بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ:83)

  ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﺟﺎﺓُ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺎﺩﻯ ﺑﻬﺎ ﺭﺍﺋﺪُ ﺍﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ ﺳﻴﺪُﻧﺎ ﺃﻳﻮﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻣﺠﺮّﺑﺔٌ، ﻭﺫﺍﺕُ ﻣﻔﻌﻮﻝ ﻣﺆﺛّﺮ، ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻧﻘﺘﺒﺲ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻭﻧﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺟﺎﺗﻨﺎ: «ﺭﺏِّ ﺇﻧﻲ ﻣﺴﻨﻲ ﺍﻟﻀﺮ ﻭﺃﻧﺖ ﺃﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ».

ﻭﻗﺼﺔ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺃﻳﻮﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ، ﻧﻠﺨﺼﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ:

ﺇﻧﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻇﻞ ﺻﺎﺑﺮﺍً ﺭﺩﺣﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻳﻜﺎﺑﺪ ﺃﻟَﻢَ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﻌﻀﺎﻝ، ﺣﺘﻰ ﺳﺮﺕ ﺍﻟﻘﺮﻭﺡُ ﻭﺍﻟﺠﺮﻭﺡُ ﺇﻟﻰ ﺟﺴﻤﻪ ﻛﻠﻪ، ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺻﺎﺑﺮﺍً ﺟﻠﺪﺍً ﻳﺮﺟﻮ ﺛﻮﺍﺑَﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ. ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﺃﺻﺎﺑﺖ ﺍﻟﺪﻳﺪﺍﻥُ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺟﺮﻭﺣﻪ ﻗﻠﺒَﻪ ﻭﻟﺴﺎﻧَﻪ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻫﻤﺎ ﻣﺤﻞُّ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻮﺿﻊُ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ، ﺗﻀﺮّﻉ ﺇﻟﻰ ﺭﺑّﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﺟﺎﺓ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ ﺧﺸﻴﺔ ﺃﻥْ ﻳﺼﻴﺐ ﻋﺒﺎﺩﺗَﻪ ﺧﻠﻞٌ، ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻀﺮﻉ ﺇﻟﻴﻪ ﻃﻠﺒﺎً ﻟﻠﺮﺍﺣﺔ ﻗﻂ. ﻓﺎﺳﺘﺠﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﻠﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺟﺎﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﺍﻟﺰﻛﻴﺔ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔً ﺧﺎﺭﻗﺔ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ، ﻭﻛﺸﻒ ﻋﻨﻪ ﺿﺮَّﻩ ﻭﺃﺣﺴﻦَ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻌﺎﻓﻴﺔَ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ ﻭﺃﺳﺒﻎَ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻟﻄﺎﻑَ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻌﻤﻴﻤﺔ.

ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ ﺧﻤﺲ ﻧﻜﺎﺕ.

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ

ﺇﻧﻪ ﺇﺯﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﺮﻭﺡ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺻﺎﺑﺖ ﺳﻴﺪَﻧﺎ ﺃﻳﻮﺏَ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻴﻨﺎ ﺃﻣﺮﺍﺽٌ ﺑﺎﻃﻨﻴﺔ ﻭﻋﻠﻞٌ ﺭﻭﺣﻴﺔ ﻭﺃﺳﻘﺎﻡٌ ﻗﻠﺒﻴﺔ، ﻓﻨﺤﻦ ﻣﺼﺎﺑﻮﻥ ﺑﻜﻞّ ﻫﺬﺍ. ﻓﻠﻮ ﺍﻧﻘﻠﺒﻨﺎ ﻇﺎﻫﺮﺍً ﺑﺒﺎﻃﻦ ﻭﺑﺎﻃﻨﺎً ﺑﻈﺎﻫﺮ، ﻟﻈﻬﺮﻧﺎ ﻣُﺜﻘَﻠﻴﻦ ﺑﺠﺮﻭﺡٍ ﻭﻗﺮﻭﺡ ﺑﻠﻴﻐﺔ، ﻭﻟَﺒَﺪَﺕ ﻓﻴﻨﺎ ﺃﻣﺮﺍﺽٌ ﻭﻋﻠﻞٌ ﺃﻛﺜﺮ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺃﻳﻮﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﺫﻟﻚ ﻷﻥ: ﻛﻞَّ ﻣﺎ ﺗﻜﺴﺒﻪ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﺇﺛﻢ، ﻭﻛﻞَّ ﻣﺎ ﻳﻠﺞ ﺇﻟﻰ ﺃﺫﻫﺎﻧﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﺒﻬﺔ، ﻳﺸﻖّ ﺟﺮﻭﺣﺎً ﻏﺎﺋﺮﺓً ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ، ﻭﻳﻔﺠّﺮ ﻗﺮﻭﺣﺎً ﺩﺍﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﺭﻭﺍﺣﻨﺎ.. ﺛﻢ ﺇﻥ ﺟﺮﻭﺡَ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺃﻳﻮﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻬﺪّﺩ ﺣﻴﺎﺗَﻪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮﺓ ﺑﺨﻄﺮ، ﺃﻣﺎ ﺟﺮﻭﺣُﻨﺎ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻧﺤﻦ ﻓﻬﻲ ﺗﻬﺪﺩ ﺣﻴﺎﺗَﻨﺎ ﺍﻷﺧﺮﻭﻳﺔ ﺍﻟﻤﺪﻳﺪﺓ ﺑﺨﻄﺮ.. ﻓﻨﺤﻦ ﺇﺫﻥ ﻣﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﺃﺷﺪ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺟﺎﺓ ﺍﻷﻳﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺑﺄﺿﻌﺎﻑِ ﺃﺿﻌﺎﻑ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﺪﺍﻥ ﺍﻟﻤﺘﻮﻟﺪﺓ ﻣﻦ ﺟﺮﻭﺣﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﺻﺎﺑﺖ ﻗﻠﺒَﻪ ﻭﻟﺴﺎﻧَﻪ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ ﻭﺍﻟﺸﻜﻮﻙ -ﻧﻌﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ- ﺍﻟﻤﺘﻮﻟﺪﺓ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﻦ ﺟﺮﻭﺣﻨﺎ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺍﻵﺛﺎﻡ ﻭﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﺗﺼﻴﺐ ﺑﺎﻃﻦَ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺴﺘﻘﺮُّ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻓﺘﺰﻋﺰﻉُ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥَ ﻓﻴﻪ، ﻭﺗﻤﺲّ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥَ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺘﺮﺟﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻓﺘُﺴﻠﺒﻪ ﻟﺬﺓَ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻭﻣﺘﻌﺘَﻪ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ، ﻭﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﺗﻨﻔّﺮﻩ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﺗُﺴﻜﺘﻪ ﻛﻠﻴﺎً.

ﻧﻌﻢ، ﺍﻹﺛﻢُ ﻳﺘﻮﻏﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻳﻤﺪّ ﺟﺬﻭﺭَﻩ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻗﻪ، ﻭﻣﺎ ﻳﻨﻔﻚ ﻳﻨﻜُﺖُ ﻓﻴﻪ ﻧﻜﺘﺎً ﺳﻮﺩﺍﺀ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺇﺧﺮﺍﺝ ﻧﻮﺭ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻣﻨﻪ، ﻓﻴﺒﻘﻰ ﻣﻈﻠﻤﺎً ﻣﻘﻔﺮﺍً، ﻓﻴﻐﻠﻆ ﻭﻳﻘﺴﻮ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺇﺛﻢ ﻭﺧﻄﻴﺌﺔٍ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﻣﺆﺩﻳﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻔﺮ، ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳُﻤﺢَ ﺫﻟﻚ ﺍﻹﺛﻢ ﻓﻮﺭﺍً ﺑﺎﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺩﻭﺩﺓ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ، ﺑﻞ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺗﻌﺾ ﺍﻟﻘﻠﺐَ ﻭﺗﺆﺫﻳﻪ.

ﻭﻟﻨﻮﺿﺢ ﺫﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ:

  ﻣﺜﻼ: ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﺳﺮﺍً ﺇﺛﻤﺎً ﻳُﺨﺠَﻞ ﻣﻨﻪ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻲ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻃﻼﻉ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻋﻠﻴﻪ، ﻳﺜﻘُﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺟﻮﺩُ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ، ﻭﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺇﻧﻜﺎﺭﻫﻢ ﺑﺄﻣﺎﺭﺓ ﺗﺎﻓﻬﺔ.

ﻣﺜﻼ: ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺘﺮﻑ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺗُﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﻋﺬﺍﺏ ﺟﻬﻨﻢ. ﺇﻥْ ﻟﻢ ﻳﺘﺤﺼّﻦ ﺗﺠﺎﻫﻬﺎ ﺑﺎﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ، ﻓﻤﺎ ﺇﻥْ ﻳﺴﻤﻊ ﻧﺬﻳﺮَ ﺟﻬﻨﻢ ﻭﺃﻫﻮﺍﻟَﻬﺎ ﻳﺮﻏﺐ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﺎﻗﻪ ﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ، ﻓﻴﺘﻮﻟﺪ ﻟﺪﻳﻪ ﺟﺮﺃﺓٌ ﻹﻧﻜﺎﺭ ﺟﻬﻨﻢ ﻣﻦ ﺃﻣﺎﺭﺓ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺃﻭ ﺷﺒﻬﺔ ﺗﺎﻓﻬﺔ.

 ﻣﺜﻼ: ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻘﻴﻢ ﺍﻟﻔﺮﺍﺋﺾَ ﻭﻻ ﻳﺆﺩﻱ ﻭﻇﻴﻔﺔَ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺣﻖ ﺍﻷﺩﺍﺀ ﻭﻫﻮ ﻳﺘﺄﻟﻢ ﻣﻦ ﺗﻮﺑﻴﺦ ﺁﻣﺮﻩ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ ﻟﺘﻘﺎﻋﺴﻪ ﻋﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﺑﺴﻴﻂ، ﻓﺈﻥّ ﺗﻜﺎﺳﻠﻪ ﻋﻦ ﺃﺩﺍﺀ ﺍﻟﻔﺮﺍﺋﺾ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻷﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﻤﻜﺮﺭﺓ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻳﻮﺭﺛﻪ ﺿِﻴﻘﺎً ﺷﺪﻳﺪﺍً ﻭﻇﻠﻤﺔً ﻗﺎﺗﻤﺔً ﻓﻲ ﺭﻭﺣﻪ، ﻭﻳﺴﻮﻗُﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻀﻴﻖُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﻔﻮّﻩ ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺿﻤﻨﺎً: «ﻟﻴﺘﻪ ﻟﻢ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ!» ﻭﺗﺜﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔُ ﻓﻴﻪ ﺍﻹﻧﻜﺎﺭَ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﺸﻢّ ﻣﻨﻪ ﻋﺪﺍﺀً ﻣﻌﻨﻮﻳﺎً ﺗﺠﺎﻩ ﺃﻟﻮﻫﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ!، ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﻭﺭﺩﺕ ﺷﺒﻬﺔٌ ﺗﺎﻓﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺣﻮﻝ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻤﻴﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺩﻟﻴﻞ ﻗﺎﻃﻊ. ﻓﻴﻨﻔﺘﺢ ﺃﻣﺎﻣَﻪ ﺑﺎﺏٌ ﻋﻈﻴﻢٌ ﻟﻠﻬﻼﻙ ﻭﺍﻟﺨﺴﺮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ. ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺪﺭﻙ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻘﻲ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻧﻔﺴﻪ -ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻹﻧﻜﺎﺭ- ﻫﺪﻓﺎً ﻟﻀﻴﻖ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﺃﺭﻫﺐَ ﻭﺃﻓﻈﻊَ ﺑﻤﻼﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻀﻴﻖ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺗﻜﺎﺳﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﻛﻤﻦ ﻳﻔﺮّ ﻣﻦ ﻟﺴﻊ ﺑﻌﻮﺿﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﺾ ﺣﻴﺔ!

ﻓﻠﻴُﻔﻬَﻢ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺜﻠﺔ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﺳﺮّ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ:

﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (ﺍﻟﻤﻄﻔﻔﻴﻦ:14).

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻭُﺿّﺢ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ: ﺇﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻼﺀ ﻭﺍﻟﻤﺮﺽ ﺑﺜﻼﺛﺔ ﻭﺟﻮﻩ:

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻷﻭﻝ: ﺃﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﺎ ﺃﻟﺒﺴَﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥَ ﻣﻦ ﻟﺒﺎﺱ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺩﻟﻴﻼ ﻋﻠﻰ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺍﻟﻤُﺒﺪﻋﺔ، ﺣﻴﺚ ﺧﻠﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻧﻤﻮﺫﺝ (ﻣﻮﺩﻳﻞ) ﻳﻔﺼّﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﺒﺎﺱَ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻳﺒﺪّﻟُﻪ ﻭﻳﻘﺼُّﻪ ﻭﻳﻐﻴّﺮُﻩ، ﻣﺒﻴﻨﺎً ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻷﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ. ﻓﻤﺜﻠﻤﺎ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﺍﺳﻢُ «ﺍﻟﺸﺎﻓﻲ» ﺍﻟﻤﺮﺽَ، ﻓﺈﻥ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ» ﺃﻳﻀﺎً ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺍﻟﺠﻮﻉَ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻬﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﺎﻟﻚُ ﺍﻟﻤُﻠﻚ ﻳﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﻣُﻠﻜﻪ ﻛﻴﻒ ﻳﺸﺎﺀ.

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺃﻥَّ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺗﺘﺼﻔّﻰ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍﻟﺒﻼﻳﺎ، ﻭﺗﺘﺰﻛّﻰ ﺑﺎﻷﻣﺮﺍﺽ ﻭﺍﻟﻨﻮﺍﺋﺐ، ﻭﺗﺠﺪ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺗﺘﻘﻮﻯ ﻭﺗﺘﺮﻗﻰ ﻭﺗﺴﻤﻮ ﻭﺗﺜﻤﺮ ﻭﺗﻨﺘﺞ ﻭﺗﺘﻜﺎﻣﻞ ﻭﺗﺒﻠﻎ ﻫﺪﻓَﻬﺎ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﻟﻬﺎ، ﻓﺘﺆﺩﻱ ﻣﻬﻤﺘَﻬﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ ﺍﻟﺮﺗﻴﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﻧﺴﻖ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﺗﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺍﺵ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ، ﻓﻬﻲ ﺃﻗﺮﺏُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺷﺮّ ﻣﺤﺾٌ ﻣﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺧﻴﺮٌ ﻣﺤﺾ. ﺑﻞ ﻫﻲ ﺗُﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ.

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺃﻥَّ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﺬﻩ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻟّﺎ ﻣﻴﺪﺍﻥُ ﺍﺧﺘﺒﺎﺭ ﻭﺍﺑﺘﻼﺀ، ﻭﻫﻲ ﺩﺍﺭُ ﻋﻤﻞ ﻭﻣﺤﻞ ﻋﺒﺎﺩﺓ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﺤﻞَّ ﺗﻤﺘّﻊ ﻭﺗﻠﺬﺫ ﻭﻻ ﻣﻜﺎﻥ ﺗﺴﻠّﻢ ﺍﻷﺟﺮﺓ ﻭﻧﻴﻞ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ.

ﻓﻤﺎﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺩﺍﺭَ ﻋﻤﻞ ﻭﻣﺤﻞَّ ﻋﺒﺎﺩﺓ، ﻓﺎﻷﻣﺮﺍﺽُ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻋﺪﺍ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺑﺸﺮﻁ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻼﺋﻤﺔً ﺟﺪﺍً ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﺑﻞ ﻣﻨﺴﺠﻤﺔً ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﻤﺪ ﺍﻟﻌﻤﻞَ ﺑﻘﻮﺓ ﻭﺗﺸﺪّ ﻣﻦ ﺃﺯﺭ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ ﺍﻟﺘﺸﻜّﻲ ﻣﻨﻬﺎ، ﺑﻞ ﻳﺠﺐ ﺍﻟﺘﺤﻠﻲ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﻪ ﺑﻬﺎ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽَ ﻭﺍﻟﻨﻮﺍﺋﺐ ﺗﺤﻮّﻝ ﻛﻞَّ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺼﺎﺏ ﻋﺒﺎﺩﺓً ﻟﻴﻮﻡ ﻛﺎﻣﻞ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻗﺴﻤﺎﻥ: ﻗﺴﻢ ﺇﻳﺠﺎﺑﻲ ﻭﻗﺴﻢ ﺳﻠﺒﻲ..

ﻓﺎﻟﻘﺴﻢ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻵﺧﺮ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺒﻼﻳﺎ ﻭﺍﻟﻀﺮ ﻭﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺗﺠﻌﻞ ﺻﺎﺣﺒَﻬﺎ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻌَﺠﺰﻩ ﻭﺿَﻌﻔﻪ، ﻓﻴﻠﺘﺠﺊ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻪ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، ﻭﻳﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻳﻠﻮﺫ ﺑﻪ، ﻓﻴﺆﺩﻱ ﺑﻬﺬﺍ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺧﺎﻟﺼﺔ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﺧﺎﻟﺼﺔٌ ﺯﻛﻴّﺔٌ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀُ ﻗﻂ. ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺗﺠﻤّﻞ ﺍﻟﻤﺼﺎﺏُ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ ﻭﻓﻜّﺮ ﻓﻲ ﺛﻮﺍﺏ ﺿﺮّﻩ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺟﻤﻴﻞِ ﺃﺟﺮﻩ ﻋﻨﺪﻩ، ﻭﺷﻜَﺮ ﺭﺑَّﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻛﻞُّ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻋﻤﺮﻩ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻳﻮﻡٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﻓﻴﻐﺪﻭ ﻋﻤﺮُﻩ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ ﺟﺪﺍً ﻣﺪﻳﺪﺍً ﻃﻮﻳﻼ، ﺑﻞ ﺗﺘﺤﻮﻝ -ﻋﻨﺪ ﺑﻌﻀﻬﻢ- ﻛﻞُّ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﻋﻤﺮﻩ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻳﻮﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ.

ﻭﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖُ ﺃﻗﻠﻖ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﺏ ﺃﺣﺪ ﺇﺧﻮﺗﻲ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻭﻫﻮ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﺣﻤﺪ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮ» ﺑﻤﺮﺽ ﺧﻄﻴﺮ، ﻓﺨﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ: «ﺑﺸّﺮﻩ، ﻫﻨّﺌﻪ، ﻓﺈﻥ ﻛﻞَّ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﻋﻤﺮﻩ ﺗﻤﻀﻲ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻳﻮﻡٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ».. ﺣﻘﺎً ﺇﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺸﻜﺮ ﺭﺑَّﻪ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﻣﻦ ﺛﻨﺎﻳﺎ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺑﻴﻨّﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻓﻜّﺮ ﻛﻞُّ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓﺴَﻴﺮﺩُ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﺒﻪ ﻭﻟﺴﺎﻧﻪ «ﻭﺍ ﺃﺳﻔﺎﻩ»، ﺃﻭ: «ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ». ﺃﻱ ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﺄﺳﻒ ﻭﻳﺘﺤﺴﺮ، ﺃﻭ ﻳﺤﻤﺪ ﺭﺑَّﻪ ﻭﻳﺸﻜﺮﻩ. ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻘﻄّﺮ ﺍﻷﺳﻒ ﻭﺍﻷﺳﻰ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻵﻻﻡ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﻝ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻭﻓﺮﺍﻗﻬﺎ، ﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺯﻭﺍﻝَ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺃﻟَﻢٌ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﺗﻮﺭﺙ ﻟﺬﺓٌ ﺯﺍﺋﻠﺔٌ ﻃﺎﺭﺋﺔٌ ﺁﻻﻣﺎً ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮﺓ، ﻓﺎﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻳُﻌﺼِﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻷﻟَﻢَ ﻭﻳُﻘﻄّﺮ ﻣﻨﻪ ﺍﻷﺳﻒ ﻭﺍﻷﺳﻰ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻠﺬﺓُ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﻝ ﺍﻵﻻﻡ ﺍﻟﻤﺆﻗﺘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﻀﺎﻫﺎ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﻔﺎﺋﺘﺔ، ﺗﺠﻌﻞ ﻟﺴﺎﻧَﻪ ﺫﺍﻛﺮﺍً ﺑﺎﻟﺤﻤﺪ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ.. ﻫﺬﻩ ﺣﺎﻟﺔٌ ﻓﻄﺮﻳﺔ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ، ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﻓﻜﺮ ﺍﻟﻤﺼﺎﺏ -ﻋﻼﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ- ﺑﻤﺎ ﺃﺩّﺧﺮ ﻟﻪ ﺭﺑُّﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻦ ﺛﻮﺍﺏٍ ﺟﻤﻴﻞ ﻭﺟﺰﺍﺀٍ ﺣَﺴﻦ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻭﺗﺄﻣﻞَ ﻓﻲ ﺗﺤﻮُّﻝ ﻋﻤﺮﻩ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﺇﻟﻰ ﻋﻤﺮ ﻣﺪﻳﺪ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺍﻧﺘﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﺿُﺮّ ﻭﺣﺪﻩ، ﺑﻞ ﻳﺮﻗﻰ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﺮﺿﺎ ﺑﻘَﺪَﺭﻩ، ﻓﻴﻨﻄﻠﻖ ﻟﺴﺎﻧُﻪ ﺣﺎﻣﺪﺍً ﺭﺑَّﻪ ﻭﻗﺎﺋﻼ: «ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞِّ ﺣﺎﻝ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﻀﻼﻝ».

ﻭﻟﻘﺪ ﺳﺎﺭ ﻣﺜﻼ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ: «ﻣﺎ ﺃﻃﻮﻝَ ﺯﻣﻦَ ﺍﻟﻨﻮﺍﺋﺐ!». ﻧﻌﻢ، ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﻋُﺮﻑِ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻇﻨِّﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﻃﻮﻳﻞ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺿﻴﻖ ﻭﺃﻟَﻢ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻃﻮﻳﻞٌ ﻣﺪﻳﺪ ﻛﺎﻟﻌﻤﺮ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﺑﻤﺎ ﻳُﺜﻤﺮ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺣﻴﺎﺗﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﻟﻘﺪ ﺑﻴﻨّﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ»: ﺃﻥَّ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻥْ ﻟﻢ ﻳﺸﺘّﺖ ﻣﺎ ﻭﻫَﺒﻪ ﺍﻟﺒﺎﺭﺉ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻗﻮﺓِ ﺍﻟﺼﺒﺮ، ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻌﺜﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺷﻌﺎﺏ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ ﻭﺍﻟﻤﺨﺎﻭﻑ، ﻓﺈﻥّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﺎﻓﻴﺔً ﻟﻠﺜﺒﺎﺕ ﺣﻴﺎﻝ ﻛﻞ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﻭﺑﻼﺀ، ﻭﻟﻜﻦ ﻫﻴﻤﻨﺔَ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﻭﺳﻴﻄﺮﺓَ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺭَ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺩﺍﺋﻤﺔ.. ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺖّ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﺻﺒﺮﻩ ﻭﺗﻔﺮﻳﻘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺁﻻﻡ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﻣﺨﺎﻭﻑ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻓﻼ ﻳﻜﻔﻴﻪ ﻣﺎ ﺃﻭﺩﻋﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤّﻞ ﺍﻟﺒﻼﺀ ﺍﻟﻨﺎﺯﻝ ﺑﻪ ﻭﺍﻟﺜﺒﺎﺕ ﺩﻭﻧﻪ، ﻓﻴﺒﺪﺃ ﺑﺒﺚ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺸﻜﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻠﻨﺎﺱ، ﻣﺒﺪﻳﺎً ﻣﻦ ﻗﻠﺔ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻭﻧﻔﺎﺩﻩ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺠﻨﻮﻥ. ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﻖ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﺰﻉ ﺟﺰﻋَﻪ ﻫﺬﺍ ﺃﺑﺪﺍً؛ ﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻣﻦ ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ -ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻣﻀﻰ ﺑﺎﻟﺒﻼﺀ- ﻓﻘﺪ ﺫﻫﺐ ﻋﺴﺮُﻩ ﻭﻣﺸﻘﺘُﻪ ﻭﺗﺮﻙَ ﺭﺍﺣﺘَﻪ، ﻭﻗﺪ ﺯﺍﻝ ﺗﻌﺒُﻪ ﻭﺃﻟَﻤُﻪ ﻭﺗﺮﻙ ﻟﺬﺗَﻪ، ﻭﻗﺪ ﺫﻫﺐ ﺿﻨﻜُﻪ ﻭﺿﻴﻘُﻪ ﻭﺛﺒﺖ ﺃﺟﺮُﻩ، ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ ﺇﺫﻥ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﻣﻨﻪ، ﺑﻞ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺸﻮﻕ ﻭﻟﻬﻔﺔ. ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻻﻣﺘﻌﺎﺽُ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﻭﺍﻟﺴﺨﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻞ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺭﺑﻂُ ﺃﻭﺍﺻﺮ ﺍﻟﺤﺐ ﺑﻬﺎ؛ ﻷﻥ ﻋﻤﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻔﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﻣﻀﻰ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﻋﻤﺮﺍً ﺳﻌﻴﺪﺍً ﺑﺎﻗﻴﺎً ﻣﺪﻳﺪﺍً ﺑﻤﺎ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻼﺀ. ﻓﻤﻦ ﺍﻟﺒﻼﻫﺔ ﻭﺍﻟﺠﻨﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﺒﺪﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥُ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺻﺒﺮﻩ ﻭﻳﻬﺪﺭﻩ ﺑﺎﻷﻭﻫﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻼﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻀﺖ ﻭﺍﻵﻻﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻟّﺖ. ﺃﻣﺎ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺍﻟﻤﻘﺒﻠﺔ، ﻓﺤﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺄﺕ ﺑﻌﺪُ ﻭﻣﺠﻬﻮﻟﺔٌ ﻣﺒﻬﻤﺔ، ﻓﻤﻦ ﺍﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮُ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻵﻥ ﻭﺍﻟﺠﺰﻉُ ﻋﻤّﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺼﻴﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺮﺽ ﻭﺑﻼﺀ. ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﺣﻤﺎﻗﺔٌ ﺃﻥ ﻳﺄﻛﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥُ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻭﻳﺸﺮﺏ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻟﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺼﻴﺒَﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻮﻉ ﻭﺍﻟﻌﻄﺶ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺪ ﺃﻭ ﺑﻌﺪ ﻏﺪ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺘﺄﻟّﻢ ﻭﺍﻟﺘﻀﺠﺮُ ﻣﻦ ﺍﻵﻥ ﻟﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﺒﺘﻠﻰ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﺍﺽ ﻭﻣﺼﺎﺋﺐ ﻫﻲ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﺠﺰﻉ ﻧﺤﻮﻫﺎ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺒﺮﺭ ﻭﺍﺿﻄﺮﺍﺭ، ﻫﻮ ﺑﻼﻫﺔٌ ﻭﺣﻤﺎﻗﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍّ ﺗﺴﻠﺐ ﺍﻟﻌﻄﻒَ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻭﺍﻹﺷﻔﺎﻕ ﻋﻠﻴﻪ. ﻓﻮﻕ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﻇﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ.

ﺍﻟﺨﻼﺻﺔ: ﺇﻥ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔَ، ﻓﺎﻟﺸﻜﻮﻯ ﺗﺰﻳﺪ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔَ ﻭﺗﺴﻠﺐ ﺍﻟﺘﺮﺣﻢ ﻭﺍﻹﺷﻔﺎﻕَ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ.

ﻟﻘﺪ ﺍﺑﺘُﻠﻰ ﺭﺟﻞ ﺻﺎﻟﺢ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ «ﺃﺭﺿﺮﻭﻡ» ﺑﻤﺮﺽ ﺧﻄﻴﺮ ﻭﺑﻴﻞ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻓﺬﻫﺒﺖُ ﺇﻟﻰ ﻋﻴﺎﺩﺗﻪ ﻭﺑﺚَّ ﻟﻲ ﺷﻜﻮﺍﻩ:

– ﻟﻢ ﺃﺫُﻕ ﻃﻌﻢَ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﻣﻨﺬ ﻣﺎﺋﺔ ﻳﻮﻡ.

ﺗﺄﻟﻤﺖُ ﻟﺸﻜﻮﺍﻩ ﺍﻷﻟﻴﻤﺔ ﻫﺬﻩ، ﻭﻟﻜﻦ ﺗﺬﻛﺮﺕُ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻭﻗﻠﺖ:

– «ﺃﺧﻲ! ﺇﻥ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﻭﻟّﺖ ﻭﻣﻀﺖ ﻓﻬﻲ ﺍﻵﻥ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺎﺋﺔ ﻳﻮﻡ ﻣُﺴﺮِّﺓ ﻣﻔﺮﺣﺔ ﻟﻚ، ﻓﻼ ﺗﻔﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻻ ﺗﺸﻚُ ﻣﻨﻬﺎ، ﺑﻞ ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﻭﺫﻫﺎﺑﻬﺎ، ﻭﺍﺷﻜﺮ ﺭﺑﻚ ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﺃﻣﺎ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺍﻟﻤﻘﺒﻠﺔ ﻓﻸﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺄﺕِ ﺑﻌﺪُ، ﻓﺘﻮﻛّﻞ ﻋﻠﻰ ﺭﺣﻤﺔ ﺭﺑﻚ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﻭﺍﻃﻤﺌﻦ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻓﻼ ﺗﺒﻚِ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗُﻀﺮَﺏ، ﻭﻻ ﺗﺨﻒ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺷﻲﺀ، ﻭﻻ ﺗﻤﻨﺢ ﺍﻟﻌﺪﻡَ ﺻﺒﻐﺔَ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﺍﺻﺮﻑ ﺗﻔﻜﻴﺮﻙ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﺗﻤﻠﻜﻪ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﺗﻜﻔﻲ ﻟﻠﺜﺒﺎﺕ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ. ﻭﻻ ﺗﻜﻦ ﻣﺜﻞَ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻷﺣﻤﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺷﺘّﺖ ﻗﻮﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﻳﻤﻴﻨﺎً ﻭﺷﻤﺎﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻟﺘﺤﻘﺖ ﻣﻴﺴَﺮﺓُ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺇﻟﻰ ﺻﻔﻮﻑ ﻣﻴﻤﻨﺔ ﺟﻴﺸﻪ ﻓﺄﻣﺪَّﺗْﻬﺎ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﺗﻚُ ﻣﻴﻤﻨﺔُ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﻣﺘﻬﻴﺌﺔ ﻟﻠﺤﺮﺏ ﺑﻌﺪ.. ﻓﻤﺎ ﺇﻥ ﻋﻠِﻢ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﻣﻨﻪ ﻫﺬﺍ ﺣﺘﻰ ﺳﺪّﺩ ﻗﻮﺓً ﺿﺌﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﻭﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﺟﻴﺸﻪ.

ﻓﻴﺎ ﺃﺧﻲ ﻻ ﺗﻜﻦ ﻛﻬﺬﺍ، ﺑﻞ ﺣﺸِّﺪ ﻛﻞ ﻗﻮﺍﻙ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻓﻘﻂ، ﻭﺗﺮﻗَّﺐ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻭﺗﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺛﻮﺍﺏ ﺍﻵﺧﺮﺓ، ﻭﺗﺪﺑّﺮ ﻓﻲ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻟﻌﻤﺮﻙ ﺍﻟﻔﺎﻧﻲ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﻤﺮ ﻣﺪﻳﺪ ﺑﺎﻕ، ﻓﻘﺪِّﻡ ﺍﻟﺸﻜﺮَ ﺍﻟﻮﺍﻓﺮ ﺍﻟﻤﺴﺮّ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﺍﻟﻤﺮﻳﺮﺓ».

ﺍﻧﺸﺮﺡ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﺍﻧﺒﺴﻄﺖ ﺃﺳﺎﺭﻳﺮُﻩ ﺣﺘﻰ ﺷﺮﻉ ﺑﺎﻟﻘﻮﻝ: «ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ. ﻟﻘﺪ ﺗﻀﺎﺀﻝ ﺃﻟﻤﻲ ﻛﺜﻴﺮﺍً».

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﻭﻫﻲ ﺛﻼﺙ ﻣﺴﺎﺋﻞ

ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪّ ﻣﺼﻴﺒﺔً ﺣﻘﺎً ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣُﻀﺮﺓٌ ﻓﻌﻼ، ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺐ ﺍﻟﺪﻳﻦ. ﻓﻼﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻻﻟﺘﺠﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺍﻻﻧﻄﺮﺍﺡ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻭﺍﻟﺘﻀﺮﻉ ﺇﻟﻴﻪ ﺩﻭﻥ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐُ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻤﺲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﻣﺮ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻤﺼﺎﺋﺐَ، ﻷﻥ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻨﻬﺎ:

ﺗﻨﺒﻴﻪٌ ﺭﺣﻤﺎﻧﻲ ﻳﺒﻌﺜﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺪﻩ ﻟﻴﻮﻗﻈَﻪ ﻣﻦ ﻏﻔﻠﺘﻪ، ﺑﻤﺜﻞ ﺗﻨﺒﻴﻪ ﺍﻟﺮﺍﻋﻲ ﻟﺸﻴﺎﻫﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ ﻣﺮﻋﺎﻫﺎ، ﻓﻴﺮﻣﻴﻬﺎ ﺑﺤﺠﺮ، ﻭﺍﻟﺸﻴﺎﻩ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺗﺸﻌﺮ ﺃﻥ ﺭﺍﻋﻴﻬﺎ ﻳﻨﺒﻬﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﻭﻳﺤﺬّﺭﻫﺎ ﻣﻦ ﺃﻣﺮ ﺧﻄﻴﺮ ﻣﻀﺮ، ﻓﺘﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﻋﺎﻫﺎ ﺑﺮﺿﻰ ﻭﺍﻃﻤﺌﻨﺎﻥ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﺍﺋﺐُ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻨﺒﻴﻪ ﺇﻟﻬﻲ، ﻭﺇﻳﻘﺎﻅ ﺭﺣﻤﺎﻧﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻵﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻓﻬﻮ ﻛﻔﺎﺭﺓٌ ﻟﻠﺬﻧﻮﺏ.

ﻭﻗﺴﻢ ﺁﺧﺮ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻫﻮ ﻣﻨﺤﺔٌ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﻟﺘﻄﻤﻴﻦ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺇﻓﺮﺍﻍ ﺍﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻓﻴﻪ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺪﻓﻊ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥَ، ﻭﺇﺷﻌﺎﺭﻩ ﺑﻌﺠﺰﻩ ﻭﻓﻘﺮﻩ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺟﺒﻠﺘﻪ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺎﺏ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺮﺽ -ﻓﻜﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﺁﻧﻔﺎ- ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻤﺼﻴﺒﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﻟﻄﻒٌ ﺭﺑﺎﻧﻲ ﻷﻧﻪ ﺗﻄﻬﻴﺮٌ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﻏﺴﻞٌ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﺩﺭﺍﻥ ﺍﻟﺨﻄﺎﻳﺎ، ﻛﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ: (ﻣَﺎ ﻣِﻦْ ﻣُﺴْﻠِﻢٍ ﻳُﺼِﻴﺒُﻪُ ﺃَﺫًﻯ، ﺇِﻟَّﺎ ﺣَﺎﺕَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻋَﻨْﻪُ ﺧَﻄَﺎﻳَﺎﻩُ، ﻛَﻤَﺎ ﺗَﺤَﺎﺕُّ ﻭَﺭَﻕُ ﺍﻟﺸَّﺠَﺮِ).

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺃﻳﻮﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻟﻢ ﻳﺪﻉُ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺟﺎﺗﻪ ﻷﺟﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺗﻄﻤﻴﻨﺎً ﻟﺮﺍﺣﺘﻪ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻃﻠﺐ ﻛﺸﻒَ ﺍﻟﻀﺮ ﻣﻦ ﺭﺑﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺻﺒﺢ ﺍﻟﻤﺮﺽُ ﻣﺎﻧﻌﺎً ﻟﺬﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﺴﺎﻧﺎً، ﻭﺣﺎﺋﻼ ﻟﻠﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻮﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﻠﺒﺎً. ﻓﻄﻠﺐ ﺍﻟﺸﻔﺎﺀ ﻷﺟﻞ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔً ﻛﺎﻣﻠﺔ. ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﻥ ﻧﻘﺼﺪ -ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺟﺎﺓ- ﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﻧﻘﺼﺪ: ﺷﻔﺎﺀَ ﺟﺮﻭﺣﻨﺎ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺷﺮﻭﺧﻨﺎ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﺔ ﻣﻦ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﺍﻵﺛﺎﻡ ﻭﺍﻗﺘﺮﺍﻑ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ، ﻭﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻻﻟﺘﺠﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺤُﻮﻝ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽُ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺩﻭﻥ ﻗﻴﺎﻣﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻓﻨﺘﻀﺮﻉ ﺇﻟﻴﻪ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺑﻜﻞ ﺫﻝ ﻭﺧﻀﻮﻉ ﻭﻧﺴﺘﻐﻴﺜﻪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺒﺪﺭ ﻣﻨﺎ ﺃﻱُّ ﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﺃﻭ ﺷﻜﻮﻯ، ﺇﺫ ﻣﺎﺩﻣﻨﺎ ﺭﺍﺿﻴﻦ ﻛﻞ ﺍﻟﺮﺿﺎ ﺑﺮﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ ﺍﻟﺮﺿﺎ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻨﺤﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻟﻨﺎ ﺑﺮﺑﻮﺑﻴﺘﻪ.. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﻣﺊ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺽ ﻋﻠﻰ ﻗﻀﺎﺋﻪ ﻭﻗﺪَﺭﻩ، ﻭﺇﻇﻬﺎﺭِ ﺍﻟﺘﺄﻓﻒ ﻭﺍﻟﺘﺤﺴﺮ، ﻓﻬﻲ ﺃﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻨﻘﺪٍ ﻟﻠﻘﺪﺭ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﻭﺍﺗﻬﺎﻡٍ ﻟﺮﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ.. ﻓﻤﻦ ﻳﻨﻘﺪ ﺍﻟﻘﺪﺭَ ﻳﺼﺮﻋﻪ ﻭﻣَﻦ ﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔَ ﻳُﺤﺮﻡ ﻣﻨﻬﺎ. ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻴﺪ ﺍﻟﻤﻜﺴﻮﺭﺓ ﻟﻠﺜﺄﺭ ﻳﺰﻳﺪﻫﺎ ﻛﺴﺮﺍً، ﻓﺈﻥ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺍﻟﻤﺒﺘﻠﻰ ﻣﺼﻴﺒﺘﻪ ﺑﺎﻟﺸﻜﻮﻯ ﻭﺍﻟﺘﻀﺠﺮ ﻭﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺽ ﻭﺍﻟﻘﻠﻖ ﺗﻀﺎﻋﻒ ﺍﻟﺒﻼﺀ.

ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ:

ﻛﻠﻤﺎ ﺍﺳﺘﻌﻈﻤﺖَ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻋﻈُﻤَﺖ، ﻭﻛﻠﻤﺎ ﺍﺳﺘﺼﻐﺮﺗَﻬﺎ ﺻﻐُﺮﺕ. ﻓﻤﺜﻼ: ﻛﻠﻤﺎ ﺍﻫﺘﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﺮﺍﺀﻯ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻭﻫْﻢ ﻟﻴﻼ ﻳﻀﺨﻢ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻩ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﻫﻤﻠﻪ ﻳﺘﻼﺷﻰ. ﻭﻛﻠﻤﺎ ﺗﻌﺮﺽ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻮﻛﺮ ﺍﻟﺰﻧﺎﺑﻴﺮ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﻫﺠﻮﻣُﻬﺎ ﻭﺇﺫﺍ ﺃﻫﻤﻠﻬﺎ ﺗﻔﺮﻗﺖ.

ﻓﺎﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻛﺬﻟﻚ، ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻌﺎﻇﻤﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻫﺘﻢ ﺑﻬﺎ ﻭﻗﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺴﺮﺑﺖ ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﺳﺘﻘﺮﺕ ﻓﻴﻪ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﺗﺘﻨﺎﻣﻰ ﻣﺼﻴﺒﺔٌ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺭﻛﻴﺰﺓً ﻟﻠﻤﺎﺩﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺘﺴﺘﻤﺮ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻭﺗﻄﻮﻝ. ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺃﺯﺍﻝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥُ ﺍﻟﻘﻠﻖَ ﻭﺍﻟﻮﻫﻢ ﻣﻦ ﺟﺬﻭﺭﻩ ﺑﺎﻟﺮﺿﺎ ﺑﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺑﺎﻟﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﺭﺣﻤﺘﻪ، ﺗﻀﻤﺤﻞ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔُ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎً ﻭﺗﺬﻫﺐ، ﻛﺎﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻮﺕ ﻭﺗﺠﻒ ﺃﻭﺭﺍﻗُﻬﺎ ﺑﺎﻧﻘﻄﺎﻉ ﺟﺬﻭﺭﻫﺎ.

ﻭﻟﻘﺪ ﻋﺒّﺮﺕُ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳﻮﻣﺎً ﺑﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ:

ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﺑﻼﺀٌ.

ﺩﻋﻬﺎ ﻳﺎ ﻣﺴﻜﻴﻦ ﻭﺗﻮﻛﻞْ.

ﻧﺠﻮﺍﻙَ ﻟﻠﻮﻫﺎﺏِ ﻓﺴَﻠِّﻢ.

ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻟﻜﻞُّ ﻋﻄﺎﺀ. 

ﻭﺇﺫﺍ ﺍﻟﻜﻞُّ ﺻﻔﺎﺀ.

ﻓﺒﻐﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ، ﺩﻧﻴﺎﻙ ﻣﺘﺎﻫﺎﺕٌ ﻭﺧﻮﻑ!

ﺃﻓﻴﺸﻜﻮ ﻣَﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻫﻠﻪ ﻳﺤﻤﻞ ﻛﻞَّ ﺍﻟﺮﺍﺳﻴﺎﺕ ﺣﺒﺔَ ﺭﻣﻞٍ ﺿﺌﻴﻠﺔ؟

ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﺑﻼﺀٌ ﻓﻲ ﺑﻼﺀ.

ﻭﺃﺛﺎﻡٌ ﻓﻲ ﺃﺛﺎﻡ ﻭﻋﻨﺎﺀ

ﺃﻧﺖ ﺇﻥْ ﺗَﺒْﺴُﻢ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺒﻼﺀ.

ﻋﺎﺩﺕ ﺍﻷﺭﺯﺍﺀُ ﺗﺬﻭﻱ ﻭﺗﺬﻭﺏ.

ﺗﺤﺖ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﺤﻖ ﺣﺒّﺎﺕِ ﺑَﺮَﺩ

ﻓﺈﺫﺍ ﺩﻧﻴﺎﻙ ﺑَﺴﻤﺔ،

ﺑﺴﻤﺔٌ ﻣﻦ ﺛﻐﺮﻫﺎ ﻳﻨﺴﺎﺏُ ﻳﻨﺒﻮﻉُ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ.

ﺑﺴﻤﺔٌ ﻧﺸﻮﻯ ﺑﺈﺷﺮﺍﻕ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ.

ﺑﺴﻤﺔٌ ﺣﻴﺮﻯ ﺑﺄﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ.

ﻧﻌﻢ..!ﺇﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺨﻔﻒ ﺣﺪَّﺓ ﺧﺼﻤﻪ ﺑﺎﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﺒِﺸﺮ ﻭﺍﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ، ﻓﺘﺘﻀﺎﺀﻝ ﺳَﻮﺭﺓ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻭﺗﻨﻄﻔﺊ ﻧﺎﺭُ ﺍﻟﺨﺼﻮﻣﺔ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﺗﻨﻘﻠﺐ ﺻﺪﺍﻗﺔً ﻭﻣﺼﺎﻟﺤﺔً، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﺍﻟﺒﻼﺀ ﺑﺎﻟﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﻳُﺬﻫِﺐُ ﺃﺛﺮﻩ.

ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ:

ﺃﻥ ﻟﻜﻞ ﺯﻣﺎﻥ ﺣُﻜﻤَﻪ، ﻭﻗﺪ ﻏﻴّﺮ ﺍﻟﺒﻼﺀُ ﺷﻜﻠَﻪ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻫﺬﺍ، ﻓﻼ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺒﻼﺀُ ﺑﻼﺀً ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺩﻭﻣﺎً، ﺑﻞ ﺇﺣﺴﺎﻧﺎً ﺇﻟﻬﻴﺎً ﻭﻟﻄﻔﺎً ﻣﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻭﺃﺭﻯ ﺍﻟﻤﺒﺘﻠﻴﻦ ﺑﺎﻟﻀﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻣﺤﻈﻮﻇﻴﻦ ﺳﻌﺪﺍﺀ ﺑﺸﺮﻁ ﺃﻟّﺎ ﻳﻤﺲ ﺩﻳﻨَﻬﻢ، ﻓﻼ ﻳﻮﻟﺪ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻭﺍﻟﺒﻼﺀ ﻋﻨﺪﻱ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﻤﺎ ﻣﻀﺮَّﻳﻦ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻱ ﺣﺘﻰ ﺃُﻋﺎﺩﻳﻬﻤﺎ، ﻭﻻ ﻳﻮﺭﺛﺎﻧﻨﻲ ﺍﻹﺷﻔﺎﻕ ﻭﺍﻟﺘﺄﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﻤﺎ، ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﺃﺗﺎﻧﻲ ﺷﺎﺏ ﻣﺮﻳﺾ ﺇﻟّﺎ ﻭﺃﺭﺍﻩ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﺭﺗﺒﺎﻃﺎً ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ، ﻭﺃﻛﺜﺮ ﺗﻌﻠﻘﺎً ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻵﺧﺮﺓ.. ﻓﺄﻓﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺑﺤﻖ ﻫﺆﻻﺀ ﻟﻴﺲ ﺑﻼﺀ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻧﻌﻤﺔٌ ﻣﻦ ﻧﻌﻤﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺪ ﻭﻻ ﺗﺤﺼﻰ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻳﻤﺪ ﺻﺎﺣﺒَﻪ ﺑﻤﻨﺎﻓﻊ ﻏﺰﻳﺮﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻷﺧﺮﻭﻳﺔ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺿﺮﺑﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﻳﻤﺲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺰﺍﺋﻠﺔ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﻘﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﻗﺪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺎﺏ ﺃﻥ ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻣﺮﺿﻪ ﻣﻦ ﺍﻻﻟﺘﺰﺍﻡ ﺑﺎﻷﻭﺍﻣﺮ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﻭﺟﺪ ﺍﻟﻌﺎﻓﻴﺔ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﻨﺠﺮﻑ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻔﺎﻫﺔ ﺑﻄﻴﺶ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻭﻧﺰﻭﺍﺗﻪ ﻭﺑﺎﻟﺴﻔﺎﻫﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ.

ﺧﺎﺗﻤﺔ

ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻗﺪ ﺃﺩﺭﺝ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﺠﺰﺍً ﻻ ﺣﺪ ﻟﻪ، ﻭﻓﻘﺮﺍً ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ، ﺇﻇﻬﺎﺭﺍً ﻟﻘﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺇﺑﺮﺍﺯﺍً ﻟﺮﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ. ﻭﻗﺪ ﺧﻠﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﺄﻟﻢ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﻠﺬﺫ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ، ﺇﻇﻬﺎﺭﺍً ﻟﻠﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﻷﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ. ﻓﺄﺑﺪﻋﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺎﻛﻨﺔ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﺗﺤﻮﻱ ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻵﻻﺕ ﻭﺍﻟﺪﻭﺍﻟﻴﺐ، ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺁﻻﻣﻬﺎ ﻭﻟﺬﺍﺋﺬﻫﺎ ﻭﻣﻬﻤﺘﻬﺎ ﻭﺛﻮﺍﺑﻬﺎ ﻭﺟﺰﺍﺅﻫﺎ، ﻓﻜﺄﻥ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻛﺒﻴﺮ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﺃﻛﺜﺮُﻫﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﺃﺻﻐﺮ، ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ ﻧﺎﻓﻌﺔ -ﻛﺎﻟﺼﺤﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ- ﺗﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻭﺗﺴﻮﻕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺎﻛﻨﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻮﻇﺎﺋﻔﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺪﺓ ﺟﻬﺎﺕ، ﺣﺘﻰ ﻳﻐﺪﻭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥُ ﻛﺄﻧﻪ ﻣﺎﻛﻨﺔ ﺷﻜﺮ. ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﻭﺍﻵﻻﻡ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻤﺆﺛﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻬﻴﺠﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺮﻛﺔ، ﺗﺴﻮﻕ ﺍﻟﺪﻭﺍﻟﻴﺐَ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﺎﻛﻨﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻭﺗﺜﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﻜﻤﻨﻬﺎ ﻓﺘﻔﺠّﺮ ﻛﻨﻮﺯَ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻭﺍﻟﻀﻌﻒ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﻤﻨﺪﺭﺟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ. ﻓﻼ ﺗﻤﻨﺢ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐُ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥَ ﺍﻻﻟﺘﺠﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺎﺭﺉ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪ، ﺑﻞ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻳﻠﺘﺠﺊ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻳﺴﺘﻐﻴﺜﻪ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﻛﻞ ﻋﻀﻮ ﻣﻦ ﺃﻋﻀﺎﺋﻪ. ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﺆﺛﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻌﻠﻞ ﻭﺍﻟﻌﻘﺒﺎﺕ ﻭﺍﻟﻌﻮﺍﺭﺽ ﻳﻐﺪﻭ ﻗﻠﻤﺎً ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻗﻼﻡ، ﻓﻴﻜﺘﺐ ﻣﻘﺪّﺭﺍﺕ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻮﺡ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ، ﻭﻳﻨﺴﺞ ﻟﻮﺣﺔً ﺭﺍﺋﻌﺔ ﻟﻸﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﻋﺼﻤﺎﺀ ﻭﻟﻮﺣﺔ ﺇﻋﻼﻥ.. ﻓﻴﺆﺩﻱ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻓﻄﺮﺗﻪ.