓ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺗﺒﺴﻂ ﻟﻮﺍﺀَ ﺭﺍﺑﻄﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻓﻲ ﺃﺭﺟﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ.

ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻘـلاﻉ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻄﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﺪﺭﺍﻧﻬﺎ ﺍﻟﺼﻠﺪﺓ ﻫﺠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﺑﺴﻴﺎﺳﺎﺗﻬﻢ ﻭﻣﻜﺎﻳﺪ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻌَﻮﻥ لإﻃﻔﺎﺀ ﻧﻮﺭ ﺍلإﺳـلاﻡ.. ﻓﻴﺠﺐ ﺃلا ﻧﻨﺴﻰ ﻓﻀﻞَ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﺨـلاﻓﺔ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﺍﺳﺘﺎﻧﺒﻮﻝ ﻃﻮﺍﻝ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻭﺧﻤﺴﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﺭﻏﻢ ﻫﺠﻤﺎﺕ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺻﻠﻴﺒﻴﺔ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ. ﻓﺎﻟﻘﻮﺓ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺍلأﺷﻮﺍﻕ ﺍﻟﻤﺘﻔﺠﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ لأﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﺩﺩﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ.. ﺍﻟﻠﻪ.. ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻭﺍﻳﺎ ﻭﺍﻟﺘﻜﺎﻳﺎ ﺍﻟﻤﺘﻤﻤﺔ ﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺠﻮﺍﻣﻊ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ، ﻭﺍﻟﺮﺍﻓﺪﺓ ﻟﻬﻤﺎ ﺑﺠﺪﺍﻭﻝ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﺃﻧﻮﺍﺭُ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻣﻜﺎﻥ، ﻟﺘﺸﻜّﻞ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﺃﻋﻈﻢَ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﺭﺗﻜﺎﺯ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ.

ﻓﻴﺎ ﺃﺩﻋﻴﺎﺀ ﺍﻟﺤَﻤﻴﺔ ﻭﻳﺎ ﺳﻤﺎﺳﺮﺓ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﺰﻳﻔﻴﻦ! ﺃلا ﺗﻘﻮﻟﻮﻥ ﺃﻳﺔَ ﺳﻴﺌﺔ ﻣﻦ ﺳﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗُﻔﺴﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺴَﻨﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻜﻢ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؟!

  ﺍﻟﺘﻠﻮﻳﺢ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ

ﺇﻥَّ ﺳﻠﻮﻙ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻣﻊ ﺳﻬﻮﻟﺘﻪ ﻫﻮ ﺫﻭ ﻣﺼﺎﻋﺐ، ﻭﻣﻊ ﻗﺼﺮﻩ ﻓﻬﻮ ﻃﻮﻳﻞ ﺟﺪﺍً، ﻭﻣﻊ ﻧﻔﺎﺳﺘﻪ ﻭﻋﻠﻮِّﻩ ﻓﻬﻮ ﻣﺤﻔﻮﻑٌ ﺑﺎﻟﻤﺨﺎﻃﺮ، ﻭﻣﻊ ﺳﻌﺘﻪ ﻓﻬﻮ ﺿﻴﻖ ﺟﺪﺍً.

ﻓـلأﺟﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ، ﻗﺪ ﻳﻐﺮﻕ ﺍﻟﺴﺎﻟﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ، ﻭﻗﺪ ﻳﺘﻌﺜﺮﻭﻥ ﻭﻳﺘﺄﺫﻭﻥ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﻨﻜﺼﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻘﺎﺑﻬﻢ ﻭﻳﻀﻠﻮﻥ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ. ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ؛ ﻫﻨﺎﻙ «ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺍلأﻧﻔﺴﻲ» ﻭ«ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺍلآﻓﺎﻗﻲ» ﻭﻫﻤﺎ ﻣﺸﺮﺑﺎﻥ ﻭﻧﻬﺠﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ.

ﻓﺎﻟﺴﻴﺮ ﺍلأﻧﻔﺴﻲ ﻳﺒﺪﺃ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻭﻳﺼﺮﻑ ﺻﺎﺣﺐُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻧﻈﺮَﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ، ﻭﻳﺤﺪُﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻣﺨﺘﺮﻗﺎً ﺃﻧﺎﻧﻴﺘَﻪ. ﺛﻢ ﻳﻨﻔﺬ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻳﻔﺘﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺳﺒﻴـلا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.. ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻳﻨﻔﺬ ﺇﻟﻰ ﺍلآﻓﺎﻕ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻓﻴﺠﺪﻫﺎ ﻣﻨﻮّﺭﺓ ﺑﻨﻮﺭ ﻗﻠﺒﻪ، ﻓﻴﺼﻞ ﺳﺮﻳﻌﺎً، لأﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﺎﻫﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻳﺮﺍﻫﺎ ﺑﻤﻘﻴﺎﺱ ﺃﻛﺒﺮ ﻓﻲ ﺍلآﻓﺎﻕ. ﻭﺃﻏﻠﺐ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﺓ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ ﺗﺴﻴﺮ ﻭﻓﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ.

ﻭﺃﻫﻢ ﺃﺳﺲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﻫﻮ ﻛﺴﺮُ ﺷﻮﻛﺔ ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ ﻭﺗﺤﻄﻴﻤُﻬﺎ، ﻭﺗﺮﻙُ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻭﺇﻣﺎﺗﺔُ ﺍﻟﻨﻔﺲ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻨﻬﺞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻴﺒﺪﺃ ﻣﻦ ﺍلآﻓﺎﻕ، ﻭﻳﺸﺎﻫﺪ ﺻﺎﺣﺐُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻬﺞ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍلآﻓﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺛﻢ ﻳﻨﻔﺬ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻓﻴﺮﻯ ﺃﻧﻮﺍﺭَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺑﻤﻘﺎﻳﻴﺲَ ﻣﺼﻐﺮﺓ ﻓﻲ ﺁﻓﺎﻕ ﻛﻮﻧﻪ ﺍﻟﻘﻠﺒﻲ، ﻓﻴﻔﺘﺢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺃﻗﺮﺏَ ﻃﺮﻳﻖ ﺇﻟﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻳﺸﺎﻫﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺣﻘﺎً ﻣﺮﺁﺓُ ﺍﻟﺼَّﻤﺪ. ﻓﻴﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺼﻮﺩﻩ، ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺃﻣﻠﻪ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ ﺍلأﻭﻝ ﺇﻥْ ﻋﺠﺰ ﺍﻟﺴﺎﻟﻚ ﻋﻦ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ، ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﺤﻄﻴﻢ ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ ﺑﺘﺮﻙ ﺍﻟﻬﻮﻯ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺴﻘﻂ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﻗﻊ ﺍﻟﻔﺨﺮ، ﻭﻣﻨﻪ ﻳﺘﺮﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ، ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﻗﺘﺮﻥ ﻫﺬﺍ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺴُﻜﺮ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﺍﻧﺠﺬﺍﺏ ﺁﺕٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ، ﻓﺴﻮﻑ ﻳﺼﺪﺭ ﻋﻨﻪ ﺩﻋﺎﻭﻯ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺣﺪِّﻩ، ﻭﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻃﻮﻗﻪ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ «ﺍﻟﺸﻄﺤﺎﺕ». ﻓﻴﻀﺮ ﻧﻔﺴَﻪ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎً ﻓﻲ ﺍلإﺿﺮﺍﺭ ﺑﺎلآﺧﺮﻳﻦ.

ﺇﻥَّ ﻣﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺸﻄﺤﺎﺕ ﻛﻤﺜﻞ ﺿﺎﺑﻂ ﺻﻐﻴﺮ ﺑﺮﺗﺒﺔ ﻣـلاﺯﻡ. ﺗﺴﺘﺨﻔّﻪ ﻧﺸﻮﺓُ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﻭﺃﺫﻭﺍﻗُﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﻴﻂ ﺩﺍﺋﺮﺗﻪ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ، ﻓﻴﺘﺨﻴﻞ ﻧﻔﺴَﻪ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺍﻧﺘﺸﺎﺀ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﺍﻟﻤﺸﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﺩ ﺍﻟﻔﻴﺎﻟﻖ ﻭﺍﻟﺠﺤﺎﻓﻞ، ﻓﺘﺨﺘﻠﻂ ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻪ ﺍلأﻣﻮﺭُ، ﻭﻳﻠﺘﺒﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻣﺮُ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺗﻪ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻠﺘﺒﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺻﻮﺭﺓُ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺁﺓ ﺻﻐﻴﺮﺓ، ﻣﻊ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻣﻦ ﺳﻄﺢ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﺸﺎﺳﻊ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﺸﺎﺑﻬﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍلاﻧﻌﻜﺎﺱ، ﺭﻏﻢ ﺍﺧﺘـلاﻓﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻌﺔ ﻭﺍﻟﻜﺒﺮ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻣﻦ ﻳﺮﻯ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻛﺒﺮ ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻤﻦ ﻫﻢ ﺃﺭﻗﻰ ﻭﺃﺳﻤﻰ ﻣﻨﻪ، ﺑﻞ ﻣﻤﻦ ﻧﺴﺒﺘﻪ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻛﻨﺴﺒﺔ ﺍﻟﺬﺑﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺎﻭﻭﺱ.

ﻭﻟﻜﻨﻪ -ﺃﻱ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺪﻋﺎﻭﻯ- ﻳﺮﻯ ﻧﻔﺴَﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻒ، ﻭﻳﺮﺍﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ، ﻣﺤﻘﺎً ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺘﻪ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻨﻲ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻦ ﻳﺘﻘﻠﺪ ﺷﺎﺭﺍﺕِ ﺍﻟﻘﻄﺐ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻭﻳﺪّﻋﻲ ﺣﺎلاﺗﻪ، ﻭﻳﺘﻘﻤّﺺ ﺃﻃﻮﺍﺭَﻩ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻘﻄﺒﻴﺔ ﺇلا ﺍﻧﺘﺒﺎﻩ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺻﺤﻮﺗﻪ، ﻭﺳﻮﻯ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺴﺮ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ، ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ:

ﻳﺎ ﺃﺧﻲ! ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻗﺎﻧﻮﻥَ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﻟﻪ ﻣﻈﺎﻫﺮٌ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﺃﻭ ﻛﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻂ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺭﺋﺎﺳﺔ ﺍﻟﻮﺯﺍﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻘﻄﺒﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻬﺎ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﻣﻈﺎﻫﺮ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻭﻟﻜﻞ ﻣﻘﺎﻡ ﻇـلاﻝٌ ﻛﺜﻴﺮﺓ. ﻓﺄﻧﺖ ﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪﺕ ﺍﻟﺠﻠﻮﺓ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻭﺍﻟﻤﻈﻬﺮ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻟﻠﻘﻄﺒﻴﺔ ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺮﺋﺎﺳﺔ ﺍﻟﻮﺯﺍﺭﺓ ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺗﻚ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺈﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ، ﻓﺎﻟﺘﺒﺲَ ﻋﻠﻴﻚ ﺍلأﻣﺮ ﻭﺍﻧﺨﺪﻋﺖ، ﺇﺫ ﺇﻥَّ ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪﺗَﻪ ﺻﻮﺍﺏٌ ﻭﺻﺪﻕ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺣُﻜﻤَﻚ ﻫﻮ ﺍﻟﺨﻄﺄ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻏﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺬﺑﺎﺑﺔ ﺑﺤﺮٌ ﻭﺍﺳﻊ.

ﻓﺎﻧﺘﺒﻪ ﺫﻟﻚ ﺍلأﺥ ﺑﻜـلاﻣﻲ، ﻭﻧﺠﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺭﻃﺔ ﺑﻤﺸﻴﺌﺔ ﺍﻟﻠﻪ.

ﻭﺭﺃﻳﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﻋﺪﺩﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻌﺪّﻭﻥ ﺃﻧﻔﺴَﻬﻢ ﻣﻘﺎﺭﺑﻴﻦ ﺃﻭ ﻣﺸﺎﺑﻬﻴﻦ «ﻟﻠﻤﻬﺪﻱ»، ﻭﻳﻘﻮﻝ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ: ﺳﺄﺻﺒﺢ «ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ»!

ﻫﺆلاﺀ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﻛﺎﺫﺑﻴﻦ ﻭلا ﻣﺨﺎﺩﻋﻴﻦ، ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﻨﺨﺪﻋﻮﻥ، ﺇﺫ ﻳﻈﻨﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﺮﻭﻧَﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻟﻬﺎ ﺗﺠﻠﻴﺎﺗُﻬﺎ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻭﺣﺘﻰ ﺍﻟﺬﺭﺓ، ﻓﺈﻥ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﻓﻲ ﺍلأﻛﻮﺍﻥ ﻭﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺗﺘﻔﺎﻭﺕ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻭﺇﻥ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻧﻴﻞ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ ﻭﺍﻟﺘﺸﺮﻑ ﺑﻬﺎ ﻫﻲ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﺘﻔﺎﻭﺗﺔ.

ﻭﺃﻫﻢ ﺳﺒﺐ ﻟﻬﺬﺍ ﺍلاﻟﺘﺒﺎﺱ ﻫﻮ ﻛﻮﻥُ ﺑﻌﺾ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻓﻴﻪ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻦ ﺧﻮﺍﺹ «ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ» ﻭﻭﻇﺎﺋﻔﻪ، ﻭﻳﺸﺎﻫَﺪ ﻓﻴﻪ ﺍﻧﺘﺴﺎﺏ ﺧﺎﺹٌ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﻄﺐ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻭﻋـلاﻗﺔٌ ﺧﺎﺻﺔ ﺑ«ﺍﻟﺨﻀﺮ»، ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ ﻟﻬﺎ ﻋـلاﻗﺎﺕ ﻭﺭﻭﺍﺑﻂ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﻴﺮ، ﺣﺘﻰ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ «ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺨﻀﺮ» ﻭ«ﻣﻘﺎﻡ ﺃﻭﻳﺲ» ﻭ«ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﻤﻬﺪﻳﺔ». ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻓﺎﻟﻮﺍﺻﻠﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ، ﻭﺇﻟﻰ ﺟﺰﺀ ﻣﻨﻪ، ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﻇﻞ ﻣﻦ ﻇـلاﻟﻪ، ﻳﺘﺼﻮﺭﻭﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻫﻢ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﻓﺬﺍﺫ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﻭﻥ، ﻓﻴﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻧﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺨﻀﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ، ﺃﻭ ﻳﺘﺨﻴﻞ ﺃﻧﻪ ﺍﻟﻘﻄﺐ ﺍلأﻋﻈﻢ.

ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔُ ﻓﻴﻪ ﻗﺪ ﻣُﺤﻘﺖ ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﻳﻌُﺪ ﻟﻬﺎ ﺍﺳﺘﺸﺮﺍﻑٌ ﻭﺗﻄﻠّﻊٌ ﻟﺤﺐ ﺍﻟﺠﺎﻩ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻓـلا ﻳُﺪﺍﻥ، ﻭﻧﻌﺘﺒﺮ ﺩﻋﺎﻭﺍﻩ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﺔ ﻋﻦ ﺣﺪﻩ «ﺷﻄﺤﺎﺕ» ﻗﺪ لا ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺴﺆﻭلا ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺯ ﻋﻨﻬﺎ.

ﺃﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻋﺎﻭﻯ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ ﻓﻴﻪ ﻣﺘﻮﻓﺰﺓ، ﻣﺘﻄﻠﻌﺔ ﻟﺤﺐ ﺍﻟﺠﺎﻩ، ﻓﺴﺘﻐﻠﺒﻪ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔُ ﻭﺗﺄﺧﺬ ﺑﻴﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﻔﺨﺮ ﻣﺨﻠﻔﺎً ﻭﺭﺍﺀﻩ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺸﻜﺮ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻳﺘﺮﺩﻯ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ ﺍﻟﻤﺎﺣﻖ ﻟﻠﺤﺴﻨﺎﺕ. ﻓﺈﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﻮﻥ، ﺃﻭ ﻳﻀﻞ ﺿـلالا ﺑﻌﻴﺪﺍً، ﻭﺫﻟﻚ لأﻧﻪ ﺟﻌﻞ ﻧﻔﺴَﻪ ﻓﻲ ﻋﺪﺍﺩ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ، ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺤﺪّ ﺫﺍﺗﻪ ﺳﻮﺀُ ﻇﻦ ﺑﻬﻢ، لأﻧﻪ ﻳﺨﻠﻊ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﻗﺼﻮﺭ، ﺗﺪﺭﻛﻪ ﺍﻟﻨﻔﺲُ ﻣﻬﻤﺎ ﺍﻏﺘﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍلأﻓﺬﺍﺫ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﺍﻫﻢ ﺑﻤﻨﻈﺎﺭ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﺓ، ﻓﻴﺘﻮﻫﻢ ﺃﻥ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻣﻘﺼّﺮﻭﻥ ﻣﺜﻠَﻪ، ﻓﻴﻘﻞّ ﺍﺣﺘﺮﺍﻣُﻪ ﻟﻬﻢ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻗﺪ ﻳﻘﻞ ﺍﺣﺘﺮﺍﻣُﻪ ﺣﺘﻰ ﻟـلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ.

ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﻤﺘﻠﺒﺴﻴﻦ ﺃﻥ ﻳُﻤﺴﻜﻮﺍ ﻣﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﻟﻴﺰﻧﻮﺍ ﺃﻋﻤﺎﻟَﻬﻢ، ﻭﻳﻘﻔﻮﺍ ﻋﻨﺪ ﺣﺪﻭﺩ ﻣﺎ ﺣﺪَّﻩ ﻋﻠﻤﺎﺀُ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ، ﻭﻳﺴﺘﺮﺷﺪﻭﺍ ﺑﺘﻌﻠﻴﻤﺎﺕ «ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ» ﻭ«ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ» ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ، ﻭﺃﻥ ﻳﻀﻌﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺘﻬﻤﺔ، ﻭﻳﻌﺮﻓﻮﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﻌﺠﺰ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻣـلاﺯﻡٌ ﻟﻠﻨﻔﻮﺱ ﻣﻬﻤﺎ ﺇﺭﺗﻘﺖ ﻭﺗﺴﺎﻣﺖ.

ﻓﻤﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ ﻣﻦ ﺷﻄﺤﺎﺕ ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﺎﻟﻜﻴﻦ، ﻣﻨﺒﻌُﻪ ﺣﺐُّ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﺣﺘﻰ ﻟﻴﺘﻌﺎﻇﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺐ ﻓﻴﻈﻦ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪُ ﻣﻨﻬﻢ ﺻﻔﺎﺀَ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻟﻤﻌﺎﻥَ ﺫﺍﺗﻪ ﻗﻄﻌﺔَ ﺍﻟﻤﺎﺱ ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺇﻟّﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﺯﺟﺎﺝ ﺗﺎﻓﻬﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﺇﺫ ﻋﻴﻦُ ﺍﻟﺮﺿﺎ ﻛﻠﻴﻠﺔٌ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻴﻮﺏ.

ﻫﺬﺍ ﻭﺇﻥ ﺃﺧﻄﺮ ﺍﻟﻤﻬﺎﻟﻚ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﻫﻮ: ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﺴﺎﻟﻚ ﺑﺸﻜﻞ ﺇﻟﻬﺎﻡ، ﻳﺘﺨﻴّﻠﻬﺎ  -ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺎﻟﻚ- ﻛـلاﻡَ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺇﻟﻬﺎﻡ ﻭﺍﺭﺩ ﺑ«ﺁﻳﺔ» ﻓﻴﻤﺘﺰﺝ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﻋﺪﻡ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻠﻮﺣﻲ.

ﻧﻌﻢ ﺇﻥَّ ﻛﻞ ﺇﻟﻬﺎﻡٍ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺇﻟﻬﺎﻡ ﺍﻟﻨﺤﻞ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺇﻟﻬﺎﻡ ﻋﻮﺍﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺇﻟﻰ ﺇﻟﻬﺎﻡ ﺧﻮﺍﺹ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻭﺇﻟﻰ ﺇﻟﻬﺎﻡ ﻋﻮﺍﻡ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ، ﻭﺇﻟﻰ ﺇﻟﻬﺎﻡ ﺍﻟﻤﻘﺮّﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﻣﻨﻬﻢ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﺗﺠﻠﻲ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻉ ﺍﻟﻤﺘﻠﻤﻊ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﺣﺠﺎﺏ ﺣﺴﺐ ﻗﺎﺑﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ.

ﺃﻣﺎ «ﺍﻟﻮﺣﻲ» ﻓﻬﻮ ﺍلاﺳﻢُ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻟﻜـلاﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﻭﻋـلا، ﻭﺃﺑﻬﺮُ ﻣﺜﺎﻟﻪ ﺍﻟﻤﺸﺨﺺ، ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃُﻃﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﺠﻮﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻛﻞُّ ﻣﻨﺠﻤﺔ ﻣﻨﻪ «ﺁﻳﺔ» ﻛﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﺗﻮﻗﻴﻔﺎً. ﻓﺘﺴﻤﻴﺔُ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍلإﻟﻬﺎﻡ ﺑ(ﺍلآﻳﺎﺕ) ﺧﻄﺄٌ ﻣﺤﺾ. ﺇﺫ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺍﻟﻨﺴﺒﺔ ﺑﻴﻦ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﺨﺎﻓﺘﺔ ﺍﻟﻤﺘﺴﺘﺮﺓ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫَﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﻤﻠﻮﻧﺔ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨﺴﺒﺔ ﺑﻴﻦ ﺍلإﻟﻬﺎﻡ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﺩﻋﻴﺎﺀ ﻭﺑﻴﻦ ﺁﻳﺎﺕ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻛـلاﻡ ﺇﻟﻬﻲ ﻣﺒﺎﺷﺮ (ﻛﻤﺎ ﺑﻴﻨﺎ ﻭﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻭﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ»).

ﻧﻌﻢ؛ ﺇﺫﺍ ﻗﻴﻞ: ﺇﻥَّ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﻫﻲ ﺻﻮﺭﺗُﻬﺎ ﺣﻘﺎً ﻭﺫﺍﺕ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜـلاﻡ لا ﻏﺒﺎﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻫﻮ ﺣﻖ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺭﺑﻂ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺸﻤﻮﺱ ﺍﻟﻤﺮﺁﺗﻴﺔ ﺍﻟﻤﺼﻐﺮﺓ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺷﺪُّﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﺫﺑﻴﺘﻬﺎ.