ﺍﻟﺘﻠﻮﻳﺢ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ

ﻳُﻌﺘﺒﺮ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ» ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﺏ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻭﻫﻲ ﺗﻌﻨﻲ: ﺣﺼﺮُ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺤﻖ ﻫﻮ: «ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﺤﺴﺐ، ﻭﺃﻥ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻇـلاﻝ ﺑﺎﻫﺘﺔ ﻭﺯﻳﻒ ﻭﻭَﻫﻢ لا ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺇﻃـلاﻕ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﻴﺎﻝ «ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ»؛ ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺃﻫﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ ﻳﺬﻫﺒﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺧﻴﺎلا ﻭﻭﻫﻤﺎً، ﻭﻳﺘﺼﻮﺭﻭﻧﻬﺎ ﻋﺪَﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺗﺮﻙ ﻣﺎ ﺳﻮﺍﻩ، ﺃﻱ «ﺗﺮﻙ ﻣﺎ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ» ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻬﻢ ﻳﺘﻄﺮﻓﻮﻥ ﻭﻳﺬﻫﺒﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ.

ﺇﻥ ﺃﻫﻢ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻳﺤﺘﻮﻳﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ ﻫﻲ: ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺔ «ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ» ﺗﺼﻐﺮ ﻭﺗﺘﻀﺎﺀﻝ ﻋﻨﺪ ﺃﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﺒﺎﺭ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻭﺻﻠﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺣﻖ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺑﻘﻮﺓ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻨﺰﻝ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﻮﻫﻢ، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻨﻜﺮﻭﻥ ﻭﺟﻮﺩَ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺤﺎﺫﻳﺮ ﻭﻣﺨﺎﻃﺮ ﻋﺪﺓ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ، ﺃﻭﻟُﻬﺎ ﻭﺃﻫﻤﻬﺎ:

ﺇﻥَّ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺳﺘﺔ، ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻋﺪﺍ ﺭﻛﻦ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﺃﺭﻛﺎﻥٌ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﺎلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎلآﺧﺮﺓ، ﻓﻬﺬﻩ ﺍلأﺭﻛﺎﻥ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﻭﺟﻮﺩَ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﺃﻱ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻡَ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺧﻴﺎﻟﻲ.

ﻓﻌﻠﻰ ﺻﺎﺣﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ ﺃَﻟّﺎ ﻳﺼﺤَﺐ ﻣﻌﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ، ﻭﺃَﻟّﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻤﻘﺘﻀﺎﻩ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻔﻴﻖ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلاﺳﺘﻐﺮﺍﻕ ﻭﺍﻟﻨﺸﻮﺓ. ﺛﻢ ﺇﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺃَﻟّﺎ ﻳﻘﻠﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ ﺍﻟﻘﻠﺒﻲ ﻭﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻧﻲ ﻭﺍﻟﺬﻭﻗﻲ ﺇﻟﻰ ﺃُﺳﺲ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﻭﻗﻮﻟﻴﺔ ﻭﻋﻠﻤﻴﺔ، ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﻭﺃﺻﻮﻝ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﻳﻦ لا ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﻤﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ، ﻭلا ﺗﺘﺴﻊ لإﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﻄﺒﻴﻘﻪ. ﻟﺬﺍ ﻓـلا ﻳُﺮﻯ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏُ ﻓﻲ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺼﺤﻮﺓ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ، ﻭﺍلأﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ، ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺟﻴﺎﻝ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﺔ. ﺇﺫﻥ ﻓﻠﻴﺲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ ﻓﻲ ﺃَﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻭﺃَﺳﻤﺎﻫﺎ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﺍ ﻋﻠﻮ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻧﺎﻗﺺ ﻓﻲ ﻋﻠﻮّﻩ، ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﺍ ﺣـلاﻭﺓ ﻣُﻐﺮﻳﺔ ﻭﻟﻜﻨﻪ لاﺫﻉ ﺍﻟﻤﺬﺍﻕ. ﻭﻟﻈﺎﻫﺮ ﺣـلاﻭﺗﻪ، ﻭﻟﺠﻤﺎﻝ ﺇﻳﺤﺎﺋﻪ لا ﻳﺮﻏﺐ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻨﻪ؛ ﻭﻳﺘﻮﻫﻤﻮﻥ -ﺑﺎﺳﺘﺸﺮﺍﻓﺎﺕ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ- ﺃﻧَّﻪ ﺃَﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻭﺃَﺳﻤﺎﻫﺎ.

ﻭﻟﻜﻮﻧﻨﺎ ﻗﺪ ﺗﻨﺎﻭﻟﻨﺎ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺃﺳﺲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ ﻭﻣﺎﻫﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﺟـلاﻟُﻪ» ﻭﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻭ«ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺎﺕ» ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺬﻟﻚ، ﻭﻧﻘﺼﺮ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺎﻥ ﻭﺭﻃﺔ ﺧﻄﺮﺓ ﻗﺪ ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺴﻢٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﺋﻤﻴﻦ ﺣﻮﻝ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﻭﻫﻲ:

ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ ﻳﺼﻠﺢ لأﺧﺺ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﻋﻨﺪ ﺣﺎلاﺕ ﺍلاﺳﺘﻐﺮﺍﻕ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻭﻟﻠﻤﺘﺠﺮﺩﻳﻦ ﻣﻦ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻗﺪ ﻗﻄﻌﻮﺍ ﻋـلاﺋﻘﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﻭﺍلأﺷﻴﺎﺀ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﻧﺰﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ ﻣﻦ ﻋﻠﻴﺎﺀ ﺍلأﺫﻭﺍﻕ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻴﺪ، ﻭﺍلأﺷﻮﺍﻕ ﺍﻟﻘﻠﺒﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﻋُﺮﺽ ﺑﺸﻜﻠﻪ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻭﺍﻟﻌﻘـلاﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﺳﺘَﻬﻮﺗﻬﻢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻏﺮﻗﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ، ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺇﻏﺮﺍﻗﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﺓ، ﻭﺇﺑﻌﺎﺩﺍً ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ.

ﻓﺎﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎلأﺳﺒﺎﺏ، ﻭﺍﻟﻤُﻐﺮﻡ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻳﺘﺸﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﺇﺿﻔﺎﺀ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ، لأﻧﻪ ﻳﻌﺰّ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻪ ﻭﻫﻲ ﺗﺘﺒﺨﺮ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻭﺗﺬﻭﺏ، ﻓﻴُﺴﺒﻎ ﺻﻔﺔَ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺩﻧﻴﺎﻩ، ﺍﻧﻄـلاﻗﺎً ﻣﻦ ﻓﻜﺮﺓ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﻓـلا ﻳﺘﻮﺭﻉ -ﻋﻨﺪﺋﺬٍ- ﻣﻦ ﺭﻓﻊ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻪ -ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ- ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﺑﻌﺪ ﺃﻥْ ﺃَﺳﺒﻎَ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺻﻔﺎﺕِ ﺍﻟﺪﻭﺍﻡ ﻭﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﻭﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺍلأﺑﺪﻱ، ﻓﻴﻨﻔﺘﺢ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺃﻣﺎﻣَﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺍﻟﻌﻴﺎﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻗﺪ ﺗﺮﺳّﺨﺖ ﺩﻋﺎﺋﻤُﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ، ﻭﺍﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﺍﻟﻨﺸﺎﻃﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﺣﺘﻰ ﻏﺪﺕ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ -ﻋﻨﺪ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ- ﻫﻲ ﺃَﺻﻞُ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻣﺮﺟﻌﻪ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﺮﻭﻳﺞ ﻣﺬﻫﺐ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ -ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻯ ﻓﻴﻪ ﺃﻫﻞُ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺎﺕ ﺗﺎﻓﻬﺔً ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺍﻟﻌﺪﻡ- ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻌﻄﻲ ﻟﻠﻤﺎﺩﻳﻴﻦ ﺣُﺠﺔً ﻟﻴﻜﻮﻧﻮﺍ ﺩﻋﺎﺓً ﻟﻠﻤﺬﻫﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻴﺨﺎﻃﺒﻮﺍ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ: «ﻧﺤﻦ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺳﻮﺍﺀ، ﻧﺤﻦ ﺃﻳﻀﺎً ﻧﻘﻮﻝ ﻫﻜﺬﺍ ﻭﻧﻔﻜﺮ ﻫﻜﺬﺍ» ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻧﻪ لا ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺸﺮﺏٌ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﻌﻴﺪٌ ﻋﻦ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﻴﻴﻦ ﻭﻋﺒﺪﺓ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﺮﺏ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ». ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺃﺻﺤﺎﺑَﻪ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎً ﻋﻤﻴﻘﺎً ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﻳﻌﺪّﻭﻥ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻌﺪﻭﻣﺎً ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﻮﻥ ﻳﻮﻟﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻦ ﺍلأﻫﻤﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﺪّ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻨﻜﺮﻭﻥ ﻣﻌﻬﺎ ﻭﺟﻮﺩَ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ… ﻓﺄﻳﻦ ﻫﺆلاﺀ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﺌﻚ؟!

ﺍﻟﺘﻠﻮﻳﺢ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ

  ﻭﻫﻮ ﺛـلاﺙ ﻧﻘﺎﻁ

  ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ: ﺇﻥَّ ﺍﺗّﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻫﻮ ﺃﺟﻤﻞُ ﻭﺃﻟﻤﻊُ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻮﺻﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻄﺮﻕ، ﺑﻞ ﺃﻗﻮﻣُﻬﺎ ﻭﺃﻏﻨﺎﻫﺎ. ﻭﺍلاﺗّﺒﺎﻉ ﻳﻌﻨﻲ: ﺗﺤﺮﻱ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺴﻨﻴﺔ ﻭﺗﻘﻠﻴﺪَﻫﺎ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ﻭﺃﻋﻤﺎﻟﻪ، ﻭﺍلاﺳﺘﻬﺪﺍﺀ ﺑﺎلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻌﺎﻣـلاﺗﻪ ﻭﺃﻓﻌﺎﻟﻪ. ﻓﺈﻥ ﺃﻋﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻭﻣﻌﺎﻣـلاﺗﻪ ﺍﻟﻌﺮﻓﻴﺔ ﻭﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺍلاﻋﺘﻴﺎﺩﻳﺔ ﺗﺄﺧﺬ ﺑﻬﺬﺍ ﺍلاﺗّﺒﺎﻉ ﺷﻜﻞَ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺗﺤﺮﻱ ﺷﺮﻉَ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﺻﺤﻮﺓ ﺩﺍﺋﻤﺔ، ﻭﺗﺬﻛّﺮ ﻟﻠﺸﺮﻉ ﻣﺴﺘﻤﺮ، ﻭﺗﺬﻛّﺮ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﻫﺬﺍ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺫﻛﺮ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺗﺬﻛّﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﺫﻛﺮُ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺐٌ ﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻃﻤﺌﻨﺎﻧﻪ. ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻭﺩﻗﺎﺋﻘﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥْ ﺗﻨﻘﻀﻲ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ.

ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﺍﺗّﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻫﻮ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﻭﻫﻮ ﻃﺮﻳﻖ ﻭﺭﺛﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻭﺍﻟﺴﻠﻒ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ.

  ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺍلإﺧـلاﺹ ﻫﻮ ﺃﻫﻢ ﺃﺳﺎﺱ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻭﺳﺒﻞ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ، ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍلإﺧـلاﺹ ﻫﻮ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻠﺨـلاﺹ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﺍﻟﺨﻔﻲ. ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺤﻤﻞ ﺇﺧـلاﺻﺎً ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎ ﻗﻠﺒﻪ ﻓـلا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺘﺠﻮﻝ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻄﺮﻕ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥَّ «ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ» ﺗﺸﻜﻞ ﺃﻣﻀﻰ ﻗﻮﺓ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻄﺮﻕ.

ﻧﻌﻢ، ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ! ﻓﺎﻟﻤﺤﺐ لا ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻧﻘﺺ، ﺑﻞ لا ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﻧﻘﺼﺎً ﻓﻲ ﻣﺤﺒﻮﺑﻪ، ﺑﻞ ﻳﺮﻯ ﺃَﺿﻌﻒَ ﺍﻟﺪلاﺋﻞ ﻭﺍلأﻣﺎﺭﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎﻝ ﻣﺤﺒﻮﺑﻪ ﻣﻦ ﺃﻗﻮﻯ ﺍلأﺩﻟﺔ ﻭﺍﻟﺤﺠﺞ، ﻟﻜﻮﻧﻪ ﺟﺎﻧﺐَ ﻣﺤﺒﻮﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﺍﻡ.

ﻭﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻮﺟﻬﻮﻥ ﺑﻘﻠﻮﺑﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ، لا ﻳﺼﻐﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍلاﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﻭﻳﺠﺎﻭﺯﻭﻥ ﺳﺮﻳﻌﺎً ﺍﻟﻌﻘﺒﺎﺕ ﻭﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ، ﻭﻳﻨﻘﺬﻭﻥ ﺃﻧﻔﺴَﻬﻢ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻭﻳﺤﺼّﻨﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻨﻮﻥ ﻭﺍلأﻭﻫﺎﻡ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺍﺟﺘﻤﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺁلاﻑُ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ ﺍلأﺭﺽ، ﻓﻠﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﺍ ﺃﻥ ﻳﺰﻳﻠﻮﺍ ﺃﻣﺎﺭﺓً ﺃﻭ ﻋـلاﻣﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎﻝ ﻣﺤﺒﻮﺑﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻭﺳﻤﻮّﻩ. ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻳﺘﻠﻮﻯ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﺗﺤﺖ ﻭﺳﺎﻭﺱَ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺷﻴﻄﺎﻧﻪ، ﻭﻳﻨﻬﺎﺭ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﺎ ﺗﻨﻔﺜﻪ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦُ ﻣﻦ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﻭﺷُﺒَﻪٍ. ﻭﻟَﻤَﺎ ﻋَﺼَﻤَﻪُ ﺷﻲﺀٌ ﺳﻮﻯ ﻣﺘﺎﻧﺔِ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﻭﻗﻮﺗﻪ، ﻭﺷﺪﺓ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻪ ﻭﺣﺬﺭﻩ.

ﺇﺫﻥ ﻓﺎﻟﻤﺤﺒﺔُ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻲ ﺟﻮﻫﺮ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻭﺇﻛﺴﻴﺮﻫﺎ. ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﺭﻃﺔً ﻛﺒﻴﺮﺓً ﻟﻠﻤﺤﺒﺔ ﻭﻫﻲ:

ﺃﻧﻪ ﻳُﺨﺸﻰ ﺃﻥْ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺍﻟﻤﺤﺐُّ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻀﺮﻉ ﻭﺍﻟﺘﺬﻟﻞ ﻟﻠﻪ -ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻫﻤﺎ ﺳﺮ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ- ﺇﻟﻰ ﺍلإﺩلاﻝ ﻭﺍﻟﻄﻠﺐ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﻭﻯ. ﻓﻴﻄﻴﺶ ﺻﻮﺍﺑُﻪ ﻭﻳﺘﺤﺮﻙ ﻣﺨﺘﺎلا ﺑﻤﺤﺒﺘﻪ ﺩﻭﻥ ﺿﻮﺍﺑﻂ ﺃﻭ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ.. ﻭﻳُﺨﺸﻰ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔُ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ «ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺮﻓﻲ» ﺇﻟﻰ «ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلإﺳﻤﻲ» ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺗﻮﺟﻬﻪ ﺑﺎﻟﻤﺤﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﺘﻨﻘﻠﺐ ﻋﻨﺪﺋﺬِ ﻣﻦ ﺩﻭﺍﺀ ﺷﺎﻑٍ ﺇﻟﻰ ﺳﻢ ﺯﻋﺎﻑ، ﺇﺫ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺤﺐ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ -ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ- ﻭﺇﻟﻰ ﻛﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻭﺟﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ، ﺃﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﺐ ﺑﻤﻌﻨﺎﻩ ﺍلاﺳﻤﻲ -ﻟﺬﺍﺗﻪ- ﺃﻱ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺤﺒﻪ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺗﺬﻛّﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ! ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺑﺎﻟﺤﺐ ﻟﻤﺎ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺐُّ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻟﻠﻪ ، ﻓﻴﺮﺑﻂ ﻗﻠﺒَﻪ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﺮﺁﺓ ﻟﺘﺠﻠﻲ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ.

ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺐ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلاﺳﻤﻲ لا ﻳﻜﻮﻥ ﻭﺳﻴﻠﺔً ﻟﺤﺐ ﺍﻟﻠﻪ، ﺑﻞ ﺳﺘﺎﺭﺍً ﻣﻦ ﺩﻭﻧﻪ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺤﺐ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺮﻓﻲ ﺃﻱ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻦ ﺣﺐ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺣﺐ ﺍﻟﻠﻪ، ﺑﻞ ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻧﻪ ﺗﺠﻞ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.

  ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺩﺍﺭ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺩﺍﺭﺍً ﻟﻠﻤﻜﺎﻓﺄﺓ ﻭﺍﻟﺠﺰﺍﺀ. ﻓﺠﺰﺍﺀُ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺒﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺼﻞ ﻫﻨﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺮﺯﺧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﻓﺘﺆﺗﻲ ﻫﻨﺎﻙ ﺃُﻛُﻠﻬﺎ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ. ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺠﺐ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﻭﺟﺰﺍﺋﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻟﻮ ﺃﻋﻄﻴﺖْ ﻳﺠﺐ ﺃﺧﺬُﻫﺎ ﻭﻗﺒﻮﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﺪ ﺍﻟﺮﺏ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﻔﺮﺡ ﻣﺸﻮﺏٍ ﺑﺎﻟﺤﺰﻥ، ﻭﺳﺮﻭﺭ ﻣﻤﺰﻭﺝ ﺑﺎلأﺳﻰ، ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻔﺮﺡ ﻭﺳﺮﻭﺭ ﺧﺎﻟﺼﻴﻦ، ﺫﻟﻚ لأﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ -ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻦ ﺗﻨﻔﺪ ﻋﻨﺪ ﺗﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ- ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ، ﺇﺫ ﻳﺸﺒﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺰﻭﻑ ﻋﻦ ﻣﺼﺒﺎﺡ ﺧﺎﻟﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺍلإﺿﺎﺀﺓ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﺼﺒﺎﺡ لا ﻳﺘﻮﻫﺞ ﻧﻮﺭﻩ ﺇﻟّﺎ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﺛﻢ ﻳﻨﻄﻔﺊ!

ﻭﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ -ﺃﻱ ﺍﻧﺘﻈﺎﺭ ﺍلأﺟﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلآﺧﺮﺓ- ﻓﺈﻥ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻳﺴﺘﻌﺬﺑﻮﻥ ﻣﺸﺎﻕَّ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻭﻣﺼﺎﻋﺒَﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍﻟﺒـلاﻳﺎ، ﻓـلا ﻳﺸﻜﻮﻥ ﻭلا ﻳﺘﺬﻣﺮﻭﻥ. ﺑﻞ ﻟﺴﺎﻧُﻬﻢ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻭﺃﺑﺪﺍً ﻳﺮﺩﺩ: «ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ». ﻭﺇﺫﺍ ﻭﻫﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻬﻢ ﻛﺮﺍﻣﺔً ﺃﻭ ﻛﺸﻔﺎً ﺃﻭ ﻧﻮﺭﺍً ﺃﻭ ﺫﻭﻗﺎً ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺘﻨﺎﻭﻟﻮﻧﻪ ﺑﺄﺩﺏٍ ﺟَﻢٍّ ﻭﻳﻌﺪّﻭﻧﻪ ﺍﻟﺘﻔﺎﺗﺎً ﻭﺗﻜﺮّﻣﺎً ﻣﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻓﻴﺤﺎﻭﻟﻮﻥ ﺳﺘﺮ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻭﺇﺧﻔﺎﺀﻫﺎ ﻭلا ﻳﻈﻬﺮﻭﻧﻬﺎ ﻭلا ﻳﻔﺎﺧﺮﻭﻥ ﺑﻬﺎ، ﺑﻞ ﻳﺴﺎﺭﻋﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺷﻜﺮﻫﻢ ﻭﺗﻌﻤﻴﻖ ﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻬﻢ. ﻭﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺠﺄﺭﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺤﺠﺐَ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﻋﻨﻬﻢ ﻭﻳﺤﺠﺒَﻬﻢ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﻳﺘﻤﻨَّﻮﺍ ﺫﻫﺎﺑﻬﺎ ﻭﺍﺧﺘﻔﺎﺀﻫﺎ ﺧﻮﻓﺎً ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﺍلإﺧـلاﺹُ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻬﻢ ﻟﻠﺨﻠﻞ.

ﺣﻘﺎً ﺇﻥ ﺃَﻓﻀﻞ ﻧﻌﻤﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻟَﻬﺎ ﺷﺨﺺٌ ﻣﻘﺒﻮﻝ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﻫَﺐ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ، ﻟﻜﻲ لا ﻳﺘﺤﻮﻝ ﻣﻦ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﺘﻀﺮﻉ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﻝ ﺍلإﺩلاﻝ ﺑﻌﺒﺎﺩﺍﺗﻪ ﻭﻃﻠﺐ ﺍلأﺟﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻟﺌـلا ﻳﺘﺤﻮﻝ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻊ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﻗﻊ ﺍﻟﺪﻝّ ﻭﺍﻟﻔﺨﺮ.

ﻓﺎﺳﺘﻨﺎﺩﺍً ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻏﺒﻮﻥ ﻓﻲ ﺳﻠﻮﻙ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺇﻥْ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺮﻏﺒﻮﻥ ﻓﻲ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﺎﻧﺒﻴﺔ ﻟﻠﻮلاﻳﺔ، ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺎﺕ، ﻭﻳﺘﻮﺟﻬﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻳﻄﻠﺒﻮﻧﻬﺎ ﻭﻳﻠﺘﺬﻭﻥ ﺑﻬﺎ.. ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺭﻏﺒﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻫﻲ -ﺇﺫﺍ ﺣﺼﻠﺖ ﻟﻬﻢ- ﺛﻤﺮﺍﺕٌ ﻓﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﺣﺎﻝ ﻛﺎﻥ. ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﻔﻘﺪﻭﻥ ﺍلإﺧـلاﺹ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻪ ﻳﻨﺎﻟﻮﻥ ﺛﻤﺮﺓ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ. ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻤﻬّﺪﻭﻥ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﻟﻔﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ.

  ﺍﻟﺘﻠﻮﻳﺢ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ

ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺃﺭﺑﻊ ﻧﻜﺎﺕ

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ: ﺇﻥ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻫﻲ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ -ﺩﻭﻥ ﺣﺎﺟﺰ ﺃﻭ ﺳﺘﺎﺭ- ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﺩﺓ ﺑﺎلأﺣﺪﻳﺔ.

ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﺃﺳﻤﻰ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ لا ﻳﻌﺪﻭﺍﻥ ﻛﻮﻧﻬﻤﺎ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﻣﻦ ﻛﻠﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ. ﺃﻣﺎ ﻧﺘﺎﺋﺠُﻬﻤﺎ ﻭﻣﺎ ﻳﺆﻭلاﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻬﻲ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤُﺤﻜﻤﺔ. ﻓﻬﻤﺎ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻭﺃﺑﺪﺍً ﻳﻈـلاﻥ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﺨﺎﺩﻡ ﻟﻠﺸﺮﻳﻌﺔ ﻭﻭﺳﻴﻠﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻬﺎ.

ﻓﺎﻟﺴﺎﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺎﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺳﺮ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ. ﻭﻋﻨﺪﺋﺬ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﺟﺰﺍﺀَ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ. ﻟﺬﺍ ﻓﻠﻴﺲ ﺻﺤﻴﺤﺎً ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻮﺭﻩ ﻗﺴﻢٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻗﺸﺮٌ ﻇﺎﻫﺮﻱ، ﻭﺣﻘﻴﻘﺘُﻬﺎ ﻫﻲ ﻟﺒُّﻬﺎ ﻭﻧﺘﻴﺠﺘﻬﺎ ﻭﻏﺎﻳﺘﻬﺎ.

ﻧﻌﻢ، ﻳﺘﻨﻮﻉ ﺍﻧﻜﺸﺎﻑ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻭﻳﺨﺘﻠﻒ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻓﻬﻤﻬﻢ ﻭﻃﺒﻘﺎﺕ ﻣﺪﺍﺭﻛﻬﻢ، ﻓﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻳﻨﻜﺸﻒ ﻟﻠﻌﻮﺍﻡ ﻫﻮ ﻏﻴﺮُ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻭﻳﻨﻜﺸﻒ ﻟﻠﺨﻮﺍﺹ..

ﺇﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺗﻮﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻟﻠﻌﻮﺍﻡ ﻫﻮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ، ﻭﺇﻃـلاﻕ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ» ﻭ«ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ» ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻤﻨﻜﺸﻔﺔ ﻟﻠﺨﻮﺍﺹ.

ﻓﺎﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮ.

ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ، ﻓﺈﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ، ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﺴﻠﻜﻬﻢ ﻭﺍﺭﺗﻘﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺭﺟﻬﻢ، ﻭﺟﺪﻭﺍ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻨﺠﺬﺑﻴﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻣﺘﺒﻌﻴﻦ ﻟﻬﺎ، ﻣﻨﺪﺭﺟﻴﻦ ﺿﻤﻦ ﻏﺎﻳﺎﺗﻬﺎ ﻭﻣﻘﺎﺻﺪﻫﺎ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻬﻢ ﻳﺘﺨﺬﻭﻥ ﺃﺑﺴﻂ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻛﺄﻋﻈﻢ ﻣﻘﺼﺪ ﻭﻏﺎﻳﺔ، ﻭﻳﺴﻌﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﺗّﺒﺎﻋﻬﺎ ﻭﺗﻘﻠﻴﺪﻫﺎ.

لأﻧﻪ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺳﻤﻮ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻭﻋﻠﻮِّﻩ ﻋﻠﻰ ﺍلإﻟﻬﺎﻡ، ﻓﺎلآﺩﺍﺏ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺛﻤﺮﺓ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻫﻲ ﺃﺳﻤﻰ ﻭﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺁﺩﺍﺏ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺛﻤﺮﺓ ﺍلإﻟﻬﺎﻡ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺃﻫﻢ ﺃﺳﺎﺱ ﻟﻠﻄﺮﻳﻘﺔ ﻫﻮ ﺍﺗّﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ.

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: لا ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻬﻤﺎ ﻭﺳﻴﻠﺘﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﻏﺎﻳﺘﻴﻦ ﺑﺤﺪّ ﺫﺍﺗﻬﻤﺎ (ﺗﺴﺘﺤﻮﺫﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﺴﺎﻟﻚ ﻭﻓﻜﺮﻩ ﻭﻭﺟﺪﺍﻧﻪ). ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺻﺒﺤﺘﺎ -ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ- ﻣﻘﺼﻮﺩﺗﻴﻦ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻓﺈﻥ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤُﺤﻜَﻤﺔ، ﻭﺁﺩﺍﺏ ﺍﻟﺴُّﻨﺔ ﺍﻟﺴَﻨﻴﺔ، ﺗﻨﺤﺴﺮ ﺣﺘﻰ ﺗﺄﺧﺬ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺍلاﻫﺘﻤﺎﻡ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺴﺎﻟﻚ، ﻭﺗﺼﺒﺢ ﺻﻮﺭﻳﺔ ﺷﻜﻠﻴﺔ ﺑﺎﻧﺸﻐﺎﻝ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺑﺎﻟﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺁﺩﺍﺏ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﺭﺳﻮﻣﻬﺎ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺀ -ﻋﻨﺪﺋﺬِ- ﻳﻔﻜﺮ ﺑﺤﻠﻘﺔ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﻔﻜﻴﺮﻩ ﺑﺎﻟﺼـلاﺓ، ﻭﻳﻨﺠﺬﺏ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﺭﺍﺩﻩ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻧﺠﺬﺍﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺮﺍﺋﺾ، ﻭﻳﻠﺰﻡ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺘﺠﻨﺐ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺁﺩﺍﺏ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﻪ ﺑﺘﺠﻨﺐ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺇﻥ ﺃﺩﺍﺀ ﻓﺮﻳﻀﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﺎً ﺑﺎلأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻮﺍﺯﻳﻬﺎ ﺃﻭﺭﺍﺩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺃﻭ ﺗﺤﻞ ﻣﺤﻠﻬﺎ.

ﻓﺂﺩﺍﺏ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ، ﻭﺃﻭﺭﺍﺩ ﺍﻟﺘﺼﻮﻑ، ﻭﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻠﺴﺎﻟﻚ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺃﺫﻭﺍﻕ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺪﺧـلا لأﺫﻭﺍﻕ ﺃﺣﻠﻰ ﻭﺃﻋﻠﻰ ﻭﺃﺳﻤﻰ، ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﺩﺍﺀ ﺍﻟﻔﺮﺍﺋﺾ ﻭﺍﻟﺴﻨﻦ.

ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﻣﺎ ﻳﺄﺧﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻜﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺫﻭﺍﻕ، لا ﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﺳﺘﻬـلالا لأﺫﻭﺍﻕ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺆﺩﻳﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ، ﺑﻘﻴﺎﻣﻪ ﺑﺄﺭﻛﺎﻧﻬﺎ ﻭﺃﺩﺍﺋﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ، ﻭﺇﻟّﺎ ﻓﺎﻟﺬﻱ ﺗﺸﻐﻠﻪ ﺃﺫﻭﺍﻗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻜﻴﺔ ﻋﻦ ﺻـلاﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ، ﻓﻴﺆﺩﻳﻬﺎ ﺑﺨﻔﺔ ﻭﺳﺮﻋﺔ ﺻﻮﺭﻳﺔ ﻭﺷﻜﻠﻴﺔ لا ﺣﺮﺍﺭﺓ ﻓﻴﻬﺎ ﻭلا ﺭﻭﺡ، ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺒﺘﻌﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ:

  ﺳﺆﺍﻝ: ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥْ ﺗﻮﺟﺪ ﻃﺮﻳﻘﺔٌ ﺧﺎﺭﺝ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻭﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ؟

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﻌﻢ ﻭلا!

ﻧﻌﻢ، لأﻥ ﻋﺪﺩﺍً ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﻴﻦ ﻗﺪ ﺃُﻋﺪﻣﻮﺍ ﺑﺴﻴﻒ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ.

ﻭلا، لأﻥ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﻗﺪ ﺍﺗﻔﻘﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻫﺎ «ﺳﻌﺪﻱ ﺍﻟﺸﻴﺮﺍﺯﻱ» ﺷﻌﺮﺍً:

  ﻣُﺤَﺎﻟَﺴْﺖِ ﺳَﻌْﺪِﻯ ﺑَﺮَﺍﻩِ ﻧَﺠَﺎﺕْ ﻇَﻔَﺮْ ﺑُﺮْﺩَﻥْ ﺟُﺰْ ﺩَﺭْ ﭘَﻰَ ﻣُﺼْﻄَﻔَﻰ

  ﺃﻱ «ﻣﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﻳﺼﻞ ﺃﺣﺪ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺼﺮﺍﻁ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺧﺘﻄﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ، ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﺗﺒﺎﻉٍ ﻟﺨﻄﻮﺍﺗﻪ».

ﻭﺳﺮُّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻫﻮ ﺍلآﺗﻲ: ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻫﻮ ﺧﺎﺗﻢ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ ﻭﻗﺪ ﺧﺎﻃﺒَﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﻣﻤﺜـلا ﻋﻨﻬﺎ، ﻓـلا ﺑﺪ ﺃﻟّﺎ ﺗﺴﻴﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺼﺮﺍﻁ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻴّﻨﻪ، ﻓﺎلاﻧﻀﻮﺍﺀ ﺗﺤﺖ ﻟﻮﺍﺋﻪ ﺿﺮﻭﺭﻱ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﺬﺏ ﻭﺍلاﺳﺘﻐﺮﺍﻕ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﻦ ﻋﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔﺎﺗﻬﻢ، ﻟﻤﺎ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻟﻄﺎﺋﻒَ لا ﺗﺮﺿﺦ ﻟﻠﺘﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻓﻴﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ لا ﻳﺒﻘﻰ ﻣﺴﺆﻭلا ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ. ﻭﻣﺎﺩﺍﻡ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻟﻄﺎﺋﻒ ﺃﺧﺮﻯ لا ﺗﺮﺿﺦ لإﺭﺍﺩﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻛﻌﺪﻡ ﺭﺿﻮﺧﻬﺎ ﻟﻠﺘﻜﺎﻟﻴﻒ، ﺑﻞ لا ﺗﻨﻘﺎﺩ ﻟﺘﺪﺑﻴﺮ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭلا ﺗﺬﻋﻦ لأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ.. ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﺘﺤﻮﺫ ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺺٍ ﻣﺎ ﻓﺈﻧﻪ لا ﻳﺴﻘﻂ ﻣﻦ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺑﻤﺨﺎﻟﻔﺘﻪ ﺍﻟﺸﺮﻉ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﺪّ ﻣﻌﺬﻭﺭﺍً -ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺛﻨﺎﺀ ﻓﻘﻂ- ﺑﺸﺮﻁ ﺃﻟّﺎ ﻳﺼﺪﺭ ﻋﻨﻪ ﺷﻲﺀٌ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﻭﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺇﻧﻜﺎﺭﺍً ﺃﻭ ﺗﺰﻳﻴﻔﺎً ﺃﻭ ﺍﺳﺘﺨﻔﺎﻓﺎً. ﻭﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺼﺪّﻕ ﺑﺄﺣﻘﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺆﺩﻱ ﺣﻘﻪ ﺣﻖ ﺍلأﺩﺍﺀ.. ﻭﺇلا ﺇﺫﺍ ﻏﻠﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺤﺎﻝ، ﻭﺻﺪﺭ ﻋﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﺸﻢ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺘﻜﺬﻳﺐ ﻭﺍلإﻧﻜﺎﺭ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ -ﻧﻌﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ- ﻓﺬﻟﻚ ﻋـلاﻣﺔ ﺍﻟﻬـلاﻙ.

 ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥَّ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺧﺎﺭﺝ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﻗﺴﻤﺎﻥ:

  ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ ﺁﻧﻔﺎً، ﻓﻬﺆلاﺀ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺤﺎﻝُ ﻭﺍلاﺳﺘﻐﺮﺍﻕ ﻭﺍﻟﺠﺬﺏ ﻭﺍﻟﺴُّﻜﺮ. ﺃﻭ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻐﻠﻮﺑﺎً ﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻟﻄﺎﺋﻒ لا ﺗﻨﻘﺎﺩ ﻟﻠﺘﻜﺎﻟﻴﻒ ﻭلا ﺗﻌﻴﺮ ﺑﺎلا ﻟـلإﺭﺍﺩﺓ، ﻓﻴﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺸﺮﻉ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ لا ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺮﺿﻰ ﺑﺎﻟﺸﺮﻉ، ﺃﻭ ﻣﻦ ﺭﻓﺾ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﺑﻞ ﻳﺘﺮﻙ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﺿﻄﺮﺍﺭﺍً ﺩﻭﻥ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻣﻨﻪ، ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻛﺒﺎﺭﺍً ﻗﺪ ﻗﻀﻮﺍ ﻓﺘﺮﺓ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﺘﻠﺒﺴﻴﻦ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻝ. ﺑﻞ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣَﻦ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﺤﻘﻘﻮﻥ، ﺃﻧﻬﻢ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺧﺎﺭﺟﻴﻦ ﻋﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﻭﺣﺪَﻫﺎ، ﺑﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻫﻮ ﺧﺎﺭﺝ ﻋﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍلإﺳـلاﻡ. ﺇﻟّﺎ ﺑﺸﺮﻁ ﺃﻟّﺎ ﻳﻜﺬّﺑﻮﺍ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻣﻦ ﺃﺣﻜﺎﻡ، ﻣﻊ ﺃﻧﻬﻢ لا ﻳﺆﺩﻭﻥ ﺣﻘﻬﺎ، ﺇﻣﺎ ﻟﻌﺪﻡ ﺗﻔﻜﺮﻫﻢ ﺑﻬﺎ، ﺃﻭ ﻟﻌﺪﻡ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻬﻢ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﺃﻭ ﻟﻌﺪﻡ ﺗﻤﻜﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ، ﺃﻭ ﻋﺪﻡ ﻓﻬﻤﻬﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﻋﺮﻓَﻬﺎ ﺃﺣﺪٌ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﺭﻓﻀَﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﻫﻠﻚ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﻨﺠﺬﺑﻮﻥ ﻟﻨﺸﻮﺓ ﺍلأﺫﻭﺍﻕ ﺍﻟﺒﺮﺍﻗﺔ ﻟﻠﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓـلا ﻳﺒﺎﻟﻮﻥ ﺑﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺭﻗﻰ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻣﺬﺍﻗﻬﻢ. ﻭﻳﻌﺘﺒﺮﻫﺎ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﻏﻴﺮ ﺫﺍﺕ ﻣﺬﺍﻕ ﻟﻌﺠﺰﻩ ﻋﻦ ﺑﻠﻮﻏﻬﺎ. ﻓﻴﺆﺩﻳﻬﺎ ﺻﻮﺭﻳﺔ ﺷﻜﻠﻴﺔ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺒﻠﻎ ﺑﻪ ﺍلأﻣﺮ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻈﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻣﺠﺮﺩ ﻗﺸﺮٌ ﻇﺎﻫﺮﻱ، ﻭﺃﻥ ﻣﺎ ﻭﺟﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻮ ﺍلأﺳﺎﺱ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﻘﺼﺪ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: «ﺣﺴﺒﻲ ﻣﺎ ﻭﺟﺪﺗُﻪ». ﻓﻴﻘﻮﻡ ﺑﺄﻓﻌﺎﻝ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻤﺎ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻪ ﺍﻟﺸﺮﻉ! ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻔﻘﺪﻭﺍ ﺷﻌﻮﺭَﻫﻢ ﻭﻋﻘﻮﻟَﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﻣﺴﺆﻭﻟﻮﻥ ﻋﻦ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ، ﻭﻳُﺪﺍﻧﻮﻥ، ﺑﻞ ﻳﻬﻠﻜﻮﻥ، ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻮﺿﻊ ﻫﺰﺀ ﻭﺳﺨﺮﻳﺔ ﻟﻠﺸﻴﻄﺎﻥ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ: ﺇﻥَّ ﺃﺷﺨﺎﺻﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﻀﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﻤﺒﺘﺪﻋﺔ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺒﻮﻟﻴﻦ ﺑﻨﻈﺮ ﺍلأﻣﺔ، ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺃﻣﺜﺎﻟﻬﻢ ﺗﺮﺩّﻫﻢ ﺍلأﻣﺔ ﻭﺗﺮﻓﻀﻬﻢ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﺮﻕ ﻇﺎﻫﺮﻱ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ!

ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺣﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍلأﻣﺮ،ﻓ«ﺍﻟﺰﻣﺨﺸﺮﻱ» ﺍﻟﻤﻌﺘﺰﻟﻲ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ ﻟﻤﺬﻫﺒﻪ لا ﻳﻜﻔﺮﻩ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭلا ﻳﺪﺭﺟﻮﻧﻪ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻑ ﺍﻟﻀﺎﻟﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺗﻪ ﺍﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﺑﻞ ﻳﺠﺪﻭﻥ ﻟﻪ ﻣﺒﺮﺭﺍً ﻭﻣﺠﺎلا ﻟﻠﻨﺠﺎﺓ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥَّ «ﺃﺑﺎ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺠﺒّﺎﺋﻲ» ﻭﻫﻮ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻦ ﺃﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ ﻳﻄﺮﺩﻩ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻮﻥ ﻭﻳﻌﺪّﻭﻥ ﺁﺭﺍﺀﻩ ﻣﺮﺩﻭﺩﺓ ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﺃﺧﻒ ﺗﻌﺼﺒﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﺑﻜﺜﻴﺮ، ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﺄﺧﺬ ﻗﺴﻄﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺗﻔﻜﻴﺮﻯ، ﺛﻢ ﻓﻬﻤﺖ ﺑﻠﻄﻒ ﺇﻟﻬﻲ:

ﺃﻥَّ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ «ﺍﻟﺰﻣﺨﺸﺮﻱ» ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻧﺎﺑﻌﺔٌ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻋﻮ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﺴﻠﻜُﻪ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻈﻨﻪ ﺣﻘﺎً ﻛﻘﻮﻟﻪ: «ﺇﻥَّ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻫﻮ ﺑﺄﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ -ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻩ- ﻫﻢ ﺧﺎﻟﻘﻴﻦ لأﻓﻌﺎﻟﻬﻢ»، ﻟﺬﺍ ﻓﻠﻤﺤﺒﺘﻪ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺗﻨﺰﻳﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﺮﺩّ ﻗﺎﻋﺪﺓَ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ. ﺃﻣﺎ ﺳﺎﺋﺮ ﺃﺋﻤﺔ ﺍلاﻋﺘﺰﺍﻝ ﺍﻟﻤﺮﻓﻮﺿﻴﻦ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻣﺎ ﺃﻧﻜﺮﻭﺍ ﺳﺒﻴﻞ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻟﻔﺮﻁ ﻣﺤﺒﺘﻬﻢ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻟﻘﺼﻮﺭ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻋﻦ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ، ﻭﻋﺠﺰ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﻋﻦ ﺍﺳﺘﻴﻌﺎﺏ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺃﻗﻮﺍﻟَﻬﻢ ﻣﺮﺩﻭﺩﺓ ﻭﻫﻢ ﻣﻄﺮﻭﺩﻭﻥ.

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ لأﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻫﺬﻩ ﺑﺸﻜﻠﻴﻦ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﻓﺈﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻭﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﻢ ﻟﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻴﻦ:

ﺍلأﻭﻟﻰ: ﺃﻥ ﻳﻨﺠﺬﺏ ﺍﻟﻮﻟﻲّ ﻟﺤﺎﻟﻪ ﻭﻧﻬﺠﻪ ﻛﺎﻧﺠﺬﺍﺏ «ﺍﻟﺰﻣﺨﺸﺮﻱ» ﻟﻤﺬﻫﺒﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﻬﺘﻢ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍّ ﻣﺎ ﺑﺂﺩﺍﺏ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﺃﺫﻭﺍﻗﻬﺎ ﺑﻌﺪ.

  ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺍﻟﻮﻟﻲ ﺇﻟﻰ ﺁﺩﺍﺏ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺃﻧﻬﺎ ﻏﻴﺮُ ﺫﺍﺕ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺃﺻـلا ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﻗﻮﺍﻋﺪﻫﺎ (ﺣَﺎﺵَ ﻟﻠﻪ) ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻗﺪ ﻋﺠﺰ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻮﻋﺐ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺫﻭﺍﻕ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻓﻤﻘﺎﻣﻪ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺒﻠﻎ ﺗﻠﻚ ﺍلآﺩﺍﺏ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ.