ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

  ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

  ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺭﻣﻀﺎﻥ

ﻟﻘﺪ ﺑُﺤﺜﺖ ﻧﺒﺬﺓٌ ﻣﺨﺘﺼﺮﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍلأﻭﻝ، ﻟﺬﺍ ﺳﻴُﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﺻﻴﺎﻡَ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺳﻄﻊ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﻭﺃﺟﻠّﻬﺎ.

ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺗﺴﻊ ﻧﻜﺎﺕ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻭﻣﺴﺎﺋﻞ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺗﺒﻴﻦ ﺗﺴﻌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﻟﺼﻴﺎﻡ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ.

  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿ﺷﻬْﺮُ ﺭَﻣﻀَﺎﻥَ ﺍﻟَّﺬﻯ ﺍُﻧْﺰِﻝَ ﻓﻴﻪِ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫُﺪﻯً ﻟﻠِﻨَّﺎﺱِ ﻭَﺑَﻴّﻨَﺎﺕٍ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻬُﺪﻯ ﻭَﺍﻟْﻔُﺮْﻗَﺎﻥِ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:185)

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﺇﻥَّ ﺻﻴﺎﻡ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻴﻦ ﺃﻭﺍﺋﻞ ﺍلأﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﻟـلإﺳـلاﻡ، ﻭﻳُﻌﺪّ ﻣﻦ ﺃﻋﺎﻇﻢ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ.

ﺇﻥَّ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﺤِﻜﻢ ﺍﻟﻤﺘﻤﺨﻀﺔ ﻋﻦ ﺻﻮﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺗﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺭﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺎﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺇﻟﻰ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ، ﻭﺗﺘﻮﺟﻪ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺗﺰﻛﻴﺘﻬﺎ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻨِﻌَﻢ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.

ﻧﺬﻛﺮ ﺣﻜﻤﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤِﻜﻢ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﺠﻠﻲ ﺭﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺍﻟﺼﻮﻡ ﻭﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﺧﻠﻖ ﻭﺟﻪَ ﺍلأﺭﺽ ﻣﺎﺋﺪﺓً ﻣﻤﺘﺪﺓ ﻋﺎﻣﺮﺓ ﺑﺎﻟﻨِﻌﻢ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻳﺤﺼﺮﻫﺎ ﺍﻟﻌﺪ، ﻭﺃﻋﺪّﻫﺎ ﺇﻋﺪﺍﺩﺍً ﺑﺪﻳﻌﺎً ﻣﻦ ﺣﻴﺚ لا ﻳﺤﺘﺴﺒﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ. ﻓﻬﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﺒﻴّﻦ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ، ﻛﻤﺎﻝَ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﻭﺭﺣﻤﺎﻧﻴﺘَﻪ ﻭﺭﺣﻴﻤﻴﺘﻪ. ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ لا ﻳﺒﺼﺮ ﺗﻤﺎﻣﺎً -ﺗﺤﺖ ﺣﺠﺎﺏ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭﺿﻤﻦ ﺳﺘﺎﺋﺮ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ- ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮﺓَ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻔﻴﺪﻫﺎ ﻭﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ، ﻭﻗﺪ ﻳﻨﺴﺎﻫﺎ.. ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻓﺎﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ ﻳﺼﺒﺤﻮﻥ ﻓﻮﺭﺍً ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺟﻴﺶ ﻣﻨﻈّﻢ، ﻳﺘﻘﻠﺪﻭﻥ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻭﺷﺎﺡ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻟﻠﻪ، ﻭﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﻓﻲ ﻭﺿﻊٍ ﻣﺘﺄﻫﺐ ﻗُﺒﻴﻞ ﺍلإﻓﻄﺎﺭ ﻟﺘﻠﺒﻴﺔ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺍلأﺯﻟﻲ: «ﺗﻔﻀّﻠﻮﺍ» ﺇﻟﻰ ﻣﺎﺋﺪﺓ ﺿﻴﺎﻓﺘﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ.. ﻓﻴﻘﺎﺑﻠﻮﻥ -ﺑﻮﺿﻌﻬﻢ ﻫﺬﺍ- ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔَ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﻜﻠّﻴﺔ ﺑﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ.. ﺗُﺮﻯ ﻫﻞ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺸﺘﺮﻛﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ، ﻭﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺃﻥ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﺳﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ؟

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﺇﻥَّ ﻫﻨﺎﻙ ﺣِﻜَﻤﺎً ﻋﺪﺓ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺑﻬﺎ ﺻﻴﺎﻡُ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻌَﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺳﺒﻐﻬﺎ ﺍﻟﺒﺎﺭﻱ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍلأﻃﻌﻤﺔَ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻬﺎ ﺧﺎﺩﻡٌ ﻣﻦ ﻣﻄﺒﺦ ﺳﻠﻄﺎﻥٍ ﻟﻬﺎ ﺛﻤﻨُﻬﺎ -ﻛﻤﺎ ﺫُﻛﺮ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ»- ﻭﻳُﻌﺪّ ﻣﻦ ﺍﻟﺒـلاﻫﺔ ﺗﻮﻫّﻢُ ﺍلأﻃﻌﻤﺔ ﺍﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ﺗﺎﻓﻬﺔً ﻏﻴﺮَ ﺫﺍﺕِ ﻗﻴﻤﺔ، ﻭﻋﺪﻡُ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣُﻨﻌِﻤﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻨﺢ ﺍﻟﺨﺎﺩﻡ ﻫﺒﺎﺕٍ ﻭﻋﻄﺎﻳﺎ لأﺟﻠﻬﺎ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍلأﻃﻌﻤﺔ ﻭﺍﻟﻨﻌﻢ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻌﺪﻭﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺜّﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﺍلأﺭﺽ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨّﺎ ﺣﺘﻤﺎً ﺛﻤﻨَﻬﺎ، ﺃلا ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﻟﻪ ﺗﺠﺎﻩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨِﻌﻢ. ﻭﺍلأﺳﺒﺎﺏُ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺤﻤﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻭﻥ ﻫﻢ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺧَﺪَﻣﺔ ﻟﻬﺎ، ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺪﻓﻊ ﻟﻠﺨﺪﺍﻡ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻤﻦ ﻭﻧﻈﻞ ﺗﺤﺖ ﻓﻀﻠﻬﻢ ﻭﻣﻨّﺘﻬﻢ ﺑﻞ ﻧﺒﺪﻱ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮﻗﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﻜﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮﻧﻪ ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻨﻌﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﺴﺘﺤﻖ -ﺑﺒﺜّﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨِﻌَﻢ- ﺃﻥ ﻧﻘّﺪﻡ ﻟﻪ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ، ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلاﻣﺘﻨﺎﻥ ﻭﺍﻟﺮﺿﺎ، ﻭﻫﻮ ﺍلأﻫﻞُ ﻟﻜﻞ ﺫﻟﻚ، ﺑﻞ ﺃﻛﺜﺮ. ﺇﺫﻥ ﻓﺘﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﺮﺿﺎ ﺇﺯﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﺻﺪﻭﺭ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﻭﺍلآلاﺀ ﻣﻨﻪ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ.. ﻭﺑﺘﻘﺪﻳﺮ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ.. ﻭﺑﺸﻌﻮﺭ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ.

ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺻﻴﺎﻡَ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻟﻬﻮ ﻣﻔﺘﺎﺡُ ﺷﻜﺮٍ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﺧﺎﻟﺺ، ﻭﺣﻤﺪٍ ﻋﻈﻴﻢ ﻋﺎﻡ ﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻭﺫﻟﻚ لأﻥ ﺃﻏﻠﺐَ ﺍﻟﻨﺎﺱ لا ﻳﺪﺭﻛﻮﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﻧِﻌَﻢٍ ﻛﺜﻴﺮﺓ -ﻏﻴﺮ ﻣﻀﻄﺮﻳﻦ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍلأﻭﻗﺎﺕ- ﻟﻌﺪﻡ ﺗﻌﺮّﺿﻬﻢ ﻟﻘﺴﺎﻭﺓ ﺍﻟﺠﻮﻉ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻭﺃﻭﺿﺎﺭﻩ. ﻓـلا ﻳُﺪﺭِﻙ -ﻣﺜـلا- ﺩﺭﺟﺔَ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﻛﺴﺮﺓ ﺧﺒﺰ ﻳﺎﺑﺲ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻤُﺘﺨﻤﻮﻥ ﺑﺎﻟﺸﺒﻊ، ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﺛﺮﻳﺎﺀ ﻣﻨﻌّﻤﻴﻦ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺪﺭﻛﻬﺎ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﺍلإﻓﻄﺎﺭ ﺃﻧﻬﺎ ﻧﻌﻤﺔٌ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﺛﻤﻴﻨﺔ، ﻭﺗﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻗﻮّﺗُﻪ ﺍﻟﺬﺍﺋﻘﺔ. ﻟﺬﺍ ﻳﻨﺎﻝ ﺍﻟﺼﺎﺋﻤﻮﻥ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ -ﺍﺑﺘﺪﺍﺀﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺑﺄﻓﻘﺮ ﻓﻘﻴﺮ- ﺷﻜﺮﺍً ﻣﻌﻨﻮﻳﺎً ﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻨﺒﻌﺜﺎً ﻣﻦ ﺇﺩﺭﺍﻛﻬﻢ ﻗﻴﻤﺔَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ. ﺃﻣﺎ ﺍﻣﺘﻨﺎﻉ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻋﻦ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺍلأﻃﻌﻤﺔ ﻧﻬﺎﺭﺍً ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻙ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻧﻌﻤﺔٌ ﺣﻘﺎً، ﺇﺫ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺎﺋـلا:

«ﺇﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨِﻌﻢ ﻟﻴﺴﺖ ﻣِﻠﻜﺎً ﻟﻲ، ﻓﺄﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﺣﺮﺍً ﻓﻲ ﺗﻨﺎﻭﻟﻬﺎ، ﻓﻬﻲ ﺇﺫﻥ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺣﺪ ﺁﺧﺮ، ﻭﻫﻲ ﺃﺻـلا ﻣﻦ ﺇﻧﻌﺎﻣﻪ ﻭﻛَﺮَﻣﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻭﺃﻧﺎ ﺍلآﻥ ﻓﻲ ﺍﻧﺘﻈﺎﺭ ﺃﻣﺮﻩ».. ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺃﺩَّﻯ ﺷﻜﺮﺍً ﻣﻌﻨﻮﻳﺎً ﺣﻴﺎﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ.

ﻭﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻳُﺼﺒﺢ ﺍﻟﺼﻮﻡ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﻔﺘﺎﺡ ﻟﻠﺸﻜﺮ ﻣﻦ ﺟﻬﺎﺕ ﺷﺘﻰ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ.

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﺇﻥَّ ﺣﻜﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻟﻠﺼﻮﻡ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺣِﻜَﻤﻪ ﺍﻟﻐﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻗﺪ ﺧُﻠﻘﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ، ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻳﺪﻋﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺍلأﻏﻨﻴﺎﺀَ ﻟﻤﺪّ ﻳﺪ ﺍﻟﻤﻌﺎﻭﻧﺔ لإﺧﻮﺍﻧﻬﻢ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ. ﻭلا ﺟﺮﻡ ﺃﻥ ﺍلأﻏﻨﻴﺎﺀ لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺸﻌﺮﻭﺍ ﺷﻌﻮﺭﺍً ﻛﺎﻣـلا ﺣﺎلاﺕ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﺒﺎﻋﺜﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺃﻓﺔ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺤﺴﻮﺍ ﺇﺣﺴﺎﺳﺎً ﺗﺎﻣﺎً ﺑﺠﻮﻋﻬﻢ، ﺇﻟّﺎ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺍﻟﺠﻮﻉ ﺍﻟﻤﺘﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﻡ.. ﻓﻠﻮلا ﺍﻟﺼﻮﻡ ﻟﻤﺎ ﺗﻤﻜّﻦ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍلأﻏﻨﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ لأﻫﻮﺍﺋﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻛﻮﺍ ﻣﺪﻯ ﺃﻟﻢِ ﺍﻟﺠﻮﻉ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﻣﺪﻯ ﺣﺎﺟﺔِ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺃﻓﺔ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ. ﻟﺬﺍ ﺗُﺼﺒﺢ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ ﺍﻟﺠﻨﺲ -ﺍﻟﻤﻐﺮﻭﺯﺓ ﻓﻲ ﻛﻴﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ- ﻫﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺍلأﺳﺲ ﺍﻟﺒﺎﻋﺜﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺠﺪ ﻛﻞُّ ﻓﺮﺩ ﺃﻳﺎً ﻛﺎﻥ ﻣَﻦْ ﻫﻮ ﺃﻓﻘﺮَ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻓﻬﻮ ﻣﻜﻠّﻒ ﺑﺎلإﺷﻔﺎﻕ ﻋﻠﻴﻪ.

ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﺿﻄﺮﺍﺭٌ لإﺫﺍﻗﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻣﺮﺍﺭﺓَ ﺍﻟﺠﻮﻉ، ﻟﻤﺎ ﻗﺎﻡ ﺃﺣﺪٌ ﺃﺻـلا ﺑﺈﺳﺪﺍﺀ ﺍلإﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻄﻠﺒﻪ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺍﻟﻤﻜﻠّﻒ ﺑﻪ ﺑﺮﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ ﺍﻟﺠﻨﺲ، ﻭﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻗﺎﻡ ﺑﻪ ﻟَﻤَﺎ ﺃﺗﻘﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍلأﻛﻤﻞ، ﺫﻟﻚ لأﻧﻪ لا ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺷﻌﻮﺭﺍً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً.

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﺇﻥَّ ﺻﻮﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻳﺤﻮﻱ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺣِﻜﻤﺎً ﻋﺪﺓ، ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ﺗﺮﻏﺐ ﺍلاﻧﻔـلاﺕَ ﻣﻦ ﻋﻘﺎﻟﻬﺎ ﺣﺮﺓً ﻃﻠﻴﻘﺔ، ﻭﺗﺘﻠﻘﻰ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻫﻜﺬﺍ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﻄﻠﺐ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﺭﺑﻮﺑﻴﺔً ﻣﻮﻫﻮﻣﺔ، ﻭﺣﺮﻛﺔ ﻃﻠﻴﻘﺔ ﻛﻴﻔﻤﺎ ﺗﺸﺎﺀ، ﻓﻬﻲ لا ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﻨﻤﻮ ﻭﺗﺘﺮﻋﺮﻉ ﻭﺗُﺮﺑﻰ ﺑِﻨﻌﻢٍ ﺇﻟﻬﻴﺔ لا ﺣﺪ ﻟﻬﺎ، ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺎﺣﺒﺔَ ﺛﺮﻭﺓ ﻭﺍﻗﺘﺪﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﺗﺴﺎﻧﺪﻫﺎ ﻭﺗﻌﺎﻭﻧﻬﺎ. ﻟﺬﺍ ﺗﺰﺩﺭﺩ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻛﺎلأﻧﻌﺎﻡ ﺩﻭﻥ ﺇﺫﻥ ﻭﺭﺧﺼﺔ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺗﺒﺪﺃ ﻧﻔﺲُ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﺑﺎﻟﺘﻔﻄﻦ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀﺍً ﻣﻦ ﺃﻏﻨﻰ ﻏﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﻓﻘﺮ ﻓﻘﻴﺮ، ﻓﺘﺪﺭﻙ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺎﻟﻜﺔ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﻤﻠﻮﻛﺔٌ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺣﺮﺓ ﻃﻠﻴﻘﺔ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﻋﺒﺪﺓ ﻣﺄﻣﻮﺭﺓ، ﻓـلا ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻤﺪّ ﻳﺪَﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﻧﻰ ﻋﻤﻞ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻣﺮ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ لا ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻤﺪﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﺀ.. ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻳﻨﻜﺴﺮ ﻏﺮﻭﺭُ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻮﻫﻮﻣﺔ، ﻓﺘﺘﻘﻠﺪ ﺭﺑﻘﺔَ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺗﺪﺧﻞ ﺿﻤﻦ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍلأﺳﺎﺱ ﻭﻫﻲ «ﺍﻟﺸﻜﺮ».

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﺇﻥَّ ﻟﺼﻮﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺣِﻜَﻤﺎً ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺟﻬﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﻬﺬﻳﺐ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ، ﻭﺗﻘﻮﻳﻢ ﺃﺧـلاﻗﻬﺎ ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺋﻴﺔ. ﻧﺬﻛﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻜﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗﻨﺴﻰ ﺫﺍﺗَﻬﺎ ﺑﺎﻟﻐﻔﻠﺔ، ﻭلا ﺗﺮﻯ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺠﺰ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩ، ﻭﻣﻦ ﻓﻘﺮ لا ﻳﺘﻨﺎﻫﻰ، ﻭﻣﻦ ﺗﻘﺼﻴﺮﺍﺕ ﺑﺎﻟﻐﺔ، ﺑﻞ لا ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﺮﻯ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺘﻬﺎ، ﻓـلا ﺗﻔﻜّﺮ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺿﻌﻔﻬﺎ ﻭﻣﺪﻯ ﺗﻌﺮّﺿﻬﺎ ﻟﻠﺰﻭﺍﻝ ﻭﻣﺪﻯ ﺍﺳﺘﻬﺪﺍﻑ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻟﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺴﻰ ﻛﻮﻧَﻬﺎ ﻣﻦ ﻟﺤﻢ ﻭﻋﻈﻢ ﻳﺘﺤﻠـلاﻥ ﻭﻳﻔﺴﺪﺍﻥ ﺑﺴﺮﻋﺔ، ﻓﺘﺘﺼﺮﻑ ﻭﺍﻫﻤﺔً ﻛﺄﻥ ﻭﺟﻮﺩَﻫﺎ ﻣﻦ ﻓﻮلاﺫ ﻭﺃﻧﻬﺎ ﻣﻨﺰّﻫﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺧﺎﻟﺪﺓ ﺃﺑﺪﻳﺔ، ﻓﺘﺮﺍﻫﺎ ﺗﻨﻘﺾّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﺮﻣﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻧﻬﺎ ﺣﺎﻣﻠﺔ ﺣﺮﺻﺎً ﺷﺪﻳﺪﺍً ﻭﻃﻤﻌﺎً ﻫﺎﺋـلا ﻭﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﻌـلاﻗﺔ ﺣﻤﻴﻤﺔ ﻭﻣﺤﺒﺔ ﻋﺎﺭﻣﺔ ﻣﻌﻬﺎ، ﻭﺗﺸﺪ ﻗﺒﻀﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻟﺬﻳﺬ ﻭﻣﻔﻴﺪ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻨﺴﻰ ﺧﺎﻟﻘَﻬﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺑﻴّﻬﺎ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﺮﺃﻓﺔ ﻓﺘﻬﻮﻱ ﻓﻲ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﺍلأﺧـلاﻕ ﺍﻟﺮﺩﻳﺌﺔ ﻧﺎﺳﻴﺔ ﻋﺎﻗﺒﺔ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﻭﻋﻘﺒﻰ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻭﺣﻴﺎﺓ ﺃُﺧﺮﺍﻫﺎ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺻﻮﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻳُﺸﻌﺮ ﺃﺷﺪَّ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻏﻔﻠﺔ ﻭﺃﻋﺘﺎﻫﻢ ﺗﻤﺮﺩﺍً ﺑﻀﻌﻔﻬﻢ ﻭﻋﺠﺰﻫﻢ ﻭﻓﻘﺮﻫﻢ، ﻓﺒﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍﻟﺠﻮﻉ ﻳﻔﻜﺮ ﻛﻞٌّ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻓﻲ ﻣﻌﺪﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﻭﻳﺔ ﻭﻳﺪﺭﻙ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﺪﺗﻪ ﻓﻴﺘﺬﻛﺮ ﻣﺪﻯ ﺿﻌﻔﻪ، ﻭﻣﺪﻯ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺭﺃﻓﺘﻬﺎ، ﻓﻴﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻗﻪ ﺗﻮﻗﺎً ﺇﻟﻰ ﻃﺮﻕ ﺑﺎﺏِ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺠﺰ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﻓﻘﺮ ﻇﺎﻫﺮ ﻣﺘﺨﻠﻴﺎً ﻋﻦ ﻓﺮﻋﻨﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻣﺘﻬﻴﺌﺎً ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻄﺮﻕِ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ (ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗُﻔﺴﺪ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔُ ﺑﺼﻴﺮﺗَﻪ).

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ

ﺇﻥَّ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻮﻓﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺟﻬﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻥَّ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻫﻮ ﺃﻫﻢُّ ﺯﻣﺎﻥ ﻟﻨﺰﻭﻟﻪ، ﻧﻮﺭﺩ ﺣﻜﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻘﻂ ﻫﻲ:

ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻗﺪ ﻧﺰﻝ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻓـلاﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠﺮﺩِ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺎﺟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺌﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ، ﻭﻧﺒﺬِ ﺳَﻔْﺴَﺎﻑ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﺗُﺮﻫﺎﺗﻬﺎ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍً ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎلا ﻃﻴﺒﺎً ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﺳﺘﺤﻀﺎﺭ ﻭﻗﺖ ﻧﺰﻭﻟﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﻭﺍﻟﺘﺸﺒﻪ ﺑﺤﺎلاﺕ ﺭﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﻣـلاﺋﻜﻴﺔ؛ ﺑﺘﺮﻙ ﺍلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ، ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺘـلاﻭﺓ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺗـلاﻭﺓً ﻛﺄﻥَّ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺗﺘﻨﺰﻝ ﻣﺠﺪﺩﺍً ، ﻭﺍلإﺻﻐﺎﺀِ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺨﺸﻮﻉ ﻛﺎﻣﻞ، ﻭﺍلاﺳﺘﻤﺎﻉِ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻟﻠﺴﻤﻮ ﺇﻟﻰ ﻧﻴﻞ ﻣﻘﺎﻡ ﺭﻓﻴﻊ ﻭﺣﺎﻟﺔ ﺭﻭﺣﻴﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ، ﻛﺄﻥ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻳﺴﻤﻌﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍلأﻛﺮﻡ صلى الله عليه وسلم ، ﺑﻞ ﻳﺸﺪّ ﺍﻟﺴﻤﻊَ ﺇﻟﻴﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺴﻤﻌﻪ ﻣﻦ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﺍلأﺯﻟﻲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﺛﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺘﺒﻠﻴﻎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺗـلاﻭﺗﻪ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ﺗﺒﻴﺎﻧﺎً ﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ ﺣِﻜﻢ ﻧﺰﻭﻟﻪ.

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻭﻳﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﺠﺪ ﻋﻈﻴﻢ ﺗﻌﺞُّ ﻛﻞُّ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﻳﺎﻩ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﺭﻛﻦ ﻣﻦ ﺃﺭﻛﺎﻧﻪ، ﺑﻤـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﺤﻔَّﺎﻅ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻳﺮﺗﻠﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏَ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻣﻊ ﺍلأﺭﺿﻴﻴﻦ، ﻭﻳﻈﻬﺮﻭﻥ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﺑﺮﺍﻗﺔ ﻣﺼﺪﺍﻕ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ:

﴿ﺷﻬْﺮُ ﺭَﻣﻀَﺎﻥَ ﺍﻟَّﺬﻯ ﺍُﻧْﺰِﻝَ ﻓﻴﻪِ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ…﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:185) ﻣﺜﺒﺘﻴﻦ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻥَّ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻫﻮ ﺣﻘﺎً ﺷﻬﺮُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﺃﻣﺎ ﺍلأﻓﺮﺍﺩ ﺍلآﺧﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻠﻘﻲ ﺍﻟﺴﻤﻊَ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺑﻜﻞ ﺧﺸﻮﻉ ﻭﻫﻴﺒﺔ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺮﺗﻞ ﺗﻠﻚ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻟﻨﻔﺴﻪ.

ﺃلا ﻣﺎ ﺃﻗﺒﺢَ ﻭﻣﺎ ﺃﺯﺭﻯ ﺍلاﻧﺴـلاﺥ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻤﻬﻴﺐ، ﻟﻬﺎﺛﺎً ﻭﺭﺍﺀ ﺍلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﺗﺒﻌﺎً ﻟﻬﻮﻯ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ! ﻭﻛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻫﺪﻓﺎً لاﺷﻤﺌﺰﺍﺯ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ؟. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍلأﻣﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﺎﻟﻔﻮﻥ ﺍﻟﺼﺎﺋﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻓﻴُﺼﺒﺤﻮﻥ ﻫﺪﻓﺎً لاﺯﺩﺭﺍﺀ ﻭﺇﻫﺎﻧﺔٍ ﻣﻌﻨﻮﻳﻴﻦ -ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ- ﻣﻦ ﻗِﺒَﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ ﻛﻠﻪ.

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ

ﺇﻥَّ ﺻﻴﺎﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﻄﻠّﻌﻪ ﻟﻜﺴﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ -ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ لأﺟﻞ ﻣﺰﺍﻭﻟﺔ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﻭﺗﺠﺎﺭﺗﻬﺎ- ﻟﻪ ﺣﻜﻢٌ ﺷﺘﻰ .ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺬﻛﺮ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻲ ﺃﻥَّ ﺛﻮﺍﺏ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻳُﻀﺎﻋَﻒ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪُ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻟﻒ. ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺣﺮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻟﻪ ﻋﺸﺮُ ﺃﺛﻮﺑﺔ، ﻭﻳﻌﺪُّ ﻋﺸﺮ ﺣﺴﻨﺎﺕ، ﻭﻳﺠﻠﺐ ﻋﺸﺮ ﺛﻤﺎﺭ ﻣﻦ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﻨﺔ -ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ- ﻓﻔﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻳﻮﻟّﺪ ﻛﻞُّ ﺣﺮﻑ ﺃﻟﻔﺎً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﺑﺪلا ﻣﻦ ﻋﺸﺮٍ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻛﻞُّ ﺣﺮﻑ ﻣﻦ ﺣﺮﻭﻑ ﺁﻳﺎﺕ -ﻛﺂﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ- ﻳﻔﺘﺢ ﺍﻟﺒﺎﺏَ ﺃﻣﺎﻡ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﻟﺘﺘﺪﻟﻰ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺛﻤﺎﺭﺍً ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ. ﻭﺗﺰﺩﺍﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﺑﺎﻃﺮﺍﺩ ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﺠُﻤَﻊ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﻭﺗﺒﻠﻎ ﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ ﺃﻟﻔﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﻟﻴﻠﺔَ ﺍﻟﻘﺪﺭ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﺐ ﻛﻞُّ ﺣﺮﻑ ﻣﻨﻪ ﺛـلاﺛﻴﻦ ﺃﻟﻔﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺷﺠﺮﺓ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ -ﻛﺸﺠﺮﺓ ﻃﻮﺑﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ- ﺑﺤﻴﺚ ﻳُﻐﻨِﻢ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔَ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪّ ﺑﺎﻟﻤـلاﻳﻴﻦ.. ﺗﺄﻣﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ﺍﻟﻤُﺮﺑِﺤﺔ ﻭﺃﺟِﻞ ﺍﻟﻨﻈﺮَ ﻓﻴﻬﺎ، ﺛﻢ ﺗﺪﺑّﺮ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ لا ﻳﻘﺪّﺭﻭﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺣﻖَّ ﻗﺪﺭﻫﺎ، ﻣﺎ ﺃﻋﻈﻢ ﺧﺴﺎﺭﺗﻬﻢ ﻭﻣﺎ ﺃﻓﺪﺣَﻬﺎ؟

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺈﻥ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﺃﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻤﻌﺮﺽ ﺭﺍﺋﻊ ﻟﻠﺘﺠﺎﺭﺓ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﺃﻭ ﻫﻮ ﺳﻮﻕ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻭ ﺍﻟﺮﺑﺢ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﻫﻮ ﻛﺎلأﺭﺽ ﺍﻟﻤُﻨﺒﺘﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻐَﻨﺎﺀ لإﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ.. ﻭﻫﻮ ﻛﺎﻟﻐﻴﺚ ﺍﻟﻨﺎﺯﻝ ﻓﻲ ﻧﻴﺴﺎﻥ لإﻧﻤﺎﺀ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻬﺎ.. ﻭﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﻬﺮﺟﺎﻥ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻋﻴﺪ ﺑﻬﻴﺞ ﻣﻘﺪّﺱ ﻟﻌﺮﺽ ﻣﺮﺍﺳﻴﻢ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﻋﻈﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻭﻋﺰﺓ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ.

لأﺟﻞ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻜﻠَّﻔﺎً ﺑﺎﻟﺼﻮﻡ، ﻟﺌـلا ﻳﻠﺞ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ، ﻛﺎلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﺎﻟﻐﻔﻠﺔ، ﻭﻟﻜﻲ ﻳﺘﺠﻨﺐ ﺍلاﻧﻐﻤﺎﺱَ ﻓﻲ ﺷﻬﻮﺍﺕ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻭﻣﺎ لا ﻳﻌﻨﻴﻪ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ.. ﻭﻛﺄﻧﻪ ﺃﺻﺒﺢ ﺑﺼﻮﻣﻪ ﻣﺮﺁﺓً ﺗﻌﻜﺲ «ﺍﻟﺼﻤﺪﺍﻧﻴﺔ» ﺣﻴﺚ ﻗﺪ ﺧﺮﺝ ﻣﺆﻗﺘﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﻭﺩﺧﻞ ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻊ ﻣﺸﺎﺑﻪٍ ﻟﻠﻤـلاﺋﻜﻴﺔ، ﺃﻭ ﺃﺻﺒﺢ ﺷﺨﺼﺎً ﺃُﺧﺮﻭﻳﺎً ﻭﺭﻭﺣﺎً ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺑﺎﻟﺠﺴﺪ، ﺑﺪﺧﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﺗﺠﺎﺭﺓ ﺃُﺧﺮﻭﻳﺔ ﻭﺗﺨﻠّﻴﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺆﻗﺘﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻳُﻜﺴِﺐ ﺍﻟﺼﺎﺋﻢَ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺍﻟﺰﺍﺋﻞ ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮﺓ ﻋﻤﺮﺍً ﺑﺎﻗﻴﺎً ﻭﺣﻴﺎﺓً ﺳﺮﻣﺪﻳﺔ ﻣﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻳﺘﻀﻤﻦ ﻛﻠﻬﺎ. ﻓﻴﻤﻜﻦ ﻟﺸﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻘﻂ ﺃﻥ ﻳﻤﻨﺢَ ﺍﻟﺼﺎﺋﻢ ﺛﻤﺮﺍﺕِ ﻋﻤﺮٍ ﻳﻨﺎﻫﺰ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻦ ﺳﻨﺔ. ﻭﻛﻮﻥ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺧﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﻟﻒ ﺷﻬﺮ -ﺑﻨﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ- ﺣﺠﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ.

ﻓﻜﻤﺎ ﻳﺤﺪﺩ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺃﻳﺎﻣﺎً ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﺣُﻜﻤﻪ، ﺃﻭ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ، ﺳﻮﺍﺀً ﺑﺎﺳﻢ ﺗﺴﻨّﻤﻪ ﻋﺮﺵ ﺍﻟﺤُﻜﻢ ﺃﻭ ﺃﻱ ﻳﻮﻡ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍلأﻳﺎﻡ ﺍﻟﺰﺍﻫﺮﺓ ﻟﺪﻭﻟﺘﻪ، ﺟﺎﻋـلا ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻳﺎﻡ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎﺕ ﻭﺃﻋﻴﺎﺩﺍً ﻟﺮﻋﻴﺘﻪ، ﻓﺘﺮﺍﻩ لا ﻳﻌﺎﻣﻞ ﺭﻋﻴﺘَﻪ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻳﺎﻡ ﺑﺎﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩﺓ، ﺑﻞ ﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ﻣُﻈﻬﺮﺍً لإﺣﺴﺎﻧﻪ ﻭﺇﻧﻌﺎﻣﻪ ﻭﺃﻓﻀﺎﻟﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ. ﻓﻴﺪﻋﻮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺩﻳﻮﺍﻧﻪ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺩﻭﻥ ﺣﺠﺐ، ﻭﻳﺨﺼّﻬﻢ ﺑﺮﻋﺎﻳﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﻳﺤﻴﻄﻬﻢ ﺑﻜﺮﻣﻪ ﻭﺑﺈﺟﺮﺍﺀﺍﺗﻪ ﺍلاﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ، ﻭﻳﺠﻮﺩ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺘﻮﺟﻬﺎﺗﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ.. ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺍلأﺯﻟﻲ ﺫﻭ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻭﺍلإﻛﺮﺍﻡ ﻭﻫﻮ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍلأﺯﻝ ﻭﺍلأﺑﺪ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻟﺜﻤﺎﻧﻴﺔَ ﻋﺸﺮ ﺃﻟﻒ ﻋﺎﻟَﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ، ﻗﺪ ﺃﻧﺰﻝ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔَ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻭﻗﺮﺁﻧَﻪ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺩﺧﻮﻝَ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻋﻴﺪ ﻭﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﻴﺠﺔ، ﻭﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﻌﺮﺽ ﺑﺪﻳﻊ ﺭﺑﺎﻧﻲ، ﻭﻣﺠﻠﺲ ﻣﻬﻴﺐ ﺭﻭﺣﺎﻧﻲ، ﻫﻮ ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ. ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺷﻬﺮُ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻗﺪ ﺗﻤﺜﻞ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﺒﻬﻴﺠﺔ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻴﺪ ﺍﻟﻤﻔﺮﺡ ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺆﻣَﺮ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﺼﻮﻡ، ﻟﻴﺴﻤﻮَ ﺍﻟﻨﺎﺱُ -ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ- ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﻏﻞ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﻓﻠﺔ. ﻓﺎﻟﻜﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﻮﻡ ﻫﻮ ﺟﻌﻞُ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻮﺍﺱ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻛﺎﻟﻌﻴﻦ ﻭﺍلأﺫﻥ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﻡ، ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﻌﺪﺓ. ﺃﻱ ﺗﺠﻨﻴﺐ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﺗﻠﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﺴﻔﺎﻫﺎﺕ ﻭﻣﺎ لا ﻳﻌﻨﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ، ﻭﺳﻮﻗﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﺎ.

  ﻓﻤﺜـلا: ﻳﺮﻭّﺽ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻟﺴﺎﻧَﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻮﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺬﺏ ﻭﺍﻟﻐﻴﺒﺔ ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻨﺎﺑﻴﺔ ﻭﻳﻤﻨﻌﻪ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻳﺮﻃّﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﺑﺘـلاﻭﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺫﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺢ ﺑﺤﻤﺪﻩ ﻭﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺴـلاﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻭﺍلاﺳﺘﻐﻔﺎﺭ، ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻬﻪ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍلأﺫﻛﺎﺭ.

ﻭﻣﺜـلا: ﻳﻐﺾّ ﺑﺼﺮَﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺤﺮَّﻣﺎﺕ، ﻭﻳﺴﺪ ﺃﺫﻧَﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺍﻟﺒﺬﻱﺀ، ﻭﻳﺪﻓﻊ ﻋﻴﻨَﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺑﻌﺒﺮﺓٍ ﻭﺃُﺫﻧَﻪ ﺇﻟﻰ ﺳﻤﺎﻉ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻭﻳﺠﻌﻞ ﺳﺎﺋﺮ ﺣﻮﺍﺳﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ.

ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻤﻌﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺼﻨﻊ ﻛﺒﻴﺮ ﺟﺪﺍً ﺇﻥ ﻋﻄّﻠﺖ ﺃﻋﻤﺎﻟَﻬﺎ ﺑﺎﻟﺼﻴﺎﻡ ﻓﺈﻥ ﺗﻌﻄﻴﻞ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﻬـلا ﻣﻴﺴﻮﺭﺍً.

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ

ﺇﻥَّ ﺣﻜﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﻟﺼﻴﺎﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ ﺗﺘﻠﺨﺺ ﺑﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ:

ﺇﻥَّ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﻡ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻌـلاﺝ ﺍﻟﻨﺎﺟﻊ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤِﻤﻴﺔ ﺳﻮﺍﺀ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻓﺎﻟﺤِﻤﻴﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻃﺒﺎً. ﺇﺫ ﺇﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻛﻠّﻤﺎ ﺳﻠﻜﺖ ﻧﻔﺴُﻪ ﺳﻠﻮﻛﺎً ﻃﻠﻴﻘﺎً ﻓﻲ ﺍلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﺳﺒّﺐ ﻟﻪ ﺃﺿﺮﺍﺭﺍً ﻣﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﺇﺫ ﺇﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﺍﻟْﺘَﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺼﺎﺩﻓﻪ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺤﻞ ﻟﻪ ﻭﻳُﺤﺮﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺴﻤّﻤﺖ ﺣﻴﺎﺗُﻪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﻓﺴﺪﺕ، ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻞ ﺑﻪ ﺍلأﻣﺮ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﻌﺼﻲَ ﻧﻔﺴُﻪ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﻓـلا ﺗﺨﻀﻊَ ﻟﻬﻤﺎ. ﻓﺘﺄﺧﺬ ﺯﻣﺎﻣَﻬﺎ ﺑﻴﺪﻫﺎ ﻭﻫﻲ ﻃﺎﺋﺸﺔ ﺣُﺮﺓ ﻃﻠﻴﻘﺔ، ﻭﺗﺴﻮﻕ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺷﻬﻮﺍﺗﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﺤﺖ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺗﺴﺨﻴﺮﻩ.

ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺗﻌﺘﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺤِﻤﻴﺔ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍﻟﺼﻮﻡ ﻭﺗﺴﻌﻰ ﺑﺠﺪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺘﺰﻛﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺮﻭﻳﺾ ﻭﺗﺘﻌﻠﻢ ﻃﺎﻋﺔ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ، ﻓـلا ﺗﺼﺎﺏ ﺑﺄﻣﺮﺍﺽ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺍﻣﺘـلاﺀ ﺍﻟﻤﻌﺪﺓ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻨﺔ ﻭﺇﺩﺧﺎﻝ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ. ﻭﺗﻜﺴﺐ ﻗﺎﺑﻠﻴﺔَ ﺍلإﺻﻐﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ. ﻭﺗﺘﺤﺎﺷﻰ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉَ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﺑﻤﺎ ﺃﺧﺬﺕ ﻣﻦ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﺤـلاﻝ. ﻭﺗﺠﺪّ ﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﺍلإﺧـلاﻝ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺗﻜﺪﻳﺮ ﺻﻔﻮﻫﺎ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍلأﻛﺜﺮﻳﺔَ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻳُﺒﺘَﻠﻮﻥ ﺑﺎﻟﺠﻮﻉ ﻓﻲ ﺃﻏﻠﺐ ﺍلأﺣﻴﺎﻥ. ﻓﻬﻢ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﻭﻳﺾ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﺠﻮﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻮّﺩ ﺍلإﻧﺴﺎﻥَ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻭﺍﻟﺘﺤﻤﻞ. ﻭﺻﻴﺎﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻫﻮ ﺗﺮﻭﻳﺾٌ ﻭﺗﻌﻮﻳﺪ ﻭﺻﺒﺮٌ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻮﻉ ﻳﺪﻭﻡ ﺧﻤﺲَ ﻋﺸﺮﺓ ﺳﺎﻋﺔ ﺃﻭ ﺃﺭﺑﻌﺎً ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﻟﻤﻦ ﻓﺎﺗﻪ ﺍﻟﺴﺤﻮﺭ. ﻓﺎﻟﺼﻮﻡ ﺇﺫﻥ ﻋـلاﺝ ﻧﺎﺟﻊ ﻟﻬَﻠﻊ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻗﻠﺔ ﺻﺒﺮﻩ، ﺍﻟﻠﺬَﻳﻦ ﻳﻀﺎﻋﻔﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺑـلاﻳﺎﻩ.

ﻭﺍﻟﻤﻌﺪﺓ ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻲ ﻧﻔﺴُﻬﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﻌﻤﻞ ﻟﻬﺎ ﻋﻤﺎﻝ ﻭﺧَﺪَﻣَﺔ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺫﺍﺕ ﻋـلاﻗﺎﺕ ﻭﺍﺭﺗﺒﺎﻃﺎﺕ ﻣﻌﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﻌﻄِّﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲُ ﻣﺸﺎﻏﻠَﻬﺎ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﻣﺆﻗﺘﺎً ﻟﺸﻬﺮ ﻣﻌﻴﻦ ﻭﻟﻢ ﺗﺪﻋﻬﺎ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗُﻨﺴﻲ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻌﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺨَﺪَﻣَﺔ ﻋﺒﺎﺩﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﻢ، ﻭﺗُﻠﻬﻴﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ، ﻭﺗﺠﻌﻠﻬﻢ ﺗﺤﺖ ﺳﻴﻄﺮﺗﻬﺎ ﻭﺗﺤﻜّﻤﻬﺎ، ﻓﺘﺸﻮﺵ ﺍلأﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﻭﺗﻨﻐّﺺ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻀﺠﻴﺞ ﺩﻭﺍﻟﻴﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺼﻨﻊ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻭﺑﺪﺧﺎﻧﻪ ﺍﻟﻜﺜﻴﻒ، ﻓﺘﺼﺮﻑ ﺃﻧﻈﺎﺭَ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺗُﻨﺴﻴﻬﻢ ﻭﻇﺎﺋﻔَﻬﻢ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻣﺆﻗﺘﺎً. ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻳﻌﻜﻔﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﻭﻳﺾ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺍلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ، ﻟﻴﺮﻗﻮﺍ ﻓﻲ ﺳﻠّﻢ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺤﻠﻮﻝ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻳﺪﺭﻙ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻌﻤﺎﻝ ﺃﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳُﺨﻠﻘﻮﺍ لأﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺼﻨﻊ ﻭﺣﺪﻩ، ﺑﻞ ﺗﺘﻠﺬﺫ ﺃﻳﻀﺎً ﺗﻠﻚ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﺑﻠﺬﺍﺋﺬَ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻭﺗﺘﻤﺘﻊ ﺗﻤﺘﻌﺎً ﻣـلاﺋﻜﻴﺎً ﻭﺭﻭﺣﺎﻧﻴﺎً ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻭﻳﺮﻛﺰﻭﻥ ﺃﻧﻈﺎﺭﻫﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻬﻮ ﺍﻟﻬﺎﺑﻂ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﺼﻨﻊ. ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻳﻨﺎﻟﻮﻥ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﻭﺍﻟﻔﻴﻮﺿﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ -ﻛﻞٌ ﺣﺴﺐ ﺩﺭﺟﺘﻪ ﻭﻣﻨﺰﻟﺘﻪ- ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺗﺮﻗﻴﺎﺕٌ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭﻓﻴﻮﺿﺎﺕٌ ﺟﻤﺔ ﻟﻠﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﺴﺮ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟِﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ. ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺑﻜﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﺪﺓ ﻭﻧﺤﻴﺒﻬﺎ ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﻳﻀﺤﻜﻦ ﺑﺒﺮﺍﺀﺓ ﻭﻟُﻄﻒ.

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ

ﺇﻥَّ ﺻﻮﻡَ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﺴﺮُﻩُ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔَ ﺍﻟﻤﻮﻫﻮﻣﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻛﺴﺮﺍً ﻣﺒﺎﺷﺮﺍً ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻌﺮﻳﻔﻬﺎ ﻋﺒﻮﺩﻳﺘَﻬﺎ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﻋﺠﺰﻫﺎ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ، ﻓﻴﻪ ﺣِﻜﻢ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻣﻨﻬﺎ:

ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ لا ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﻌﺮﻑ ﺭﺑَّﻬﺎ، ﺑﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﺪّﻋﻲ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺑﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ ﻃﺎﻏﻴﺔ. ﻓﻤﻬﻤﺎ ﻋُﺬِّﺑَﺖ ﻭﻗُﻬﺮﺕ ﻓﺈﻥ ﻋِﺮﻕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﻫﻮﻣﺔ ﻳﻈﻞ ﺑﺎﻗﻴﺎً ﻓﻴﻬﺎ. ﻓـلا ﻳﺘﺤﻄﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺮﻕُ ﻭلا ﻳﺮﻛﻊ ﺇﻟّﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺠﻮﻉ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺼﻴﺎﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻳُﻨﺰﻝ ﺿﺮﺑﺔً ﻗﺎﺿﻴﺔً ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ. ﻓﻴﻜﺴﺮ ﺷﻮﻛﺘﻬﺎ ﻣُﻈﻬﺮﺍً ﻟﻬﺎ ﻋَﺠﺰَﻫﺎ، ﻭﺿﻌﻔﻬﺎ، ﻭﻓﻘﺮﻫﺎ، ﻭﻳﻌﺮّﻓﻬﺎ ﻋﺒﻮﺩﻳﺘَﻬﺎ.

ﻭﻗﺪ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺭﻭﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ: ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻗﺎﻝ ﻟﻠﻨﻔﺲ: «ﻣﻦ ﺃﻧﺎ ﻭﻣﺎ ﺃﻧﺖِ؟» ﺃﺟﺎﺑﺖ ﺍﻟﻨﻔﺲ: «ﺃﻧﺎ ﺃﻧﺎ، ﺃﻧﺖ ﺃﻧﺖ» ﻓﻌﺬّﺑﻬﺎ ﺍﻟﺮﺏُّ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺃﻟﻘﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ، ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻬﺎ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ: «ﺃﻧﺎ ﺃﻧﺎ، ﺃﻧﺖ ﺃﻧﺖ» ﻭﻣﻬﻤﺎ ﺃﺫﺍﻗﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻨﻮﻑ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻟﻢ ﺗﺮﺩﻉ ﻋﻦ ﺃﻧﺎﻧﻴﺘﻬﺎ.. ﺛﻢ ﻋﺬَّﺑﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﺠﻮﻉ، ﺃﻱ ﺗﺮَﻛﻬﺎ ﺟﺎﺋﻌﺔ، ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻬﺎ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ: «ﻣﻦ ﺃﻧﺎ ﻭﻣﺎ ﺃﻧﺖِ؟» ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ ﺍﻟﻨﻔﺲ: «ﺃﻧﺖَ ﺭﺑﻲِ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﻭﺃﻧﺎ ﻋﺒﺪُﻙ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ».

 ﺍﻟﻠّﻬﻢَّ ﺻَﻞِّ ﻭَﺳَﻠِّﻢْ ﻋَﻠَﻰ ﺳَﻴِّﺪِﻧَﺎ ﻣُﺤَﻤَّﺪٍ ﺻَﻠَﺎﺓً ﺗَﻜُﻮﻥُ ﻟَﻚَ ﺭِﺿَﺎﺀً ﻭَﻟِﺤَﻘِّﻪ ﺃَﺩَﺍﺀً ﺑِﻌَﺪَﺩِ ﺛَﻮَﺍﺏِ ﻗِﺮَﺍﺀَﺓِ ﺣُﺮُﻭﻑِ ﺍﻟْﻘُﺮْﺃَﻥِ ﻓﻲ ﺷَﻬْﺮِ ﺭَﻣَﻀَﺎﻥَ ﻭَﻋَﻠَﻰ ﺃَﻟِﻪ ﻭَﺻَﺤْﺒﻪ ﻭَﺳَﻠِّﻢْ

﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

ﺃَﻣﻴﻦَ.

(حاشية) ﺍﻋﺘﺬﺍﺭ: ﻟﻘﺪ ﻛﺘﺒﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ﺧـلاﻝ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻓﻘﻂ، ﻭﻟﻜﻮﻧﻲ ﻭﻛﺎﺗﺐ ﺍﻟﻤﺴﻮﺩﺓ ﻣﺮﻳﻀﻴﻦ ﻭﻣﺮﻫﻘﻴﻦ ﻣﻌﺎً، ﻓـلا ﻏﺮﻭ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﺮﻱ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ، ﻟﺬﺍ ﻧﺴﺘﻤﻴﺢ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﻋﺬﺭﺍً ﻭﻧﺮﺟﻮﻫﻢ ﺗﺼﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﻳﺮﻭﻧﻪ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎً.